وضع داكن
29-03-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 43 - التناصح بين المؤمنين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

انظر إلى هذه الحكمة الإلهية في عباده :

 أيها الأخوة الكرام, الله عز وجل أرادنا أن نجتمع لسببين؛ الأول: أنه خلق فينا دافع الجوع, والجوع يحتاج إلى طعام, والطعام يحتاج إلى ثمن, والثمن يحتاج إلى عمل, فلا بد من أن تعمل, ولولا أنك تجوع, لما رأيت شيئاً على وجه الأرض, الدافع إلى الطعام وراء كل الأعمال .
 الإنسان يجوع فيعمل؛ ليكسب المال, ليشتري الطعام, ليسد هذه الحاجة.
 فإذاً: لا بد من العمل, والله عز وجل صمم الحياة على الشكل التالي: يتقن الإنسان عملاً واحداً, أو عملين, ويحتاج إلى مليار حاجة, تتوافر عند أخي, كل واحد له حرفة, لكن يحتاج إلى طعام, إلى زراعة, إلى تجارة, إلى معالجة, إلى تعليم, إلى طب, ........فلان, كل إنسان يتقن حاجة, ويحتاج إلى مليار حاجة, ولأن الإنسان يجوع, ولا بد من أن يؤمن ثمن الطعام, إذاً: لا بد له من أن يعمل.
 فالله عز وجل أرادنا أن نكون مع بعضنا بعضاً, حينما نكون مع بعضنا بعضاً: نمتحن, وحينما نمتحن: نستحق الجنة أو النار, هذا شيء دقيق جداً, الجنة تحتاج إلى عمل, كيف قهرنا الله على أن نعمل, فجعلنا محتاجين إلى بعضنا البعض؟ قال تعالى:

﴿فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾

[سورة النحل الآية: 71]

 أحياناً: يكون إنسان من أعلى مستوى, تتعطل سيارته, يقف أمام مصلح السيارة بأدب جم, في هذه اللحظة: هذا المصلح يفوقه أحياناً, معنى: يحتاج إلى قضية في بيته, يقف أمام المختص بأدب جم, الله عز وجل لم يقل: (فضل من على من), قال:

﴿فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾

[سورة النحل الآية: 71]

 بعضكم مفضل بعض, قبول في كل لحظة, هذا من حكمة الله عز وجل, أرادنا أن نجتمع, وجعلنا بحاجة إلى بعضنا البعض, ونحن في هذا الاجتماع: نمتحن؛ هناك من يصدق, هناك من يكذب, هناك من ينفق, هناك من يجحد, هناك من يعطي, هناك من يأخذ, هناك من يخلص, هناك من يخون.

ما هي لوازم الجماعة ؟

 أيها الأخوة, من لوازم الجماعة: التناصح, ولا قيمة لهذه الجماعة, الجماعة في الدين مقدسة.
 حينما قال النبي الكريم:

((عليكم بالجماعةِ، وإِيَّاكُم والفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشيطانَ مع الواحد، وهو من الاثنين أبعدُ, فإنما يأكلُ الذِّئبُ من الغنم القاصية))

 هذا الحديث الذي بين أيدينا: عن النعمان بن بشير رضي الله عنه, أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:

((مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه, والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها, إذا استَقَوْا من الماء, مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا, ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا, فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا؛ هَلَكوا, وهلكوا جَميعاً، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ؛ نَجَوْا, ونَجَوْا جَميعا))

[أخرجه البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير]

 في عبارة مشهورة, نحن في قارب واحد, حينما يؤمن المسلمون, أنهم جميعاً في قارب واحد, ينصرهم الله عز وجل.
 الانتماء إذا كان فردي؛ انتهينا, تفرقنا, مُزقنا, وإذا الانتماء جماعي كهذا الحديث؛ مصلحتي في سلامتك, مصلحتي أن تكون غنياً, مصلحتي أن تكون سليماً, معافى, الكل للواحد, والواحد للكل, هذه الروح الجماعية: هي التي أرادها الله عز وجل, والإنسان في طبعه فردي, والجماعي تكليف.
 إذا الإنسان رجع لطبعه, ليس له مصلحة مع أحد, مصلحته وحده, والجماعة تكليف, أما الشيء الذي لا يصدق: أنك إذا ذهبت إلى بلاد شاردة عن الله, لكن الذكاء يقتضي أن يتعاونوا؛ يتعاونون على باطل, يتعاونون على أشياء, لا من عند الله, أشياء من عندهم.
 فلذلك من المؤسف جداً: أن المؤمنين, وهم على حق: لا يتعاونون, وأعداءهم, وهم على باطل: يتعاونون, لأنهم أدركوا يقيناً: أن سلامتهم في تعاونهم, وأن سلامتهم في تعاضدهم, وفي تضامنهم.
 فهذا الحديث من أصول الأحاديث:

((فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا؛ هَلَكوا, وهلكوا جَميعاً، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ؛ نَجَوْا, ونَجَوْا جَميعا))

[أخرجه البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير]

 كم مشكلة تفت في عضد الأمة, ولا يتعاونون على حلها؟ العوام لهم كلمات لطيفة -أحياناً-: (إذا أخوك بخير, أنت بخير).

إليكم هذه الأمثلة من القرآن التي تؤكد على معنى هذه الفقرة :

 أيها الأخوة, قال مثلاً:

﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾

[سورة النساء الآية:29]

 الآية فيها دقة بالغة: لا تأكلوا أموال أخوانكم, قال تعالى:

﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾

[سورة النساء الآية:29]

 مال أخيك مالك, من زاوية واحدة, من زاوية وجوب المحافظة عليه, فلأن تأكله اغتصاباً أو احتيالاً, فلأن تمتنع عن أكله اغتصاباً أو احتيالاً, من باب أولى, قال تعالى:

﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾

[سورة النساء الآية:29]

﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم﴾

[سورة النساء الآية:29]

 لا تضعفوا حالكم, آيات كثيرة لكن فيها إشارات دقيقة:

﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُم﴾

[سورة الحشر الآية:7]

 المال يجب أن يكون بين أيدي الناس جميعاً, هذا الوضع الصحي, فالمسلمون في أمس الحاجة إلى معاني الجماعة, إلى معاني التعاون.
 ما هي أخطاء المسلمين في هذا العصر, ولماذا أهلك الله بني إسرائيل, وما الدرس الذي ينبغي على المسلمين أن يأخذوه من هذا الهلاك ؟
 سألوا شخصاً أمريكياً أسلم: لماذا المسلمون يصلون, وكتفهم إلى جانب بعضهم البعض, اعملوا واحد نعم, واحد لا, ترتاحون, الجامع كبير, ولا داعي للتلاصق, والدنيا صيف؟ فكان جوابه: أن الله عز وجل أرادنا, ونحن في أعلى درجات الصلة به, أن نكون مع بعضنا بعضاً, أن نحس بوجود بعضنا بعضاً.
 فهذه الروح الجماعية, المسلمون في أمس الجماعة إليها, كل إنسان يقول: ليس لي دخل, اتركهم, عليك من نفسك, هذا موقف خلاف الشرع, لأن الله عز وجل أراد إهلاك قرية, فأرسل إليها الملائكة ليهلكوها, قالوا:

((يا رب, إن فيها رجلاً صالحاً, قال: به فابدؤوا, قالوا: ولم؟ قال: لأن وجهه لا يتمعر إذا رأى منكراً))

 لو جميعنا تعاونا, أحياناً: تأتي لعند رجل ابنة أخيه, تكون ثيابها فاضحة, غير محتشمة؛ يرحب بها, ويستقبلها, ويهش لها, ويبش لها, طيب: أليس بالإمكان أن يوجهها: يا بنيتي, هذا اللباس لا يتناسب مع أخلاقنا, مع ديننا, مجاملات.
 لما المجتمع يؤاثر المجاملة على المصارحة, أعطه جمله على الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, هذا المجتمع انتهى عند الله.
 لذلك أكبر معصية اقترفها بنو إسرائيل, هذه المعصية التي كانت سبب هلاكهم أنهم:

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾

[سورة المائدة الآية:79]

 لما ربنا عز وجل قال:

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾

[سورة آل عمران الآية:110]

 علة هذه الخيرية:

﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾

[سورة آل عمران الآية:110]

 مرة ذكرت لكم: سائق سيارة عمومي, غير متعلم إطلاقاً, على خط بيروت دمشق, جاءه شاب, وزوجته, فترجوه أن ينتظر, بينما تأتيهم محفظة, يبدو أنه تأخر الذي سيأتي به, صاح السائق, بعد ذلك: جاء رجل يبلغ من العمر سبعين, ثمانين, يحمل حقيبة على رأسه, الشاب ضربه على رأسه, لماذا تأخرت؟ أخذ الحقيبة, ووضعها, وذهب, بعد ما قطع مسافة, تقول الزوجة لزوجها: لماذا ضربته؟ هذا أبوك, غير معقول تضربه! السائق: لما سمع أباه وقف, قال له: انزل, نعمل حادثاً.
 انظر الموقف البسيط جداً: لو كان كلنا فعلناه, تجد إنساناً يسب الدين, يعمل أعمالاً, لا أحد يتكلم معه, ولا كلمة, ولا يجد موقف اعتراض, الوضع هذا, لما المسلمون يتخلون عن الفريضة السادسة, يستحقون الهلاك, وفقدوا خيريتهم.
 يقول شخص: أنا سبب هدايتي سائق سيارة, اشتريت حاجات من المؤسسة, ويبدو قد اشترى خمراً (بيرا), وطلب سيارة, لما رأى البيرا, طرده, نزله, وقصة قديمة, أثناء كان في أزمة مواصلات, قال: بقيت واقفاً ساعة, ما أحد ركبني, رأيت نفسي مهاناً, لأنني أشتري الخمر, فتاب من يومها.
 لا تعلم, لو كان الأسر كلها تعاونت, إذا إنسان –مثلاً- تفلت, يقاطع, إنسان أساء, يقاطع, أما يرتكب كل الإساءات, يقتاد أقذر الأماكن, معزز, ومكرم, ومحترم, إذا المجتمع هكذا, انتهى المجتمع, قال تعالى:

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾

[سورة المائدة الآية:79]

((كانوا إذا سَرقَ فيهم الشَّريفُ -بنو إسرائيل- تَرَكُوه، وإذا سَرَقَ فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ, وايْمُ اللَّهِ لَوْ أنَّ فاطمةَ بنْتَ محمدٍ سَرَقَت لقطعتُ يَدَهَا))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة]

 سيدنا عمر -القصة تعرفونها, تكلمتها كثيراً- لما قال له بدوي:

((هذا جبلة لطمني على أنفي, فهشم أنفي قال له:

أرض الفتى لابد من إرضائه  ما زال ظفرك عالقاً بدمائه
أو يهشمنَّ الآن أنفــــك  وتنال ما فعلته كفــــك

 قال:

كيف ذاك يا أميــــــر؟  هو سوقة وأنا عرش وتاج
كيف ترضى أن يخر النجم أرضا!؟

 قال له سيدنا عمر:

نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد   دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديدا
وتساوى الناس لدينا أحراراً وعبيدا

 قال:

كان وهماً ما جرى في خلدي  أنني عندك أقوى وأعز
أنا مرتد إذا أكرهتني

قال:

عنق المرتد بالسيف تحز  عالم نبنيـه كل صــدع فيه
بشبا السيف يـــداوى  وأعز الناس بالصعلوك تساوى

انضم ملك لسيدنا عمر قليل, جبلة ملك الغساسنة, فلما ضرب بدوي, وأراد عمر أن يقتص منه, عمر هدده, إذا كنت تريد أن تعاقبني أرتد, قال له: ارتد))

 قالوا: عمر رأى أن التضحية بملك أهون من التضحية بمبدأ .
 فما في مجتمع قوي إلا عنده مبادىء ثابتة, قوية, والأشخاص كلما كبروا: صغر المبدأ, والمبدأ كلما كبر: صغر الأشخاص.
 فالحديث هذا: أن نتعاون على مستوى أسرة, على مستوى حي, على مستوى جماعة, على مستوى رواد مسجد, على مستوى مدينة, على مستوى بلد, على مستوى شعب, على مستوى أمة, لأن التفرقة سبب الضعف.
 فقال:

((إن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا؛ هَلَكوا, وهلكوا جَميعاً، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ؛ نَجَوْا, ونَجَوْا جَميعا))

[أخرجه البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير]

 فتقول: ليس لي دخل, أنت من حقك أن تنكر المنكر؛ إما بلسانك, أو بيدك, أو بقلبك, كما أنه لا يُقبل أن تنكره بقلبك, وأنت قادر أن تنكره بلسانك, ولا يُقبل منك أن تنكره بلسانك, إذا كنت قادراً أن تنكره بيدك.
 ابنتك هذه, تجدها تمشي في الطريق بأبهى زينة, ما في شيء مخفي منها؛ ألا يوجد لها أباً؟ ألا يوجد لها أخاً؟ ألا يوجد لها زوجاً؟ كيف تركوها, وهكذا حالها؟ هذا الذي استحق به المسلمون الهلاك .
 لا أقول لكم: كونوا عنيفين, بلطف, لكن لا تسكت على منكر, لا تسكت على خطأ, إن سكت على الخطأ, تستحق غضب الرحمن:

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾

[سورة المائدة الآية:79]

 إذا قالوا: اتركهم, انتهوا, وهذا كلام لطيف! مثل رائع جداً, حتى لا نؤذي من فوقنا, حفرنا من الأسفل, أخذنا ماء مباشرة, انتهت السفينة, غرقوا جميعاً.
 أحيانا: أخلاق الأمة متعلقة بالتناصح, كل شيء مسموح, كل شيء نفعله, كل شيء لا نعاقب عليه, كل شيء نتساهل فيه, انتهت الأمة, أخلاقها انتهت:

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾

[سورة المائدة الآية:79]

 هذا سبب هلاكهم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور