وضع داكن
29-03-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 28 - علاج ضعف الإيمان 1 - يجب أن نأخذ بالأسباب.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 والحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام وكفى بها نعمة وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرحب بكم، ويسرني أن أرحب كذلك بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، أحد أبرز علماء دمشق معنا في هذا البرنامج، أهلاً ومرحباً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ، وصلنا في حواراتنا عن مظاهر وأسباب ضعف الإيمان إلى علاجات هذا الضعف، كيف يمكن أن نعالج ضعف الإيمان بالممارسة، أم بالمطالعة، أم بالتفكر، أم بالتذكر ؟ فلابد من علاج لهذه الظواهر، ولهذه الحالات من وهنٍ وضعف الإيمان ؟
 الأستاذ:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 قبل أن نتحدث عن علاج ضعف الإيمان لابد من أن نعالج قضيةً مهمةً من قضايا الإيمان، وهي أن الإيمان يزيد وينقص، وقد جاءت آيات كثيرة تؤكد هذا المعنى، وهناك بعض الأحاديث، فمن بعض الآيات:

﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾

[ سورة الفتح: الآية 4]

 ومن الأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ))

[الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عمرو]

 وقد يسأل: سائل كيف يزداد الإيمان وكيف ينقص ؟ لو أن الإيمان حقائق نؤمن بها فالإيمان حينئذ حدّي، لا يزداد ولا ينقص، أما إذا كان الإيمان فضلاً على أنه حقائق نصدقها، ونعتقدها إنما هو وجهة إلى الله، واتصال به، هذه الوجهة، وهذا الاتصال يزداد وينقص، فبعض العلماء قال: لا يجوز أن تقول: أنا مؤمن إن شاء الله، لأن الإيمان حدّي، أنا مؤمن أن الله خالق السماوات والأرض، وأن الله بيده الأمر كله، وأن الله عز وجل خلقنا، وأن الله سيميتنا، وسيحيينا، هذه بنود حقائق الإيمان، ولكن الإيمان فضلاً عن هذا الاعتقاد الثابت الذي لا يزيد ولا ينقص، إنه اتصال بالله، ووجهة إليه، فالإنسان بين إقبال وفتور، بين تألق وعدم تألق، فإذا وردت الآيات في معرض أن الإيمان يزداد فمن هذا القبيل، فعقب كل عمل صالح ترقى إلى الله، تذوق طعم القرب منه، تشعر بقيمتك كإنسان، تشعر أنك في مرتبة يحبك الله فيها، إذاً أنت قريب من الله، لأن الإيمان في الأساس تصديق وإقبال، والكفر تكذيب وإعراض، والتصديق والتكذيب حدي، التصديق حدي يعني لا يزيد ولا ينقص، محدود محدد.
 أنت تقول: الله خلق السماوات والأرض، لا يوجد حالة وسط بينهما، لا يوجد حالة أشد، أما حينما تؤمن أنه خلق السماوات والأرض، وأن مصيرك إليه، ماذا الآن ؟ تعمل صالحاً من أجل التقرب منه، إذاً الإيمان يزداد من حيث إنه اتجاه إلى الله، وإقبال عليه، ومعرفة به، وتنعم بقربه، وينقص حينما يعرض الإنسان عن ربه بمعصية، أو بعيب خلقي منه، حجب عن الله عز وجل، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ))

[متفق عليه]

 لا يمكن أن تستحضر عظمة الله عز وجل، وتكون مقبلاً عليه تقع في معصية كهذه المعصية، لكن حينما يغفل الإنسان عن ربه، وتقوى شهواته، وفي ساعة غفلة قد يقترف معصية، وسوف يحاسب عليها حساباً عسيراً.
 الذي أتمنى أن يكون واضحاً هو أن الإيمان مادام تصديقاً، وحقيقة كبرى في الحياة هذه الحقيقة فجب أن تغنى، لا أن تزداد، أن تغنى، كيف تغنى هذه الحقيقة ؟
 أنت مؤمن أن الأمر بيد الله عز وجل، لكن كل آية كونية، أو كل حقيقة علمية، أو كل حدث، أو كل قصة، هذه يمكن أن تعمق إيمانك بأن الله بيده كل شيء، وما قصة يوسف عليه السلام، وهي من أطول قصص القرآن إلا من أجل أن تعمق، وتغني إيمانك بأنه لا إله إلا الله، قال الله عز وجل:

 

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 21]

 أيها الأخ الكريم، القضية قضية توحيد، فكل الناس يؤمنون بأن الله خلق الكون، ولكن القضية الأساسية في الإيمان أن ترى أن الله فعال، وليس خلاقاً فحسب، الأمر بيده، قال تعالى:

 

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾

 

[ سورة الزخرف: الآية 84]

 حينما توقن أن كل شيء خاضع له، وخاضع لأمره، وخاضع لحكمته، تتجه إليه وحده، أريد أن أربط الآن بين قوة الإيمان وقوة الاتجاه إليه، أنا حينما أوقن أن أمري كله بيده، وأن صحتي، وزوجتي، وأولادي، وعملي، ومن حولي، وأصدقائي، وأعدائي، كلهم بيد الله، كيفما شاء حركهم، إما أن يحركهم إيجاباً أو سلباً، أنا حينما أوقن أن الأمر كله بيده أنا مضطر بحكم فطرتي وجبلتي أن أتجه إليه وحده، إذاً حاولت أن أربط بين المعرفة النظرية وبين الحركة العملية، فكلما تعمقت معرفتنا بالتوحيد انعكس التوحيد إخلاصاً في الوجهة والعمل، وكلما ضعف الإيمان بأن الله فعال، وليس خلاقاً فقط تفلت الإنسان من الوجهة إلى الله عز وجل.
 الأمر بسيط جداً، أنت إذا دخلت إلى دائرة، وتحتاج أن تأخذ موافقة من هذه الدائرة على سفر، أنت إذا علمت أن كل هذه الدائرة بكل طوابقها وموظفيها لا يستطيع واحد من هؤلاء أن يمنحك الموافقة إلا المدير العام، عندئذ تتجه إليه وحده، أما إن قيل لك: إن فلاناً يوقع لك هذه الموافقة، أو فلان أو فلان، أنت حينما اهتزت ثقتك بالمدير العام، ورأيت من يحل محله، أو من ينوب عنه بالتوقيع تتجه إلى هؤلاء الصغار، عندئذٍ هذه القضية بكل بساطة محل سذاجة منك، حينما يتعمق فهمي أن الأمر بيد الله وحده لا أتجه إلا إليه، ولله المثل الأعلى.
 أما حينما أتوهم أن جهات في الأرض كثيرةً بيدها الأمر والنهي، بيدها العطاء والمنع، بيدها الإعزاز والإذلال، بيدها القوة والضعف، عندئذ أتوجه إليها، فما من ربط أروع من هذا الربط، حينما تؤمن أن الأمر بيد الله وحده، وتتجه إليه وحده، فالإيمان إيمان ووجهة، اعتقاد وإقبال، تصور واتصال، هذا هو الإيمان، يبدو أن الاتصال بالله والإقبال عليه هذا الذي يزيد وينقص، ولكن الآن قلت: يزيد، إذا كان اعتقادك أن الأمر بيد الله وحده، وينقص إذا توهم الإنسان أن هناك شركاء يفعلون، ويأمرون، ويعطون، ويمنعون، لذلك قالوا: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، لذلك قال الله عز وجل:

 

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

 

[ سورة الشعراء: الآية 213]

 كل ما في القرآن من قصص من أجل حقيقة واحدة، أن الأمر بيد الله وحده، سيدنا موسى قال تعالى:

 

﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)﴾

 

[ سورة القصص: الآية 7]

 معنى ذلك أن هذا الصندوق الخشبي الذي فيه غلام ولد حديثاً من يسيره ؟ أراد الله في كل قرآنه، وأراد النبي عليه الصلاة والسلام في كل أحاديثه أن يؤكد على هذه الحقيقة الأولى، وهي أن كل الحقائق مجتمعةٌ فيه.
 المذيع:
 والأخذ بالأسباب هنا فضيلة الشيخ هل هو يضعف الإيمان، أو يضعف الاتجاه ؟
 الأستاذ:
 ذلك بأن الأخذ بالأسباب والاعتماد عليها هو الشرك، وعدم أخذها هو المعصية، دقق، لابد من أن تأخذ بها، وكأنها كل شيء، ولابد من أن تعتمد على الله، وكأنها ليست بشيء، أعود إلى حلقة سابقة، من السهل جداً أن آخذ بالأسباب كما يفعل الغربيون، وأؤلهها، وأعبدها من دون الله، وأجعلها تعطيني الراحة الكلية، على أنني أخذت بها، ولم يحدث إلا شيء يرضيني، هذا شرك، ومن السهل جداً أن أكون كأهل المشرق، أن أدع الأخذ بالأسباب، وأن أتوكل على الله جهلاً وتواكلاً وضعفاً، هذا مرفوض، مرفوض أن تأخذ بالأسباب، وأن تتكل عليها، وأن تعتمد عليها، أو أن تؤلهها، ومرفوض ألاّ تأخذ بها، والحالتان سهلتان جداً، لكن البطولة أن تأخذ بها، وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على، الله وكأنها ليست بشيء، كأن هذا الطريق العظيم طريق عن يمينه وادٍ سحيق، وعن شماله وادٍ سحيق، عن يمينه واد الشرك، فإن أخذت بالأسباب، واعتمدت عليها فقد أشركت، وعن يساره وادي المعصية، فإن لم تأخذ بها فقد عصيت، فكأنني بأهل الغرب يأخذون بها، ويؤلهونها، ويعتمدون عليها، وينسون الله عز وجل، وكأني بأهل المشرق لا يأخذون بالأسباب، ويزعمون جهلاً منهم أنه توكلوا على الله.
 أما الفهم الدقيق جداً، أن سيدنا عمر رأى رجلاً يتسول قال،: من أنت ؟ قال: أنا متوكل على الله، فقال له: كذبت، المتوكل من ألقى حبةً في الأرض، ثم توكل على الله.
 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ:

(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْقِلُهَا، وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ ؟ قَالَ: اعْقِلْهَا، وَتَوَكَّلْ ))

[الترمذي]

 هذه أخطر نقطة في حياة المسلم، يجب أن نأخذ بالأسباب، وبعدها نتوكل على الله، أما أن ندع الأخذ بالأسباب، ونقول: نحن مقصرون، نحن منتهيون نحن... فهذا كله كلام مرفوض، أو نحن مسيرون إلى خير أو شر.
 الله عز وجل يلومنا، فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ

(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))

[ أبو داود، أحمد ]

 أنا أقول: أنا مستسلم لمصيري إذا غلبني الأمر، أما إذا كان بإمكاني أن أعترض، أن أقدم اعتراضاً، أن أسعى، أن أتصل، أن أتحرك، هذا كله واجب، لأن سيدنا عمر حينما أمر جيشه ألاّ يدخل الشام، وفيها طاعون، فقال له بعضهم: أتفر من قضاء الله ؟ فقال: نعم، أنا أفر من قضاء الله إلى قضاء الله، إن كان عندك غنم، وهناك أرض مخصبة، وأرض مجدبة إن رعيتها في المخصبة رعيتها بقضاء الله، وإن رعيتها بالمجدبة رعيتها بقضاء الله، فأنا أفر من قضاء الله إلى قضاء الله.
 هذا الفهم الدقيق للتوحيد ينعكس إخلاصاً في الوجهة، ينعكس قوةً في الإيمان، إذاً ما من ضعف في الإيمان إلا يقابله ضعف في التوحيد، أنا لا أتجه لغير الله إلا إذا توهمت أن غير الله بيده الأمر، أما حينما أوقن أن الأمر بيد الله وحده لا أتوجه إلا إليه.
 وكم يقوى إيمان المسلم عندما يستذكر حديث الله صلى الله عليه وسلم، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

(( كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ))

[ الترمذي، أحمد ]

 أستاذ زياد لو استعرضنا بعض آيات التوحيد فهي مذهلة:

 

﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾

 

[ سورة فاطر: الآية 2]

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾

[ سورة الزخرف: الآية 84]

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[ سورة هود: الآية 123]

﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

[ سورة الزمر: الآية 63]

﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)﴾

[ سورة الكهف: الآية 26]

 دقق:

 

﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾

 

[ سورة الأعراف: الآية 54]

﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾

[ سورة الزمر: الآية 62]

﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾

[ سورة محمد: الآية 19]

 آيات التوحيد كثيرة جداً، بل إن أكثر الذين آمنوا بالله تلبسوا بالشرك الخفي، قال تعالى:

 

﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 106]

 لمجرد أن تعتقد أن جهةً غير الله يمكن أن تنفعك، أو أن تضرك، أو أن تعطيك، أو أن تمنعك، أو أن ترفعك، أو أن تخفضك، أو أن تعزك، أو أن تذلك، مجرد هذا الوهم هو عين الشرك، أما الإيمان فألاّ ترى مع الله أحداً، وأن يد الله تعمل وحدها، وأنه ما من شيء إلا بيد الله، ومن آيات الله الدالة على هذه الحقيقة، ونحن في أمسّ الحاجة إليها قولُه تعالى:

 

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ﴾

 

[ سورة يونس: الآية 24]

 هناك قوى عظمى في العالم تتوهم أنها قادرة على تدمير أي مكان في العالم، وأن أي مكان في الأرض تحت سيطرة أقمارها الصناعية، وتحت سيطرة مدافعها الفتاكة، هذا الشعور يعطيها غطرسةً لا يحتمل، يقول الله عز وجل:

 

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾

 

[ سورة يونس ]

 قيل أيضاً: عرفت الله من نقض العزائم، الله كيف يؤدب عباده المشركين به ؟ يؤدبهم حيث يبطل عمل الأسباب أحياناً، أو يأتي بالنتائج بلا أسباب، وإن الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

((... إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))

 أما أن أستسلم كما تفضلتم قبل قليل لمصيري دون أن أتحرك فهذا جهل بالدين، لو دخل لص إلى البيت، ماذا تقول ؟ تقول: هذا أمر الله، لابد من أن تقبض عليه، وأن تتصل بالشرطة، هذا الموقف الواقعي والعملي.
 إذاً الإيمان يزيد وينقص في هذا المجال، في الاتجاه إلى الله سبحانه وتعالى، وسبب زيادته أو نقصه التوحيد إما قوة في التوحيد، أو ضعف في التوحيد، أجمل آية في هذا المعنى:

 

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

 

[ سورة الشعراء: الآية 213]

 بل إن المسلمين اليوم بحاجة ماسة إلى أن ترتفع معنوياتهم، الحقيقة أنّ الخطورة ليست أن نهزم، أخطر شيء أن نهزم من الداخل، الإنسان في الحياة كر وفر، ولكن حينما نستجدي، ونتطامن، ونيأس نكون قد وقعنا في شر مصيبة، فلا بد من رفع المعنويات.
 مثلاً، قال تعالى:

 

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ﴾

 

[ سورة إبراهيم: الآية 46]

 إله عظيم يقول:

 

﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾

 

[ سورة إبراهيم: الآية 46]

 يعني أنّ خطط أعداء المسلمين مخيفة جداً، وفي آية لا تزيد عن كلمات عن كلمتين أو ثلاث يقول الله:

 

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 120]

 كل هذا المكر الذي تزول منه الجبال يلغيه الله بشرطين:

 

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

 هذا يملأ القلب ثقةً بالله عز وجل، قال تعالى:

 

 

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 139]

 نحن بحاجة إلى أن تقوى معنويات المؤمنين، الله عز وجل لن يترنا أعمالنا، لن يتخلى عنا، إلا أن هناك قانوناً بسيطاً جداً، قانون التولي والتخلي، إن قلت: الله، تولاك بالرعاية، والحفظ، والتأييد، والنصر، وإن قلت: أنا بخبراتي، بمكانتي، بشبكة اتصالاتي، بمالي، بعلمي، بعلاقاتي، بزيد أو عبيد، إن قلت: أنا، تخلى الله عنك، وكيف لا، وقد تخلى الله عن أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم في حنين، قال تعالى:

 

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 25]

 أما في بدر:

 

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 123]

 أنا أقول: هذا قانون: إن قلت: الله، وافتقرت إليه تولاك، وإن قلت: أنا معتمداً على إمكانياتك وحدها تخلى الله عنك، فأنا في اليوم الواحد بين التولي والتخلي، بين أن أتجه إلى الله مفتقراً إليه، وبين أن أعتد بخبرتي، أو قدرتي، أو مالي، أو مكانتي، أو علمي، أو إلى ما ذلك، فيتخلى الله عني.
 المذيع:
 أريد أن ألخص هذا اللقاء الطيب، أنه بقدر التوحيد يتجه إليه وحده، وبقدر ضعف التوحيد يتجه إلى غيره.
 إذاً نعالج ضعف الإيمان بإحدى جوانبه بالتوحيد وبالإخلاص في الاتجاه لله سبحانه وتعالى، نتابع غداً بإذن الله تعالى فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي إذاً أشكركم إذاً وأشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم ومتابعتهم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور