وضع داكن
29-03-2024
Logo
مختلفة لقناة المستقبل - الندوة : 3 - الداعية الناجح بدعوته
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تقديم وترحيب :

الأستاذ زياد :
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً ومرحباً بكم مشاهدينا الكرام مع حلقة جديدة من آفاق إسلامية ، نسأل الله تعالى بداية أن يكون هذا اللقاء فيه النفع في الدين والدنيا والآخرة ، وأرحب بفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي معنا في حلقتنا في هذه الليلة المباركة من ليالي رمضان .
 أهلا ومرحباً بكم دكتور النابلسي .
 يتجدد لقائنا ، وكما وعدنا في اللقاء السابق أن نتحدث اليوم عن أساليب الدعوة ، بعد أن كنا تحدثنا عن مضامين الدعوة ، وضرورة تطوير خطابنا الديني في ظل ما نواجه من تحديات ، أساليب الدعوة ، الآن ننطلق من قول الله عز وجل :

 

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

( سورة النحل الآية : 125 )

 كلٌّ يدعي أنه يدعو إلى سبيل الله بالحكمة ، بداية ما هي الحكمة ، ما هي الموعظة الحسنة ؟ والمجادلة بالتي هي أحسن ؟
الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

مسائل مهمة في الدعوة إلى الله :

1 – الداعية قدوة لغيره :

 أستاذ زياد ، جزاكم الله خيراً ، يمكن الحديث عن هذه الأساليب مدة طويلة ، ولكنني في هذه العجالة وجدت أن أبرز هذه الأساليب من دون استثناء أن يكون الداعية قدوة لمن يدعوه .

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 21 )

 ما لم يكن الداعية قدوة فإن دعوته لم تؤثر إطلاقاً .
 الحقيقة أن في تاريخ المسلمين صورا مضيئة جداً لهذه النماذج الرائعة في الدعوة .
الأستاذ زياد :
 أود هنا قبل إعطاء هذا المثل أن ألفت انتباه المشاهدين أن هذا الحديث ليس فقط للمهتمين والدعاة ، ولكن لكل إنسان ، للأب ، للمسلم ، المسلم يجب بحقه الدعوة :

(( بلغوا عني ولو آية ))

[أخرجه أحمد وصححه البخاري والترمذي عن ابن عمرو ]

 فلنعطِ المثال لكي ننشر الوعي بثقافة الإسلام .

سيدنا عمر الصحابي القدوة :

الدكتور راتب :
 سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته ، وقال : << إني قد أمرت الناس بكذا ، ونهيتهم عن كذا ، والناس كالطير ، إن رأوكم وقعتم وقعوا ، وايم الله ، لا أوتين بواحد وقع في ما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانته مني >> ، التعليق اللطيف : فصارت القرابة من عمر مصيبة .
الأستاذ زياد :
 قال لأهله ، ولذويه ، ولأولاده .
الدكتور راتب :
 هو قدوة .
 مرة رأى إبلاً سمينة ، قال : << لمن هذه الإبل ؟ قالوا : هي لابنك عبد الله ، قال : ائتوني به ، وغضب ، فلما جاءه عبد الله ، ورآه غاضباً ، قال له : ما فعلت يا أبتِ ؟ إبل اشتريتها بمالي ، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن ، ماذا فعلت ؟ فقال سيدنا عمر : ويقول الناس : ارعوا هذه الإبل ، فهي لابن أمير المؤمنين ، اسقوا هذه الإبل ، فهي لابن أمير المؤمنين ، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين ، بع هذه الإبل ، وخذ رأس مالك ، ورد الباقي لبيت مال المسلمين >> .
 سيدنا عمر التقى بأحد الولاة ، فأراد أن يمتحنه ، قال له : << ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال : أقطع يديه ، قال : إذاً إني جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر لهم حرفتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيانهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل تشغلك بالمعصية >> .
 جاءه ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم مسلماً ، ورحب به كثيراً ، وفي أثناء طوافه حول الكعبة بدوي من فزارة داس طرف رداءه ، فالتفت هذا الملِك لهذا الأعرابي ، هو ملك ، وذاك من سوقة الناس ، ضربه ضربة هشمت أنفه ، فما كان من هذا العرابي البدوي إلا أنْ توجه إلى عمر شاكياً ، سيدنا عمر استدعى جبلة ، أحد الشعراء المعاصرين صاغ هذا الحوار فقال :
 أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
 قال :
 لست ممن يكتم شيا ، أنا أدبت الفتى ، أدركت حقي بيدي
 قال له :
 أرضِ الفتى ، لا بد من إرضائه ، ما زال ظفرك عالق بدمائه ، أو يهشمن الآن أنفك ـ ملك ـ وتنال ما فعلته كفك .
 قال : كيف ذاك يا أمير ، هو سوقة وأنا عرش وتاج ، كيف ترضى أن يخر النجم أرضا .
 قال له : نزوات الجاهلية ، ورياح العنجهية قد دفناها ، أقمنا فوقها صرحاً جديداً ، وتساوى الناس وأحراراً لدينا وعبيدا .\
 فقال : كان وهما ما كان جرى في خلدي إني عندك أقوى وأعز ، أنا مرتد إذا أكرهتني .
 قال : عنق المرتد بالسيف تحز ، عالم نبنيه ، كل صدع فيه بشبا السيف يداوى ، وأعز الناس بالبعد بالصعلوك تساوى .
 كان عصر مبادئ .
الأستاذ زياد :
 ما أحوجنا إلى هذه المعاني في أيامنا الحالية ، وفي الزمن الذي نعيش .
الدكتور راتب :
 كان مع أصحابه ، قال أحدهم : << يا أمير المؤمنين ، والله ما رأينا أفضل منك بعد رسول الله ، فنظر إليهم بحدة كاد يقطعهم بها ، إلى أن قال أحدهم : لا والله ، لقد رأينا من هو خير منك ، قال : من هو ؟ قال : أبو بكر الصديق ـ دقق أستاذ زياد ـ فقال : كذبتم جميعاً لأنكم سكتم حينما قال : ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله ، كذبتم جميعاً وصدق ، والله كنت أضل من بعيري ، وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك >> .
 مرة شعر بحاجة إلى أن يأكل اللحم ، خاطب بطنه فقال : << قرقر أيها البطن أو لا تقرقر ، فو الله لن تأكل اللحم قبل أن يشبعه صبية المسلمين >> .
 مرة وضعوا له سنام الناقة ، وهو أطيب ما فيها ، فبكى ، وقال : بئس الخليفة أنا إذا أكلت أطيبها ، وأكل الناس كراديسها >> .
الأستاذ زياد :
 رضوان الله تعالى عن الفارق عمر ، والصحابة أجمعين .
 فضيلة الشيخ ، إذاً القدوة هي أول أساليب الدعوة وأعلاها كما ذكرتم ، فلنعدد الأساليب .
الدكتور راتب :
 أنا التقيت مع أحد الدعاة الكبار في مصر ، توفي ـ رحمه الله ـ سألته : ماذا تنصح الدعاة ، توقعت أن يتكلم طويلاً ، قال : ليحرص الداعية ألا يراه المدعو على خلاف ما هو عليه .
الأستاذ زياد :
 إذاً : القدوة دائماً ، الأب قدوة في منزله ، في بيته ، بين أولاده ، والأم قدوة ، وكلنا يجب أن يكون قدوة لمن غيره .
الدكتور راتب :
 لذلك هناك أدعية ثلاثة يقشعر منها الجسم : اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك ، اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني ، اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك .
إذاً : القدوة قبل الدعوة .

2 – الإحسان قبل البيان :

 الآن : الإحسان قبل البيان .
 " يا داود ، ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها " .
 الإنسان يحب الجمال والكمال والنوال ، فإذا أنلته من فضلك ، أعنته ، تلطفت به تأثر ، فأخلاق الداعية أكبر مؤثر في المدعو ، وما لم يكن الإنسان صادقاً ، أميناً ، رحيماً متواضعاً لا ينجح .
 حينما فتح النبي عليه الصلاة والسلام مكة المكرمة ، دخل مكة مطأطئًا رأسه ، حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره .
 إذاً : ينبغي أن نكون قدوة قبل كل شيء ، وأن نحسن كي نفتح القلوب بالإحسان قبل أن نفتح العقول بالبيان .

3 – الأصولُ قبل الفروع :

 ينبغي أن نبدأ بالأصول ونثني بالفروع .
الأستاذ زياد :
 البعض يخلط في الأولويات ، يحاول أن يضع فروعاً يجعلها أولوية في دعوته إلى سبيل الله ، الآن علينا أن نرتب أولوياتنا ، وما أحوجنا إلى هذا .

4 – مخاطبة العقل والقلب معاً :

الدكتور راتب :
 ينبغي أن نخاطب العقل والقلب معاً ، الله عز وجل خاطب العقل والقلب معاً قال :

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾

( سورة الانفطار )

 يخاطب قلبه :

﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾

( سورةالانفطار)

 يخاطب عقله ، يجب أن نخاطب العقل والقلب معاً ، يجب أن نبدأ بالأصول ونثني بالفروع .

5 – التربية لا التعنيف :

 يجب أن نربي لا أن نعري ، ليس القصد أن أعنفه ، القصد أن آخذ بيده يجب أن نهتم بالمضامين لا العناوين ، المضامين قبل العناوين .

6 – المبادئ لا الأشخاص :

 يجب أن نهتم بالمبادئ قبل الأشخاص ، يجب أن نجعل الدين مبسطاً كالهواء نستنشقه لا أن نعطله على الناس ، وهو بسيط .
 أعرابي جاء النبي الكريم ، قال له : يا رسول الله عظني ولا تطل ، قال له تلا عليه قوله تعالى :

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾

( سورة الزلزلة )

 قال له : كفيت ، فقال عليه الصلاة والسلام : فقه الرجل ، أي أصبح فقيهاً ز
 هناك لقطات رائعة جداً في حياة الصحابة الكرام .
 دخل على النبي رجل فقير ، فقال :

(( رب أشعث مدفوع الأبواب ، لو أقسم على الله لأبره ))

[ رواه أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن أبي هريرة ]

 سيدنا عمر التقى براعٍ ، قال له : بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ، قال : ليست لي ، قال : قل لصاحبها : ماتت ، قال : ليست لي ، قال : خذ ثمنها ، فقال هذا الراعي : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ .
 أستاذ زياد ، هذا الأعرابي ، هذا الراعي البسيط شيء دقيق جداً ، وضع يده على جوهر الدين ، حينما تقول : أين الله .
 لذلك يمكن أن تتكلم ساعتين متتابعتين بأفصح لغة ، وبأصح دليل ، وبأعمق تحليل ، وأنت لا تعرف الله ، تعرفه إذا خفت منه ، نعرفه إذا رجوته ، تعرفه إذا اتقيت أن تؤذي عباده ، تعرفه إذا أيقنت أنك في قبضته ، تعرفه إذا أيقنت أنه يعلم أنه سيحاسب ، وسيعاقب ، معرفة الله شيء ، وأن يتخلق الإنسان بأفكار دينية شيء آخر .
 فلذلك قضية المسلمين تحتاج إلى مصداقية .
 مرة إمام بجامع بلندن نُقِل إلى ظاهر لندن ، فاضطر إلى أن يركب مركبة كل يوم ، صعد المركبة مرة ، أعطى السائق ورقة نقدية كبيرة ، رد له السائق التتمة ، عدها فإذا هي تزيد عشرين بنسا عما يستحق ، هو إمام مسجد ، قال : ينبغي أن أرد الزيادة إلى السائق ، وجلس ، جاءه خاطر أنه الشركة عملاقة ، ودخلها فلكي ، والمبلغ يسير ، وأنا في أمسّ الحاجة إليه ، ولا علي أن آخذه ، لكنه لما أراد أن ينزل دون أن يشعر مد يده إلى جيبه ، وأخرج العشرين بنسا ، ودفعها للسائق ، فتبسم السائق ، قال له : ألست إمام هذا المسجد ؟ قال : بلى ، قال : والله قبل يومين حدثت نفسي أن أزورك لأتعبد الله عندك ، ولكنني أردت أن أمتحنك ، فإذا بهذا الإمام يقع مغشياً عليه ، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يقترفها لو أبقى هذا المبلغ في جيبه ، فلما صحا من غفوته قال : يا رب ، كدت أبيع الإسلام بعشرين بنساً .
الأستاذ زياد :

خاتمة وتوديع :

 نسأل الله تعالى معرفة في دينه ، وفقهاً في هذا الدين الحنيف ، وفي شريعته السمحة وثقافته النافعة في الدين ، والدنيا ، والآخرة .
 أشكركم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أسأل الله أن يعيد عليكم رمضان أعواماً بعد أعوام ، وأن يبارك لكم في جهودكم الدعوية التي تبغي وجه الله تعالى ، أشكركم ، وأشكر الإخوة المشاهدين لحسن المتابعة ، إلى اللقاء في الغد بإذن الله تعالى مع آفاق إسلامية ، لكم التحية .
 والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور