وضع داكن
23-04-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 19 - مظاهر ضعف الإيمان10 - البحث عن الفتاوى الضعيفة - التجديد في الدين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 إخوة الإيمان والإسلام، أجدد التحية، وأحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه حلقة جديدة من برنامج طريق الهدى، ويسرني أن أجدد اللقاء والترحيب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، معنا في هذا البرنامج، أهلاً ومرحباً بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ، في لقاءنا الأخير وعدنا بأن نستكمل الحديث عن أمر مهم للغاية، كنا قد أتينا على ذكره في حلقات سابقة، ولكن لا بأس من التذكير بدقائقه، ألا وهو أمر تجديد الدين، والتجديد في الأحكام الفقهية بما يتناسب مع عصرنا الذي نعيش، وذلك يأتي من منطلق الحديث عن مظهر من مظاهر ضعف الإيمان، ألا وهو حالة التفلت والبحث عن الفتاوى الضعيفة لكي نتفلت عن منهج الله ـ والعياذ بالله ـ فما هو قولكم في أمر التجديد في الدين ؟
 الأستاذ:
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 الدين وحي من الله، فأي شيء صدر عن الله لا يمكن أن يقبل تعديلاً، ولا تطويراً، و تجديداً، ولا حذفاً، ولا إضافة، نحن بني البشر لو أن قاضياً حكم ألف حكم، بضعة أحكام منها جائرة نسميه قاضيًا عادلا، لأن كل القيم الأخلاقية في حق البشر نسبية، أما حينما تصف الله عز وجل بأنه مطلق فلا يمكن أن يكون في أي فعل من أفعاله، أو أي تشريع من تشريعاته نقص، وإلا لما كان من عند الله.
 المذيع:
 ولله المثل الأعلى.
 الأستاذ:
 يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

(سورة المائدة)

 بالمناسبة الكمال نوعي، والإتمام عددي، أقول لك: أعطيتك عشرة بالتمام والكمال، أي عشر ليرات ذهبية تامة في العدد، كاملة في النوع، فإذا قلت: شيء تام أي عدداً، شيء كامل نوعاً، فكأن الله يقول: إن مجموع القضايا التي طرحها الدين تام، وإن طريقة المعالجة كاملة، لذلك الدين لأنه وحي من عند الله فلا يقبل حذفاً، ولا لإضافة، ولا تجديداً، ولا تطويراً، ولا تحسيناً، إلى آخره، هذا المعنى دقيق جداً، وينبغي أن نهتم به.
 إذاً: ما التجديد في الدين ؟ كما تفضلتم، هناك من يقول: التجديد في الدين، لا يمكن أن نفهم التجديد في الدين إلا بالتعريف التالي: أن يزيل عنه ما علق به مما ليس منه، هذا هو التجديد، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ))

[أبو داود]

 ينفي عنه البدع.
 وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ:

(( مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ...))

(سنن النسائي)

 حينما تحاول أن تذهب نحو الأسوأ، نحو الأقل، نحو الخلل، نحو المحاباة، نحو الزيادة، نحو المتاجرة بالدين تضلّ، أما حينما تكتفي بما صح من الدين، وبما صح من سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينما تكتفي بالقرآن والسنة كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا، كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ))

[مالك في الموطأ]

 فنحن أمام بيت أحجاره أصبحت سوداء، تراكم عليها الغبار والدخان، فتجديد هذا البيت أن نزيل عنه هذه الطبقة التي ليست منه، أما أن نلغي غرفة، أو نضيف غرفة، أن نلحق حديقة، نقيم تعديلاً جذرياً، هذا ليس من التجديد في شيء، طبعاً هذا ينقلنا إلى موضوع البدعة.
 ورد في بعض الأحاديث الصحيحة عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ...))

(صحيح مسلم)

 العلماء حيال هذا الحديث فرقوا بين البدعة في الدين والبدعة في اللغة، البدعة في الدين مرفوضة، لأنها اجتراء على الله، ولأنها حذف مما ينبغي ألاّ يحذف، أو أنها إضافة مما ينبغي ألاّ يضاف، لكن البدعة في اللغة تعني شيئاً آخر، لو أنني كبرت الصوت في المسجد هذا لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن يوجد تطورات حديثة، وإمكانات لتكبير الصوت يستمع المصلون إلى الخطيب، وهم مرتاحون، يمكن أن ندفئ المسجد، ونأتي بماء بارد صيفا، وماء ساخن في الشتاء، أن نفرشه بالفرش الذي يريح المصليين، فأيّ تطوير في الدنيا مقبول بل مندوب إليه.
 المذيع:
 وهذا هو منطلق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَنَسٍ

(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ، قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: مَا لِنَخْلِكُمْ ؟ قَالُوا: قُلْتَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ))

(صحيح مسلم)

 الأستاذ:
 أنا حينما أؤسس صندوقًا للزواج، هذا لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
 حينما أؤسس صندوقًا لمعالجة المرضى، حينما أقيم تعاونًا بين التجار، ومشاريع بناء لشبابنا، حينما أبني معامل لتأمين فرص العمل لأبنائنا، هذا كله تجديد في الحياة الدنيا، أما أن آتي إلى أحكام العبادات فألغي بعضها، أو أضيف إلى بعضها بعضاً آخر، أو أن أطور في العقيدة، أو أن أبحث عن تفلت أغطيه بالشرع، فهذا ليس من التجديد في شيء، وقلت لكم من قبل: إن الإنسان حينما يضعف إيمانه يبحث عن شيء، أن يوافق الدين حريته في الحركة في الحياة، يوافق شهواته.

 

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾

 

(سورة الفرقان)

 الدين كيان صلب واضح المعالم، نحن نقلناه من الصلابة إلى اللزوجة، ومن اللزوجة إلى السيولة، ومن السيولة إلى الغازية، فصار الدين كالغاز، يصلح لكل شيء، ممكن أن نقيم على كل الشهوات، ونحن في إطار الدين، في المفهوم الحديث للتجديد، يمكن أن نفعل كل المنكرات، ونحن في الدين بالمفهوم الجديد، هذا شيء منكر، هذا شيء يعبر عن إنسان أراد هواه، أراد شهوته، وهو حريص على أن يبقى منتمياً إلى هذا الدين، فجمع وسمح بالغناء وبالرقص وبالتمثيل، وبذهاب المرأة في السفر من دون محرم، وبأكل أموال الناس بالباطل، وبالفائدة المصرفية، هذا الذي يكون، تجد فتوى تبيح معصية، فأنا دائماً حينما أُسأل عن حرمة هذا الشيء أقول له: تبحث عن فتوى أم عن التقوى، إن بحثت عن الفتوى فهناك فتوى لكل معصية، أم إن بحثت عن التقوى فالتقوى أن تدع ما لا بأس به، حذراً مما به بأس، لا يمكن أن يكون التجديد في أصل العقيدة، ولا في أصل العبادة، ولا في الأحكام الكلية، لكن حينما قال الله عز وجل:

 

﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ﴾

 

(سورة النساء)

 مع من ؟ أولاً: من هم أولوا الأمر ؟ الإمام الشافعي يقول: العلماء والأمراء، العلماء يعلمون الأمر، والأمراء ينفذون الأمر، فإن تنازعتم مع من ؟ مع علمائكم، أو أمرائكم في أمر تشريعي، قال تعالى:

 

﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾

 

 خالق الكون يأمرنا إذا تنازعنا مع علمائنا، أو أمرائنا في قضية تشريعية أن نرد هذا إلى الله في كتابه، وإلى ورسوله في سنته، أيعقل أن نحال إلى الكتاب والسنة، ولا نجد فيهما ما يشفي غليلنا ؟ أيعقل أن يحيلك الله إلى شيء لا تجد فيه بغيتك ؟ مستحيل.
 مثلاً: يقال لك اليوم: لابد من التأمين، والناس بحاجة ماسة إلى التأمين، والتأمين محرم، فماذا نفعل ؟ الإسلام حرم التأمين التجاري، وسمح بالتأمين التعاوني، نحن ألف تاجر، نشكل قطاعاً في التجارة معينًا، لو أن كل واحد منا وضع في صندوق نصيباً من المال تجمع في هذا الصندوق مال كثير، أي واحد من المشتركين في هذا الصندوق ألمت به كارثة يأخذ حاجته من هذا الصندوق، لو فرضنا أنه لم يقع في العام شيء، هذا المال لنا ثمره، نقتسمه، نعيده مرة ثانية للعام القادم، هذا لنا، فقضية التأمين لها وجه شرعي، أن تجعله تعاونياً، لا أن تجعله تجارياً، لا أن تأخذ من إنسان مبلغاً كبيراً دون أن ينتفع منه، نحن في الأصل عندنا المعاوضة، فهذا الذي وضع عشرة آلاف تأمينًا لسيارته، ولم يحدث معه شيء، دفع، ولم يأخذ، وهذا الذي أخذ ثمن مركبته أخذ، ولم يعطِ، أما لو كان هناك صندوق تعاوني، فهذا الذي أخذ يكون قد أخذ من مجمل هذا الصندوق، فالباقي لنا جميعاً.
 ما من معضلة تشريعية إلا ولها في الدين أصل واضح، ماذا يمنع أن أنشئ مصرفاً، وأثمر فيه الأموال عن طريق المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية ؟ وأجمع الأرباح، ثم أوزعها على أصحاب رؤوس الأموال بالتمام والكمال، ماذا يمنع ؟ ماذا يمنع أن يكون هناك بنك للإقراض الحسن ؟ كل معضلة تشريعية لها في الإسلام حل رائع، ولكن العلة في المسلمين، لا في الإسلام.
 المذيع:
 لكن فضيلة الشيخ، معظم المصارف يقولون: إنهم يأخذون الأموال من الناس، ويستثمرونها في مشاريع صناعية وتجارية، ويقسمون الربح على المساهمين، وهذا ما هو حاصل في المعاملات المصرفية عامة، البعض يتخذ من هذا سبيلاً إلى تحليل الفائدة المصرفية، يقول: أفيد، وأستفيد، وأستثمر هذا المال، وهنا يأتي مظهر من مظاهر ضعف الإيمان، بأن يتخير الفرص لكي يتفلت.
 بالنسبة لهذا الأمر ولمثيلاته من الأمور التي تطرأ في حياتنا المعاصرة ترك هذا كله هو مظهر من مظاهر قوة الإيمان، أن يعيش هكذا مستقلاً عن بقية المجتمع.
 الأستاذ:
 قوة الإيمان تعني أن أحدث في مجتمعي صيغاً إسلامية، أو أن أجعل المؤسسات البنكية مسلمة، أي تسير على النظام المصرفي الإسلامي.
 المذيع:
 ولكن للأسف فضيلة الشيخ، لنكن واقعيين، هناك من يقول لك: أبيعك هذا بالتقسيط المريح، ومن دون فوائد، ولكن إذا اشتريته، ودفعت ثمنه نقداً تحصل عليه لنَقُل بخمسمئة ليرة، وإن اشتريته مقسطاً تحصل عليه بسبعمئة ليرة، هو احتسب الفائدة، ولكن يقول: هذا مقابل تأجيل الدفع، هناك نوع من الاحتيال على الشرع، وهذا يسيء إلى الإسلام.
 الأستاذ:
 أنا أرى أن هذا الكتاب بعته بمئة ليرة، الكتاب الثاني بعته بمئة وخمسين، لأنه مجلد، الكتاب الثالث بمئة وخمسة وسبعين، لأن اسمك مكتوب عليه بماء الذهب مثلاً، وأن هذا الكتاب ثمنه مئتا ليرة، لأنه من ورق غالٍ، فكل هذه الزيادات في الكتاب، أما حينما أبيعك إياها نيئة بثلاثمئة ليرة، هذه الزيادة ليست في الكتاب، بل مقابل الزمن، وحينما تخصص للزمن ثمناً، وقعت في شبهة الربا، النبي عليه الصلاة والسلام كان أول مضارب في الإسلام، الحاجة إى استثمار المال حاجة أساسية جداً في أي مجتمع.
 هناك امرأة لا تحسن التجارة، هناك شاب صغير يدرس ومعه مال، وليس من أبيه، هناك موظف متقاعد، وهناك حالات لا تعد ولا تحصى أصحابه بحاجة ماسة إلى استثمار أموالهم، ما هي القناة النظيفة لاستثمار الأموال في الإسلام ؟ أن تدفع المال لشاب خبير متألق، هو بحاجة ماسة إلى مالك، وأنت بحاجة ماسة إلى خبرته، فاجتمعت الخبرة والمال، فنتج عنها ربح وفير، يأخذ الشاب نصف الربح مقابل جهده، وأنا آخذ نصف الربح مقابل مالي، هذا الاستثمار مشروع، ومندوب إليه، بل إن الشارع الحكيم حينما فرض على المال المجمد زكاة فالزكاة تستهلكه في أربعين عاماً، وكأن الزكاة باعث لك على استثمار مالك، وإلا تأكله الزكاة، وقد ورد هذا المعنى من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، عَنْ مَالِك أَنَّهم بَلَغَهم أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ:

((اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ))

(موطأ مالك)

 فنحن مطالبون أن نستثمر مالنا في مشاريع تحقق النفع للناس جميعاً، أنت حينما تؤسس مشروعًا، تطرح كميات كبيرة من الفواكه في السوق، هذا من شأنه أن يخفف الأسعار، وأن يعم الخير على الناس جميعاً، ما من مشكلة اقتصادية إلا ولها في الإسلام تشريع رائع، قلت لك قبل قليل: ماذا يمنع أن نجمع الأموال في مؤسسة ؟ وأن نستثمر هذه الأموال في مشاريع نافعة للأمة ؟ وأن نأخذ الأرباح، وأن نوزعها بالتمام والكمال على المستثمرين، أما حينما أعطي فائدة محددة ثابتة، وأنا أربح الأموال الطائلة، فهذا ليس مشروعاً في الدين، البنك الإسلامي يمكن أن يعطيك فائدة بالمئة خمسة، أو اثني عشر أو عشرين، حسب الربح، أما الفائدة الثابتة فهي محرمة، لأنه ليس فيها إنصاف للطرفين، إنسان يأكل ما شاء له أن يأكل، وإنسان يأخذ القليل نتيجة استثمار هذا المال.
 المذيع:
 أود أن أتوقف، وأوضح نقطة، الزكاة تأكل رأس المال، وإنما الزكاة تنمي المال، وهي مدعاة لتنمية المال، وتزكية النفس وتطهيرها، وإنما قصدتم بالأموال المكنوزة.
 الأستاذ:
 أنت معك مليون دولار فرضاً، أيعقل أن تتركها في مكان، وقد قفلت عليها، هذا أصبح كنزًا، حرمت منها الأمة، هذا المبلغ لو أنك استثمرته في زراعة، أو صناعة، أو تجارة، أو مشروع خيري، أو مشروع استثماري، عاد نفعه على الأمة، فكأن الشارع عاقب كانز المال بأن الزكاة وحدها تستهلكه، فإما أن تستثمره، وإما أن تستهلكه الزكاة، هذا المعنى لا علاقة له بقول: حصنوا أموالكم بالزكاة، من طرح ماله للاستثمار: وزكى عنه يزداد هذا المال، لأن الله عز وجل يقول:

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾

(سورة البقرة)

 فأنت حينما تستثمر مالك في مشاريع إنمائية نافعة للمسلمين، إنك تفعل ما أراده الله عز وجل، الإسلام لا يعجز عن حل أية مشكلة، ولكن أكرر وأقول: حينما يزهد المسلمون في دينهم، ويتطلعون إلى ما عند الغرب من نماذج استثمارية، ولا يعبئون بحرمة ما حرم الله عليهم عندئذ يدفعون الثمن باهظاً.
 المذيع:
 نسأل الله العلي القدير بأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أشكركم أيها الإخوة المستمعون، ونشكر جميعاً فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه المساهمة القيمة في برنامجنا طريق الهدى، نسأل الله أن يكتب هذا في ميزان حسناته، أشكركم فضيلة الشيخ، وإلى لقاء قريب في الغد بإذن الله تعالى، نتابع الحديث عن مظاهر ضعف الإيمان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور