وضع داكن
19-04-2024
Logo
منهج التائبين - الحلقة : 06 - حقيقة التوبة 2 - التوبة علم، وحال، وعمل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

  دار الفتوى إذاعة القرآن الكريم من لبنان منهج التائبين حوار يومي حول التوبة ومعانيها مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي مع تحيات زياد دندن . بسم الله الرحمن الرحيم.
الأستاذ زياد :
 بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .
 أخوة الإيمان والإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نحييكم في مستهل حلقة جديدة من برنامج : "منهج التائبين" ، أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي أحد أبرز علماء دمشق ودعاتها ، أهلاً ومرحباً بكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الدكتور راتب :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الأستاذ زياد :
 التوبة علم ، وحال ، وعمل ، وهذه هي حقيقة التوبة ، وقلنا في الأمس : إن العمل هو إصلاح لما مضى ، وإقلاع عما نحن فيه ، وعزم على ألا يتكرر ، ونعود إليه في المستقبل بإذن الله تعالى ، لنفصل هذا الأمر ، ونبدأ بموضوع استعظام الذنب ، كيف يمكن أن نستعظم الذنب ؟ ومن يستعظم هذا الذنب أهو المؤمن أم الشارد عن منهج الله تعالى ؟

منهج التوبة أن نستعظم الذنب كي يكون عند الله صغيراً :

الدكتور راتب :
 الحمد رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 الحقيقة كما قلت في حلقات سابقة : كلما صغر الذنب في نظر المذنب كبر عند الله، وكلما كبر الذنب في نظر المذنب صغر عند الله ، إذاً المنهج في التوبة أن نستعظم الذنب كي يكون عند الله صغيراً ، فمثلاً ربنا سبحانه وتعالى يصف عباده المتقين فيقول :

﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾

[ سورة الذاريات : 17-18]

 وفي آية أخرى :

﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾

[ سورة آل عمران : 16-17]

 فعلى الرغم مما هم عليه من التقوى وصلاح الحال

﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون ﴾

 فالمؤمن يرى ذنبه كبيرًا ، كيف بكم أيها الأخوة لو علمتم أن عملاق الإسلام عمر بن الخطاب ، وقد بشره الله بالجنة ، وقد أودع النبي صلى الله عليه وسلم أسماء المنافقين عند أحد أصحابه ، وهو سيدنا حذيفة بن اليمان ، كيف بهذا الخليفة الراشد عملاق الإسلام يأتي حذيفة ويقول له : يا حذيفة بربك اسمي مع المنافقين ؟ من عظم قدر الله عنده ، من شدة خوفه من الله ، فكلما عظم الذنب عند المؤمن صغر عند الله ، ذلك أن المؤمن لشدة توقيره لله ، وتعظيمه له ، يخشى أن يقع في ذنب دون أن يدري ، لذلك بعض التابعين قال : التقيت بأربعين صحابياً ، ما منهم واحد إلا وهو يخشى على نفسه النفاق ، بل إن بعض علماء القلوب يقول : إن المؤمن الصادق يتقلب في اليوم الواحد في أربعين حالاً ، والمنافق يستقر في حال واحد أربعين عامًا ، فتبدل أحواله وقلقه واضطرابه هذا دليل تعظيمه لله ، أيعقل أن يسأل عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان : بربك اسمي مع المنافقين ؟ هذا الذي يرتكب الذنوب ولا يبالي هذا ميت ، قال تعالى :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

 علامة موته أنه يرتكب الكبائر ولا يبالي ، بينما علامة حياة المؤمن أن كلمة قالها في غير محلها لا ينام الليل من أجلها ، وهذه النفس اللوامة التي أقسم الله بها ، لذلك الحديث كما ذكرت في حلقة سابقة عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ قَامَ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ :

((أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ جَاؤونَا تَائِبِينَ ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا ، فَقَالَ النَّاسُ : طَيَّبْنَا لَكَ ))

[الترمذي عن المسور بن مخرمة]

 أيها الأخوة الكرام ؛ نحن نشير إلى إيمان المؤمن بشدة خوفه من الذنب ، وباستعظام ذنبه ، ونتألم أشد الألم من إنسان يرتكب الذنوب الكثيرة ، ولا يعبأ بها ، فهذا دليل ضعف إيمانه .
 يقول الطبري : إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ، ومن عقوبته ، لأنه على يقين من الذنب ، وليس على يقين من مغفرة الذنب ، اليقين وقع به ، أما المغفرة فغير متقين أن تقع له ، أو أن يكرمه الله بها ، فالذنب متقين بينما المغفرة ليست يقينية .
الأستاذ زياد :
 فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، كيف لنا أن نعمل على إصلاح ذنوبنا التي وقعنا بها في الماضي ؟

ما من ذنب مهما كبر إلا ورحمة الله أكبر منه :

الدكتور راتب :
 واللهِ هذا سؤال وجيه جداً ، حينما يتوب العبد توبة نصوحة ينسي الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كل خطاياه وذنوبه ، إذا رجع العبد إلى الله ناد منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلانًا فقد اصطلح مع الله ، قضية أن نؤمن برحمة الله ، وأن رحمة الله وسعت كل شيء ، وأنه ما من ذنب مهما كبر إلا ورحمة الله أكبر منه ، هذا الشيء يملأ قلوبنا ثقة بالله عز وجل .

﴿لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾

[سورة يوسف: 87]

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾

[سورة الزمر : 53]

 ولكن ينبغي أن نستعظم الذنب ، لا أن نستصغره ، إذا استصغرناه كبر عند الله ، وإن استعظمناه صغر عند الله ، في صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

((إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ ، قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ : يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ ))

[البخاري عن أنس]

للنفس إقبال و إدبار :

 كأن كل مستوى من مستويات الإيمان له تصنيف للذنوب ، فالذنب الذي يرتكبه صحابي جليل قد نراه نحن حسنة ، وهو عنده ذنب ، عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ :

(( لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ ، سَاعَةً ، وَسَاعَةً ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ))

[مسلم عن حنظلة]

الأستاذ زياد :
 يخشى على نفسه من النفاق .
الدكتور راتب :
 من النفاق نعم .
الأستاذ زياد :
 فما كان جواب رسول الله ؟

((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ ، سَاعَةً ، وَسَاعَةً ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ))

 هناك من يفهم ساعة وساعة ، ساعة طاعة ، وساعة معصية ، والعياذ بالله ، ليس هذا هو المقصود ، ولكن ساعة تألق وساعة فتور ، المؤمن مستقيم على أمر الله دائماً ، لكن تأتيه ساعة تألق فيطير فرحاً بها ، وتأتيه ساعة فتور فينكمش ، لأن الله عز وجل لم يكن في مكانته الرفيعة عنده ، هذا الذي يؤلمه .
 الإمام علي كرم الله وجهه يقول : " إن للنفس إقبالاً وإدباراً " ، لم يقل إن للنفس طاعة ومعصية ، إقبال وإدبار ، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل ، وإذا أدبرت فاحملوها على الفرائض ، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا فترت همتهم ، أو ضعف إقبالهم يعدون هذا ذنباً كبيراً ، بينما بعض المؤمنين في آخر الزمان يرتكب المعصية الصارخة والواضحة واليقينية والجلية ، ويقول : الله غفور رحيم ، هذا من ضعف الإيمان .
الأستاذ زياد :
 قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 وفي رواية أخرى : أكثر من مئة مرة . فما هو استغفار رسول الله ؟ ومن ماذا يستغفر رسول الله وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟

استغفار رسول الله :

الدكتور راتب :

 لعل علماء القلوب أشاروا إلى ذنب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كلما عرف الله درجة من الدرجات ثم ارتقت معرفته إلى درجة أعلى يستحي من الله بالدرجة الدنيا ، هو يعرف الله درجات متتالية متعاظمة ، فأنت حينما تظن إنسانًا في مستوى ، وهو فوق هذا المستوى تشعر بذنب ارتكبته في حقه ، فلعل ذنب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كلما تاقت نفسه إلى معرفة الله، ورأى من كمال الله ما رأى ، ثم ارتقى إلى درجة أعلى فرأى رؤية أوسع وأشمل يستحي من الله بالدرجة التي سبقت هذه الدرجة ، هذا لعله ما يفسر أن النبي عليه الصلاة والسلام يستغفر الله من ذنبه سبعين مرة أو مئة مرة .
الأستاذ زياد :
 وهذا قد يكون تقريباً لفهم العامة من الناس بأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم عن الذنب يستغفر ، فما الحال بالنسبة لنا ؟ علينا أن نكثر من الاستغفار والتوبة ، وأن نجعل لكل ساعة توبة .

الإكثار من الاستغفار و التوبة :

الدكتور راتب :
 سأقرب هذا المعنى ، لو أن غربالاً له عين لها قُطر معين ، لو أن هذا القطر سنتيمتر ، فالبطيخ لا يمرّ عبر هذا الثقب ، جوز الهند لا يمر ، لكن يمر العدس ، فكل إنسان له مستوى في استقامته ، فهناك ذنوب لا يقترفها ، وذنوب يتساهل بها ، الأنبياء معصومون عصمة تامة عن أن يخطئوا ، كأن غربالهم سطح مستوٍ ، لكن نحن كل واحد له مستوى من الاستقامة تتناسب مع إيمانه ، فمستوى استقامته لا يمرر ذنباً معيناً ، بل يمرر ذنباً أصغر ، فنحن كمؤمنين علينا أن نستغفر من الذنوب التي اقترفناها أو مرت ، فكلما ضاقت عين هذا الغربال كلما ضاقت ثقوبه كلما ارتقى المؤمن ، وكأن الإيمان حلقة واسعة جداً ، كل من دخلها فهو مؤمن ، لكن ضمن هذه الحلقة الواسعة جداً حلقة أخرى كل من دخل في الحلقة الأخرى كان مستقيماً ، وفي هذه الحلقة الثانية مركز هم الأنبياء ، فإذا دخلوا إليها فهم معصومون ، فالأنبياء معصومون ، والأولياء محفوظون .

الفرق بين العصمة والحفظ :

 ما الفرق بين العصمة والحفظ ؟ النبي لا يخطئ لأن الله عصمه ، ولأنه يبلغ عن ربه، ولأن الله أمرنا أن نأخذ عنه ، لكن الولي كيف يكون محفوظاً ؟ أي لا تضره معصيته ، بمعنى أنه سريعاً ما يتوب منها ، وسريعاً ما يستغفر الله منها ، وهي في الأعم الأغلب في الصغائر لا في الكبائر ، وعن غير قصد وتصميم ، إذاً قالوا : النبي معصوم ، والولي محفوظ ، أما الذي يقترف المعاصي وهو يعلم أنها معاص فهذا منبوذ عند الله عز وجل .
الأستاذ زياد :
 إذاً نعود لنسأل : كيف يمكن لنا الإصلاح بالنسبة للذنوب التي وقعنا بها في الماضي ؟ الندم ، الاستغفار ، التوبة النصوح .

الإيمان والتوبة والإصلاح أفضل الطرق لمغفرة الذنب :

الدكتور راتب :
 بادئ ذي بدء ، إذا كان الذنب متعلقًا بحق آدمي ، أو بحق مخلوق كائنًا من كان فلابد من إصلاح هذا الذنب ، كدَين يجب أن تؤديه ، هناك كلمة قلتها ظلماً وعدواناً ينبغي أن أستغفره من هذه الكلمة ، فلذلك الذنب الذي وقع في الماضي يجب أن أصلحه ، والذي يلفت النظر هو أن الله عز وجل في آيات عديدة ربما تزيد على ثماني آيات قال :

﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[سورة النحل : 119]

 متى يغفر ؟ حينما تؤمن ، وتتوب ، وتصلح ، أما هذه التوبة الساذجة فلمجرد أن تقول : تبت إلى الله يتوب الله عليك ، لا ، لابد من أن تؤمن أولاً ، وأن تتوب ثانياً ، وأن تصلح الذنب ثالثاً :

﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيم ﴾

[سورة النحل : 119]

 وإلا فالفهم ساذج للتوبة ، أنا حينما أقلع عن الذنب ، وحينما أؤدي الحق الذي اغتصبته من أخي ، وحينما أستسمح منه إن تكلمت عليه في غيبته ، حينما أؤمن ، وحينما أقلع، وحينما أصلح ، أرجو الله بعد الإيمان والتوبة والإصلاح أن يغفر لي ذنبي ، هذه الحقيقة المرة ، وأنا أقول دائماً : الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح .

خاتمة وتوديع :

الأستاذ زياد :
 إذاً إصلاح لما مضى من الذنوب يكون بهذه الشروط ، وبهذه الصورة ، إقلاع عن الذنوب التي هو فيها ، وعزم على عدم العودة في المستقبل ، وهذا هو العمل ، وكما ذكرنا حقيقة التوبة علم وحال وعمل .
 نتابع غداً بإذن الله تعالى هذه السلسلة من الحوارات تحت عنوان : "منهج التائبين" ، أشكركم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أشكر الأخوة المستمعين لحسن إصغائهم ، حتى الملتقى في الغد بإذن الله تعالى لكم التحية .
 و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور