وضع داكن
28-03-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 42 - شفافية الرسول عليه الصلاة والسلام - الموت حق.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

علام تدل هذه الأحاديث ؟

 أيها الأخوة الكرام, أحاديث شريفة وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين شفافيته, فحينما دخل بستان أنصاري, ورأى فيه جملاً, فلما رأى النبي حن, ذرفت عيناه, أقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم, ومسح ذفريه, وقال:

((من صاحب هذا الجمل؟ فقالوا: فتى من الأنصار, قال: ائتوني به, فلما جاؤوا به, قال: أَفلا تَتَّق اللهَ في هذه البَهيمةِ التي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاها؟ فَإِنَّهُ شَكا إِليَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ))

 هذا الاتصال بين النبي عليه الصلاة والسلام, وبين المخلوقات, سبب هذا الموضوع: أن النبي عليه الصلاة والسلام طلع له أحد, فقال:

((هذا جبل يحبُّنا ونُحبُّه))

[أخرجه مالك في الموطأ]

 يخطر ببال إنسان: أن يحب جبلاً!؟ كان يخطب على نخلة, فلما صنع له أصحابه منبراً, خطب على المنبر, فحنت إليه النخلة, فكان يضع يده عليها.
 لما حنظلة اشتكى إلى سيدنا الصديق أنه نافق, قال:

((ولم يا أخي؟ قال: لأن مع رسول الله, ونحن والجنة كهاتين, فإذا عافسنا الأهل ننسى, قال: وأنا كذلك يا أخي, انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, هناك قال عليه الصلاة والسلام: نحن معاشر الأنبياء, تنام أعيننا, ولا تنام قلوبنا, أما أنتم يا أخي, فساعة وساعة, لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي, لصافحتكم الملائكة))

 أقصد من هذا الكلام: أن المؤمن إذا عرف الله عز وجل, تناغم مع الكون كله, صار في وحدة, الجبل من مخلوقات الله.

 

ماذا نستنبط من هذه التجربة, ومن هذه الأحاديث التي تلاها النبي ؟

 أيها الأخوة, ذكرت لكم قبل شهر, أو أكثر: أن أستاذاً جامعياً كبيراً في علم الطبيعيات (في علم النبات), أجرى تجربة فريدة من نوعها, نصب أربعة بيوت بلاستيكية, في حديقة الكلية, وجعل التراب واحداً, وزرعها قمحاً, وسمدها بسماد متجانس, وسقاها مرات متساوية, وبكميات متساوية, وكلف طالبة أن تتلو على البيت الأول, كل أسبوع مرتين؛ سورة ياسين, وآية الكرسي, والمعوذتين, والإخلاص, والفاتحة, وكلف طالبة ثانية أن تعذب نباتاً, أما نبات البيت الثاني: تأتي بنبات, تعذبه, تسمعه أقذع العبارات, تقص أطرافه, وكلف طالبة ثالثة أن تعذب نبات البيت الثالث, وجعل البيت الرابع ضابطاً؛ لا في تعذيب, ولا في مشاهدة تعذيب, ولا في قراءة قرآن, جعله هو الضابط, وبعد عدة أشهر: كان هناك مؤتمراً علمياً, فجمع المتخصصين, وأراهم النتائج, النبات الذي تلي عليه القرآن: زاد نموه, أربعة وأربعين بالمئة, وزاد محصوله أربعة وستين بالمئة, بالقياس إلى البيت الضابط (آخر بيت), والنبات الذي عذب, والذي رأى التعذيب, قل نمو سنابله ثلاثاً وثلاثين بالمئة, وهبط إنتاجه إلى ثمانين بالمئة, ثم ذكر هذا الأستاذ الجامعي ما في القرآن الكريم من آيات حول النبات قال:

 

﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾

[سورة الرحمن الآية: 6]

 وقال:

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾

[سورة الإسراء الآية: 44]

 ثم ذكَّر بالآية الكريمة:

﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ الله﴾

[سورة الحشر الآية: 21]

 هذه التجربة الفريدة, وقول النبي:

((أعرف حجراً بمكة, كان يسلم علي, وأسلم عليه))

 وهو الصادق المصدوق, وحينما رأى الجمل قال:

((من صاحب هذا الجمل؟ قال: ألا تتق الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي: أنك تجيعه وتدئبه))

  وحينما خطب على النخلة, وتحول عنها إلى المنبر, حنت إليه, فكان يضع يده عليها, وحينما قال لحنظلة وأبي بكر رضي الله عنه:

((لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي, لصافحتكم الملائكة))

 فالمؤمن أينما نظر, يرى الله وراء كل شيء, وقبل كل شيء, وبعد كل شيء, وفوق كل شيء, وتحت كل شيء, وفي كل شيء, لا كشيء في شيء, هذه الرؤية الموحدة سماها العلماء: وحدة الشهود, تناقض في الكون لا يوجد أبداً, في خالق واحد, في انسجام, أينما ذهبت .
 أحياناً: إنسان سافر لمكان بعيد, يسمع صوت الديك؛ الديك: هو هو, لا يتغير, النبات: هو هو, البحر: هو هو, الجبال: هي هي, طبيعة الإنسان: هي هي, فطرته: هي هي, فهذا الانسجام أحد ثمرات الإيمان؛ انسجام بين الجماد, والنبات, والحيوان, والإنسان, يرى الله عز وجل يده فوق يد كل البشر, هذا التوحيد:

((وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد))

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

[سورة الفتح الآية: 10]

﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾

[سورة الأنفال الآية: 17]

من نتائج التوحيد :

 أيها الأخوة, التوحيد له نتائج مذهلة, أولى أكبر نتائجه: الصحة.
 يعني: كلما التقيت مع أخوة كرام أطباء متفوقين جداً, هم مع أحدث البحوث العلمية, يقولون: الشدة النفسية وراء الأمراض كلها, والشدة النفسية: خوف, قلق, حقد, الشدة النفسية علاجها: التوحيد, اعمل لوجه واحد, يكفك الوجوه كلها, من جعل الهموم هماً واحداً, كفاه الله الهموم كلها, لا يوجد عند المؤمن حقداً, لأنه يرى أن الله بيده كل شيء, وأن الله حينما يسلمني لغيره, لا يمكن أن أعبده, أصبح معي حجة: يا رب, أنا سأعبد من وكلت أمري إليه:

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْه﴾

[سورة هود الآية:123]

 علاقتك مع واحد, ولا تحتاج معه إلى وصل؛ لا إلى وثيقة, ولا إلى ختم, ولا إلى يمين:

﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾

[سورة طه الآية:7]

 الله مطلع على ما في النفوس, لذلك قال لي أحدهم مرة: الحمد لله على وجود الله, الإنسان قد لا يعلم, قد يراك في أسوأ حالة, وأنت من أفضل الناس, قد يتوهم أنك سيء, وأنت طيب, لكن الله عز وجل يعلم كل شيء, فليس القصد من الإيمان: أن تؤمن أن الله خلق الكون, هذا آمن به إبليس:

﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ﴾

[سورة الأعراف الآية:12]

 القصد: أن ترى أن الله مع كل إنسان, وأن كل إنسان بيد الله :

﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾

[سورة الزمر الآية:62]

 فهذا الانسجام في الكون, أحد أسبابه: التوحيد, المؤمن له رؤية, المؤمن إنسان متميز؛ يرى ما لا يراه الآخرون, يسمع ما لا يسمعون, يشعر ما لا يشعرون, يرى الله وراء كل شيء, الرؤية الصحيحة تسبب له راحة نفسية, والراحة النفسية تنعكس صحة على الإنسان.
 أنا أغرب ما قرأت في طريق للآلام مضخم, أي إنسان في أي زمان ومكان, إذا أنت حرقت يده, يتألم لما تضع جمرة على جلده, الإحساس بالحرق ينتقل عبر الأعصاب إلى النخاع الشوكي, ومن النخاع الشوكي إلى البصلة السيسائية, إلى الجسم تحت السرير البصري, إلى قشرة الدماغ, يصيح الإنسان, هذا الألم, هذا طريق الآلام, اسمه: النهايات العصبية, النخاع الشوكي, البصلة السيسائية, تحت السريرالبصري, قشرة الدماغ, اكتشف العلماء على هذا الطريق: بوابات, إذا أغلقت انقطع الألم, وقالوا: تتحكم في هذه البوابات الحالة النفسية للمريض.
 فأنت إذا آمنت, جعلت الهموم هماً واحداً, طبعاً على الشبكية: في أقوياء أشرار, ومخيفين, ممكنين في الأرض على الشبكية, أما إذا وصلت إلى الدماغ بحسب التوحيد: لا ترى مع الله أحداً, لا ترى إلا الله, وهو حسيب كل إنسان, وكل إنسان في قبضة الله, وأينما ذهبت هناك صيدلية عند الله, لكل بلد, أينما ذهبت, كل بلد له صيدلية خاصة, إذا أراد الله أن يؤدب إنساناً, لو عاش في أرقى بلد بكل العالم, هو الرزاق بكل بلد, هو المتصرف بكل بلد, هذا هو التوحيد.
 فلذلك لما بدا جبل أحد, قال:

((هذا جبل يحبُّنا ونُحبُّه))

[أخرجه مالك في الموطأ]

قصص فيها عبر :

 في موضوع ملحق بهذا الموضوع, لذلك تأثرت له تأثراً كبيراً, كان من الممكن أن نأتي الدنيا دفعة واحدة, وأن نغادرها دفعة واحدة؛ لا مرض, ولا حزن, ولا موت, ولكن شاءت حكمة الله: أن نأتيها تباعاً, وأن نغادرها تباعاً.
أخ كريم من أخوان جامع الطاووسية, له محل تجاري باتجاه المحافظة, وأنا والله لا أزكي على الله أحداً, أظنه مؤمناً صالحاً, قدم خدمات لأخواننا الفقراء في المسجد كثيرة جداً, أعطاني بطاقات على القليل, يقول لي: أي إنسان فقير, البطاقة بألفي ليرة, بطاقات عديدة بكل عيد, وقدم ملابس وبدلات لأخواننا طلبة العلم, ولا سيما الأجانب, أخذ محلاً تجارياً, وعليه ضريبة مالية كبيرة جداً ستة ملايين, وأنا توسطت له مع مدير المالية, موضوع طويل, وعليه دفع, وفي ريعان الشباب, الإنسان يسمع فلاناً, مات في التسعين, هذا وقته, مات ويبلغ من العمر مئة وأربعة, معقول يموت بهذا الوقت, لكن الناس توهموا: أنا لا أموت في هذا الوقت, أنا عمري طويل.
 في أخ لي صديق, جالس بسهرة يوم السبت, وفعلاً: كلامه صحيح, أنا سوف أطول لكي أموت, أنا لم أكن موجوداً, أنا لا أحضر هذه الجلسة, مطول لكي يموت, كلام غير شرعي, سألوه لماذا؟ قال: وزني خفيف, ورشيق, وألعب رياضة, ولا أدخن, وأمشي كثيراً, كلامه صحيح مئة في المئة, الذي عكس هذه الأشياء, أكبر أسباب الموت تكلمها السبت, السبت الثاني: كان تحت الأرض.
 فهذا الأخ, كان في نزهة مع زوجته, وأولاده في الساحل, ماتوا جميعاً, هو لو سألته متى تتصور أن تموت؟ من بعد الستين, هكذا تتصور.
 إنسان يموت فجأة, أما أنا والله أظنه صالحاً, وأظنه مؤمناً, ولا أزكي على الله أحداً, اتعظوا بالموت, لا أحد يعلم منا متى أجله؟ متى انتهى؟ الأوراق انتهت.
 شخص من كبار تجار الحريقة, صار معه مرض خبيث بالدم, وسافر إلى الاتحاد السوفييتي سابقاً, وعاد, وكان في موعد أن يخبروه بنتيجة التحليل, هكذا فهمت, فجاء اتصال هاتفي, رفع السماعة, هو بلغوه, بقي له يومان بالضبط, هذا الرجل صالح, لكن: إذا كان دخلوا عليه لجنة, يعطيهم مفتاح الصندوق, ويلح عليهم ألا يخبروه: كم أخذوا؟ لا أحد يفعلها, خذوا ما تريدون, لا تقولوا لي: من أجل أن ترتاحوا, له أعمال طيبة, عمر جامعاً, يده خيرة جداً, مع أن الخبر مؤلم جداً, بقي له يومان, يقول لي صديقه: لم أر إنساناً أعصابه هادئة, ومرتاح مثله, بعث وراء صديقه, قال له: انتهيت أنا, بقي لي يومان, أعطاه قائمة حل مشكلات؛ الصفقة الفلانية: ألغها, الصفقة الفلانية: مدفوع ثمنها, وأكمل معاملتها, وبيعها, وأعطى الصفقة لأولاده, نظم له كل أموره؛ أول يوم, ثاني يوم: طلب كل أولاده البنات, والذكور, والأصهار, دعاهم, ثالث يوم: له شيخ في الشام, جاء شيخه, معه أخوانه, عملوا له تهليلاً, تغسل هو بنفسه, والساعة الواحدة, سلم الحال, هذا ليس حال شخص عادي, إنسان عمله طيب.
 فأنت اعمل عملاً طيباً, حتى الموت لا بد منه, لا أحد يقول: مطول لكي أموت, الكلمة كبيرة جداً, بعيد الحال, مثل ما قال سيدنا الصديق, كلما وضع قدمه قال: قد لا أتبع الثانية الأولى, لشدة خوفه من الله عز وجل .
 فهذا الأخ في ريعان الشباب, وعمله طيب, ومحله بأدق محل, مواجه المحافظة, محله يعمل, دائماً: يصلي عندنا؛ كل سبت, أحد, اثنين, يسلم علي سلاماً حاراً, هل يلزمه أحد شيئاً؟ هل يريد أحد شيئاً؟ أخ يريد كسوة على العيد, يعطيه البطاقة: اذهب, عنده ألبسة, وعنده........مشكل.
 فأخواننا الكرام, هذا الموت يأتي بغتة, والقبر صندوق العمل, أعقل العقلاء: هو الذي يعمل لهذه الساعة, التي لا بد منها, ولما الإنسان يصطلح مع الله, لا يوجد عنده مشكلة.
 كنت أقول كلمة: الله عز وجل من كرمه, يجعل نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة؛ خط, وكنت أقول: خط المؤمن البياني صاعداً صعوداً مستمراً, والموت نقطة على هذا الخط, أما خط الكافر البياني؛ صعود حاد, سقوط مريع .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور