وضع داكن
18-04-2024
Logo
مختلفة - سوريا - الدرس : 43 - يبرود - مقومات التكليف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الأخوة الكرام: بادئ ذي بدء أشكر لكم دعوتكم الكريمة وأسأل الله جل جلاله أن أكون عند حسن ظنكم وأن ننتفع جميعاً بالحقائق التي سوف تكون محور هذا اللقاء الطيب.
 من مسلمات الحياة الإنسانية أنه ما من إنسان على وجه الأرض من ستة آلاف مليون الذين يعيشون على سطح هذه الأرض إلا ويتمنى السلامة والسعادة، فالسلامة والسعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان على وجه الأرض، ذلك لأن الإنسان فطر على حب وجوده وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، لكن الإنسان يشقى لنقص في علمه فالجاهل عدو نفسه، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، فما دام الإنسان مفطور على حب وجوده وسلامة وكمال واستمرار وجوده يشقى حينما يجهل، لذلك أودع الله في الإنسان قوة إدراكية عليا وأودع فيه حاجة عليا إلى العلم، فالإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم وغذاء القلب الحب وغذاء الجسم الطعام والشراب، وما لم تلبى هذه الحاجات الثلاث فإن الإنسان يتطرف يتفوق إذا لبى هذه الحاجات الثلاثة ويتطرف إذا لبى أحدها على حساب الأخرى.
 فلذلك التوازن في الحياة الإنسانية شيء مهم جداً في الصحة النفسية، لا بد من مثل لتقريب الحقيقة، لو أن إنسان سافر إلى بلد بعيد ونام في أحد الفنادق واستيقظ في صبيحة اليوم الأول وسأل إلى أين أذهب ؟ نسأله نحن لماذا جئت إلى هنا ؟ إن كنت قد جئت طالب علم اذهب إلى المعاهد والجامعات، وإن جئت تاجراً اذهب إلى المعامل والمؤسسات، وغن جئت سائحاً اذهب إلى المقاصف والمتنزهات أي لا تصح حركة الإنسان في الدنيا إلا إذا عرف شيء وجوده، ولا شيء يعلو في اهتمام الإنسان على معرفة سر وجوده، وإن جئت تاجراً اذهب إلى المعامل والمؤسسات لأنه إذا عرف سر وجوده صحت حركته، إذا عرف أن سر وجوده في هذا البلد لينال الدكتوراه إذاً ليذهب إلى المعاهد والجامعات، إذا عرف أن سر وجوده أن يعقد صفقة كبرى إذاً اذهب إلى المعامل والمؤسسات، إذا عرف أن سر وجوده التنزه والسياحة إذاً يذهب إلى المقاصف والمتنزهات.
 فبادئ ذي بدء لا تصح حركة الإنسان في الحياة الدنيا إلا إذا عرف سر وجوده هذا سؤال كبير لماذا نحن في الدنيا ؟ لماذا خلقنا ؟ ما العلة التي كانت وراء خلقنا ؟ ما الهدف المطلوب منا ؟ أما هذا الذي يعيش بلا هدف إنسان لا قيمة له إطلاقاً، هذا الذي يغفل عن سر وجوده إنسان لا يحقق شيئاً.
 فأول قضية في هذا اللقاء الطيب إن شاء الله أن يبحث الإنسان عن سر وجوده.
 شيء آخر لو أن طالباً على مشارف امتحان مصيري يبنى على نجاحه في هذه المادة نجاحه في هذه السنة، ويبنى على نجاحه في هذه السنة نجاحه في هذا الفرع، ويبنى على نجاحه في هذا الفرع تعيينه في منصب مرموق، ويبنى على تعيينه زواجه، لو أنه على وشك الامتحان وجاء أصدقائه وأخذوه لمكان جميل جداًَ وأطعموه أطيب الطعام واستمتع بأجمل المناظر لماذا يشعر بضيق ؟ لأن هذه الحركة لا تتناسب مع هدفه القريب، لو أنه جلس في غرفة قميئة وقرأ الكتاب المقرر واستوعبه يشعر براحة.
 إذاً متى يرتاح الإنسان ؟ يرتاح إذا جاءت حركته متوافقة مع هدفه، التاجر حينما لا يبيع ولا يشتري يتألم أشد الألم مع أنه مرتاح، أما حينما يتعب أشد التعب في البيع والشراء يكون في قمة نشوته، فالسعادة تأتي من أن تكون حركة الإنسان متوافقة مع سر وغاية وجوده.
 لذلك ما منا واحد على وجه الأرض إلا ويبحث عن السلامة والسعادة فإذا عرف سر وجوده وغاية وجوده سعد في الدنيا والآخرة، هذه قضية إنسانية عامة.
 ولكن أيها الأخوة: نحن أمام كون يلفت النظر هذا الكون يغفل عنه معظم الناس، الناس غارقون في مشكلاتهم وفي ضغوط الحياة، ولكن هذا الكون يشير إلى شيء عظيم، فهذا الكون هو الشيء الثابت أمام كل إنسان، كائناً من كان هذا الكون ينطق بكل مظاهره على أن له خالقاً عظيماً ومربياً حكيماً ومسيراً عادلاً، هذا الكون ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله.
 مثلاً: بين الأرض والشمس مائة وست وخمسون مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، الأرض تصغر الشمس بمليون وثلاثمائة ألف مرة، جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمائة ألف أرض، وبينهما مائة وست وخمسون مليون كيلو متر، وفي بعض أبراج السماء برج اسمه برج العقرب فيه نجم صغير متألق أحمر اللون اسمه قلب العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما !
 هذا من آيات الله الدالة على عظمته،بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلو متر يقطعها الضوء في الثانية الواحدة، فكم يقطع في الدقيقة ؟ ضرب ستين، فكم يقطع في الساعة ؟ ضرب ستين، فكم يقطع في اليوم ؟ ضرب أربع وعشرين، كم يقطع في السنة ؟ ضرب ثلاثمائة وخمس وستين كم يقطع في أربع سنوات ؟ ضرب أربع، طالب بالإعدادي بكل بساطة يستطيع أن يكتشف كم يبتعد هذا النجم عن الأرض الذي هو أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، لو أردنا أن نصل لها النجم بمركبة أرضية سرعتها مائة،قسمنا هذه الكيلو مترات على مائة لحصلنا على عدد الساعات التي نحتاجها كي نصل إلى هذا النجم، لو قسمنا على أربع وعشرين عدد الأيام، لو قسمنا على ثلاثمائة وخمس وستين عدد السنوات، من أجل أن نصل لهذا النجم الذي هو أقرب نجم إلى الأرض ملتهب نحتاج إلى خمسين مليون عام !
 متى نصل لنجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟ أربع سنوات خمسين مليون، أربعة آلاف ؟ متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ؟ متى نصل إلى بعض المجرات التي اكتشفت حديثاً والتي تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية، هذا النجم كان في هذا المكان وأصدر ضوء بقي يمشي في الفضاء الخارجي عشرين مليار سنة ضوئية حتى وصل إلينا.
 أيها الأخوة: إذا قال الله عز وجل:

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾

(سورة الواقعة)

 هذا الكون بسماواته وأرضه هذه الأرض بجبالها ببحارها بأسماكها بأطيارها بتلالها بسهولها بأغوارها إنها آيات دالة على عظمة الله، ألا ينبغي لهذا الإنسان أن يتعرف إلى الله ؟ ألا ينبغي أن يقيم علاقة معه ويسأله عن منهجه ؟ ألا ينبغي أن يطيعه ؟ أهذا الإله يعصى ! ؟
 أنتقل بكم فجأة من مجرة تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية إلى أحقر حشرة يعيش معها الإنسان بعوضة ! ما من مخلوق أهون على أي إنسان من بعوضة، قد تقتل بعوضة هل تشعر أنك قاتل ؟ مستحيل ! لا شأن لها، بعد أن اخترع المجهر الإلكتروني هذا شيء حديث يكبّر أربعمائة ألف مرة، بعد أن وضعت هذه البعوضة تحت المجهر الإلكتروني تبين أن في رأسها مائة عين، وفي فمها ثمانية وأربعون سناً وفي صدرها ثلاثة قولب قلب مركزي وقلب لكل جناح وفي كل قلب أذينان وبطينان ودسامان، هل تصدقون أن البعوضة تملك أجهزة لا تملكها الطائرات ؟‍‍‍‍ !!!! تملك جهاز استقبال حراري أي أنها ترى الأشياء لا بألوانها ولا بأشكالها ولا بأحجامها بل بحرارتها، كأنها رادار إنها ترى بالأشعة تحت الحمراء،حساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المئوية، لو ارتفعت الدرجة واحد على ألف من الدرجة لشعرت هذه البعوضة بذلك، هذه البعوضة تملك جهازاً آخر جهاز تحليل للدم لأنه ما كل دم يناسبها، فقد ينام أخوان على فراش واحد يستيقظ الأول وقد ملء بلسع البعوض والثاني لم يصب بشيء، معها جهاز تحليل دم فضلاً عن جهاز الرادار الذي معها جهاز الاستقبال الحراري معها جهاز تحليل دم وجهاز تخدير لئلا تقتل في أثناء امتصاص الدم، أما حينما يضرب أحدنا يده على أثر لسع البعوض تكون البعوضة في سماء الغرفة وقد انتهى مفعول التخدير فقط ! والبعوضة تملك جهاز تمييع للدم، فمن جهاز رادار إلى جهاز تمييع إلى جهاز تخدير إلى جهاز تحليل، بعوضة، أما خرطوم هذه البعوضة ففيه ست سكاكين أربع سكاكين لإحداث جرح على شكل مربع وسكينان يلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم !!! أخالق هذه البعوضة يعصى ؟ هذا الخالق العظيم ألا يلتفت إليه ويطاع ؟

 

إلى متى أنت باللذات مشغول  وأنت عن كـل ما قدمت مسؤول
تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري فـي المقام شـنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعـته  إن المحب لمـن يـحب يـطيع
***

 أنا قدمت نماذج بسيطة أما الكون فيه من الآيات التي تدل على عظمة الإله ما لا سبيل إلى وصفه، فالإنسان قبل أن يغوص في متاعب الدنيا وفي غمومها وفي مصالحه ينبغي أن يعرف ربه، من خلقه ؟ ولماذا خلقه ؟ أيعقل أن هذا الإله العظيم خلقنا ليعذبنا ؟ جل وعلا خلقنا ليسعدنا، لكننا حينما نشقى لنقص العلم، نشقى حينما لا نعلم سر وجودنا وغاية وجودنا لأن الإنسان أعقد آلة في الكون، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة البالغة التعقيد صانع حكيم، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة، فالإنسان أحياناً انطلاقاً من أنانيته المفرطة ومن حبه لذاته ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع، وما من جهة تستحق أن تتبع تعلياتها كالجهة الصانعة.
 حينما تقتني كمبيوتر ويصيبه عطب أين تأخذه ؟ إلى بائع خضراوات ؟ لا بل إلى الخبير، الخبير هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها، النقطة الأولى أن هذا الكون يدل على إله عظيم، هذا الإله خلقنا ليسعدنا، لكن أرسلنا إلى الدنيا كي ندفع في الدنيا ثمن سعادة أبدية لا تنتهي، جاء بنا إلى الدنيا وأمرنا أن نفعل كذا وندع كذا افعل ولا تفعل، من أجل أن نستحق حياة أبدية لا تعب فيها ولا نصب، فالذي يعلم سر وجوده وغاية وجوده ينسجم مع بنيانه النفسي والاجتماعي والجسمي.
 أولاً أودع الله في الإنسان عقلاً هذا العقل مناط التكليف، وهذا العقل ثمن شيء يملكه الإنسان، لقد ميز الله الإنسان بهذا العقل، الإنسان اخترع طائرة ونقل صورة عبر القارات والصوت واخترع مراكب وأسلحة متنوعة وغاص في البحار وطار في الفضاء الخارجي ووصل إلى القمر لأن الله أودع فيه هذا العقل، لكن هذا العقل ينبغي أن يستخدم لما خلق له، ينبغي أن تقرأ به ما في الكون قراءة إيمان لا قراءة عدوان، ينبغي أن تقرأ بعقلك قراءة إيمان يمكن أن تقرأ قراءة عدوان، يمكن أن تطغى بالعلم.

 

 

﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)﴾

 

(سورة العلق)

 يمكن أن تستخدم العلم للسيطرة على بقية الشعوب، يمكن أن تستخدم العلم لتحقيق المصالح على حساب الآخرين، يمكن أن تستخدم العلم لتبني مجدك على أنقاض الآخرين، ولتبني عزك على ذلهم وغناك على فقرهم وحياتك على موتهم وأمنك على خوفهم يمكن، وقد ضرب الله لنا مثلاً عن هؤلاء الذين قرءوا ما في الكون قراءة نفع وتسلط فقال:

 

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)﴾

 

(سورة الفجر)

 قوم عاد قوم سابقون وهم نموذج لكل قوم يقرءون ما في الكون لا قراءة إيمان بل قراءة طغيان وعدوان، قوم عاد تفوقوا في البناء قال:

 

﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)﴾

 

(سورة الشعراء)

 قوم عاد تفوقوا في الناحية العسكرية قال:

 

﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)﴾

 

(سورة الشعراء)

 وقوم عاد تفوقوا في الناحية العلمية قالوا:

 

﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)﴾

 

(سورة العنكبوت)

 قوم عاد لم يكن فوقها إلا الله بدليل أن الله ما أهلك قوماً إلا وذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوة إلا عاداً حينما أهلكها قال:

 

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾

 

(سورة فصلت)

 قوم عاد ماذا فعلوا ؟

 

﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)﴾

 

(سورة الفجر)

 طغوا وأفسدوا، كيف أدبهم الله عز وجل ؟

 

﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)﴾

 

(سورة الحاقة)

 قوم عاد، لا تعني أن قوم عاد وجدوا ثم أهلكوا تعني كل قوم سلكوا مسلك عاد، بدليل أن الله عز وجل يقول:

 

﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى (50)﴾

 

(سورة النجم)

 معنى ذلك أن هناك عاداً ثانية هذا دليل قوي ! قوم عاد:

 

﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)﴾

 

(سورة الفجر)

 يمكن بالقوة الإدراكية التي أودعها الله فيّ أن أقرأ ما في الكون قراءة إيمان أو قراءة شكر وعرفان، ذلك لأن الله منحني نعمة الإيجاد والإمداد ونعمة الهدى والرشاد، فلا بد من أن أؤمن به أولاً وأشكره ثانياً، والإنسان حينما يؤمن وحينما يشكر يحقق الهدف من وجوده.
 أيها الأخوة: كليات الدين مهمة جداً في حياة الإنسان، أي إنسان، فالإنسان ينتمي إلى إنسانيته، والإنسان ينتمي إلى خالق ما من إنسان على وجه الأرض إلا ويؤمن أن له خالقاً ومربياً ومسيراً.
 أيها الأخوة: هذا العقل مناط التكليف وأداة معرفة الله، هذا العقل ميزان.

 

﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)﴾

 

(سورة الرحمن)

 هذا العقل أعظم شيء خلقه الله، ومن عظمة هذا العقل أنه عاجز عن فهم نفسه، يوجد بالدماغ مائة وأربعين مليار خلية استنادية سمراء لم تعرف وظيفتها بعد، في شبكية العين مائة وثلاثين مليون عصية ومخروط من أجل دقة الرؤيا.
مرة سألت بائع كاميرات فأجابني بأن هذه الآلة بالسنتيمتر مربع يوجد ست ملايين نقطة، لكن بالشبكية حجمها كحجم حبة العدس فيها مائة وثلاثين مليون، هذا كله من أجل دقة الرؤيا، لو أننا درجنا اللون الأخضر ثمانمائة ألف درجة لاستطاعت العين البشرية أن ترى الفرق بين الدرجتين، يوجد بلاد قريبة من المنطقة القطبية كفلاندا تصل الحرارة فيها في الشتاء إلى تسع وستون درجة تحت الصفر ! فالإنسان في هذه البلاد يستخدم المعاطف والقفازات والجوارب والقبعات والأحذية المبطنة بالفرو وألبسة صوفية حتى الداخلية كل شيء ممكن، ولكن الحرارة تسع وستين تحت الصفر وفي العين ماء، هل يستطيع أن يغطي عينه كيف يمشي في الطريق ؟ لا بد من أن تكون عينه ملامسة للهواء الخارجي، إذاً لابد من أن يفقد كل من يعيش هناك بصرهم بفعل تجمد ماء العين، ما الذي يحصل ؟ أن الله أودع في ماء العين مادة مضادة للتجمد، هذا إله عظيم !!
 أي عنصر على وجه الأرض إذا سخنته يتمدد وإذا بردته ينكمش والماء كذلك إلا أن الماء وحده من بين كل عناصر الأرض إذا بردته لدرجة زائد أ ربعة تنعكس الآية فيتمدد، هل تصدقون لولا هذه الخاصة لما كنا في هذا المكان، ولما كانت يبرود ولا دمشق ولا الشرق الأوسط ولما عاش إنسان واحد على سطح الأرض، لو أن الماء كلما بردته ينكمش تزيد كثافته، فعلى سطح الأرض، لو أن الماء كلما بردته ينكمش تزيد كثافته، فإذا زادت كثافته غاص في أعماق البحار، بعد أجيال تتجمد جميع البحار وينعدم التبخر وتقف الأمطار ويموت النبات والحيوان والإنسان، إلا أن هذا الماء بآلية بالغة التعقيد إذا بلغت درجة زائد أربعة يزداد حجمه، فإذا زاد حجمه قلت كثافته، وإذا قلت كثافته طفى على السطح، فالبحار متجمدة في سطحها والمياه دافئة في الأعماق تبقى الحياة مستمرة هذا صدفة ؟؟!! إله عظيم أعطى الماء هذه الخاصة، الحديث عن آيات الله في خلقه في الكون في الإنسان لا ينتهي، إلا أن هذا الكون يشف عن ذات كاملة وينطق بوجود الله وبعدله وكماله ووحدانيته، هذا الكون يدل على الله فهو الثابت الأول عند كل إنسان كائن من كان وغن أردت أن تحدث الناس حديثاً يقبله جميع الناس من دون استثناء ويقف وجهاً لوجه أمام عظمة الله عز وجل حدثهم عن آيات الله الدالة على عظمته أنت إنسان ولك خالق عظيم وقد خلقك في أحسن تقويم، هل تصدقون لولا هذا المفصل لاضطر الإنسان أن يأكل كالقطة، ينبطح أمام الصحن ويأكل بلسانه لولا هذا المفصل كيف يأكل ؟ بهذا المفصل يأكل، هل تصدقون أنه لولا أن الله ألغى أعصاب الحس في الشعر وفي الأظافر لاضطر الإنسان لإجراء عملية جراحية مع تخدير هكذا الإنسان خلق بلا غله حكيم بلا مربي عظيم، التفكر في خلق السماوات والأرض يعرفنا بربنا ويجمعنا ويجمع الناس جميعاً، وقبل أن آتي إليكم قرأت حكمة علقت على الجدار الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الخلق أنفعهم لعياله.
 أيها الأخوة: عنوان محاضرتي مقومات التكليف، تحدثت عن أحد المقومات وهو الكون، ثم تحدثت عن العقل وله ثلاث مبادئ مبدأ السببية مبدأ الغائية مبدأ عدم التناقض، فلماذا الماء تنعكس آليته في الدرجة زائد أربعة بغاية استمرار الحياة ولماذا أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد ؟ لغاية سلامة العين في المناطق الباردة، الحديث عن آيات خلق الله وعن أسباب خلق الله لا يعد ولا يحصى.
 أيها الأخوة: فالإنسان أمامه كون وقد أودع الله فيه عقلاً أروع ما في الأمر أن مبادئ العقل متوافقة مع سنن الكون، ففي الكون كل شيء له سبب والعقل لا يقبل شيئاً بلا سبب.
 إذا واحد أغلق أبوابه بإحكام وسافر إلى اللاذقية يمضي أسبوعاً متنزهاً في الصيف، أغلق الأبواب والمفاتيح وسافر إذا عاد للبيت فرأى الضوء متألق لماذا يضطرب ؟ لن عقله لا يقبل أن يتألق الضوء من تلقاء ذاته ! إلا أن إنسان دخل في غيبته وأشعل الضوء يضطرب، لو أنه له زوجة غبية تقول له أطفئ الضوء ليس الموضوع أطفئ الضوء الموضوع من دخل لبيته في غيبته لأن عقل الإنسان لا يقبل شيئاً حدث من دون محدث، هذا مبدأ السببية مبدأ الغائية الماء له خاصة، الإنسان لا يفهم شيئاً من دون غاية، أما عدم التناقض لو أن إنسان اتهم بجريمة قتل في دمشق يوم السبت الساعة الثالثة وجاء بإثبات من محافظ حلب أنه كان عنده في هذه الساعة هذا يحكم بالبراءة ؟ العقل لا يقبل أن يكون إنسان في دمشق وحلب في آن واحد هذا العقل، مبدأ السببية ومبدأ الغائية مبدأ عدم التناقض، الآن الإنسان فضلاً عن هذا الكون الذي هو الثابت والأكبر والذي يدل على خالق السماوات والأرض وفضلاً عن هذا العقل المتوافق عن نظام الكون هناك فطرة، خصائص نفسية فالإنسان مفطور فطرة راقية جداً بحيث إذا أخطأ يعلم أنه أخطأ ذاتياً، وإذا أصاب يعلم أنه أصاب وما تعذيب الإنسان لنفسه وما كآبته وما إحساسه بالذنب وما شعوره بالنقص إلا لأن فطرته تعاقبه، أنت حينما تخطئ قد لا يكتشف أحد أنك خطأ ولكنك وحدك تدرك أنك أخطأت هذه بنية راقية جداً، فالإنسان المستقيم عنده راحة نفسية مصطلح مع فطرته ومتوازن، والإنسان حينما ينحرف يختل توازنه الخارجي نفسه تعذبه لأنه خرج عن فطرتها، مركبة مصممة أن تمشي على طريق معبد ثمنها خمس وعشرين مليون لو سرت في طريق وعر لكسرتها، سمعت أصوات وتعطلت لأنك خالفت أصل تصميمها، فهي مصممة للطريق المعبد، الآن أنت مصمم لطاعة الله فإن عصيته لن يحاسبك أحد نفسك التي بين جنبيك تحاسبك ونفسك تعذبك وهذا الموضوع موضوع واسع جداً، الإنسان بنية تكشف الخطأ ذاتياً.
 لذلك لمجرد أن يصطلح الإنسان مع ربه ترتاح نفسه تستقر تتوازن، لمجرد أن تؤدي واجبك وما عليك وأن تنصاع لأمر الله تشعر براحة أساسها أن فطرة النفس متطابقة مع منهج الله تطابق تام.
 الله عز وجل أمرك أن تكون صادقاً وأنت تحب الصدق فإذا صدقت ارتاحت نفسك، أمرك أن تكون رحيماً فإذا رحمت من حولك ارتاحت نفسك، لذلك راحة النفس أثمن شيء يحققه الله في الحياة الدنيا، فراحة النفس تأتي من طاعته لربه ومن انسجامه مع مبادئ فطرته هذه الفطرة، الفطرة جبلة تصميم معين خصائص عالية جداً بحيث أن الإنسان يدرك خطأه 1اتياً فإذا أردت أن ترتاح فاستقم.
 قرأت عن موضوع لطيف سألوا في بلد غربي إنسان متزوج لماذا لا تخون زوجتك ؟ استبيانات صنفت تصنيف خاص القسم الأول قال لا أستطيع تعمل معي في البقالية مثلاً، القسم الأرقى قال لا أحتمل الشعور بالذنب، القسم الثالث قال: لا أحب الخيانة، فالإنسان فسه وفطرته تتناسب مع الأمر والنهي الذي جاء من قبل الله عز وجل.
 المقوم الأول الكون والثاني العقل والثالث الفطرة، الإنسان وضعت فيه الشهوات يشتهي المال والعلو في الأرض والمرأة هذه الشهوات يمكن أن تتحرك بها مائة وثمانين درجة، لكن المنهج الإلهي قيدك بزاوية محددة، فما دمت في هذه الزاوية فأنت في أعلى درجة من السعادة، أما إذا اعتديت بدافع من هذه الشهوات شعرت بالشقاء، فالشهوة أودعت بالإنسان لتكون قوة دافعة وهي في القوت نفسه قد تكون قوة مدمرة، هذا السائل الانفجاري في السيارة البنزين إذا وضع في المستودعات المحكمة وسال في الأنابيب المحكمة وانفجر في الوقت المناسب وفي المكان المناسب ولد حركة نافعة أقلتك أنت وأهلك إلى مكان جميل ما الذي يحصل في السير انفجارات لكنها في الوقت المناسب والمكان المناسب والوقود السائل مودع في أنابيب ومستودعات محكمة، أما إذا خرج هذا الوقود عن مساره وأصاب هذه المركبة شرارة أحرق المركبة ومن فيها، فالوقود السائل بينما هو قوة دافعة إذا هو قوة مدمرة والشهوة كذلك، إما أن تكون قوة دافعة ترقى بها إلى أعلى عليين وإما أن تكون قوة مدمرة تهوي بها إلى أسفل سافلين.
 هكذا الشهوة فهي حيادية لأنك كائن متميز أنت مخير، ولأنك مخير كل حظوظك وشهواتك حيادية، أية شهوة أودعها الله في الإنسان إما أن تكون سبب رقيك لأعلى درجات الكمال، وإما أن تكون سبب سقوطه إلى أدنى الدرجات، الشهوات والحظوظ والخصائص حيادية لأن الإنسان مخير، ولولا أنه مخير لما كان لعمله قيمة إطلاقاً، فالتخيير هو التثمين، يثمن عملك إذا كنت مخير، وفي اللحظة التي يتوهم فيها الإنسان أنه مسير فقد ضل ضلالاً بعيداً أنت مخير فيما كلفت لك أن تصدق ولك أن تكذب لك أن تحسن ولك أن تسيء لك أن تعدل ولك أن تظلم لك أن تنصف ولك أن تجور، لك أن ترحم ولك أن تقسو وهكذا، اختياره يثمن عمله، أما لو أنه مجبر على طاعة الله لما كانت جنة، لو أنه مجبر على معصية الله لما كانت نار، لو أنه مجبر لما كان ثواب، لو أنه مجبر على معصية الله لما كان عقاب، ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء، فالإنسان مخير، وأودع فيه الشهوات ومنح فطرة عالية ومنح عقلاً، لكن في النهاية هناك شرائع.
 لا يوجد أب على وجه الأرض يرى ابنه يقترب من المدفأة ويبقى ساكتاً طفل صغير فمن لوازم الرحمة و الحكمة أن ينبه الأب ابنه ومن لوازم الرحمة والحكمة أن يعطي الأب توجيهات لابنه وتحذيرات، لذلك كانت الشرائع السماوية لا بد من توجيهات إيجابية وتحذيرات سلبية حتى تستقيم الحياة، هناك مرجعية نحن نوزع الموازين على الباعة، لكن هاك ميزان مركزي لو أن أحد الباعة سولت له نفسه أن يلعب بالميزان هناك ميزان في البلدية مركزي يكشف خطأ هذا البائع، فلا بد من مرجعية لهذا الإنسان تصور له عقله وعاطفته أي فطرته وتصور له تفكيره واختياره، هذه المرجعية هي الشرائع السماوية.
 أيها الأخوة الكرام: هذا موضوع في الأصول لا في الفروع والناس بحاجة ماسة للأصول، لأن هذه الأصول تعرف الناس بهويته من أنت ؟ أنت المخلوق الأول في الكائنات لأن الله سبحانه وتعالى أعطاك حرية الاختيار وسلمك نفسك كي تعرفها بربها وكي تحملها على طاعته لذلك كنت المخلوق الأول وكنت المخلوق المكرم والمكلف، كلفت معرفة الله وطاعته وكلفت أيضاً أن تستمتع بقربه، فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا ولو سمع أذنك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب الحجب وجئتنا ولو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا.
 الإنسان يحب الدنيا ويحب من حوله ويحب أهله وأولاده لكن هل جرب أن يحب الله ؟ هل جرب أن يقيم علاقة مع الله ؟ هل جرب أن يناجي ربه ؟ ويسأل المرجعيات لماذا أنا في الدنيا ؟ من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ هذه نقاط عريضة في موضوع مقومات التكليف أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعني وإياكم بها وأنا أنتظر أي سؤال لأجيب عنه، والحمد لله رب العالمين.

 

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ ))

 

(سنن الترمذي)

 الآية الكريمة:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾

 

(سورة التوبة)

 إذا الإنسان اختار أصحابه من المؤمنين الملتزمين المنضبطين وتعامل معهم تعامل واضح فهذا أكبر معوان على أن يبقى في حدود السلامة، أما إذا وسع انحرافاته على حدود فيها وضع خطير عن منهج خالق الأكوان فربما هذه العلاقات تجذبه إلى انحرافات هو غني عنها، لكن الإنسان تماماً كهذا الجهاز الخلوي فهو من دون شحن يسكت أليس كذلك ؟ وكل إنسان بحاجة إلى شحن لذلك الصلاة شحن وسماع درس الدين شحن والتعلق بإنسان قدوة أيضاً شحن فالإنسان بحاجة على شحن فمن دون شحن يصمت، الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك، فإذا غذى عقله بالعلم الصحيح الأصولي وغذى قلبه بحب الله عز وجل وغذى جسمه غذاء نافع عمل توازن، أما إذا أهمل قلبه وعقله ونمّا جسمه صار في خلل بالنمو.
 العبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، يوجد جانب علمي، لا يمكن إلا أن تكون عارفاً بحقيقة وجودك، وحقيقة الذات الإلهية وحقيقة المرجعية الدينية هذا علم ولا بد من أن تلتزم الإنسان معه منظومة قيم، افعل ولا تفعل، أما الدابة وحدها تبقى فلتانة أما الإنسان منضبط يوجد بحياته شيء ممنوع، لا يكذب لا يعتدي لا يظلم لا يتكبر، عنده منظومة قيم ومنظومة عبادات فإذا صحت عقيدته وصح التزامه بهذه العقيدة، الآن يوجد ناحية جمالية ما منا واحد إلا ويحب أن يكون سعيد، أي شيء في الدنيا فيه مسحة من الجمال من الله عز وجل فإذا أحسنت اتصالك بأصل الجمال لا أحد يعلم هذه الحقائق، إنسان يستنفع بالطعام والشراب وبالشهوات التي بين يديه لكن لم يخطر في بال إنسان أن يكون قريباً من الله.

 

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهلوا ذكري أهل مودتي أهل شكري أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))

 القلب يحتاج إلى حب الله عز وجل، والعقل يحتاج إلى علم، وهذا الجسم يحتاج إلى شراب وطعام ورياضة، فحينما تنمي كل الحاجات تتفوق.
 الفطرة ثابتة أما الإنسان حينما يخرج عن فطرته يصاب بالكآبة، والحقيقة أن أكبر مرض الآن هو الكآبة ! فالإنسان دون أن يشعر حينما يعتدي على الآخرين على أموالهم وأعراضهم ولا يحاسبه أحد تحاسبه نفسه، يختل توازنه، فالإنسان فطرته لا تعني أنه كامل بل أنه يحب الكمال، فرق دقيق جداً والدليل: عندما يسرقون اللصوص يطلبون أن تكون القسمة بالعدل ! هذه الفطرة حرامي بالعدل اقسم ! والانحراف الشديد يطمس هذه الفطرة، بالأساس الفطرة صفحة بيضاء فإذا أحضرت علبة حبر وسكبته لم يعد بياض أبداً، أما نقطة نقطتين يتعدلوا، إذا الأخطاء بسيطة فالفطرة فعالة، أما إذا طمست:

 

 

﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)﴾

 

(سورة المطففين)

 الأعمال الإجرامية تطمس الفطرة، أما الأعمال الخفيفة الفطرة فعالة في الأعمال الخفيفة.
 والله لو أنه اطلع على واحد بالمليون من أضرار التدخين لحرمه فوراً، لكن بعصره الأصل في الأشياء الإباحة وله مائتين وثلاثين مؤلف لم تر إلا التدخين ؟ !!!!!
 هل يوجد مدخن في الأرض قبل أن يدخل يسمي بالله ؟ وإذا انتهى يقول يا رب لك الحمد أدم علينا نعمك !!! مستحيل !! الدخان محرم بالفطرة.
 لا تهم القناعة بل أصول الدعوة، عذراً أنا مدرس ومعي معلومات لنقل المعلومات هل إذا أخطأ طالب أسبب له عقوبة شديدة بالدرس أنا صرت مجرم !! أنا معي معلومات لكن نقل المعلومات له منهج أيضاً، الموضوع ليس معلومات الداعية معه معلومات الدعوة قال من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف.
 ذكرت اليوم قصة كنا مع أعضاء الكونغرس بلقاء وذكرت أن الإرهاب لا يعالج من نهايته يعالج من أسبابه كمرض الإيدز كيف يعالج ؟ من أسبابه.

 

((النبي عليه الصلاة والسلام جاءه أنصاري وقد اقتاد واحداً دخل بستانه وأكل بلا إذن اعتبره سارق، فماذا قال له النبي الكريم ؟ قال: هلا أطعمته إذا كان جائعاً وهلا علمته إذا كان جاهلاً.))

 

(ورد في الأثر)

 كيف عالج هذه المشكلة ؟ من نهايتها أم من بدايتها ؟ فالداعية غير مخير لكن معه معلومات ينبغي أن ينطق بها وفق منهج النبي، من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، الله عز وجل أعطانا مناهج في الدعوة قال:

 

﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾

 

(سورة التوبة)

 أعطانا حكمة في الدعوة، قال:

 

((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا ))

 

(صحيح البخاري)

 الإحسان قبل البيان والقدوة قبل الدعوة، والتربية لا التعرية والمبادئ قبل الأشخاص والمضامين قبل العناوين والأصول قبل الفروع في جهل بالدعوة كبير جداً، أحياناً يكون الداعية منفر وليس داعية اسمه منفر وهذا مرفوض في أصول الدين وفروعه وفي مناهج الدعوة لله عز وجل، قضية الدعوة خطيرة جداً، فهي عمل إعلامي، والعلم عمل مخبري، فالإعلام يكون جذاب لطيف يوجد طرفة ومنحة جميلة ومسحة جمالية، أنت تمثل خطاب السماء للأرض يجب أن تكون غاية في اللطف والجمال والذوق والتدرج والإحسان، لذلك يوجد دعاة أساءوا إساءة بالغة.!!!!
 واحد في بلد عربي دعا واحد غير مسلم قال: أسلم قال: سأسلم ماذا أقول: فأنطقه الشهادة، بعدها قال له تطهر بعد أربعين سنة ! قال لا أريد قال: أبداً قطع رقبة قال: والله شيء عال قص من تحت بالدخول وقص من فوق بالخروج !!! ما هذا الإسلام، فلذلك الدعوة لها أصول وآداب وحكم ويمكن بالدعوة أن تستقطب الناس جميعاً ويحبوك جميعاً وإذا أحب الله خلقاً أوقع حبه في قلوب الخلق، وفي مواقف للنبي الكريم في الدعوة مذهلة.
 كان إذا دخل بيته لف ثوبه لئلا يوقظ زوجته بحفيف ثوبه، هل يوجد امرأة تستيقظ بحفيف الثوب ؟ هكذا كانت أخلاقه كان زوج من أعلى مستوى.
 كانت السيدة عائشة تسأله كيف حبك لي يقول لها كعقدة الحبل، عقدة لا تفك أبداً تسأله من حين لآخر كيف العقدة يقول على حالها.
 فكان زوج من الطراز الأول وأخ وصديق وجار، نحن بعيدون عن الدين بعداً كبيراً، أخذنا أشياء في الدين تثير النزعات والأحقاد أشياء متطرفة، هذا كله جهل في أصل الدين.

 

تحميل النص

إخفاء الصور