وضع داكن
19-04-2024
Logo
منهج التائبين - الحلقة : 08 - التحذير من المجاهرة بالذنب وما عواقبها.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ زياد :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .
 أيها الأخوة المستمعون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نحييكم ، ونستهل وإياكم حلقة جديدة من برنامج : "منهج التائبين" ، أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي معنا في هذا البرنامج ، أهلاً ومرحباً بكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 فضيلة الشيخ ، حذّرنا في الحلقة الماضية من محقرات الذنوب ، أي أن يستصغر المرء الذنب ، فلا يلقي له أي بال ، وتتكاثر هذه الصغائر لتصبح كبائر ، الآن نحذر من ظاهرة أخرى ألا وهي المجاهرة بالذنب ، فما عواقب المجاهرة ؟

الفرق بين العاصي و الفاجر :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 الحقيقة كما أن الطاعات تتفاوت مراتبها ودرجاتها بحسب الأعمال ذاتها ، وبحسب العامل ، وبحسب الوقت ، وبحسب السر ، وبحسب الجهر ، فالمعاصي أيضاً تتفاوت مراتبها وآثامها عند الله عز وجل ووزرها بحسب العامل الذي فعلها ، وحرمة الزمان ، وحرمة المكان ، والجهر والإسرار .
 مبدئياً هناك من يوصف بالمعصية ، وهناك من يوصف بالفجور ، ما الفرق بين العاصي والفاجر ؟ العاصي يفطر في رمضان فيما بينه وبين الله ، غلبته نفسه ، أو شق عليه الصيام ، أما المجاهر فهو الذي يفطر أمام الملأ ، وفي الطريق ، فالذي يرتكب معصية ، ويجهر بها يرتكب معصيتين ، يرتكب المعصية ذاتها ، ويرتكب معصية أخرى وهي المجاهرة بها ، إنه حينما اجترأ على الله عز وجل ، وأظهر المعصية ، شجع ضعاف الإيمان أن يقترفوا هذه المعصية ، وأوضَحُ مثلٍ في رمضان ، قبل خمسين عاماً تقريباً لا يجرؤ إنسان أن يتناول شيئاً في نهار رمضان ، أما حينما كثر العصاة والمفطرون فقد صار تناول الطعام في نهار رمضان شيئًا سهلاً جداً ، المجاهر يشجع ضعاف الإيمان أن يقترفوا هذا الذنب ، يحملون إثمهم وإثم من قلدهم في هذا الذنب ، والمجاهر كما يقال : لا غيبة له ، اذكر الفاجر بما فيه يحذره الناس ، فهناك معصيتان ، المعصية الأساسية بحسب الشرع الإسلامي ، ومعصية أخرى هي الجهر بها ، لأن في الجهر بها تشجيعاً للناس على اقترافها ، لذلك عَنْ أَبٍي هُرَيْرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَيَقُولَ : يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 ليس في ديننا أن تعترف بذنب لإنسان أو لآخر ، اجعل هذا الذنب بينك وبين الله ، اقبل ستر الله لك ، الله عز وجل سترك ، وأبعد مكانتك عن أن تلوكها الألسن ، فلماذا يفضح الإنسان نفسه ؟ هاتان معصيتان .
الأستاذ زياد :
 حتى ولو استفتى رجال الدين أو رجال العلم الشرعي ، وقال لهم : ارتكبت ذنباً ، فما الحكم في هذا ؟

ستر النفس :

الدكتور راتب :
 يجزئه أن يسأل الشيخ المفتي عن صديق له ارتكب ذنباً ، وقد كلفه أن يسأل له عن حكم هذا الذنب ، بهذه الطريقة يستر نفسه .
الأستاذ زياد :
 قد يرتكب ذنباً آخر بأنه يرتكب كذبة ، ولو كانت صغيرة .
الدكتور راتب :
 لا ، هذا ليس كذباً مما نهى عنه الشرع ، يقول : لي صديق فعل كذا ، ما سمى اسم الصديق ، هو يواري عن نفسه ، في المعاريض مندوحة عن الكذب ، حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يهاجر مع سيدنا الصديق ، وسأل رجل الصدِّيق : من هذا الرجل ؟ وكان دمه صلى الله عليه وسلم مهدورًا ، ومئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، فقال الصدّيق : هو رجل يهديني السبيل ، فأنا حينما أقع- لا سمح الله - في معصية ، ولا أحب أن تشيع عني هذه المعصية ، وأسأل مفتياً حول حكمها ، أنا أواري بأن صديقاً لي سألني عن حكم هذا الذنب ، فما حكمه يا شيخنا العزيز ؟ الشيخ يعطي الحكم فقط ، دون أن يعرف هذا المستفتى أن الذي أمامه هو واقع في هذا الذنب ، هذا أسلوب مقبول عند الله عز وجل .
الأستاذ زياد :
 المجاهرة بالذنب هي معصية بحد ذاتها ، وفجورها اجتراء على الله سبحانه وتعالى ، ولكن ذكرتم أيضاً المعصية بحسب مكانها وزمانها ، أي للمكان حرمة وللزمان حرمة .

للمكان حرمة وللزمان حرمة :

الدكتور راتب :
 الذنب في المسجد له عقاب مضعّف ، والذنب في رمضان له عقاب مضاعف ، والتحرش بامرأة تلوذ بك له عقاب مضاعف ، الذي يزني بحليلة جاره له عذاب مضاعف ، الذي يزني بالمغيب عنها زوجها عقابه مضعف ، كما أن الطاعات تتفاوت في ثوابها بحسب التضحية، وبحسب الصبر والصوارف عنها ، كذلك المعاصي تتفاوت في إثمها ، فللزمان حرمة ، وللمكان حرمة ، وللشخص الذي عصيت الله معه حرمة .
 هذا الذي يدعّ اليتيم ذكره الله كنموذج لذنب كبير ، اليتيم ينبغي أن تحسن إليه ، فإن لم تحسن إليه فأنت بحقه عاص ، فكيف إذا ضربته ؟ فكل ذنب له مستوى .
الأستاذ زياد :
 ومن يرتكب الذنب في المسجد أو في المسجد الحرام ؟

في المسجد الحرام نية الذنب ذنب :

الدكتور راتب :
 في المسجد الحرام نية الذنب ذنب ، الله عز وجل لكرمه لا يحاسب إلا على العمل ، إلا في بيت الله الحرام .

﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾

[ سورة الحج : 25]

 هناك النية فقط ، بل إن الله عز وجل يقول :

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾

[ سورة النور: 19 ]

 ما فعل فاحشة ، ولا نطق بها ، ولا اغتاب أحداً ، لكن يتمنى من أعماقه أن تشيع الفاحشة بين المسلمين ، قال : هذا ليس مسلماً ، هو في خندق آخر غير خندق المسلمين ، هل هناك أمّ على وجه الأرض تتمنى فضيحة ابنتها ؟ فإن وجدت مثل هذه الأم فحتماً ليست أمّها ، حينما تتمنى أمٌّ شكلاً فضيحة ابنتها ، هي ليست أماً قولاً واحداً ، وكل مؤمن يتمنى أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا قولاً واحداً ليس مؤمناً ، المؤمن يغار على مجتمع المؤمنين ، يغار على سمعتهم ، لا يحب أن تشيع الفاحشة فيهم ، وهناك مجتمعات غبية تحب الفضائح ، حينما يقبضون على فضيحة يروجون لها أيّما ترويج ، فالمؤمن ستِّير ، هكذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا آخِذٌ بِيَدِهِ ، إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ ، فَقَالَ : كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى ؟ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ ، فَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ ، قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَـيَقُولُ الْأَشْهَـادُ : ﴿ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ ))

[ البخاري عن صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ]

 مما يقرب العبد إلى التوبة ، ومما يقربه من رحمة الله أنه فعل ذنباً ، ولم يظهره للناس، ، إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا ، هذا الإنسان على شيء من الخوف من الله :

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقام شنيع
لـو كان حبك صادقاً لأطعتـــــه  إن المحب لمن يحب يطيــع
***

 أنا أتمنى أن أذكر أخوتنا الشباب : قد يقول صديق لصديقه : يا فلان ، عملت البارحة كذا وكذا ، هو لا يريد أن تشيع الفاحشة ، لكن يريد أن يستأنس ، ما حكم هذا العمل ؟ ماذا أفعل ؟ حتى هذا فيه شبهة كبيرة ، لأن الشباب حينما يلتقون ، ويستمع كل منهم إلى أخطاء صديقه كأنه يستأنس بالخطأ والمعصية ، ويراها شيئًا طبيعيًّا وعامًّا وموفورًا ، أما حينما يحافظ الإنسان على بقاء المسلمين ، ويستفتي أولي العلم ، وبشكل فيه كناية لا تصريح فهذا مما يضمن سلامة المجتمع المسلم .
الأستاذ زياد :
 الستر مطلوب والسؤال مطلوب .
الدكتور راتب :
 اسأل واستتر ، فالمجاهرة بالذنب ذنب آخر ، واجتراء على الله .
 توجد ملاحظة مهمة جداً : من هذه التي إذا زنت ترجم ؟ التي تأتي وتقول : أنا زنيت .

الرجم عاقبة الزاني المحصن الفاجر الذي يزني على مرأى من الناس :

الدكتور راتب :
 معلوم لديكم أن الذي يزني وهو غير محصن يجلد مئة جلدة ، أما الذي يزني وهو محصن فيرجم حتى الموت ، لكن قد يسأل سائل : متى نقيم الحد على الزاني ؟ الزاني الذي يشهد أربعة رجال أنه زنى بشكل فاضح ، هذا الذي يزني أمام الناس ، ولا يغلق الباب ، لمجرد أن يغلق الباب نجا من عقوبة الرجم ، فعقوبة الرجم ليست للزاني المحصن ، للزاني المحصن الفاجر ، الذي يزني على مرأى من الناس .
الأستاذ زياد :
 لكن ثبت في السيرة النبوية أن أحدهم جاء لرسول الله ، وقال له : إني زنيت .
الدكتور راتب :
 هذا لا يتعارض مع ما قلت ، ذلك أن الإنسان ليس من واجبه الديني أن يعترف بذنبه ، لكن شدة الورع التي نجدها عند هؤلاء الأصحاب هي التي حملتهم أن يعترفوا بهذا الذنب، أما كإنسان مسلم عادي فهل هو مكلف إذا وقع في ذنب أن ينقله إلى الإمام ؟ لا ، ليس مكلفاً ، يقبل ستر الله له ، لكن هناك حالات خاصة ، أنا أفرق دائماً بين الحكم الشرعي وبين الحالات الخاصة ، هذا الذي اعترف بذنبه ، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجمه حتى الموت هذه حالة خاصة .
الأستاذ زياد :
 إذاً لا تعد مجاهرة ؟

تجنب البوح بالذنب إن سترك الله :

الدكتور راتب :
 لا ، هي من نوع آخر ، المسلم ليس مكلفاً أن يعترف بذنبه من دون أن يحقق معه ، لأنه قبِل ستر الله عز وجل ، هذه رحمة للعباد ، حينما أشعر أن الله ستره أعطاه فرصة .
 يروى أن أحد الرجال جاء سيدنا عمر متلبساً بالسرقة ، قال : والله هذه أول مرة ، قال : كذبت ، إن الله لا يفضح من أول مرة ، لعلها الثامنة ، فمن رحمة الله بالإنسان أنه يعطيه فرصة ، لذلك المؤمن حينما يتوب من الذنب يشعر أن الله ستره .
 سمعت أن أحد الرجال التقى سيدنا عمراً ، وكانت أخته قد زنت ، وأقيم عليها حد الجلد ، جاءها خاطب ، فاستشار عمر ، قال : يا أمير المؤمنين ، أذكر له ما كان منها ؟ قال : والله لو ذكرت له لقتلتك ، إن الله يحب الستر ، فأنا لست مكلفاً أن أبوح بذنب سترني الله به ، الحكم الشرعي شيء ، والموقف الشخصي شيء آخر .
 سيدنا الصديق حينما شرب لبناً ، وعلم أنه من مال حرام تقيّأه ، التقيؤ حكم شرعي؟ لا ، موقف شخصي .
 سيدنا عمر حينما هاجر جهاراً ، وتحدى المشركين ، هل هذا حكم شرعي ؟ لا ، الحكم الشرعي فعله النبي صلى الله عليه وسلم حينما هاجر سراً ، لو أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر كعمر ، وتحدى المشركين لعدّ اقتحام الأخطار واجباً ، و لعدّ أخذ الحيطة حراماً ، و لهلكت أمته من بعده .
 النبي صلى الله عليه وسلم مشرع ، وأنا أفرق دائماً بين الحكم الشرعي وبين الموقف الشخصي ، وقد يكون الموقف الشخصي راقياً جداً ، لكنه ليس حكماً شرعياً .
الأستاذ زياد :
 كالتي زنت ، وطلبت إقامة الحد عليها ، وقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم وعن توبتها : إنها تعدل توبة أهل المدينة .
الدكتور راتب :
 هذا صحيح ، ويسمى موقفًا شخصيًّا .
 نحن نخاطب عامة المسلمين ، لو أن إنسانًا ارتكب خطاً فليس مكلفاً أن يرفعه إلى أولي الأمر ، أما أولو الأمر إذا رُفع إليهم فلا عفا الله عنهم إن عفوا ‍، إذا رفع هذا الخطأ الموجب للحد إلى أولي الأمر ينبغي أن يقيموا حدود الله عز وجل ، أما المسلم فليس له أن يرفع ذنبه إلى أولي الأمر مادام الله قد ستره ، أنا ألح على الستر ، أربعة أخماس الطريق إلى الله حقق بالستر .
 بالمناسبة أستاذ زياد ، الإنسان لا يغفر ، لو أن إنسانًا جاهر بذنبه ، وتاب منه ، بعد حين تبقى سمعته ملوثة إلى يوم القيامة ، وتبقى صورة الذنب ماثلة عند الناس إلى يوم القيامة ، فالبطولة أن أستر الذنب الذي ارتكبته في ساعة ضعف ، فإذا تبت إلى الله قبِل الله توبتي ، وبقيت سمعتي كما هي ، لكن الحالتين اللتين ذكرتهما عن امرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم طلبت منه إقامة الحد ، وعن إنسان أيضاً طلب منه إقامة الحد ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنهما تابا توبة تسع أهل المدينة ، هذا موقف شخصي ، وأنا بينت الفرق بين الموقف الشخصي وبين الموقف الشرعي .

الدين يسع المضحّين ويسع المعتدلين :

 مرة صحابيان وقعا في أسر مسيلمة الكذاب ، فمسيلمة هذا ادعى النبوة ، قال لأحدهما : أتشهد أني رسول الله ؟ فقال : ما سمعت شيئاً ، فقطع رأسه ، وقال للثاني : أتشهد أني رسول الله ؟ فشهد له أنه رسول الله ، الآن البطولة كيف شرح النبي صلى الله عليه وسلم هذين الموقفين ؟ قال : أما الأول فقد أعز دين الله فأعزه الله ، ماذا نتوهم حال الثاني ؟ قال : وأما الثاني فقد قبِل رخصة الله ، ما كلفه الله فوق ما يطيق ، فكأن الحد الأدنى أن تنجو برأسك من قتل بسبب دينك ، لكن الحد الأعلى أن تضحي من أجل الحق ، الحد الأدنى قسري ، والحد الأعلى طوعي ، أرأيت إلى عظمة هذا الدين ؟ ما كلفك فوق ما تطيق .
 الدين يسع المضحّين ويسع المعتدلين ، يسع المتفوقين ، ويسع أصحاب القصد والتوفيق ، فأنا حينما أطالب بمعصية ، وأهدد بالقتل ، لي أن أنجو من القتل بطريقة أو بأخرى ، ولا يؤاخذني الله عز وجل ، وسيدنا عمار حينما نطق بكلمة الكفر ، قال له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : لا عليك ، فإن عادوا فعد ، وقد قال الله في حقه :

﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾

[ سورة النحل: 106]

 هذا دين الله يسع جميع الخلق .
لكن كنت مرة أعلق على هذه القصة ، أن الأول أخذ أجراً كبيراً جداً ، الذي ضحى بحياته من أجل عقيدته ، وأما الثاني فقد أخذ أجراً لكنه قليل بحسب رغبته في السلامة ، ولكل درجات مما عملوا .
 نحن نريد من هذه الحلقة أن نؤكد أن الذنب ذنب ، وأن الجهر به ذنب آخر ، وأنك لست مكلفاً أن ترفع ذنبك لأولي الأمر ، لأنك لم تعبأ بستر الله لك ، لأن الله لحكمة أرادها أعطاك فرصة لكي تتوب ، وليس في إسلامنا شيء اسمه إشاعة الفاحشة ، والاعتراف بالذنب ، الذنب نتوب منه ، ولا نشيعه بين الناس .

خاتمة وتوديع :

الأستاذ زياد :
 نسأل الله العفو والعافية والمعافاة التامة في الدين والدنيا والآخرة .
 نشكركم فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ، وأشكر الأخوة المستمعين لحسن إصغائهم ، نتابع غداً بإذن الله تعالى حديثنا الذي سيكون عن التوبة النصوح الصادقة ، حتى الملتقى لكم التحية .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور