وضع داكن
23-04-2024
Logo
مختلفة - سوريا - الدرس : 66 - حلب - العبادات في الإسلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الأخوة الإيمانية:

 أيها الأخوة الكرام، أشكر هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى تعلق أهل هذه المدينة الطيبة بالعلم والعلماء، وأسأل الله عز وجل أن أكون عند حسن ظنكم، لكنني أؤكد لكم أنه لا يعقل أن يكون هناك حب من طرف واحد، الحب مشترك بيننا وبينكم هذه هي أخوة الإيمان، قال تعالى:

﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية: 63 )

 الأخوة الإيمانية أعلى أخوة على سطح الأرض وما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المسلمين فلست مؤمناً لقوله تعالى:

 

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

 

( سورة الحجرات الآية: 10 )

 إنما المؤمنون بمجموعهم، أعيد مرة ثانية ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً.
 أيها الأخوة الكرام، بادئ ذي بدء الإنسان هو المخلوق الأول في هذا الكون، الأول رتبة، لقوله تعالى:

 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

 

( سورة الأحزاب الآية: 73 )

 لأنك أيها الأخ الكريم من بني البشر فأنت عند الله المخلوق الأول، قالوا: من عرف نفسه عرف ربه، لا يليق بك أن تكون لغير الله، لا يليق بك أن تكون لغير الله.

الإسلام مجموعة قيم أخلاقية:

 أيها الأخوة الكرام، أنت المخلوق المكرم لقوله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

( سورة الإسراء )

 أنت المخلوق الأول، وأنت المخلوق المكرم، وأنت المخلوق المكلف، كلفك الله أن تعبده، والعبادة عند بعض المسلمين أو عند معظمهم يتوهمون أن تصلي وتصوم وتحج وأن تزكي، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

(( بني الإسلام على خمس ))

 

[ متفق عليه عن ابن عمر ]

 الإسلام شيء، والخمس شيء آخر، هذه دعائم، هذه أركان، لكن الإسلام بناء أخلاقي، لأن الله عز وجل حينما أثنى على النبي عليه الصلاة والسلام ؛ آتاه الوحي، آتاه المعجزات، آتاه القرآن، جعله حكيماً، جعله فصيحاً، جعله وسيماً، كل هذه الصفات لم تذكر حينما أراد الله أن يثني عليه، بماذا أثنى عليه ؟ قال تعالى:

 

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

 

( سورة القلم )

 الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، والدليل أن سيدنا جعفر التقى النجاشي وسأله عن الإسلام، قال:

 

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقة، وأمانته، وعفافه))

 

[ أخرجه الإمام أحمد عن أم سلمة أم المؤمنين ]

 إن حدثك فهو صادق، وإن عاملك فهو أمين، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف.

 

(( نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))

 

[ أخرجه الإمام أحمد عن أم سلمة أم المؤمنين ]

 مجموعة قيم أخلاقية مستندة إلى العبادات الخمس:

 

(( بني الإسلام على خمس ))

 

[ متفق عليه عن ابن عمر ]

 الإسلام مجموعة من الفضائل، مجموعة من مكارم الأخلاق معتمدة على الصلاة والصيام والحج والزكاة والنطق بالشهادة.

أدلة من السُّنة تبين أن العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية:

 أيها الأخوة الكرام، أتصور أن أخطر فكرة في هذا اللقاء الطيب أن العبادات الشعائرية الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية، والدليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، ديننا دين الأدلة، المؤمن الصادق لا يقبل شيئاً من دون دليل ولا يرفض شيئاً من دون دليل، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.

(( ابن عمر دينك دِينك، إنما هو لحمك ودمك، فانظر عمن تأخذ، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))

[ابن عدي عن ابن عمر]

 العبادات الشعائرية التي نمارسها كل يوم كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والنطق بالشهادة لا تقطف ثمرتها إلا إذا صحت العبادات التعاملية.

 

1ـ الصلاة:

 الدليل نبدأ بالصلاة:

 

 

(( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ))

 

[ مسلم عن أبي هريرة ]

 إذاً لن تستفيد من الصلاة التي هي عماد الدين وعصام اليقين وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، لن تستفيد من الصلاة ولن تقطف ثمارها إلا إذا استقمت على أمر الله، حديث آخر:

 

(( يؤتى برجال يوم القيامة، لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثورا قيل: يا رسول الله جلّهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

 

[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]

 لذلك، من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله. البطولة أن تطيعه وأنت بمفردك في البيت، أن تطيعه من دون أن تخشى لوماً أو ترجو ثناءً:

 

(( يؤتى برجال يوم القيامة، لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثوراً قيل يا رسول الله جلّهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

 

2ـ الصيام:

 الصيام:

 

((من لم يدع قول الزور والعمل به ))

 

[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة ]

 الغش بكل أنواعه، بضاعة من بلد لا ترقى إلى مستوى البلد المتطور في الصناعة أنت كتبت على هذه البضاعة بأنها صنع بلد قوي جداً في الصناعة، هذا قول زور، والله كل أنواع الغش من دون استثناء تدخل بهذه الكلمة:

 

((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))

 

[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة ]

(( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ))

[أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ]

3ـ الحج:

 الحج:

 

(( إذا ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك، ينادى: أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))

 

[ ورد في الأثر ]

4ـ الزكاة:

 إذا كان ماله حرام، الزكاة:

 

﴿ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53) ﴾

 

( سورة التوبة الآية: 53 )

 أيها الأخوة، أخطر حقيقة وأنا أؤمن أن الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح، ما لم تستقم على أمر الله لن تقطف أية ثمرة من عباداتك، ما لم تستقم على أمر الله لن تستطيع أن تقطف أية ثمرة من عبادتك:

 

(( وركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ))

 

[ الجامع الصغير عن أنس ]

 وإنسان موصول بالله، حال واحد في ألف أبلغ من قول ألف في واحد، أي ألف إنسان ليس مستقيماً، ليس متصلاً، يتكلم بفصاحة، ببيان، بأدلة، بشواهد، تحليل عميق، حال واحد في ألف أبلغ من قول ألف في واحد.

 

5 ـ الشهادة:

 من هذه الجولة السريعة في العبادات بقيت الشهادة:

 

 

(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها ؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله ))

 

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

العبادة التعاملية:

 إذاً العبادات الشعائرية الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والنطق بالشهادة، لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية، العبادة التعاملية ؛ صدق، وأمانة، وعفة، ووفاء بالعهد، إنجاز بالوعد، حلم، رحمة.
 أيها الأخوة الكرام، في الحديث الشريف:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]

 المسلمون اليوم مليار وخمسمئة مليون ليست كلمتهم في الأرض هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، دققوا:

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ﴾

 

( سورة النور الآية: 55 )

 وزوال الكون أهون على الله من ألاّ يحقق وعوده للمؤمنين:

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ﴾

 

( سورة النور الآية: 55 )

تعريف المستخلفين:

 بربكم والحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح، هل نحن مستخلفين في الأرض:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾

( سورة النور الآية: 55 )

 الشرط:

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

 إذا أخل الفريق الثاني بما أوجبه الله عليه من عبادة فالله جل جلاله في حل من وعوده الثلاث، لذلك قال تعالى:

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾

 

( سورة مريم )

 وقد لقينا ذلك الغي.

الحاجة العليا للإنسان معرفة الله:

 أيها الأخوة الكرام، العبادات الشعائرية كالصيام والصلاة والحج والزكاة والشهادة لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادة التعاملية هذه الحقيقة الأولى في هذا اللقاء الطيب.
 الشيء الثاني الله عز وجل في أول كلمة، في أول آية، في أول سورة من القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾

( سورة العلق )

 اطلب العلم، أنت إنسان بحاجة إلى الطعام والشراب، هذه حاجة دنيا، بحاجة إلى زوجة هذه حاجة دنيا، بحاجة إلى مال هذه حاجة دنيا، وهناك حاجة عليا أن تعرف الله:

 

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

 

[من مختصر تفسير ابن كثير]

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري، أهل مودتي، أهل شكري، أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))

[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

 خلقت لك ما في الكون من أجلك فلا تتعب، وخلقتك من أجلي فلا تلعب، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك.

الله عز وجل ما أراد أن تكون علاقتنا به علاقة قهر ولا إكراه بل علاقة حبّ:

 أيها الأخوة، القضية أن تعرف الله، إن عرفته عرفت كل شيء:

 

(( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات بين يديه ))

 

[ رواه ابن عساكر عن كعب بن مالك ]

(( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ))

[الترمذي عن أنس]

 الإنسان هو المخلوق الأول، والمخلوق المكرم، والمخلوق المكلف، كلفك أن تعبده، والعبادة في أدق معانيها طاعة طوعية، الله عز وجل مع أننا جميعاً في قبضته ما أراد أن تكون علاقتنا به علاقة قهر ولا إكراه، أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب:

 

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

 

( سورة المائدة الآية: 54 )

 أرادك أن تأتيه طائعاً، أرادك أن تأتيه بمبادرة منك، أرادك أن تحبه:

 

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

 

( سورة المائدة الآية: 54 )

 لذلك قال تعالى:

 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 165 )

 وهذا هو الحب الحقيقي، هذا هو الحب الذي:

 

(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنؤوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))

 

[ ورد في الأثر ]

الإسلام الحقيقي فيه جانب سلوكي حركي:

 أيها الأخوة الكرام، الإنسان المخلوق المكلف، والعبادة طاعة طوعية وليست قسرية، لأن الأقوياء يطاعون قسراً أما خالق السماوات والأرض، الرحمن الرحيم، الذات الكاملة، الواحد الأحد الفرد الصمد، أرادك أن تعبده طائعاً، أرادك أن تعبده محباً، أرادك أن تعبده بمبادرة منك، لذلك قال العلماء: ما عبد الله من أطاعه ولم يحبه، كما أنه ما عبد الله من أحبه ولم يطعه.
 والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، عبادة القلب أن تحب الله، لذلك هناك حقائق الإيمان وهناك حلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان تجعلك شجاعاً، تجعلك في سعادة لا تستطيع سياط الجلادين اللاذعة ولا سبائك الذهب اللامعة أن تصرفك عنها:

فلو شاهدت عيناك من حسـننا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حُسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
ولو ذقت من طعم المحـبَّة ذرةً  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمةٌ  لمـُت غريباً واشـتياقاً لقربـنا
ولو لاح من أنوارنا لـك لائحٌ  تركــت جميع الكـائنات لأجلنا
فما حبنا سهلٌ وكل مـن ادعى  ســهولته قلنا له قد جهـلتنـا
* * *

 أيها الأخوة الكرام، هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية. هذا التعريف الدقيق فيه جانب سلوكي حركي، ليس هناك إسلام أساسه الإعجاب السلبي، الإسلام عظيم، دين عظيم، قرآن كريم، وحي الله عز وجل، إعجاب سلبي من دون حركة لا قيمة له إطلاقاً:

 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾

 

( سورة الأنفال الآية: 72 )

 ما لم تتحرك، ما لم تعطي لله وتمنع لله، وتصل لله وتقطع لله، وترضى لله وتغضب لله، ما لم تتحرك، ما لم تأخذ موقفاً فلست مؤمناً، لا يوجد إيمان أساسه الإعجاب السلبي، لا يفعل شيء لكنه معجب بالدين، الدين من دون استقامة، ثقافة، خلفية إسلامية، عنده أرضية إسلامية، عنده شعور إسلامي، عنده اهتمامات إسلامية، هذه الأقواس الإسلامية، زخرفة إسلامية، فن إسلامي، والإسلام شيء آخر، الإسلام أن يراك عند الحلال والحرام، أن يراك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، هذا هو الإسلام، أن يراك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإن أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل. إن طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.

اطلب العلم من أجل أن تؤمن:

 أيها الأخوة الكرام، العبادة علة وجودنا على وجه الأرض، صدقوا ولا أبالغ أن بنود العبادة تقترب من مئة ألف بند، ويتوهم الناس أن الإسلام خمس بنود صوم وصلاة وحج وزكاة وشهادة، كيف تكسب مالك عبادة، كيف تنفق مالك عبادة، كيف تربي أولادك، كيف تختار زوجتك، كيف تعامل والديك، كيف تنفق المال في مباح، في حرمة، بنود الإسلام بنود كبيرة جداً، الإسلام منهج كامل للإنسان في كل مناحي حياته بدءاً من فراش الزوجية وانتهاءً بالعلاقات الدولية، منهج كامل. لذلك أيها الأخوة الكرام، في أول كلمة، في أول آية، في أول سورة من القرآن الكريم قال تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾

( سورة العلق )

 اطلب العلم من أجل أن تؤمن، من أجل أن يكون إيمانك إيماناً كما أراد الله، هذه القراءة الأولى قراءة بحث وإيمان، الله عز وجل يقول:

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)﴾

 في رأس الإنسان ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد، وشريان، وعصب، وعضلة، وغدة صبغية، وغدة دهنية.
 في العين، الشبكية لا يزيد حجمها عن ميلي وربع، مئة مليون مستقبل ضوئي، في أعلى آلة تصوير رقمية يوجد في الميليمتر المربع عشرة آلاف مستقبل ضوئي، بينما في الميليمتر المربع في الشبكية مئة مليون مستقبل ضوئي:

 

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ﴾

 

(سورة البلد )

أمثلة من الواقع عن عظمة الخالق:

 في فلندا، درجة الحرارة هناك تسع وستون تحت الصفر، يشتري قبعة، وقفازات، وألبسة داخلية صوفية، وثياب صوفية سميكة، ومعطف، ولحشة، يشتري كل هذا، لكن هل يستطيع أن يغطي عينه ؟ يريد أن يمشي، والعين فيها ماء، والماء على تماس مع تسع وستين درجة تحت الصفر، فبحسب قوانين الفيزياء إذاً ينبغي على كل إنسان يسكن في هذه البلاد أن يفقد بصره، أودع الله في العين مادة مضادة للتجمد، حكمة من ؟ قدرة من؟ رحمة من ؟ علم من ؟
 الطفل الآن ولد ما إن يخرج من بطن أمه، المص آلية معقدة، ضع شفتيك على حلمة أمك، وأحكم الإغلاق، واسحب الهواء، لولا هذا المنعكس لما كان هذا اللقاء، ولا كان هذا المسجد، ولا حلب، ولا دمشق، ولا سوريا، ما كان إنسان في الأرض، لولا هذا المنعكس أي المص، ولحكمة بالغة الله عز وجل حتى يعلمنا يجعل طفلاً كل خمسمئة ألف طفل بدون منعكس مص يموت، لا يوجد قوة في الأرض تعلمه المص، هل يقنعه يا أبي الله يرضى عليك ضع شفتيك على حلمة أمك وأحكم الإغلاق واسحب الهواء من أجل أن تأكل، يد من ؟ يد الله عز وجل.
 في رحم الأم لا يوجد هواء، والرئتان معطلتان من أجل الدورة الدموية، الله فتح بين الأذينين ثقباً ينتقل الدم من أذين إلى أذين، هذا الثقب كشفه عالم فرنسي اسمه بوتال، هذا الثقب عند الولادة تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب، يد من ؟ أحياناً الله عز وجل يترك ثقباً كل خمسمئة ألف ولادة تكلف عملية إغلاقه أربعمئة وخمسين ألفاً وقد لا تنجح لسد هذا الثقب.

آيات مذهلة تتجلى فيها حكمة الله سبحانه:

 أيها الأخوة الكرام، توجد آيات مذهلة:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) ﴾

( سورة البلد )

 هذا اللسان كل حرفٍ تنطق به يُسْهِمُ في صنعه سبع عشرَة عضلة، فإذا نطقت بكلمة مكوَّنة من خمسة حروف ضرب سبعة عشر، والجملة خمس كلمات، والدرس ساعة، كم عضلة تحركت ؟

 

﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾

 

 

( سورة الرحمن )

 وقال:

 

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾

 

( سورة العلق )

 هذا القلب، قلب الإنسان في عمر متوسِّط يضخُّ دماً يملأ أعلى ناطحة سحاب في العالم، يضخ بكل يوم ثمانية أمتار مكعبة، تحتاج في السنة إلى ألف لتر وقود، أي متر مكعب، هذا القلب يضخ كل يوم ثمانية أمتار مكعبة، من صممه ؟ الله عز وجل.
 العصب الشمي يتفرع إلى عشرين مليون عصب، وفي كل عصب سبعة أهداب، هذه الأهداب مغمسة بمادة تتفاعل مع الرائحة، من تفاعل المادة مع الرائحة يتشكل شكلاً هندسياً هو رمز مكعب، اسطوانة، موشور، هذا الشكل ينتقل إلى الدماغ، إلى الذاكرة الشمية، يوجد في الذاكرة الشمية عشرة آلاف بند، يعرض هذا الرمز على هذه البنود بنداً بَنداً حيثما كان التطابق اكتشفت أن في الطعام كمون، كيف عرفت أن في الأكل كمون ؟ لأن العصب الشمي أخذ رائحة الكمون وتفاعل معها وشكل شكلاً هندسياً، نقل على الدماغ، عرض على الذاكرة الشمية، تطابق الشكل مع شكل آخر ثابت فقلت يوجد كمون، هل وضعتم نعنع مثلاً في الشاي ؟ قال تعالى:

 

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

 

( سورة التين )

 وأنت نائم، غارق في النوم، يتجمع اللعاب في فمك، تذهب رسالة من الفم إلى الدماغ كثر اللعاب، يأتي أمر من الدماغ إلى لسان المزمار، تغلق القصبة الهوائية يفتح المريء، تدفع بلعابك إلى المعدة وأنت مستغرق في النوم، أما عند طبيب الأسنان تحتاج إلى شراقة، صنعة من ؟ حكمة من ؟ الله جل جلاله.

دور جهاز المناعة المكتسب في حماية جسم الإنسان:

 أيها الأخوة الكرام، يوجد في جسم الإنسان جيش بكل معاني الكلمة، اسمه جهاز المناعة المكتسب الذي هو حديث العالم اليوم، مؤلف من خمسة فرق عسكرية، أول فرقة اسمها فرقة الاستطلاع، ومهمتها استخباراتية فقط، وبكل جيش قيادة الاستطلاع، هذا أهم قسم في الجيش، المعلومات كلها عنده، الكريات البيضاء، إذا دخل جرثوم إلى الجسم تتجه إليه، لا تحاربه إطلاقاً، مهمتها استطلاعية، مهمتها معلوماتية، تأخذ شفرته الكيماوية، وتعود إلى مركزها، وتسلم هذه الشيفرة إلى فرقة ثانية مكلفة بصنع الأسلحة ؛ المصول.
 الأولى استطلاعية، الثانية تصنيع سلاح، عندنا فرقة ثالثة فرقة المقاتلين، مشاة البحرية، كريات بيضاء تحمل السلاح وتقاتل الجرثوم، طبعاً يوجد ساحة معركة، جثث، دماء، وعندنا فرقة رابعة فرقة الخدمات تنظف ارض المعركة وتقيم الجسور.
 كشف عالم عام سبعة وستين فرقة خامسة فرقة المغاوير، هذه تكتشف الخلية السرطانية في وقت مبكر جداً وتلتهمها، وكل خلية والفضل لله لها قامع، يمنع تفعيلها. أيها الأخوة الكرام، ما الذي يفك القامع ؟ الشدة النفسية، الخوف، القلق، المؤمن وأنا أعني ما أقول ليس عنده شدة نفسية، علاقته مع الله، علاقته مع واحد، الإله معك يشاهدك:

﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) ﴾

( سورة طه )

 إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
شيء دقيق جداً، فيا أيها الأخوة الكرام، فرقة الاستطلاع، وفرقة تصنيع السلاح، وفرقة المقاتلين، وفرقة الخدمات، وفرقة المغاوير. يفك القامع الشدة النفسية، يفك القامع المواد البترولية، يفك القامع المواد البلاستكية، شيء حار في كأس بلاستيكي خطأ، الحرارة تذيب بعض مكونات الكأس، شيء حامضي بوعاء بلاستكي.

جهاز المناعة المكتسب يقويه الحب والأمن:

 يوجد في الأرض طغاة، جبابرة، أسلحة فتاكة، قنابل عنقودية، قنابل حارقة، قنابل جرثومية، كما تسمعون، لا تخاف كلها بيد الله:

(( لا يرجو عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه ))

[ مسند الفردوس عن علي بن أبي طالب ]

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ﴾

( سورة هود )

 جهاز المناعة المكتسب يقويه الحب، أن تحب الله، يقويه الأمن، والأمن النعمة الأولى التي يتمتع بها المؤمن، الدليل:

 

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(82)﴾

 

( سورة الأنعام )

 ما قال أولئك الأمن لهم ولغيرهم.

 

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

 عبارة قصر وحصر.

 

 

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

 

قراءات في القرآن الكريم:

1 ـ قراءة البحث والإيمان:

 أيها الأخوة الكرام:

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)﴾

 قراءة البحث والإيمان.

 

2 ـ قراءة الشكر والعرفان:

 قال تعالى:

 

 

﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) ﴾

 

( سورة العلق )

 الأكرم، قراءة الشكر والعرفان، الله عز وجل سخر لك هذا الكون تسخير تعريف وتسخير تكريم، رد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، قال تعالى:

 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾

 

( سورة النساء الآية: 174 )

 لأنه سخر لك الكون تسخير تعريف ينبغي أن تؤمن، ولأنه سخر لك الكون تسخير تكريم ينبغي أن تشكر، هذه القراءة الثانية.

 

3 ـ قراءة الوحي والإذعان:

 أول قراءة قِراءة بحث وإيمان، القراءة الثانية قراءة شكر وعرفان، القراءة الثالثة:

 

 

﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾

 

( سورة العلق )

 قراءة الوحي والإذعان، أيها الأخوة الكرام، كل شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به بالوحي، أصبح عندنا معرفة حسية، أدواتها الحواس الخمس، ومعرفة عقلية أداتها العقل، ومعرفة إخبارية أداتها إخبار الله عز وجل.

 

4 ـ قراءة العدوان والطغيان:

 أول قراءة قِراءة بحث وإيمان، القراءة الثانية قراءة شكر وعرفان، القراءة الثالثة قراءة الوحي والإذعان، ونعوذ بالله من القراءة الرابعة قراءة العدوان والطغيان، تتعلم كي تفني الشعوب، قنابل جرثومية، قنابل حارقة، خارقة، عنقودية، قنابل تلغي الطاقات من أجل أن تبيد الشعوب، لذلك ضرب الله مثلاً للأمم الطاغية قوم عاد، قال تعالى:

 

 

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) ﴾

 

( سورة الفجر )

تفوقت عاد في جميع الميادين ولكنها تغطرست وتجبرت:

 تفوقت عاد في شتى الميادين، ذلك أن الله ما أهلك قوماً إلا وذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوة إلا قوم عاد حينما أهلكهم، قال تعالى:

 

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾

 

( سورة فصلت الآية: 15 )

 أي أن قوم عاد ما كان فوقها إلا الله:

 

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) ﴾

 

( سورة الفجر )

 ماذا فعلوا ؟ أمة تفوقت عمرانياً مذهل:

 

﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ﴾

 

( سورة الشعراء )

 تفوقت صناعياً:

 

﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾

 

( سورة الشعراء )

 تفوقت عسكرياً:

 

﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾

 

( سورة الشعراء )

 تفوقت علمياً:

 

﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾

 

( سورة العنكبوت )

 بنائي، عسكري، صناعي، علمي، ومع هذا التفوق الغطرسة:

 

﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾

 

( سورة فصلت الآية: 15 )

 الموازنة سهلة جداً مع عاد الثانية وليس الأولى، شيء آخر، ماذا فعلوا ؟ قال تعالى:

 

﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾

 

( سورة الفجر )

 ما قال: طغوا في بلدهم، في كل البلاد:

 

﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾

 

( سورة الفجر )

 أي البنتاغون يقصف وهوليوود تفسد، طغوا وأفسدوا،

﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)َ ﴾

﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ(13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) ﴾

( سورة الفجر )

 العذاب آتيهم إن شاء الله.

الإنسان قد يطغى بالعلم:

 أيها الأخوة الكرام، قال تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى ﴾

( سورة النجم )

 أنتم تجار، إذا قال لك أحد الزبائن: هذه الدفعة الأولى، أي هناك دفعة ثانية، عندما قال الأولى أي يوجد واحدة ثانية:

﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى ﴾

 بماذا أهلكهم ؟

 

﴿ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) ﴾

 

( سورة الحاقة )

 كم قراءة معنا ؟ أول قراءة قِراءة بحث وإيمان، القراءة الثانية قراءة شكر وعرفان، القراءة الثالثة الوحي والإذعان، القراءة الرابعة العدوان والطغيان، قال تعالى:

 

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾

 

( سورة العلق )

 وقال:

 

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) ﴾

 

( سورة العلق )

 يطغى بالعلم.

كلّ أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب:

 أيها الأخوة الكرام، خلقنا من أجل العبادة وهي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، الله عز وجل يقول:

﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾

( سورة يونس الآية: 101 )

 كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب،

﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾

 أيها الأخوة الكرام، أقرب نجم ملتهب بعده عنا أربع سنوات ضوئية، من أجل أن تعرفوا ماذا تعني أربع سنوات ضوئية ؟ الضوء سرعته ثلاثمئة ألف كم في الثانية، ضرب ستين في الدقيقة، ضرب ستين في الساعة، ضرب أربع وعشرين في اليوم، ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين في السنة، ضرب أربعة، ابنك الصغير مع آلة حاسبة يحسب هذا الرقم، لو في طريق لهذا الكوكب معبد ومعنا مركبة أرضية وسرعتنا مئة، قسّم هذه المسافة على مئة الناتج كم ساعة ؟ قسّم على أربع وعشرين كم يوم ؟ قسّم على ثلاثمئة وخمسة وستين كم سنة ؟ من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب نحتاج إلى خمسين مليون عام، متى نصل إلى نجم القطب يبعد عنا أربع سنوات لأربع آلاف سنة ؟ متى نصل إلى نجم المرأة المسلسلة تبعد عنا مليونا سنة ضوئية ؟ متى نصل إلى نجم اكتشف حديثاً يبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ؟ الأربع سنوات ضوئية تحتاج إلى خمسين مليون عام. اقرأ القرآن:

 

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) ﴾

 

( سورة الواقعة )

 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾

 

( سورة فاطر الآية: 28 )

آيات أخرى دالة على عظمة الله تعالى:

 بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، عندما تنظر إلى غياب الشمس، تكون قد غابت منذ ثماني دقائق، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، والمسافة من دمشق إلى حلب أربع ساعات في السيارة، من دمشق إلى موسكو، إلى القطب، شيء غير معقول، جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، في نجم اسمه قلب العقرب، قال تعالى:

﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾

( سورة البروج )

 الأرض في دورتها حول الشمس تمر بثمانية بروج، أحد هذه البروج برج العقرب، برج العقرب فيه نجم صغير متألق أحمر اسمه قلب العقرب، هذا النجم الصغير المتألق يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما:

 

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

 

( سورة لقمان الآية: 11 )

 هذا الإله العظيم يعصى، هذا الإله العظيم ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟

 

فيا خجلي منه إذا هـو قال لي  أيا عبدنــا ما قرأت كتابنــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى  أما تختشي من عتبنا يوم جمعنـا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً  وتنظر ما به جـاء وعدنــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـاً  وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
وجدناك مضطراً فقلنا لك ادعُنا  نجـــبك فهل أنت حقاً دعوتنـا
دعوناك للإحسان أعرضت نائياً  فهل تلقى من يحسن لمثلك مثلنـا
* * *

 

أساليب يستخدمها الله تعالى إن لم يستجب الإنسان للحق:

 أيها الأخوة الكرام، الإنسان إذا كان قلبه ينبض والله ذكره بالحق يجب أن يستجيب، لأن الله عنده أربع أساليب.
دعوة بيانية ؛ يسمع خطبة، يسمع درساً، يقرأ كتاباً، يشاهد ندوة، يسمع محاضرة، وأنت صحيح معافى، ونبضك ثمانين، وضغطك ثمانية، اثني عشر، وليس عندك مشكلة، وعندك بيت وسيارة وزوجة وأولاد وكل شيء، سمعت درس دين، سمعت خطبة جمعة، قرأت كتاباً إسلامياً، هذه الدعوة البيانية وأنت صحيح يجب أن تستجيب، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية: 24 )

 إذا لم يستجب ما الذي يحدث ؟ قال له الطبيب: عندك التهاب معدة حاد بحمية شديدة تشفى من هذا المرض، قال له: لا أريد، أريد أن آكل ما أشاء، في عملية جراحية، إن لم تقبل بالحمية فهناك عملية جراحية.

 

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾

 

( سورة آل عمران )

 أيها الأخوة الكرام، كل دروسي درس الجمعة، الأحد، الخطبة، في الانترنيت نصاً وصوتاً، الموقع من فضل الله يرتاده في اليوم عدد كبير جداً، أنا معكم بكل دروسي وخطبي، إن شاء الله نلتقي بكم لقاءً ثانياً.

 

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور