وضع داكن
19-04-2024
Logo
مختلفة - سوريا - الدرس : 34 - دوما - أدب الاختلاف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنني أيها الأخوة الكرام أشكركم على هذه الدعوة الكريمة وأرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون عند حسن ظنكم، فالله سبحانه وتعالى هو الموفق.
 أيها الأخوة الكرام:
 بادئ ذي بدء الله جل جلاله يقول:

﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)﴾

( سورة الليل )

 البشر متفاوتون في أهدافهم وفي وسائلهم، ولكن الله سبحانه وتعالى لخص اتجاهات البشر في اتجاهين، وجعل الخلق كلهم في زمرتين فقال تعالى:

 

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾

 

( سورة الليل )

 ما الحسنى ؟ هي الجنة، البشر زمرتان أعضاء الزمرة الأولى آمنوا بحسب وحي السماء أنهم مخلوقون للجنة، مقتضى هذا الإيمان أنهم اتقوا أن يعصوا الله عز وجل ومقتضى هذا الإيمان أن يدفعوا ثمن الجنة في الدنيا لخدمة الخلق، فأعضاء هذه الزمرة بنوا حياتهم على العطاء، بينما الزمرة الثانية آمنت بالدنيا وكذبت بالحسنة، لذلك استغنت عن طاعة الله عز وجل وبنت حياتها على الأخذ، يمكن أن تنتظم هذه الآيات على البشر كلهم.

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾

 الله عز وجل مكافأة لهذا الذي أيقن بوعد الله عز وجل، وآمن بالغيب فاتقى أن يعصيه وتقرب إليه بخدمة خلقه هذا الإنسان يتولاه الله وييسر له طريق الجنة التي خلق لها.
 وأما الزمرة الثانية: كذبت بالحسنة، آمنت بالدنيا، فاستغنت عن طاعة الله وبنت حياتها على الأخذ فلم تيسر لطريق الجنة الذي خلقت له.
 أيها الأخوة:
 يمكن أن ترى تناقضاً كبيراً بين هؤلاء وبين هؤلاء، هؤلاء أمنوا بالحسنى وهؤلاء أمنوا بالدنيا، هؤلاء انضبطوا بمنهج الله عز وجل، وهؤلاء تفلتوا من منهج الله هؤلاء بنوا حياتهم على الإحسان، وهؤلاء بنوا حياتهم على الأخذ والإساءة.
إذاً: يمكن أن تشاهد في الأرض نموذجين:
 الأول: تعرف إلى الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسعد في الدنيا والآخرة.
 الثاني: غفل عن الله تفلت من منهجه فأساء إلى خلقه فشقي في الدنيا والآخرة لا شك أن بين هذين النموذجين بون شاسع، نسأل الله جلل أن نكون من النموذج الأول.

 

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾

 وعندئذٍ نسأل الله أن ييسر لنا طريق الجنة.
 أيها الأخوة الكرام:
 موضوع هذه المحاضرة: أدب الاختلاف، أول حقيقة في هذه المحاضرة أنك إذا وجدت اختلافاً في اجتهادات المجتهدين فهذا اختلاف غناً وتنوع وليس اختلاف تناقض وتضاد فرق كبير بين أن يكون الاختلاف اختلاف غناً وتنوع وبين أن يكون الاختلاف اختلاف تناقض وتضاد.
 الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً لدى أخوتنا الأكارم أن في الإنسان ثوابت أي إنسان في مكان، في زمان، في أية ثقافة، في أي نظام، في ثوابت، هذه الثوابت غطيت بنصوص قطعية الدلالة، النص أيها الأخوة إما أن يكون قطعي الدلالة وإما أن يكون ظني الدلالة، فإذا قال الله عز وجل:

 

 

﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾

 

( سورة الأنعام الآية: 72 )

 هذا نص قطعي الدلالة لا يحتمل أي معناً آخر، فالثوابت في الإنسان مغطاة بنصوص قطعية الدلالة لا تحتاج هذه النصوص لا إلى مفسر، ولا إلى فقيه، ولا إلى مجتهد الأشياء التي تدمر سعادته محرمة عليه بنصوص قطعية الدلالة، والأشياء التي تسعده مأمور بها بنصوص قطعية الدلالة، فأساسيات الدين، محرمات الدين، فرائض الدين ليس فيها اختلاف إطلاقاً، مغطاة بنصوص قطعية الدلالة، ولكن في الإنسان متغيرات، بحسب الأحوال والأوقات والأمكنة، هذه المتغيرات مغطاة بنصوص ظنية الدلالة، معنى النص قطعي الدلالة إذا قلت لواحد أعطي فلاناً 1500 درهم، هذا النص لا يحتمل معنيين أبداً هذا النص قطعي الدلالة، الفرائض والمحرمات أي الثوابت في الإنسان مغطاة بنصوص قطعية الدلالة لا اختلاف فيها، ولا تحتاج إلى اجتهاد، ولي موضع اختلاف، أما المتغيرات في الإنسان فهي مغطاة بنصوص ظنية الدلالة، الله عز وجل أمرنا بأداء الزكاة، هل نؤدي الزكاة نقضاً أم عيناً، هذه متغيرات، لو كنت في قرية وأديت زكاة مالك قمحاً هذا القمح مادة أساسية جداً في القرية، أما إذا أديت زكاة مالك قمحاً لمن يسكن بالمدينة ماذا يفعل بهذا القمح أين سيغسله، وأين سنشره، ومن سطحنه له، ومن يخبزه له، في بعض الأحوال ينبغي أن تؤدى الزكاة نقضاً، وفي بعض الأحوال يمكن أن تؤدى الزكاة عيناً، فابختلاف البيئات والأوقات والأحوال والأزمنة يمكن أن تتنوع الأحكام.
 إذاً: اختلاف الأحكام الشرعية ليس اختلاف تناقض وتضاد بل هو اختلاف تنوع ورحمة، المرأة التي لم يتح لها أن تطوف طواف الإفاضة وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج، وقد أصابها ما يصيب النساء من دورة تمنع صلاتها، وتمنع طوافها، ماذا تفعل عند الأحناف عليها أن تتصدق ببدنة بـ100 ألف ليرة، وعند السادة الشافعية عليها أن ينتظرها قومها، تغدو أميرة الركب، وعند السادة المالكية تطوف البيت ولا شيء عليها، لو أن امرأة موسرة بإمكانها أن تطعم عشرات الفقراء بهذه البدنة، فإذا تصدقت ببدنة أجزأتها عن طواف الإفاضة، وإذا كانت المرأة مع زوجها وابنها في جدة مثلاً ينتظرها قومها أسبوعاً إذاً تغدو أميرة الركب وبعدها تطوف طواف الإفاضة، فإذا كانت فقيرة ملحقة بفوج لا ينتظرها ولا تملك ثمن الإقامة الزائدة هذه عند الإمام مالك تطوف البيت ولا شيء عليها فبربكم هل هذا الاختلاف بالأحكام الشرعية اختلاف تضاد وتناقض أم هو اختلاف رحمة اختلاف غناً، اختلاف تنوع.
 إذاً: في الأصول في الفرائض في المحرمات النصوص قطعية الدلالة لا تحتمل اجتهاداً ولا اختلافاً ولا تفسيراً ولا مرجعاً، إن الله يحب الصادقين، المؤمن لا يكذب، أما في المتغيرات بحسب طبيعة الحياة، بحسب المعطيات، بحسب البيئات، بحسب الأزمنة بحسب الأمكنة، بحسب التطورات، هذه الأحكام تتغير لأنها مغطاة بنصوص ظنية الدلالة.
 ما معنى نص ظني الدلالة ؟ أي يحتمل معنيين أو أكثر، فإذا قلت لواحد أعطي فلاناً ألف درهم ونصفه كم المبلغ ؟ إن أعدنا الهاء إلى الألف المبلغ 1500 ليرة وإن أعدنا الضمير إلى الدرهم المبلغ ألف ونصف درهم، فكلمة أعطي فلاناً ألف درهم ونصفه هذه عبارة ظنية الدلالة، هذه عبارة احتمالية يصح بها معنيان، الإنسان إذا نطق بعبارة ظنية الدلالة يقصد معناً واحداً ولكن لضعفه في اللغة جاءت عبارته فضفاضة، لكن سيد الخلق أحياناً إذا تكلم بعبارة ظنية الدلالة فالمقصود كل احتمالات هذه العبارة، توسعة على الخلق ورحمة بهم.
 أيها الأخوة الكرام:
 الاختلاف قد يكون طبيعياً، لو أننا في التاسع والعشرين من رمضان استمعنا إلى صوت يشبه المدفع اخلفنا، لقد أثبت أن يوم الغد أول أيام عيد الفطر نقص المعلومات يؤدي إلى اختلاف، فلو فتحنا المذياع ولم نجد أي خبر يعلن أن اليوم التالي أول أيام عيد الفطر معنى ذلك أن هذا المدفع ليس مدفع الإفطار لكنه مدفع آخر، نقص المعلومات قد يؤدي إلى الاختلاف، هذا الاختلاف طبيعي ليس محموداً ولا مذموماً لكن الاختلاف القذر هو اختلاف الأهواء والمصالح، اختلاف الشهوات، اختلاف المكاسب.

 

﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾

 

( سورة البينة الآية: 4 )

﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾

( سورة الشورى الآية: 14 )

 اختلفوا، لا على نقص في المعلومات، المعلومات جاءت، ولكن اختلاف أهواء اختلاف مصالح، الآن المسلمون إلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، وأهدافهم واحدة ومع ذلك يختلفون، نسأل الله جل جلاله ألا يكون اختلافهم اختلاف مصالح لأن هذا الاختلاف ينقضه الله عز وجل.
 شيء آخر أيها الأخوة: هناك اختلاف محمود هو اختلاف التنافس:

 

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾

 

( سورة المطففين )

 إنسان يرى أن أفضل شيء تأليف الكتب، وإنسان يرى أن أفضل شيء إلقاء الدروس، هناك من يؤلف القلوب وهناك من يؤلف الكتب، وإنسان يرى أن أفضل شيء عمارة المساجد، وإنسان يرى أن أفضل اختصاص تفسير القرآن الكريم، وإنسان يرى أن أفضل فرع في الدين معرفة الحديث الشريف، وإنسان يرى أن الفقه هو صلب الدين وإنسان يرى تسليك القلوب إلى الله عز وجل هو أهم ما في الدعوة، هذا اختلاف، ولكنه اختلاف محمود، اختلاف تنافس، فنحن بين اختلاف طبيعي، وبين اختلاف محمود، وبين اختلاف منقود.
 أيها الأخوة الكرام:
 الشيء العجيب أن آية كريمة هي قوله تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)﴾

 

( سورة آل عمران )

 تعلمون أن أهل المدينة كانوا أوساً وخزرجاً، وكان بينهم عداوات لا تنتهي قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، فبعد أن هاجر النبي إلى المدينة رجل من اليهود دفع غلاماً ليتلوا بعض الأنصار أبياتاً قالها خصومهم، هذه الأبيات ذكرتهم بعداوتهم، فتلاسنوا، ثم استلوا سيوفهم وقادوا يقتتلون، فرخج عليهم النبي غاضباً وقد وصف الله اختلافهم الطارئ بأنه كفر.

﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ ﴾

 أي تختصمون.

﴿ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءَايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾

 أرأيتم إلى عظم هذه الجريمة، سم الله اختلاف الصحابة فيما بينهم، فيما بين الأوس والخزرج سماه كفراً، ارجعوا إلى أسباب نزول هذه الآية في كتب التفسير قصة كبير لا مجال لتلاوتها في هذا اللقاء الطيب.
 إذاً يعنيني من هذه الآية أن الله سمى الاختلاف بين المؤمنين سماه كفراً.

 

﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءَايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

 الاختلاف أيها الأخوة في أحكام الفقه فقط، أما العقائد عقائد لا اختلاف فيها أبداً في الإسلام أصول وفروع، عقائد وأحكام، إذا كان هناك في إسلامنا من اختلاف ففي الأحكام الشرعية التي تغطي كل الأحوال وكل الأزمان وكل الأمكنة.
 أيها الأخوة الكرام:
 في الإنسان طبع ومعه تكليف، الطبع ما جبل عليه، مثلاً من طبع الإنسان أن يحب متابعة النوم، والتكليف يأمره أن يستيقظ ليصلي الفجر، فالطبع يتناقض مع التكليف من طبع الإنسان أن يملئ عينيه من محاسن النساء، والتكليف يأمره بغض البصر، من طبع الإنسان أن يأخذ المال والتكليف يأمره أن ينفق المال، من طبع الإنسان أن يستمتع بفضائح الناس والتكليف يأمره أن يصمت، أرأيتهم إلى التناقض بين الطبع والتكليف هذا التناقض هو ثمن الجنة.

 

 

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾

 

( سورة النازعات )

 الآن الطبع فردي، والتكليف تعاوني وجماعي، فأنت تؤكد فرديتك، وتثبت رأيك، ولا تعبأ بأحد، وتبني مجدك على أنقاض الناس بقدر معصيتك بالله، وأنت تنكر ذاتك وتتعاون مع إخوانك، وتحمل هم المسلمين، وتفسح المجال لأخيك بقدر طاعتك لله، فلا يثبت الإنسان فرديته إلا بقدر بعده عن الله، ولا يثبت تعاونه مع إخوانه إلا بقدر طاعته لله، هذه حقيقة دقيقة، كأن الاختلاف أو أن الذي يعيش على هذا الاختلاف منتفع وله مصالح فلذلك يتمشى مع فرديته، وكأن الذي يضع نفسه في التعتيم لمصلحة المسلمين.
 النبي عليه الصلاة والسلام أرسل صحابيين جليليين، أرسل معاذ وأبا موسى الأشعري فقال لهما بشرا ولا تنفرا، تطاوعا ولا تختلفا ـ المؤمن الصادق يتعاون مع أخيه ـ.
 أخوتنا الكرام:
 ما لم يكن ـ أنا أقول كلام دقيق جداً ـ ما لم يكن انتماءك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً، الدليل:

 

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

 

( سورة الحجرات الآية: 10 )

 لم يرد في القرآن أن جماعة فلان إخوة، وأن هذه الفئة إخوة، لا.

 

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

 علامة إيمانك أنك تنتمي لمجموع المؤمنين، أما هذه الفقعات الصغيرة التي ينتمي بعض المسلمين إليها هذا يتناقض مع إيمانهم الذي يقتضي أن ننتمي لمجموع المؤمنين يعني أي مسلم في الأرض صح عقيدته وصح سلوكه فهو أخي، بصرف النظر عن جماعته أو عن فئته، أما إذا كان هناك تناقض في العقيدة، انحراف خطير في العقيدة لا أستطيع أن ألتقي معه لأن انحرافه العقدي أبعده عني وأبعدني عنه.
 أخوتنا الكرام:
 حسن الظن هو الذي يقرب بين المسلمين، دائماً الجماعات الإسلامية في عندها مشكلة مشكلةُ الأتباع، الأتباع يسيئون الفهم، ويسيئون النقل، ويسيئون التصرف، فإذا التقى الرؤوس ألغيت هذه المشكلة، إذا التقت الرؤوس وأحسنوا الظن بعضهم لبعض انتهت هذه المشكلة، إذا التقى الرؤوس وأحسن الظن فيما بينهم انتهت هذه المشكلة.
 مثلاً: النبي عليه الصلاة والسلام في كلام موجز بليغ قبيل معركة بدر قال: لا تقتلوا عمي العباس، رجل فكر في كلام النبي فقال في نفسه: أحدنا يقتل أباه وأخاه إذا بقي مشركاً في الحروب وينهانا عن قتل عمه، لم يستسيغ هذا التوجيه، أحدنا يقتل أباه أخاه إذا كان مشركاً وخاضوا حرباً وينهانا عن قبل عمه، بقيت هذه في نفسه إلى أن كشف الحقيقة سيدنا العباس كان في مكة، وكان قد أسلم، وكان عين النبي في مكة، عينه، فكل ما يجري في مكة ينقل إلى النبي بحذافيره، فقيادة النبي عليه الصلاة والسلام قيادة ذكية جداً فكان عمه مسلماً، فكان يأتيه بكل أخبار قريش، لو أن النبي أذاع أن عمه قد أسلم انتهت مهمته في مكة لو أن عنه لم يشارك قريشاً في معركة بدر لكشف نفسه، لو سكت النبي لقتلوا عمه، لا بد من أن يقول هذا التوجيه من دون تعليق، لا تقتلوا عمي العباس، فلما كشفت الحقيقة أن عمه كان مسلماً وكان عينه في مكة المكرمة، وأنه شارك كي لا يكشف نفسه، يقول هذا الرجل ظللت عشر سنين أتصدق رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.
 لو أن كل منا التمس لأخيه العذر، لو أن كل منا ذهب إلى أخيه على إنفراد وقال بلغني عنك كذا وكذا وأنت أخي في الإسلام، فإن كان هذا الذي وقع حقاً فما تفسيره وإن لم يقع فأرحني، لو أن كل واحد كبر عليه أن تمرغ سمعة أخيه في الوحل.
 أيها الأخوة:
 قد لا تصدقون يقول الله عز وجل:

 

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)﴾

 

( سورة النور )

 ماذا فعل ؟ ما فعل شيئاً، ما فعل شيئاً، ولا تكلم بكلمة، من أغرب الآيات ما فعل شيئاً ولا تكلم بكلمة، لكنه ارتاح في أعماقه إلى أن تشيع الفاحشة عن فلان أو عن علان إذاً هو ليس مؤمناً، هو في خندق المنافقين.
 سأوضح أيها الأخوة: إذا أصابت أخاك مصيبة فارتحت لها فاعلم علم اليقين أنك في خندق المنافقين، إذا أصاب أخاك خير ففرحت له وهنأته من أعماقك تسلم منصب يمكن أن يخدم به المسلمين، نال درجة علمية عالية يمكن أن يعتز به المسلمون، نجح في زواجه أسس عملاً فنجح هذا العمل، إذا أصاب أخاك خير وفق المنهج الإلهي وسررت لهذا الذي أصابه فأنت من المؤمنين حقاً، فإذا تألمت.

 

﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾

 

( سورة التوبة الآية: 50 )

 من علامة النفاق أنك لا تتمنى أن يصيب المسلم خير.
 سيدنا الصديق رضي الله عنه عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، جاء إلى عمر وقال يا عمر ابسط يدك لأبايعك، فقال عمر: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا كنت أميراً على قوم فيهم أبو بكر، قال يا عمر أنت أقوى مني، فقال با أنت أفضل مني فقال عمر قوتي إلى فضلك.
 سيدنا عمر يوم تسلم الخلافة خطب في الناس فقال: كنت خادم رسول الله وجلواده، وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي عني وهو عني راضٍ الحمد لله على هذا كثيراً، ثم آلت الأمور إلى أبو بكر فكنت خادمه وجلواده وسيفه المسلول فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي عني وهو عني راضٍ الحمد لله على هذا كثيراً، ثم آلت الأمور إلي أيها الأخوة اعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت ـ كان يظهر قوياً لكن النبي عليه الصلاة والسلام يخفف من قوته، وكان يظهر قوياً لكن الصديق رضي الله عنه يخفف من قوته ـ أما وقد آلت الأمور إلي، قال أيها الناس اعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت وإنما قد تكون على أهل البغي والفجور، أما أهل التقوى والعفاف سأضع رأسي ليطئوه بأقدامهم، أيها الناس خذوني بخمس خصال:
 لكم علي ألا آخذ من أموالكم شيئاً إلا بحق، ولكم علي ألا أنفق من هذه الأموال شيئاً إلا بحق، ولكم علي إلا أجمركم في البعوث، ولكم علي أن أزيد عطاياكم إن شاء الله تعالى ولكم علي إذا كنتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا، هذا عمر رضي الله عنه يوم خطب لم يقف في الدرجة التي كان يقف بها أبو بكر، نزل درجة، وقال ما كان الله ليراني أن أرى نفسي في مقام أبي بكر،.
 أرأيتم إلى هذا الأدب وذاك التعاون، هذا هو الدين، لكن أحد خلفاء بني أمية سأل وزيره لماذا نزل عمر درجة من على منبر رسول الله ولم ينزل عثمان درجة، عثمان لم ينزل درجة فقال هذا الوزير لو أنه فعلها لكنت في قعر بئر، يعني كان عمر حكيماً في نزول هذه الدرجة وكان عثمان حكيماً أيضاً بأنه لم ينزل هذه الدرجة.
 أيها الأخوة الكرام:
 الحب الذي كان بين الصحابة شيء لا يصدق كان عليه الصلاة والسلام في بعض الغزوات، تفقد بعض الصحابة، واحد لا أقول من هو، قال يا رسول الله شغله بستانه عن الجهاد معك، فقام أحد الصحابة وغضب غضباً شديداً، وقال لا والله يا رسول الله لقد تغيب عنكم أناس ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولو علموا أنك تلقى عدواً ما تخلفوا عنك فابتسم عليه الصلاة والسلام دليل الرضا عن هذا الموقف الذي يدعو إلى الفخر.
 أخوتنا الكرام:
 حقيقة دقيقة هناك دعوة إلى الله خالصة، الآن دققوا، هناك دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الإتباع لا الابتداع، ماذا قال الصديق رضي الله عنه في أول خطبة خطبها ؟ إنما أنا متبع، وقد قيل اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع، فمن خصائص الدعوة الخالصة إلى الله الإتباع، ومن خصائصها التعاون، ومن خصائصها أن تعرف قدر ما عند الآخرين، هذا يؤلف القلوب، أما من خصائص الدعوة إلى الذات المغلفة بدعوة إلى الله أنها من خصائصها الابتداع، لا بد من أن تبتدع في الدين شيئاً لم يكن في عهد رسول الله كي تتميز، ومن خصائصها التنافس لا التعاون، ومن خصائصها إنكار ما عند الآخرين من فضل، الإتباع هنا الابتداع، التعاون هنا التنافس، الاعتراف بما عند الآخرين من فضل، إنكار ما عند الآخرين من فضل.
 أيها الأخوة:
 أربع خصائص تتصف بها كل الفرق الضالة من صدر الإسلام إلى نهاية الدوران أول خصيصة:
 أولاً: تأليه الأشخاص.
 ثانياً: تخفيف التكاليف.
 ثالثاً: اعتماد النصوص الضعيفة.
 رابعاً: النزعة العدوانية.
 لن تجد فرقة ضالة في التاريخ الإسلامي إلا ولها هذه الخصائص، تأليه الأشخاص، وتخفيف التكاليف، واعتماد النصوص الموضوعة أو الضعيفة، والنزعة العدوانية، يقابل هذا، النبي على علو قدره وعلى أنه سيد الخلق وحبيب الحق صل الظهر ركعتين فقال أضعف الصحابة شأناً ذو اليدين: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ قال كل هذا لم يكن، بعضه قد كان، ما كان هناك إرهاباً فكرياً، كان هناك طالب العلم له شخصية، الصحابي له شخصية.
 لما حدث مناوشات من جهة سيدنا خالد في فتح مكة، النبي غضب، سأل أصحابه هل راجعه أحد ؟ يعني هل عارضه أحد ؟ قالوا نعم حذيفة، قال الحمد لله، على ماذا حمد الله ؟ أن في الصحابة من ينطق بالحق، في الصحابة من لا تأخذه بالله لومة لائم.
 النبي عليه الصلاة والسلام أمر أنصارياً ذا داعبة على بعض الصحابة، بعد أن انطلقوا من المدينة، أعطى أمر ـ هذا أمير ـ قال أضرموا ناراً عظيمة، فأضرموها، فقال اقتحموها، قالوا كيف نقتحمها وقد آمن بالله فراراً منها، قال اقتحموها ألست أميركم، أليست طاعتي طاعة رسول الله، فلما عرضوا أمرهم على النبي صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم:

 

(( والله لو اقتحمتموها لا زلتم في إلى يوم القيامة إنما الطاعة في معروف ))

 هذا منهج، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء.
 أيها الأخوة الكرام:
 دين الله كالهواء لا يمكن أن يحتكر، دين الله لا يمكن أن يحتكره عصر، ولا مصر، ولا فئة، ولا جماعة، ولا طائفة، إنه دين الله.
 بعض الأحكام الفقهية: لو أن الجامع الأموي أقيمت فيه صلاة الجمعة كم يتسع الجامع الأموي ؟ إلى 100 ألف مصلي، 50 ألف في الحرم، و50 ألف في الصحن، يكفي أن نغلق الباب فالصلاة باطلة، لأن الحق لا يخشى البحث، ولا يستحي به، ولا يحتاج أن تكذب له، ولا أن تكذب عليه، ولا يحتاج إلى أن تضخم من أتباعه ولا أن تقلل من خصومه إنه الحق والله هو الحق.
 أيها الأخوة الكرام:
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعني وإياكم بهذه الحقائق المستنبطة من الكتاب والسنة.

 

 

(( والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ))

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

تحميل النص

إخفاء الصور