وضع داكن
20-04-2024
Logo
مختلفة - سوريا - الدرس : 02 - اتحاد العمال - محاضرة في تحديد النسل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الإنسان هو المخلوق الأول والمخلوق المكرم، لقوله تعالى:

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾

[سورة الأحزاب ـ سورة الإسراء]

 هذا المخلوق الأول والمكرم حمل الأمانة ومن أدق تعريفات الأمانة تزكية نفسه، قال تعالى:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) ﴾

 

[سورة الشمس]

 وما كلف الله الإنسان حمل الأمانة إلا بعد أن أعطاه مقوماتها، ومن أبرز مقومات حمل الأمانة:
 الكون بسماواته وأرضه.
 لقد سخر الله السماوات والأرض لهذا الإنسان تسخيران: تسخير تعريف وتسخير تكريم، فلو وقفنا عند بعض الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل في السماوات، فكلكم يعلم أن الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة وأن بين الأرض والشمس ما يزيد عن مائة وستة وخمسين مليون كيلومتر، وأن في أبراج السماء برجاً اسمه برج العقرب فيه نجم صغير متألق أحمر اللون اسمه قلب العقرب، يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، يكفي أن نعلم أيها الإخوة أن بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، وكلكم يعلم أن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلو متر، بينما وبين هذا النجم أربع سنوات ضوئية، بمعنى أننا لو أردنا أن نصل إليه بمركبة أرضية لاستغرقت الرحلة خمسين مليون عاماً، فما القول في نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية، وما القول في مجرة المرآة المسلسلة التي تبعد عنا مليون سنة ضوئية، وما القول في إحدى المجرات التي اكتشفت حديثاً التي تبعد عنا خمساً وعشرين ألف مليون سنة ضوئية، قال تعالى:

 

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) ﴾

 كَذَلِكَ:

 

 

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾

 

[سورة القيامة ـ سورة فاطر 28]

 ما أردت من هذه المقدمة إلا شيئاً واحداً هو أن الأمر شرفه من شرف الآمر، قيمته من قيمة الآمر، فما لم يعرف حقيقة الآمر لا يعبأ بهذا الأمر الذي منه تنظيم الأسرة ومنه الوفاق الزوجي ومنه كل ما يعانيه الإنسان الشارد في هذا العصر.
 أيها الإخوة الكرام:
 شيء آخر، الأرض تدور حول الشمس، هذه الأرض مرتبطة بالشمس عن طريق التجاذب الكوني، لو أن الأرض فرضاً تفلتت من هذه الجاذبية، وسارت في الفضاء الكوني و أردنا أن نعيدها إلى الشمس كم نحتاج ؟ قال بعض العلماء نحتاج إلى مليون مليون حبل فولاذي قطر كل حبل خمسة أمتار وطول كل حبل مائة وستة وخمسون مليون كيلومتر، لو ربطنا الأرض بالشمس بهذه الحبال لكنا أمام غابة من الحبال الفولاذية، تعيق الزارعة والصناعة السكنى والبناء، قال تعالى:

 

﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾

 

[سورة الرعد]

 أي بعمد لا ترونها، هذا في الآفاق، فماذا في الأنفس ؟
 من منا يصدق أن في رأس الإنسان ثلاثمائة ألف شعره لكل شعرة وريد وشريان وعصب وعضلة وغدة دهنية وغدة صبغية، لكل شعره.
 في دماغ الإنسان ما يزيد عن مائة وأربعين مليار خلية سمراء لم تعرف وظيفتها بعد.
 في عين الإنسان ما يزيد عن مائة وثلاثين مليون عصية ومخروط من أجل تحقيق الرؤية الدقيقة.
 هناك آيات في جسم الإنسان لا تعد ولا تحصى، الإنسان حينما يقف أمام هذه الآيات إن في الآفاق وإن في النفس، ألا يستطيع أن يصل إلى أن وراء هذا الكون خالقاً عظيماً ومربياً حكيماً ومسيراً قديراً إلهاً واحداً في أسمائه وفي صفاته وفي أفعاله.
 أيها الإخوة الكرام:
 المقوم الثاني من مقومات الأمانة هو:
 العقل:
 العقل أثمن ما يملكه الإنسان على الإطلاق، العقل مؤلف من ثلاث مبادئ، هذه المبادئ، مبدأ السببية، مبدأ الغائية، مبدأ عدم التناقض، بمعنى أن الإنسان لا يفهم الشيء في المحيط الخارجي إلا بسبب، كما أنه لا يفهمه إلا بغاية، كما أنه لا يقبل أن الشيء موجود وغير موجود في الوقت نفسه، هناك تطابق بين العقل وبين الكون، صمم الكون على أن لكل شيء سبباً وعلى أن لكل شيء غاية وعلى أن التناقض مرفوض، وصمم عقل الإنسان على فهم ما حوله وفق الأسباب والغايات ووفق وحدة الهوية كما يقول المُناطقة، إذاً عقل الإنسان أداة المعرفة وحينما يعطل الإنسان عقله يضل ضلالاً بعيداً، وحينما يسيء استخدامه، لأن العقل أثمن شيء منحه الله للإنسان ينبغي أن يستخدمه وفق المهمة التي أنيطت به، وحينما يستخدم الإنسان عقله استخداماً ما أراده الله عز وجل يقع الإنسان في شر عمله، والأعمال التي تدمر الإنسانية تحتاج إلى ذكاء، هذا الذكاء يوظف في أهداف شريرة لا في أهداف خيرة، فالعقل حيادي،إما أن تستخدمه لخير المجتمعات وتحقيق الغايات وإما أن تستخدمه للمصالح الشخصية، العقل أحد المقومات الأساسية لحمل الأمانة.
 أيها الإخوة الكرام:
 عنصر ثالث من عناصر الأمانة،
 الفطرة:
 فالفطرة التي فطر عليها الإنسان فحينما ينحرف يشعر بالضيق، وهو ما يسميه علماء النفس وخز الضمير، و ما يسميه العلماء الاجتماعيون بالشعور بالذنب، فالشعور بالذنب أو وخز الضمير، أو مركب النقص، هذه كلها عقاب الفطرة للإنسان حينما ينحرف، الآن مرض العصر الكآبة: وهي منتشرة في العالم كله، الإنسان حينما يبتعد عن فطرته يعاقب ذاتياً قبل أن يعاقبه أحد، يعاقب من قبل ذاته الشعور بالكآبة هو عقاب الفطرة، وقد قال تعالى:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) ﴾

 

﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

[سورة الشمس]

 النفس حينما تفجر تعلم أنها فجرت، وحينما تحسن تعلم أنها أحسنت فالراحة النفسية هذا الذي يحصلها الذي عرف ربه وعرف منهج ربه وانسجمت حركته في الدنيا مع منهج ربه، يقطف راحة نفسيه لا تقدر بثمن.
 لويس... ألف كتاباً عنوانه دع القلق وابدأ الحياة، طبع من هذا الكتاب خمسة ملايين نسخة الطبعة الأولى ماذا يعني ذلك، يعني ذلك شدة القلق الذي يعانيه الإنسان المعاصر.
 أيها الإخوة الكرام:
 الشيء الثابت أن الأمراض الوبيلة المستعصية التي تبدو الآن بعدد وبائي كالأمراض الخبيثة وكأمراض القلب والأوعية هذه أساسها ضعف جهاز المناعة أساسه الشدة النفسية، الإنسان حينما يبتعد عن خالقه وحينما يترك بلا منهج وفق نزواته وشهواته يشعر بضيق وشدة تنعكس مرضاً في حياته وفي جسمه، فلذلك العنصر الثالث من عناصر حمل الأمانة هو الفطرة، كون مسخر للإنسان تسخيرين تسخير تعريف وتسخير تكريم، لو قدم لك أحدهم ساعة غالية الثمن تحقق أهدافاً متنوعة جداً، وقدمت لك هدية من صانع هذه الساعة، أنت أمام شعورين، شعور الامتنان بأنها هدية، وشعور الإكبار بأنه هو الذي اخترعها، هذا معنى قولي أن الكون مسخر تسخيرين تسخير تعريف وتسخير تكريم والعقل أداة معرفة الله عز وجل والفطرة هي التصميم الإلهي لبنية الإنسان، " كل مولود يولد على الفطرة "، الطفل صفحة بيضاء لا شائبة فيها، لكن الحياة الدنيا بمكاسبها والمزاحمة على مكاسبها من شأنها أن تشوه هذه الفطرة وأن تطمس نقاءها وصفاءها.
 شيء آخر، الإنسان أودعت فيه شهوات، هذه الشهوات أُودعت فيه ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، كيف ؟ هذا الوقود السائل في السيارة إذا كان ( البنزين ) في مستودعاته المحكمة وسار في الأنابيب المحكمة وانفجر في المكان المناسب وفي الوقت المناسب ولَّد حركة نافعة، هذا السائل فيه قوة انفجار، لكن وضع في مستودعات محكمة وسال في أنابيب محكمة ووصل إلى مكان الانفجار وانفجر في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، إذاً ولد حركة نافعة، ولو أن هذا الوقود السائل خرج من مساره وأصابته شرارة أحرق المركبة ومن فيها هذه الشهوات، قال تعالى:

 

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) ﴾

 

[سورة آل عمران]

 هذه الشهوات ركبت في كيان الإنسان، لكنها حيادية، إما أن تكون قوىً دافعةً إلى الأهداف وإما أن تكون قوى مدمرة للإنسان، وهذا المنهج من أجل أن أتحرك بدوافع هذه الشهوات وفق الصراط المستقيم، أي أن المنهج هو المقود فإذا ركبت مركبة مسرعة والمقود بيدي وأنا أحاول أن أبقى على الطريق المعبد فأنا في سلام، فلذلك الشهوة التي يمارسها بعض الناس سبب فساد العالم، هي قوى محركة، هذا الذي صممه الله عز وجل بين الرجل والمرأة من أجل الأسرة التي هي اللبنة الأولى في المجتمع، فهذه الشهوة التي أودعت في الإنسان إذا تحركت في قنوات غير نظامية دمر نفسه ودمر المجتمع، ولا أدل على ذلك من أن الغرب الآن يعاني من الفوضى والتمزق والتحلل الاجتماعي والأسري مالا سبيل إلى وصفه، لأن هذه الشهوات لم يتحرك الإنسان فيها في القنوات النظيفة التي رسمها الله له.
 شيء آخر الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان قوةً ليحقق اختياره الإنسان كرم بحرية الاختيار

 

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)﴾

 

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) ﴾

[سورة الإنسان ـ سورة البقرة]

 هناك آيات كثيرة تؤكد أن أثمن شيء يملكه الإنسان حرية الاختيار له قرار له اختيار، سلوكه نتيجة لاختياره الشخصي، وهو محاسب عليه لو أن الله اجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، لو أن الله اجبر عباده على المعصية لبطل العقاب، لو أنه تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً وأعطى على القليل كثيراً.
 حرية الاختيار أحد مقومات حمل الأمانة، الشهوات التي أودعها الله في الإنسان قوى محركة، العقل الذي منحنا إياه أداة المعرفة، الفطرة السليمة مقياس لمعرفة الخطأ من الصواب، الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، وبعد كل ذلك أنزل الله على أنبيائه ورسله منهجاً للحركة، إنه الشرع، الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه إنما هو الدستور الذي ينبغي أن يسير وفقه الإنسان، إنها حبل الله المتين إنها الصراط المستقيم إنها المنهج القويم، إذاً هذه المقومات التي أعطانا الله إياها وبعدها أمرنا أن نزكي أنفسنا، قال تعالى:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) ﴾

 اخوتنا الكرام
 بادئ ذي بدء الكون الذي أمامكم بسماواته وأرضه، في الأرض ما فيها من جبال ما فيها من آيات هذه كلها خلق الله عز وجل، العقل مقياس الله أودعه الله فينا الفطرة تصميم الله، الآن الشرع كلام الله فالكون خلقه والشرع كتابه والفطرة تصميمه والعقل مقياسه، إذاً لابد من أن تتوافق نظم الكون مع مبادئ الفطرة مع مبادئ العقل مع أحكام النقل هذا التوافق حتمي، هذا الذي يقتضيه أن لهذا الكون إلهاً واحداً، توافق العقل مع النقل مع الفطرة مع الواقع، الكون هو الواقع هو خلق الله والشرع هو كلام الله، والفطرة تصميم الله عز وجل والعقل مقياس أودعه الله فينا، فحينما تمر بدائرة واحدة خطوط العقل وخطوط النقل وخطوط الفطرة وخطوط والواقع، فهذا هو الحق، فإذا سعى الإنسان بأن يقبل ما كان حقاً صرفاً عندئذ يتحرك وفق أرضية صلبة ونتائج ناجحة سلفاً، لذلك بادئ ذي بدء يقول أحد العلماء، الشريعة عدل كلها مصلحة كلها رحمة كلها، فكل قضية خرجت من العدل إلى الجور من المصلحة إلى المفسدة من الرحمة إلى ضدها، أية قضية خرجت من العدل إلى الجور من الرحمة إلى القسوة من المصلحة إلى المفسدة فليست من الشريعة ولو أُدخلت عليها بألف تأويل وتأويل، يعني الشريعة بادئ ذي بدأ مع مصلحة الإنسان ومع ميول الإنسان ومع رقي الإنسان ومع العدالة المطلقة ومع الرحمة البالغة، هذه مقولة ثابتة في الدين، الشريعة عدل كلها مصلحة كلها رحمة كلها، كل قضية خرجت من المصلحة إلى المفسدة من العدل إلى الجور من الرحمة إلى القسوة فليست من الشريعة ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل، إذا جذبت قضية لتعدها من الدين ليس فيها مصلحة ليست من الدين، إذا جررت قضية أخرى لتعدها من الدين وليس فيها عدل ليست من الدين، إذا جررت قضية ثالثة لتعدها من الدين وفيها قسوة بالغة ليست من الدين، شريعة الله عز وجل رحمة كلها عدالة كلها مصلحة كلها.
 إخوتنا الكرام:
 شيء دقيق جداً لأن الله تعالى يقول:

 

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) ﴾

 دققوا في هذه الآيات...

 

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(37)﴾

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾

[سورة الشورى ـ سورة فصلت ـ سورة الروم]

 كما أن السماوات والأرض من آياته والشمس والقمر من آياته، والليل والنهار من آياته، نظام الزوجية في الحياة البشرية من آيات الدالة على عظمته..

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾

 هذه المودة والرحمة بين الزوجين من خلق الله عز وجل لا يستطيع أحد أن ينزعها، إذ هي الأصل في العلاقة الزوجية، فإذا كان بين الزوجين قسوة وجفاء وبغضاء فهذه حالة مرضية ينبغي أن تعالج، هذه على خلاف التصميم الإلهي هذه على خلاف أصل الخلق، وكلكم يعلم أيها الإخوة أن الإنسان يأكل، لماذا ؟ يأكل ليحافظ على وجوده، على الفرد تناول الطعام والشراب من أجل بقاء الفرد، لكن الزواج من أجل بقاء النوع، والإنسان حينما يتعلم حينما يأخذ الشهادات العليا حينما يبدأ في عمله ماذا يفعل ؟ يقول علماء النفس إنه الآن يؤكد ذاته، الإنسان بعد أن يأكل وبعد أن يقضي حاجته ببقاء النوع يبحث عن حاجة ثالثة إنها بقاء الذكر، هذه في الدين، سماها علماء النفس تأكيد الذات، كل إنسان يطمح أن يتفوق إلى أن يظهر، إن في علمه أو في عمله أو شيء من أشياء الحياة، هذا هو الدافع الثالث وهو بقاء الذكر، فبقاء الفرد بالطعام والشراب، وبقاء النوع بالزواج، وبقاء الذكر بالتفوق، لذلك تعد الأسرة اللبنة الأولى للمجتمع البشري، وأي نظام في أية مرحلة في أي حقبة يحارب الأسرة، هذا النظام يحارب المجتمع، وأي نظام يرعى الأسرة ويمتن العلاقات بين الزوجين وبين الأبناء هو نظام ينسجم مع أصل الفطرة ومع مصلحة المجتمع ككل، لذلك العناية بالأسرة توفير الأعمال للشباب، تيسير سبل الزواج، هذا مطلب، مطلب قومي مطلب وطني مطلب ديني، قل تعالى:

 

 

﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)﴾

 

[سورة النور]

 يعني لابد من تيسير سبل الزواج، الآن هناك قواعد وردت في القرآن الكريم في شأن حسن العلاقة الزوجية، كلكم يعلم أن ألصق شيء في حياة الإنسان عمله وزواجه، فإذا كان موفقاً في زواجه انعكس هذا التوفيق إنتاجاً في عمله، الرجل الناجح في عمله في الأعم الأغلب ناجح في زواجه، لذلك رعاية الأسرة وتهيئة سبل السعادة والوفاق الزوجي هذا مطلب لكل طبقات المجتمع ولكل شرائحه ولكل مستوياته، الإنسان الذي يوجه الناس توجيهاً ثقافياً أو توجيها خلقياً أو توجيهاً دينياً إلا وعليه أن يرعى الأسرة أن يرعى الوفاق بين الزوجين، قال تعالى:

 

﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) ﴾

 

[سورة النساء]

 من ألطف ما قرأت في تفسير هذه الآية أن المعاشرة بالمعروف لا تعني أن يمتنع الزوج عن إيقاع الأذى بزوجته بل أن يحتمل الأذى منها.
 نقطة دقيقة جداً هو أن الله بنى الزوجين في المجتمع المسلم، بمعنى أن الزوج يتقرب إلى الله في خدمة زوجته وتحمل سلبياتها، وأن الزوجة تتقرب إلى الله في خدمة زوجها وتحمل سلبياته، ما دام الله بين الزوجين فيكتب لهذه الأسرة الوفاق والانسجام، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( لا يفرك مؤمن مؤمنةً فإن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ))

 الزوج الواقعي هو الذي يجري موازنة ين الإيجابيات والسلبيات في زوجته والزوجة، والواقعية هي التي تجري موازنة دقيقة بين الإيجابيات والسلبيات في زوجها، فإذا رجحت الإيجابيات عند الزوج ورجحت الإيجابيات عند الزوجة فلا بد من الوفاق، لأن التطابق التام مستحيل لذلك:

 

 

﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾

 يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

((أكرموا النساء فو الله ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))

 هكذا قال عليه الصلاة والسلام وقد أُثِر عنه أنه إذا دخل بيته لف ثوبه، فبالله عليكم، الثوب له حفيف الإنسان إذا مشى لثوبه حفيف، هل يعقل أن يوقظ هذا الحفيف زوجته لقاء ذلك كان إذا دخل بيته لف ثوبه لئلا يزعج زوجته النائمة، هكذا علمنا، كان في مهنة أهله، كان يقول:

 

 

(( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ))

 حتى أن السيدة عائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم مرة كيف حبك لي فقال لها كعقدة الحبل، يعني عقدة متينة لا تنفك، فكانت تقول له من حين لآخر كيف العقدة يا رسول الله، فكان يقول على حالها لا تزال متينة، الوفاق في الزواج شيء ثمين جداً في حياة الأسرة فأنتم كمثقفين للإخوة العمال لابد أن تركزوا على أن يسعد الإنسان في بيته حتى ينتج في عمله حتى يضاعف إنتاجه، الرجل المشوش في بيته يضطرب في عمله لا ينتج.
 شيء آخر هو أن النبي عليه الصلاة والسلام توجه إلى النساء من خلال واحدة منهن، قال:

 

(( اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

 فالمرأة التي ترعى زوجها وترعى أولادها، وهي وفية لزوجها إذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله، إذا نظر إليها سرته هذه المرأة في نظر الشرع لها أجر الجهاد في سبيل الله، فتوجه إلى الرجال فقال:

 

(( أكرموا النساء فوالله ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))

 وتوجه إلى النساء فقال:

 

 

(( اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

 أيها الإخوة الكرام:
 الوفاق الزوجي عنصر أساسي في حياة الأسرة سأروي لكم قصة موجزة عن قاضي من أشهر قضاة التابعين أسمه شريح، لقيه صديقه الفضيل، قال يا شريح كيف حالك في بيتك، قال شريح لصديقه الفضيل، كلاهما قاض، قال والله يا فضيل منذ عشرين عاماً لم أجد من زوجتي ما يعكر صفائي، منذ عشرين عاماً، وقد يقول واحد منا لم أنم ليلةً وأنا مرتاح منها، قال منذ عشرين عاماً لم أجد من زوجتي ما يعكر صفائي، قال وكيف ذلك يا شريح، ما القصة، قال خطبت امرأةً من أسرة صالحة، ولما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً، وقد فسر شرّاح هذه القصة أن الصلاح في خلقها وفي دينها قال: فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي وتسلم بسلامي وتشكر شكري فلما خلى البيت من الأهل والأحباب دنوت منها فقالت لي على رسلك يا أبا أمية، قالت لي يا أبا أمية إني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب ولا ما تكره، فقل لي ما تحب حتى آتيه وما تكره حتى أجتنبه، لو طبقت النساء هذه القاعدة الذهبية لأغلقت المحاكم الشرعية أبوابها، " يا أبا أمية أنني مرأة غريبة لا أعرف ما تحب ولا ما تحب فقل لي ما تحب حتى آتيه وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً فاتقِ الله فيَّ، وامتثل قوله تعالى إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ثم قعدت، قال شريح فألجأتني إلى أن أخطب، وقفت وقلت أما بعد فقد قلت كلاماً إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لك ذخراً وأجراً وإن تدعيه يكن حجةً عيك، أعطاها قائمتين، أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها، المرأة الصالحة إن وجدت حسنة تنشرها عن زوجها، وإن جدت سلبيات أو أخطاء، أو ضعفاً تستره، والمرأة الصالحة في النصوص النبوية الشريفة ستّيرة، من صفاتها الثابتة أنها ستيرة لا تفضح شأن زوجها قالت يا أبا أمية كيف نزور أهلي وأهلك، قال نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين لئلا يملونا، وفي الحديث الشريف:

 

 

(( زر غباً تزدد حباً ))

 قالت فمن الجيران تحب أن أسمح لهن في دخول بيتك ومن تكره قال بنو فلان قوم صالحون وبنو فلان غير ذلك قال ومضى علي عام عدت فيه إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا، رحبت بها أجمل ترحيب وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال، قالت لي يا أبا أمية كيف وجدت زوجتك ؟ قلت والله هي خير زوجة، قال يا أبا أمية ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة فوق الحدود فأدب ما شئت أن تؤدب وهذب ما شئت أن تهذب ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة، قال ومضى علي عشرون عاماً لم أجد من زوجتي ما يعكر صفائي.
 فنحن قبل تحديد النسل ينبغي أن ندعو إخوتنا العمال إلى الوفاق الزوجي، بالوفاق الزوجي ينشأ الأولاد تنشئة طيبة، وصدقوني أن معظم مشكلات المجتمع أساسها التربية السيئة، وأساس التربية السيئة الخصومة بين الزوجين، الخصومة بين الزوجين من منعكساتها التربية السيئة، والتربية السيئة وراء معظم المشكلات في المجتمع، فلذلك لابد أن نرعى الأسرة لا أن نرعاها أن فلان زوج فلانة، أن نرعى حسن العلاقة بينهم أن نرعى الوفاق أن نرعى المودة، " امرأة جاءت النبي عليه الصلاة والسلام تشتكي له قالت يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال وجمال، فلما كبرت سني ونفر بطني وتفرق أهلي وذهب مالي قال أنت علي كظهر أمي ولي منه أولاد -دققوا في هذه الكلمة - إن تركتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا، فبكى عليه الصلاة والسلام بكى تأثراً لها ".
 سئل عليه الصلاة والسلام من أعظم النساء حقاً على الرجل إطلاقاً فقال:

 

 

(( أمه ))

 فلما سئل من أعظم الرجال حقاً المرأة قال:

 

 

(( زوجها ))

 أعظم رجل في حياة المرأة زوجها، وأعظم امرأة في حياة الرجل أمه، وأما قوله تعالى الرجال قوامون على النساء، هذا قيامة تنظيم لا قيامة سيطرة وقيامة استبداد، هذا فهم ما أراده الله عز وجل ولا أراده النبي عليه الصلاة والسلام والدليل قوله تعالى:

 

 

﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)﴾

 

[سورة الطلاق]

 كلمة أتمروا: فعل مشاركة، تأمرها أنت بالمعروف تارة وتأمرك هي بالمعروف تارة أخرى، إذاً هذا النظام الذي ذكرناه ينطلق من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة.
 وآخر آية أختم بها هذه المحاضرة من أروع الآيات:

 

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾

 أي شيئ تطالبُ به زوجتَك لها أن تطالبك بمثله

 

 

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)﴾

 

[سورة البقرة]

 درجة التسيير درجة اتخاذ القرار، لان الأسرة مركب لابد له من ربان والربان هو الذي ينفق:

 

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾

 

[سورة النساء 34]

 موضوع المحاضرة الأساسي تنظيم الأسرة، أولاً أطمئنكم ولكم أن تقولوا هذا وأنتم واثقون ليس في القرآن آية واحدة تمنع تحديد النسل كما قلت قبل قليل الشريعة عدل كلها مصلحة كلها رحمة كلها، ليس في القرآن الكريم كله آية واحدة تمنع تحديد النسل.
 أما السنة فقد أباحت تحديد النسل أو تنظيم الأسرة، هي العبارة المستعملة، تنظيم الأسرة ففي صحيح مسلم عن أسامة بن زيد أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله إني أعزل عن امرأتي، فقال عليه الصلاة والسلام لم تفعل ذلك، قال أشفق على ولدها، ( لعلها مريضة لعلها...) فقال عليه الصلاة والسلام:

 

(( لو كان هذا ضاراً ( أي العزل ) لضر فارس والروم ))

 أول إشارة للنبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم أن تنظيم الأسرة مباح ولا شيء عليه، لكن النبي عليه الصلاة والسلام، أكبر دافع في الجنس البشري هو دافع الأمومة، المرأة لاشيء يسعدها كأن ترى لها ولداً، لذلك عليه الصلاة والسلام وجه الأزواج إلى أن يكون العزل عن الزوجة بإذنها، العزل مباح لتحديد النسل أو تنظيم الأسرة لكن هذا العزل ينبغي أن يكون بإذن الزوجة، لأنك إن لم تستأذنها فقد حرمتها حقها الأول في أن تكون أماً، هذا من توجيه النبي عليه الصلاة والسلام، وفي صحيح مسلم أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

 

(( كنا ننعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا ))

 الآن في وسائل كثير جداً لمنع الحمل، وسأروي لكم قصة مع صديق لي، لي صديق له زوجة جيدة جداً عمرها لا يزيد عن ثلاثين عاماً أصيبت في خثرة في دماغها فشلَّت وعندها خمس بنات، سألته قبل أيام كنت في زيارته، فقال لي الأطباء أجمعوا على أن هذا من حبوب منع الحمل، اللعب بالهرمونات قضية خطيرة جداً، نحن مع تنظيم الأسرة مع تحديد النسل، لكن مع الوسائل المأمونة لا مع الوسائل الخطرة هناك شركات أجنبية همها الربح السريع، ونحن قد لا ننتبه لهذا، وزوجته الآن طريحة الفراش وعمرها لا يزيد عن ثلاثين عاماً، لأنها استخدمت وسائل ليست مأمونة النتائج.
 وشيء آخر من دون استثناء، المذاهب الفقهية بأكملها أباحت العزل على خلاف فيما بينها، بين أنه يجب على الزوج أن يستأذن زوجته وبين أنه إذا كان معه عذر لا ينبغي أن يستأذنها، الخلاف هنا، أما العزل مباح في كل المذاهب الفقهية، وفتوى المجتهدين منذ عام ألف وتسعمائة وسبعة وثلاثين وحتى الآن، شيوخ الأزهر والمفتون كلهم أجازوا تنظيم الأسرة أو تحديد النسل أو العزل، بالاصطلاح الفقهي محمود شلتوت ـ عبد المجيد سليم ـ متولي شعراوي ـ حسن مأمون ـ سيد سابق، هؤلاء كلهم أعلام في الفقه وفي الاجتهاد، لكن هناك من يقول ماذا نفعل بقوله عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيام))

 العلماء قالوا النبي عليه الصلاة والسلام لا يعقل أن يباهي بكم عددي فقط، لابد أن يباهي بكم نوعي لا بكم عددي، ماذا يؤكدها، يؤكدها قوله تعالى:

 

 

﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)﴾

 

[سورة المائدة]

 أيرضي النبي عليه الصلاة والسلام أن تكون أمته مشردة في الطرقات بلا مساكن بلا طعام بلا عناية صحية متخلفة جاهلة، أبهذه الأمة يتباهى عليه الصلاة والسلام، لابد من كم نوعي، أما الكم العددي مرفوض قولاً واحداً، والدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة يقول أمتي أمتي، فيقال له لا تدري ماذا أحدثوا بعدك فيقول سحقاً سحقاً.
 وقد قال عليه الصلاة والسلام للسيدة فاطمة:

 

(( يا فاطمة بنت محمد عم رسول الله أنقذا نفسيكما من النار أنا لا أغني عنكما من الله شيئا لا يأتوني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ))

 هذا كله يؤكد أن النبي لا يتباهى بأمة متخلفة جائعة فقيرة مقهورة مضطهدة، يتباهى بأمة قوية بأمة أبناؤها مثل في الإنتاج وفي والوعي وفي الإدراك وفي الفهم، لذلك إذا كانت الكثرة في خدمة أهداف الأمة فأنعم بها من كثرة، أما إذا كانت الكثرة عبءً على الأمة وحجر عثرة أمام تقدمها فلا بد من تنظيم الأسرة وتحديد النسل.
 أيها الإخوة،
 كتب التاريخ تؤكد أن المسلمين بدأً من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والى عصور متأخرة جداً مارسوا تحديد النسل ومارسوا تنظيم الأسرة ومارسوا العزل، والكتب كثيرة جداً، من هذه الكتب كتاب القانون لابن سيناء يؤكد هذه الحقيقة وكتاب تذكرة أبي داود النطاكي تؤكد هذه الحقيقة، وبعضهم فهم قوله تعالى:

 

 

﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾

 

[سورة البقرة 233]

 المرأة أحياناً تكون مريضة جسمها لا يحتمل حملاً متتابعاً، لذلك لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده، فقد يكون هناك صعوبة في الإنفاق صعوبة في السكن صعوبة في الرعاية الصحية والتعليمية، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( أعوذ بالله من جهد البلاء، فسئل ما جهد البلاء يا رسول الله، قال قلة المال وكثرة العيال ))

 وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم:

 

(( قلة العيال أحد اليسارين ))

 وعمر بن العاص كما تعلمون كان من دهاة العرب، مرة سأله معاوية بن أبي سفيان ما بلغ من دهائك، فقال والله ما دخلت مدخلاً إلا وأحسنت الخروج منه، فقال له معاوية لست بداهية، أما أنا والله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه، هو أدهى منه.
 فقال عمر بن العاص، وكان والياً في مصر قال أربعة أشياء تنقل الناس من الرخاء إلى الفقر ومن الفقر إلى الذل، كثرة العيال وتبذير المال وسوء الحال والقيل والقال.
 تنقل الناس من الرخاء إلى الفقر ومن الفقر إلى الذل، الإنسان أحياناً يتضعضع إذا كان فقيراً.
 وهناك حكمة تقول البذار سهل، لكن الحصاد صعب، البذار سهل لكن تربية هذا الابن وتنشأته وتعليمه وتوفير السكن له والعمل والدراسة والمعقد في الجامعة، وأنا لا أكتمكم أنني علمت أن القطر العربي السوري أعلى نسبة تزايد سكان في العالم، في بلدنا أعلى نسبة، وأنتم تشعرون كيف أن المواصلات تضيق بنا أحياناً، المنازل مرتفعة جداً إذاً وفق هذه المعطيات لابد أن نقنع إخوتنا العمال، وأنتم المثقفون لهم فيما أعلم، أن نقنعهم بتنظيم الأسرة وتحديد النسل، إذا كان هناك خوف ديني أو وجل في أن يقع هذا العامل في معصية كبيرة، فطمئنوه، فهذه أقوال العلماء والفقهاء والمعتمدون في الفقه الإسلامي.
 أرجو الله تعالى أن أكون قد وفقت بتبيان بعض ما في الدين الإسلامي من جوانب إيجابية في تنظيم الأسرة.

 

تحميل النص

إخفاء الصور