2009-10-22
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
كل أمر في القرآن الكريم وفي السنة الصحيحة يقتضي الوجوب :
أيها الأخوة الكرام ، بادئ ذي بدء أشكر القائمين على هذا المركز الإسلامي على هذه الدعوة الكريمة ، التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم .
أخوتنا الكرام ، سؤال لماذا تصلي ؟ يقول أحدكم لأن الصلاة فرض ، وما الدليل؟ قوله تعالى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
لكن الذي يغيب عن المسلمين أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، وأن كل أمر في السنة الصحيحة يقتضي الوجوب ، فأنت لست أمام خمس عبادات شعائرية ، الدين عشرات بل مئات الألوف من الأوامر التفصيلية ، فلذلك ننطلق في هذه المحاضرة من أن كل أمر في القرآن الكريم وفي السنة الصحيحة يقتضي الوجوب .الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف فقط :
من هذه الأوامر الأمر بالدعوة إلى الله ، لذلك عنوان هذا اللقاء الطيب أصول الدعوة إلى الله ، قد يتوهم أحدكم أن هذا الموضوع يتعلق بالخطباء والدعاة ، سأؤكد لكم أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، كما أنك تصلي ينبغي أن تدعو إلى الله ، ولكن الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف فقط ، الدليل :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
أي ليس على وجه الأرض إنسان أفضل عند الله ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً، الله عز وجل يقول :﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فكل متبع لرسول الله ينبغي أن يدعو إلى الله على بصيرة ، أي بالدليل والتعليل ، هذا الذي على الدعوة فرض عين ، الدليل الآخر :﴿ وَالْعَصْر (1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
التواصي بالحق أحد أركان النجاة ، التواصي بالحق هو الدعوة إلى الله كفرض عين ، التواصي بالحق في حدود ما تعلم ومع من تعرف .الدعوة إلى الله كفرض كفاية تحتاج إلى تفرغ وإلى تبحر وإلى تعمق :
إذاً عنوان هذا اللقاء الطيب الدعوة إلى الله كفرض عين ، لكنه لا أكتمكم أن هناك دعوة إلى الله كفرض كفاية ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، الدعوة إلى الله كفرض كفاية تحتاج إلى تفرغ ، وإلى تبحر ، وإلى تعمق :
﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾
منكم للتبعيض ، فنحن موضوعنا متعلق بالدعوة إلى الله كفرض عين على كل مسلم .من جلس في مجلس ذُكر الله فيه تنزلت الملائكة و حفت الرحمة هذا المجلس :
كتطبيق عملي حضرت خطبة جمعة ، وتأثرت بها ، عندك لقاءات طوال الأسبوع مع أصدقائك ، مع زملائك ، مع جيرانك ، مع من تحب ، مع أقربائك ، مع أهلك ، مع أولادك ، الذي استمعت إليه انقله لهم فقط ، الدليل النبوي :
(( بلغوا عني ولو آية ))
تكلم ، لأنه حينما تجلس في مجلس لا يذكر الله فيه يقوم الجالسون عن أنتن من جيفة حمار ، أما إذا جلست مجلساً ذكرت الله فيه تنزلت الملائكة ، وحفت الرحمة هذا المجلس ، وذكر الله هؤلاء فيمن عنده .(( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))
هذا التطبيق العملي .من خصائص الدعوة إلى الله عز وجل :
1 ـ الاتباع لا الابتداع :
أعرض بلمحة عارضة مشكلة المسلمين ، هناك دعوة إلى الله خالصة ، وهناك دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله ، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاتباع ، بينما الدعوة إلى الذات المغلفة بدعوة إلى الله من خصائصها الابتداع ، الآن دققوا عندما أضاف المسلمون على دينهم ما ليس منه تقاتلوا ، وسالت الدماء ، وعندما حذف المسلمون من دينهم ما علم منه بالضرورة ضعفوا ، إن أضفت نتقاتل ، وإن حذفت نضعف ، لذلك لو واحد من الأخوة الأكارم سألني ما التجديد ؟ دققوا فيما سأقول : التجديد أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه.2 ـ التعاون لا التنافس :
ومن خصائص الدعوة إلى الله الخالصة التعاون ، ومن خصائص الدعوة إلى الذات التنافس ، فالإنسان يتنافس مع أخيه المؤمن بقدر بعده عن الله ، ويتعاون معه بقدر طاعته لله .3 ـ الاعتراف بالآخر :
ومن خصائص الدعوة إلى الله الخالصة الاعتراف بالآخر ، ومن خصائص الدعوة إلى الذات إلغاء الآخر .4 ـ قبول النصيحة و عدم رفضها :
ومن خصائص الدعوة إلى الخالصة قبول النصيحة ، ومن خصائص الدعوة إلى الذات رفض النصيحة ، وهذا الكلام يفسر ما يجري بين المسلمين من خصومات وتراشق تهم في بلادهم الأصلية ، وفي المهاجر الغربية ، علامة إيمانك ، وإخلاصك ، واتصالك بالله ، وطاعتك له ، التعاون مع بقية المؤمنين ، لأنه ما لم يكن انتماؤك لمجموع المؤمنين فلست مؤمناً لقول الله عز وجل :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
من قواعد الدعوة إلى الله :
1 ـ الدعوة إلى الله بالعمل الصالح و القول الحسن :
هناك قواعد في الدعوة إلى الله يحتاجها كل مسلم ، أنت لأن الدعوة إلى الله فرض عين يحتاجها كل من في هذا اللقاء الطيب ، حينما تتوهم أن الدعوة إلى الله من اختصاص الخطباء الكبار والدعاة فأنت واهم :(( بلغوا عني ولو آية ))
﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فإن لم تدعُ إلى الله عز وجل لست متبعاً لرسول الله ، وإن لم تتبع رسول الله فأنت لا تحب الله ، الدليل :﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
2 ـ القدوة قبل الدعوة :
القاعدة الثانية : القدوة قبل الدعوة ، التقيت مع الشيخ الشعراوي في مصر لقاءين، وألفت من خلال هذين اللقاءين كتاباً ، قبيل انتهاء اللقاء الأول سألته ما نصيحتك إلى الدعاة ؟ فقال : ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعو فقط ، القدوة قبل الدعوة .3 ـ الإحسان قبل البيان :
القاعدة الثالثة ، الإحسان قبل البيان ، افتح قلب من تدعوه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك ، الإحسان قبل البيان ، سيدنا معاوية جاءه كتاب من مواطن قال له : أما بعد فيا معاوية ـ لم يخاطبه بأمير المؤمنين أو خليفة المسلمين ـ أما بعد : فيا معاوية إن رجالك قد دخلوا أرضي، فانههم عن ذلك ، وإلا كان لي ولك شأن والسلام ، استدعى ابنه يزيد ، قال له : ما ترى يا يزيد ؟ قال له : أرى أن ترسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتوك برأسه ، هذا تطاول عليك ، فقال له : غير ذلك أفضل ، فجاء بالكاتب وقال له : اكتب ، أما بعد : فقد وقفت على كتاب ولد حواري رسول الله ، ولقد ساءني ما ساءه ، والدنيا كلها هينة جنب رضاه ، لقد نزلت له عن الأرض ومن فيها ، يأتي الجواب لسيدنا معاوية ، أما بعد : فيا أمير المؤمنين ! ، اختلف الوضع ، أطال الله بقاءك ، ولا أعدمك الرأي الذي أحلك من قومك هذا المحل ، استدعى ولده يزيد وقال له : اقرأ الجواب ، يا بني من عفا ساد ، ومن حلُم عظُم ، ومن تجاوز استمال إليه القلوب .4 ـ المبادئ لا الأشخاص :
في الدعوة إلى الله قاعدة أخرى ، المبادئ لا الأشخاص ، نحن نعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال ، سيدنا عمر جاءه ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم ، في أثناء طوافه حول الكعبة داس بدويٌّ من فزارة طرف ردائه ، فانخلع رداؤه عن كتفه ، فالتفت إلى هذا الأعرابي من فزارة ، و ضربه ضربة هشمت أنفه ، هذا الأعرابي شكاه إلى عمر .5 ـ المضامين لا العناوين :
الآن المضامين لا العناوين ، كل جماعة تتوهم أن دينها خط رفيع ، فإذا خرجت عنه قيد أنملة خرجت من الدين ، هذا الذي فرق المسلمين ، هذا الذي أوقع بينهم العداوة والبغضاء ، هذا الذي دفعهم إلى تراشق التهم ، المضامين لا العناوين ، يجب أن تعرفه من أي حلقة ؟ من أي جماعة ؟ من أي دين ؟ من شيخه ؟ من أجل أن تصنفه ؟ لا ، الدين ليس خطاً ، شريط عريض فيه يمين وفيه يسار وكل من في هذا الشريط على العين والرأس ، مادامت العقيدة سليمة والسلوك صحيحاً على العين والرأس هذا المعنى يجمعنا ولا يفرقنا ، وما من وقت يحتاج فيه المسلمون إلى جمع الشمل ، ورأب الصدع ، وتوحيد الكلمة كهذا الوقت ، لأن الطرف الآخر وضعنا في جميعاً في سلة واحدة ، وينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد .المجرم الآن من يطرح قضية خلافية بين المسلمين وهم في أمس الحاجة إلى التوحد والتعاون:
أقول لكم والله لا أبالغ : من يطرح قضية خلافية الآن بين المسلمين يكون مجرماً، نحن في أمس الحاجة إلى أن نتوحد ، نتعاون فيما اتفقنا ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا ، أو ينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا ، والله الذي لا إله إلا هو بإمكان أي داعية أن يدعو إلى الله لخمسين عاماً بالأمور المتفق عليها .
مثلاً أليس عاراً على أمة الإسلام في أوربا ، في فرنسا ، في أمريكا ، الصيام ثلاثة أيام ، كل جماعة تصوم بيوم من الأيام ، ألا يوجد أي مجال ليعرف الطرف الآخر متى العيد عندنا ؟ عند الجماعة الفلانية العيد يوم السبت ، الجماعة الثانية العيد يوم الأحد ، مشكلة كبيرة وصدقوا ولا أبالغ ، دققوا في هذا المثل هذه المشكلات تمثل بحصة في حجر في بناء مئة طابق ، موضوع صغير جداً نختلف فيه ، ونتصارع ، ونتقاتل ، وتسيل الدماء ، أليس هذا وصمة عار ؟ المسلمون يتقاتلون وبينهم من القواسم المشتركة خمسة وتسعون بالمئة ، والطرف الآخر يتعاونون و بينهم من القواسم المشتركة خمسة بالمئة ، هذا هو العقل ، يتقاتلون والدماء تسيل وبينهم من القواسم المشتركة خمسة وتسعون بالمئة ، والطرف الآخر يتعاونون و بينهم من القواسم المشتركة خمسة بالمئة ، أقمت في مدينة في سويسرا الغداء كان في إيطاليا وكنا في سويسرا ودخلنا إلى مطعم في فرنسا ، معقول ! أين الحدود والسدود والجمارك والأمن وبطاقة الخروج ورسم الخروج ؟ بلاد واحدة يتعاونون و بينهم من القواسم المشتركة خمسة بالمئة ، ونتقاتل وبيننا من القواسم المشتركة خمسة وتسعون بالمئة ، وهذه وصمة عار بحقنا .
6 ـ الأصول قبل الفروع :
الأصول قبل الفروع ، نسي المسلمون الأصول وغرقوا بالفروع ، مثلاً نشب شجار بين المسلمين في مسجد حول عدد ركعات التراويح ، أنا مرة سئلت التراويح كم ركعة؟ قلت له : صلِّ ثمانية ، واثني عشر ، وثمانية عشر ، واثنين وعشرون ، وثلاثين ، وثلاثة وثلاثين ، وفي البيت وفي المسجد ولا تفعل مشكلة ، تقاتلنا على جزئيات الدين ، لذلك بعض العلماء الكبار أفتى بإغلاق هذا المسجد الذي فيه خصومة انتقلت إلى الضرب حول عدد ركعات التراويح .7 ـ الترغيب لا الترهيب :
ومن قواعد الدعوة إلى الله الترغيب لا الترهيب ، الترغيب قبل الترهيب :﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22)قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)﴾
هذا الترغيب :﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)﴾
مرة إنسان توفي والده وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ، فذهب إلى المقبرة وكلف شاباً أن يقرأ القرآن الكريم على روح أبيه ، أعطاه مبلغاً أقل من المعقول ، شيء لا يذكر ، فاغتاظ هذا القارئ فقرأ : خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ، فأمسكه ، و قال له : ألا يوجد بالقرآن إلا هذه الآيات ؟ قال له : تريد الجنة بعشرة قروش ؟8 ـ التيسير لا التعسير :
فيا أيها الأخوة ، النقطة الدقيقة المضامين لا العناوين ، والأصول قبل الفروع ، والتيسير قبل التعسير ، إنسان أوربي أسلم في مصر على يد أحد العلماء ، أبقاه ستة أشهر في أحكام المياه ، فخرج من جلده وترك الدين ، فالتقى بالشيخ محمد عبدو قال له : الماء الذي تشربه توضأ منه .9 ـ التربية لا التعرية :
القاعدة التي تليها : التربية لا التعرية ، ليس القصد أن تعري الإنسان ، أن تحرجه ، لا تحمروا الوجوه ، انصحه فيما بينك وبينه ، فالتربية لا التعرية ، أنا كنت في البرازيل ، و هناك بالجامع في سان باولو مركز ثقافي كهذا المركز ، جاءت فتاتان من دون حجاب ، وفي تفلت شديد في الثياب ، يبدو أن هناك شاباً لمح هاتين الفتاتين ، جلسا في آخر صف ، قال لي : أيرضيك أن تدخل فتاة إلى هذا المركز بهذه الثياب ؟ طبعاً كان يتمنى عليّ أن أطردهم ، قلت له : يا بني هذه الفتاة جاءت باختيارها ، وكان بإمكانها ألا تأتي وهي لا تعلم أن هذه الثياب ليست شرعية في شكل فاضح ، ليست تحدياً ولكن جهلاً ، ولعل قناعاتها لم تبلغ مرحلة الحجاب ، فلعلي آتي في العام القادم و أجدها محجبة ، أرادني هذا الشاب أن أطردها .10 ـ مخاطبة العقل و القلب معاً :
أيها الأخوة ، والقاعدة التي بعدها مخاطبة العقل والقلب معاً ، الإنسان عقل يدرك وقلب يحب ، هناك دعاة يخاطبون العقل فقط ، دراسات ، أدلة ، شواهد ، تعليلات ، تفسيرات، طروحات ، هذا الإنسان فضلاً على أنه يحتاج إلى هذا العلم ، يحتاج إلى قرب من الله ، يحتاج إلى أن يبكي في الصلاة ، يحتاج إلى غذاء لقلبه ، فلذلك الداعية البطل هو الذي يغذي قلب المدعو وعقله معاً ، مرة شاب استأذن رسول الله بالزنا معقول ؟ منتهى التطاول ، قال لأصحابه : دعوه ، ثم قال له : تعال يا عبد الله ، خاطب عقله أتريده لأمك ؟ فاحمر وجهه قال : لا ، قال له : ولا الناس يريدونه لأمهاتهم ، تريده لأختك ؟ لعمتك ؟ لخالتك ؟ خاطب عقله ، والله يخاطب عقولنا أحياناً ويخاطب قلوبنا ، قال تعالى :﴿ يَاأَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ(6)﴾
يخاطب قلبه :فلو شاهدت عيناك من حسننا الــذي رأوه لما وليت عنا لــــــغيرنا
ولو سمعت أذناك حســــن خطابنا خــلعت عنك ثياب الـعجب وجئتنا
ولو ذقت من طعم المــــحبة ذرة عذرت الـــذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولــــو نسمت من قربنا لك نسمة لـــمت غريباً واشتياقــاً لقربنا
ولو لاح من أنوارنــــا لـك لائحٌ تركــت جميع الكـائنات لأجلنــا
فما حبنا سهل و كل من ادعــــى سهولته قلنا له قـــــــد جهلتنا
***
﴿ يَاأَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ(6)﴾
خاطب قلبه ، ثم خاطب عقله في الآية نفسها :﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7)﴾
لا تنجح الدعوة إلا إذا توجهت إلى القلب والعقل معاً ، فإذا توجهت إلى القلب وحده كانت دعوة عرجاء ، وإذا توجهت إلى العقل وحده كانت دعوة عرجاء ، خاطب القلب والعقل معاً .11 ـ الدليل والتعليل :
بقي الدليل والتعليل ، أنا أؤمن أن الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، أقول : صحيح لأن هناك نقلاً غير صحيح ، هناك أحاديث موضوعة ، و أحاديث ضعيفة ، وهناك تأويل قرآن غير صحيح ، خط النقل الصحيح والمؤول تأويلاً صحيحاً، هذا خط ، وخط العقل الصريح ، هناك عقل تبريري ، العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة ، هناك فطرة منطمسة ، وخط الواقع الموضوعي ، هذا هو الحق ، أي ما جاء به وحي السماء الصحيح مع التأويل الصحيح ، وقبله العقل الصريح لا التبريري ، وارتاحت له الفطرة السليمة ، وأكده الواقع الموضوعي ، هذا هو الحق فادعُ إلى الله بهذه الخطوط الأربعة، القضية تحتاج إلى نص صحيح ، وإلى تعليل عقلي صحيح ، وإلى بعد نفسي مريح ، وإلى تأكيد من الواقع الموضوعي.12 ـ الآمر قبل الأمر :
آخر شيء الآمر قبل الأمر ، في دولة نامية لو جاءتك رسالة من البريد ، تعال الخميس الساعة العاشرة صباحاً ، تسلمت رسالة مسجلة ، هل تخاف ؟ لا تشعر بشيء ، أما إن جاءتك ورقة من جهة أخرى تدعوك إلى أن تأتي الخميس الساعة العاشرة ، لا تنام الليل أربعة أيام ، ما الفرق بين الورقتين ؟ الآمر ، إذا عرفت من هو الآمر تفانيت في طاعته ، إذا لم تعرف الآمر تفننت في معصيته ، فإذا دعوت إلى الله فعرف من حولك بالآمر قبل الأمر ، إذا عرفتهم بالآمر تفانوا في طاعة الآمر ، أما إذا عرفتهم بالأمر ولم تعرفهم بالآمر تفننوا في معصية هذا الأمر .الدعوة إلى الله أحد أكبر الأهداف العظيمة التي يجب على كل إنسان أن يدعو إليها :
النبي عليه الصلاة والسلام يقول : يا علي :(( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ))
سيدنا سعد بن أبي وقاص يقول : ثلاثة أنا فيهن رجل ، من هذه الثلاثة : أني ما سمعت حديثاً من رسول الله إلا ظننت أنه حق من الله تعالى .(( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ))
هناك شركات رأسمالها الفائض مئات المليارات ، هذا الحديث يؤكد أنك إذا دعوت إلى الله أنت أفضل إنسان على وجه الأرض بنص هذه الآية :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
أصعب شيء في الحياة إنسان بلا هدف ، حياته مملة ، أنت مصمم لهدف عظيم ، فإذا اخترت هدفاً محدوداً ـ المال فقط ـ وبلغته بدأ الشقاء ، بدأ الملل ، بدأ السأم ، بدأ الضجر ، فلذلك لا تسمو إلا إذا اخترت هدفاً عظيماً ، والدعوة إلى الله أحد أكبر الأهداف العظيمة ، فكل واحد من الأخوة الحاضرين مأمور أن يكون داعية في حدود ما يعلم ومع من يعرف .