وضع داكن
29-03-2024
Logo
الموضوعات الأدبية - درس تلفزيوني : 03 - محمد كرد علي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أسعدتم مساء أيها الطلاب الأعزاء، في لقاء سابق تناولت موضوع القصة في شعر الأخطل، والأخطل كما تعرفون أول الأديبين الذين يتصدران كتابي التراجم و النقد، وثاني هذين الأديبين هو محمد كرد علي، موضوع درسنا اليوم، وفي كتابكم المقرر عن هذا الكاتب الأديب الشيءُ الكثير، ففيه حديث عن عصره واتجاهاته السياسية والاجتماعية و الفكرية، وفيه حديث عن حياته و مواضع ثقافته، و تقلبه بين الوظيفة و الصحافة و التأليف، و فيه عرض سريع لرحلاته المتعددة، و دراسة مقتضبة لآثاره المترجمة، و المؤلفة و المحققة، وفيه وقفة مطولة عند جوانب شخصيته ؛ الجانب الذاتي، والجانب الاجتماعي، والسياسي، والقومي، و الإنساني، و التأملي، والأدبي، و سأعالج في هذا اللقاء الجانب الاجتماعي في أدب محمد كرد علي.
 وعلى ذكر الجانب الاجتماعي، أيها الطلاب الأعزة، أحب أن أوضح لكم أن الاتجاه الاجتماعي في الأدب ظهر حديثا، من غير أن يُفهم من هذا أنه ليس في أدبنا القديم جذور للأدب الاجتماعي، أو مرتكزات له، ظهر هذا الأدب حينما تحول ضمير أدبائنا من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي، وحينما تبدلت مفهوماتهم، ومواقفهم، وحينما اتضحت رؤيتهم، وتطورت من رؤية ضبابية غائمة إلى رؤية صحيحة رائقة، و ظهر حينما انتقلت مواقعهم من قصور الأمراء إلى بيوت الفقراء، ويحضرني هنا قول لتوفيق الحكيم إذْ يقول:" القلم اليوم عصا في يد الإنسانية بها تسير، لا مرود تكحل به عينيها "، أي أن الأدب ليس للزينة، بل لقيادة المجتمع نحو حياة أفضل، وقول آخر: ليس الأدب حلية بديعة ساكنة فوق الصدور، و لكنه نور متحرك يفتح الأبصار "، وهي الفكرة نفسها في صياغة أخرى.
 أيها الطلاب الأعزة، درجنا في دروس التلفزيون أن نعرِّف طلابنا جانبًا من حياة الأدباء الذين ندرس أدبهم، وسأترك الشاشة للأستاذ الرئيس، وهو أحَبُّ الألقاب إلى محمد علي، يحدثكم عن نفسه: " يا نفس لا تغضبي ولا تعتدي، فقد عمِّرتِ طويلا، ومتِّعتِ كثيرا، فُتنتِ بجمال الوجود وجلال الطبيعة، ونمتِ بصنع الخالق والمخلوق، واستكثرت من الخلاّن و المعارف، وتعبتِ إذْ كنتِ أقربَ إلى التفاؤل من التشاؤم، وإلى الرجاء أدنى من القنوط، وإلى السرور أكثر من الغمّ، وعشتِ في سلطان الرضا طيبة الطعمة، لا يدَ لأحد عندكِ، درجتِ على بغض الفوضى، وحب النظام، وآثرت ثورة الأفكار على ثورة السلاح، و دققت في كتاب يومه و غده، وأيقنت أن لا نجدة إلاّ من طريق المعرفة، كرهتِ يا نفس التعصب والعصبية، وحاربتِ الجهل والأمية، وتفانيتِ في الدعوة إلى الاستقلال وحبِّ القومية، ودعوتِ جهرا للعرب و العربية ".
أعزائي الطلاب، هذه صورة نفسية لمحمد كرد علي، كتبها بقلمه قبل وفاته بقليل، وقد جاءت في كتاب المذكرات.
محمد كرد على بهذه المناسبة ولد في قرية جسرين، إحدى قرى غوطة دمشق، ورحل إلى العالَم الآخر في عام 1953، والآن ننتقل إلى صلب الموضوع، و نبدأ بمخططه العام.
الجانب الاجتماعي في أدب محمد كرد علي:
 1- مقدمة.
 2- موقفه من الفلاّح والإقطاع.
 3- موقفه من العمل والعمال.
 4- موقف من الموظفين و الإدارة.
 5- موقفه من العلم و التعليم.
 6- موقفه من المرأة.
 7- الخاتمة.
هذا مخطط الموضوع، ولا تنسوا موقفه من الفلاح والإقطاع، العمل والعمال، والموظفين و الإدارة، وموقفه من العلم و التعليم، والمرأة، ومقدمة وخاتمة.
 أعزائي الطلاب، أخذ كرد علي على عاتقه مسؤولية الإصلاح الاجتماعي، فسخر قلمه في نقد الأوضاع الاجتماعية الفاسدة، المتمثلة في تسلط الإقطاع، و شيوع الجهل، وفساد الإدارة الحكومية، و الإصلاحُ عنده يعني التحررَ من كل ألوان التخلف التي يرزح تحتها المجتمع العربي، ثم الاقتباس من الحضارة الغربية ما يناسب حاجاتنا و قيمنا، أي أن يأخذ ما في عقول الغربيين و ندع ما في نفوسهم، على حدّ قول توفيق الحكيم، وحينما تسلَّم السلطة التعليمية في البلاد حقّق من الإصلاحات بعض ما يصبو إليه، والفكرة الأساسية الأولى من درسنا موقفُه من الفلاح والإقطاع.
 أولاّ: الفلاح، عاش محمد كرد علي مع الفلاحين في غوطة دمشق طفلا، فشاركهم أفراحهم وأتراحهم في مواسم الخصب والجدب، و طعم من طعامهم، و أحس أنه منهم، وأنهم منه، وإذا كان والدُه صاحبَ مزرعة، فما كانت ملكيته لها تبلغ حد الإقطاع، وكان الفلاحون يشتغلون في أرضه مسرورين راضين، وهو بهم رفيق عطوف، يمنحهم كل ما يسرهم ويرضيهم.
 ثانيًا: وحين شبَّ عن الطوق ازداد إدراكه لواقع الفلاحين، و هاله ما يحيط بهم من ظلم، وما يعانون من عذاب في ظل الإقطاع، وكتب في هذا: " حزنت على الغوطيّ عبدًا، وفرحت له حرا، آلمني عبوسُه وتشاؤمه، وسرني ضحكه واستبشاره، وكان يرمضني كلما وقعت عيني عليه "، ونصوص هذا الدرس نثرية.
 ثالثًا: وكان يؤمن أن الأرض للفلاح، وأن على الدولة أنْ توزع الأرض على أصحابها الحقيقيين، فالفلاحون هم أصحابها الحقيقيون، وكان يؤمن أن تعليم الفلاح واجب الحكومات، ففي تعليمه نهوض بالزراعة وأساليبها، وفي ازدهار الزراعة وفرةُ الخيرات، وغنى الأمة، وهو يرى أن التفاوت الشاسع بين القرية والمدينة مردُّه إلى شيوع الجهل و الأمية في المجتمع الريفي، وفي هذا يقول: " من أكبر العوامل في الانحطاط الظاهر بين القرية والمدينة في الديار الشامية أن الفلاحين وهم نحو ثلثي السكان تُركوا للطبيعة، فلم تتعهدهم الحكومات، ولا الجمعيات بتربية تربية دينية أو مدنية.
 وأما موقفه من الإقطاع فقد كان واضحا من خلال نصرته للفلاح، لقد رآهم مصدرا للشرور، إذا دُعوا إلى الحسنى شكَوا الفقر، وإذا أُريدوا على الصالحات سعَّروا خدودهم، وما أُثر لواحد منهم أن أنشأ مدرسة، أو أنفق على تعليم ولد فقير، وكان محمد كرد علي يبتعد عن هذا الصنف من الناس، فلا تطيب له عشرتهم.
أعزائي الطلاب، ننتقل الآن إلى فكرة أساسية ثانية، وهي موقفه من العمل و العمال.
 كان محمد كرد علي يقدّس العمل، و ينصر العمال والكادحين، و يرى أن - والكلام الآن له - يرى أن العملة - ويعني بهم العمال - أشرف الناس يفيدون بما تصنعه أيديهم، ويأكلون رزقهم حلالا، وهم أقل الخلق فضولا، والجهل سبب أساسي لتخلف العمال، ولو أن العامل أتيح له أن يتعلم لغدا أكثرَ وعيا لواقعه المتردي، ولثار على من اغتصبوه حقوقه، وأورثوه الذلة، ويرى كرد علي أن العمال هم عصب الحياة الصناعية، وبهم ترقى الصناعة أو تسفل، ومن حقهم أن يطالبوا برفع الظلم عنهم، و إنصافهم كلما لاح لهم أنهم مغبونون مسحوقون.
أيها الطلاب الأعزة، مواقفه تلك من العمال أملاها عليه شعوره الإنساني العام، ونزعته إلى الإنصاف والعدل، لقد حنق على الظلم بشتى صوره، و صار مستخدما الكلمة الصادقة سلاحا له
أيها الطلاب الأعزاء، ننتقل الآن إلى الفكرة الأساسية الثالثة، ألا وهي موقفه من الموظفين والإدارة، وفي هذه الفقرة طبيعته الخاصة، الفوضى و سوء الإدارة التي لاحظها، انتقاده لكبار الوزراء، تنوع وسائل النقد عنده.
 أولاً: دأب محمد كرد علي منذ نعومة أظفاره على العمل الجاد المثمر، وهو عدو التهاون و الكسل، حليف الإنتاج والإتقان والإخلاص، هذه طبيعته، وكان يؤلمه ما يراه في دوائر الدولة من فوضى و سوء إدارة، واغتناء على حساب الوظيفة، ويؤكد أن الإهمال الصغير قد يؤدي إلى الإخلال الكبير، يقول مشيرا إلى فساد الدواوين في عصره: " ويؤلمني كل الألم مَن يحاول أن يغتني منهم في أقصر زمن، ولو عومل بعضُ المذنبين بالصرامة، وما سكت الرؤساء على الإهمال الصغير أن يؤدي إلى الإخلال الكبير لما فشت الرشوة في مصر والشام، في دواوين كان الواجب أن تكون مثالا في النزاهة والشرف ".
 ويقول أيضا: " لا يقاس في نظر التاريخ احترامُ الرجال بقدر ما ملكت أيمانهم، وضمّت خزائنهم، بل بقدر ما أنتجت عقولُهم، وشرفت أعمالُهم، وأعظم سلوى يرتضيها المستقيمُ في عمله هو أنه يحيا غير معذَّب الوجدان، مستقلَ الفكر، ويموت قريرَ العين، ببعده عن الخيانة، والعبثِ بدماء الناس، والعبثِ بأموالهم وحقوقهم ".
 ثالثا: و قد انتقد كبار الوزراء في عصره، الذين لا همَّ لهم إلا الاحتفاظ بمناصبهم، والسعي إلى مكاسب شخصية، على حساب المصلحة الوطنية، وهو يقوِّم هؤلاء بما يستحقونه من دون أن يجحف بحق أحد، يقول: " يظن بعض من تخدعهم الظواهرُ أن في رجال الدولة ذكاءً فائقا، وعلمًا نادرا، و تجربةً عظيمة، ولو خبروهم لرأوا جمهرتَهم من المتفوقين في مزاياهم على الأغلب، أو المصادفة أو الاحتيال فقط وصلوا إلى ما وصلوا إليه "، وهكذا سخر محمد كرد علي قلمه تارة، و لسانه تارة أخرى في تعرية دواوين الدولة في عصره، وفضح المرتزقة والمرتشين، وحينما بلغ السلطة قرَن القولَ بالعمل، فبَتَر الأعضاء الفاسدة، وكرّم الأكفَّاء المخلصين من الموظفين.
أيها الإخوة الطلاب، ننتقل الآن إلى فقرة أساسية رابعة، ألا وهي موقفه من العلم والتعليم.
يعدّ محمد كرد علي أحدَ أعلام الفكر الذين خدموا العلم و التعليم في البلاد، وقبل أن نتابع الحديثَ عن تفصيلات هذه الفقرة، ننوِّه بأفكارها الأساسية:
 *موقفه من العلم و التعليم.
 *مكانته العلمية.
 *مؤسس مجمع اللغة العربية، وكما يسمَّى المجمع العلمي العربي.
 *أول من تسلّم ديوان المعارف.
 *أصلح التعليم الابتدائي، وأنشأ كليات عالية جامعية.
 *وله رأي في التعليم الخاص ناضج جدا.
 *وكان وزير عمل ميداني، لا وزيرَ مكتبٍ متقوقعًا على نفسه.
ونشاطه، وموقفه من العلم و التعليم يتمثل في صورة أخرى، وهو نشاطه في التأليف والترجمة، ومحاربته للبدع والخرافات.
 يعد محمد كرد علي أحد أعلام الفكر الذين خدموا العلم والتعليم في بلادنا، وهو رائد للنهضة العلمية على نحوٍ رسميٍّ، فهو من أول من تسلم رئاسة ديوان المعارف في زمن الحكومة العربية الأولى، وهو مِن أول من أسّس المجمع العلمي العربي عام ألف و تسعمائة وتسعة عشر (1919)، والذي يُعرف اليوم بمجمع اللغة العربية، لقد أسس محمد كرد علي المجمع العلمي العربي يومَ لم يكن هناك في طول البلاد وعرضها مجمعٌ علمي عربي واحد، ولقد لاقى في سبيل ذلك صعوباتٍ جمةً، وعقباتٍ كثيرةً، يقول: " لقيت الألاقي من الحكومات السورية في سبيل هذا المجمع العلمي، كأنه بعض مُلكٍ - هذا هو المجمع العلمي العربي، بناؤه القديم - فكنت أحاول إعلاء مكانته بين علماء الشرق، وعلماء المشرقيات - معنى علماء المشرقيات، أي المستشرقين - وكان من أثر حرصي عليه الابتعاد به عن السياسة ".
 وحينما تسلم محمد كرد علي، وأصبح وزيرا للمعارف حمل راية الإصلاح ؛ إصلاح التعليم عاليا، ومضى يفتح المدارس، و يعيِّن لها الأكفاء من المعلمين، و يبعد عنها الأردياء، فقد حرص على نشر التعليم الابتدائي في الريف، و قد خصّ الريف للمعلمين المقتدرين، لأن في مقدور الواحد منهم أن يعمل مستقلا، وقد لا يروق هذا الرأي للمعلمين الأثرياء، وقد أولى التعليم العالي اهتماما كبيرا، فأسّس مدرسة الآداب العليا، وهي نواة كلية الآداب اليوم، وأسس مدرسة الإلهيات، وهي نواة كلية الشريعة اليوم، لكنه كان يرى، وهو مصيب في رأيه أنّ التعليم الابتدائي وقتها هو الأساس، وكان للرجل نظرة ثاقبة في مجال التعليم الأجنبي، فانطلاقا من نزعته الوطنية والقومية كان يرى أن ضررَ المدارس الأجنبية أكثرُ من نفعها، وفي هذا يقول: " إذا كانت هذه المدارس قد نفعت الشام بما أدخلته إليها مِن النور القليل فقد أضرّتها بانحلال العقدة الوطنية، فمدارس الأمريكان - هكذا يقول - والروس واليونان والفرنسيس - هذه الكلمة يستخدمها كثيرا، تعبِّر عن فرنسا - والإنجليز، والألمان أصلحت بتلقين من تخرجوا فيها شيئا من معارف الغرب، وأضعفت في نفوسهم حب الوطن كثيرا ".
 ورأيُ الأستاذ محمد كرد علي في هذا مصيبٌ، لأن لهذه المدارس توجيهات تناقض الاتجاهَ الصحيحَ الذي ينبغي أن نكون عليه، ولم يكن محمد كرد علي في هذا وزيرَ مكتبٍ متقوقعًا في مكتبه، متشنج، ولكنه كان وزير عمل ميداني، فكثيرا ما كان يزور المدارس ليقف على أحوالها عن كتب، ويتجلى اهتمام كرد علي بالعلم في وجه آخر، وهو انصرافه إلى التأليف والبحث و التحقيق والترجمة والنشر ومحاضرة المجتمع، فقد أغنى مكتبتنا العربية بأمهات المصادر و المراجع، فمن كتبه " خطط الشام "، و" القديم والحديث "، و" الإسلام والحضارة الغربية "، و" أمراء البيان"، و" كنوز الغرب "، و" كنوز الأجداد "، و" غوطة دمشق"، و" المذكرات"، هذا فضلا عن الكتب التي ترجمها، والمخطوطات التي حققها.
 الفكرة الأخيرة: وإذا كان محمد كرد علي، وإذا كان محمد كرد علي من الدعاة إلى العلم و التعليم، فقد كان يدعو إلى هدم كل ما ليس له علاقة بالعلم، فحارب البدع، وأزرى بالخرافات، ودحضها، وسخِر من الأوهام التي تعشِّش في قلوب الناس، وفي عقولهم.
أيها الطلاب الأكارم، ننتقل الآن إلى الفقرة الأساسية الأخيرة، ألا وهي موقفه من المرأة ومشكلاتها.
في هذه الفقرة الأفكار التالية:
 *تقديره للمرأة.
 *المرأة شريكة الرجل.
 *الزواج غير المتكافئ.
 *تعدد الزوجات.
 *عمل المرأة.
هذه فقرات الفكرة الأساسية.
 كان محمد كرد علي ينظر إلى المرأة نظرة ملؤها التقدير والإعجاب، وكان يرى أن المرأة شريكة الرجل في الحياة، وهي تشاركه كل ما في الحياة ؛ من مشقات، ومن مكتسبات، وهذه النظرة هي الآن بَدَهِيَّة، ولكنها في عصره تعد نظرة متميزة وجريئة، وكان ينتقد زواج الشيب بالفتيات الصغيرات، هذا اسمه الزواج غير المتكافئ، لِمَا لهذا الزواج من أثر سيئ في حاضر العلاقات الزوجية، وفي مستقبلها، ومحمد كرد علي لا يؤمن بتعدد الزوجات، أو لا يؤمن إنْ صحَّ التعبير بالجمع بين زوجتين أو أكثر إلا لضرورة ماسّة، وهذا فهم صحيح لنظام تعدد الزوجات في الإسلام، وهذا ما تأخذ به محاكمنا الشرعية اليوم، وتتشدد فيه، إسهاما منها في الحفاظ على بناء البيت السعيد.
  موقف محمد كرد علي من عمل المرأة، فهو موقف ينطلق من وجهة نظر خاصة، إنه يرى أنها إذا عملت خارج المنزل ينبغي أن يكون عملها موافقا لطبيعتها، ولأنوثتها، "فالنساء - وهذا القول له - لم يفلحن في المحاماة، ولا في الطب، ما عدا الفرع الخاص بأمراض النساء، ونجحن في تمريض المرضى، والكيمياء العملية، وتربية الأطفال".
أعزائي الطلاب، لقد عرض محمد كرد علي في أدبه الحضارة العربية بأزهى ألوانها، و عالج المشكلات الاجتماعية بشتى صورها، من وجهة نظر كانت في الأعم الأغلب صحيحة، وتعد رائدة في عصره، وتميز أدبه بالصفاء والوضوح، فقد قرأ القرآن الكريم بتدبر، و طالع في كتب   الشريفة، وحفظ المعلقات السبع، وطُرفا صالحة من دواوين العرب، وشغف بالمتنبي، فحفظ نصف ديوانه، ودرس كتاب " الكامل " للمبرد، و"العقد الفريد "لابن عبد ربه، وقرأ لأعلام الغربيين في الأدب والتاريخ والسياسة، ومارس الكتابة الصحافية – لا تقولوا: الصحفية، الصحفي هو الذي يغلط في قراءة الصحف، صوابها الصحافي، ومارس الكتابة الصحافية، كل ذلك كان له أثره البالغ في سعة اطلاعه، وعمق ثقافته، ودقة فهمه، و مرونة أسلوبه، وقوة بيانه.
 أعزائي الطلاب، المطالعة، و المطالعة وحدها هي الطريق الصحيحة إلى تملُّك الثقافة العميقة، و إلى القدرة على الكتابة، وإلى الاغتناء بأسلوب مشرق جذّاب، يقول أديسون: " العبقرية تسع وتسعون في المائة عرق، أي جهد، وواحد في المائة إلهام ".
أعزائي الطلاب، آمل أن تكونوا أفدتم من هذا الدرس، وأتمنى لكم النجاح والتوفيق، وأنتظر أن تكونوا في العام القادم طلابا جامعيين، في كليات تحبونها، وتستفيدون منها، وإلى لقاء آخر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخفاء الصور