وضع داكن
26-04-2024
Logo
أمهات المؤمنين : السيدة خديجة بنت خويلد 8 - قلادة خديجة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الأخوة الكرام ، مع الدرس الثامن والأخير من سيرة السيدة خديجة رَضِي اللَّه عَنْها زوجة رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأولى .

البطولة أن تعطي الناس حقهم وأن تكون منصفاً :

 هناك موضوع في سيرة السيدة خديجة عنوانه قلادة خديجة ، موضوع دقيق ومؤثر ، فالسيدة زينب رَضِي اللَّه عَنْها ، كبرى بنات السيدة خديجة من النبي عليه الصلاة والسلام ، زوجها عليه الصلاة والسلام من أبي العاصي بن الربيع ، زوجها النبي في الجاهلية من أبي العاص بن الربيع ، وهو ابن أخت السيدة خديجة ، أمه هالة بنت خويلد ، وكانت السيدة خديجة تعد أبا العاصي بن الربيع بمنزلة ولدها ، ولما زفت السيدة زينب إليه أهدتها أمها خديجة قلادةً هدية زفافها ، هذه بدايات القصة ، ولما أراد المشركون أن يؤذوا رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بناته كما مر من قبل ، وكلموا أبا العاصي أن يطلق السيدة زينب ، وعرضوا عليه بالمقابل أن يزوجوه أية امرأة من قريش يشاء ، هذا الموقف الشريف الأخلاقي رفضه رَضِي اللَّه عَنْه ، وقال لهم : لا والله إني لا أفارق صاحبتي ، هناك أصهار رسول الله بعضهم طلق زوجاته ، أما أبو العاصي فقال : والله لا أفارق صاحبتي ، وما أحب أن لي بامرأتي امرأةً من قريش ، لهذا أثنى عليه النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال : زوجت أبى العاصي فحدثني ، وصدقني ، ووعدني فوفى لي ، وحينما رآه عليه الصلاة والسلام بين الأسرى في موقعة بدر قال : والله ما ذممناه صهراً ، والبطولة أيها الأخوة أن تعطي الناس حقهم ، البطولة أن تكون منصفاً ، رأى صهره بين الأسرى ، جاء ليقاتله ، ولكنه ما ذمه صهراً ، لما عرضوا عليه أن يطلق زوجته ليؤذوا بتطليق زوجته النبي عليه الصلاة والسلام قال : لا والله لا أفارق صاحبتي ، وما أحب أن لي بامرأتي امرأةً من قريش ، فكان زوجاً وفياً ، والنبي عليه الصلاة والسلام حفظها له ، وعاشت السيدة زينب رَضِي اللَّه عَنْها معه وهي مسلمة ، وبينما هو لا يزال على شركه ، هي مسلمة وهو مشرك ، بسبب أن الآيات التي حرمت زواج المسلمات بالمشركين لم تنزل بعد ، ليس هناك تشريع ، فالآيات التي حرمت المسلمات على المشركين ما كانت قد نزلت بعد ، وقدر الله تعالى أن يكون أبى العاصي بن الربيع من جملة أسرى المشركين في غزوة بدر ، موقوف ، مقيدة حريته ، أسير مع أسرى قريش وهو صهر النبي عليه الصلاة والسلام ، وزوجته في مكة ، وهي بنت النبي عليه الصلاة والسلام .

 

تواضع النبي عليه الصلاة والسلام :

 إذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يفاجأ أن ابنته زينب رَضِي اللَّه عَنْها بعثت القلادة التي أهدتها إليها أمها خديجة يوم زفافها ، بعثت بهذه القلادة إلى النبي عليه الصلاة والسلام لعله يأخذها ، ويفك صهره من الأسر ، تروي بعض الروايات أن النبي بكى ، يعني ابنته وصهره ، وجاء أخو صهره مع قلادة ابنته يعرضها على النبي فلعل النبي يقبلها ، ويفك أسر صهره المشرك ، ولما رأى النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القلادة رقّ لها رقةً شديداً ، لقد أثارت القلادة في قلبه الشريف ذكريات زوجته السيدة خديجة رَضِي اللَّه عَنْها ، فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه وعواطفه ومشاعره تطرب في قلبه وصدره ، ابنته وصهره ، وهو النبي ، وهو القائد ، وهو قمة المجتمع الإسلامي ، انظروا إلى تواضعه ، فقال لأصحابه : إن رأيتم أنتم أن تطلقوا لها أسيرها ، وتردوا عليها مالها فافعلوا إن شئتم ، أن تردوا لها أسيرها ، وتردوا عليها مالها فافعلوا ، فقالوا : نعم يا رسول الله ، الأمر لأصحابه ، وما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يخرج عن النظام العام الذي وضعه هو ، وطلب النبي عليه الصلاة والسلام من أبي العاصي ، وكانت قد نزلت آيات تحرم زواج المسلمات بالمشركين طلب النبي عليه الصلاة والسلام من أبي العاصي قبل أن يطلق سراحه أن يفارق السيدة زينب ، بأن يطلقها ، هذا أمر الله عز وجل ، أنه يحبها ، أنها تحبه ، أنه متعلق بها ، أنها متعلقة به ، شرع الله عز وجل فوق كل شيء ، فإذا أصر على شركه وكفره فلا بد أن يطلق زوجته زينب ، فالإسلام فرق بينهما ، والحكمة أيها الأخوة تعرفونها جميعاً ، الزوج هو الآمر ، هو المسيطر ، إن كانت تحته امرأة مشركة يمكن أن يحملها على طاعة الله ، أما إن كانت امرأة مسلمة تحت مشرك يمكن أن يحملها على الشرك ، لأنه هو الآمر ، فيصح أن تكون امرأة مشركة تحت مسلم ، ولا يصح أن تكون امرأة مسلمة تحت مشرك ، وأرسل عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة ، ورجلاً من الأنصار ، وأمرهما أن ينتظرا السيدة زينب خارج مكة ببطن يأجج ، على الطريق إلى المدينة المنورة لكي يكونوا بصحبتها حتى تصل إلى المدينة ، أرسل سيدنا زيد بن حارثة ، وأرسل رجل آخر من أجل أن يأتيا بزينب من مكة إلى المدينة ، لأن صهره مشرك ، ولا يمكن أن يبقى معها ، ولا أن تبقى معه ، فالإسلام فرق بينهما ، أبو العاصي وفى بما وعد رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأمر السيدة زينب أن تسافر إلى أبيها رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المدينة المنورة ، وفارقت السيدة زينب زوجها الذي أحبها وأحبته ، فحبها لدينها أعظم عندها من حبها لزوجها ، الآن تقول له أحياناً زوجته شيئاً فيقول لها : أنا أو هذا الجهاز ، فتقول له : لا الجهاز ، أنت لا أريدك ، أما الصحابيات فحينما خيرن بين طاعة الله ورسوله وبين زوجها ، اختارت طاعة الله ، وخرجت مسافرة إلى المدينة في هودج على بعير يقوده كنانة بن الربيع أخو زوجها ، واعترضها بعض سفهاء المشركين ، وكانوا حديثي عهد بمصابهم في غزوة بدر ، وسبق إليها هبار بن الأسود ، ومعه رمح يلوح به فروعها بالرمح ، وهي في الهودج ، يعني آذى بنت رسول الله ، وكانت حاملاً فأسقطت .

 

الإنسان بخاتمة عمله والماضي يطوى بلمحة :

 تذكر رواية أخرى أن هباراً نخس البعير برمحه ، فنفر البعير بها ، وأسقطها على صخرة مما أدى إلى نزف دمها ، وإسقاط جنينها ، وبرك كنانة على الأرض ، ونثر كنانته ، ثم قال : والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهماً ، وكنانة أخو زوجها ، فرجع الناس عنه ، وأتى أبو سفيان ومعه رجال من قريش ، فقال له : أيها الرجل كفَّ عنا نبلك حتى نكلمك ، فكفَّ ، فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه ، فقال : إنك لم تُصِب ، يعني إنك أخطأت ، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية ، وقد عرفت مصيبتنا ، ونكبتنا ، وما دخل علينا من محمد ، فيظن الناس إذا خرجت بابنته علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك عن وجل أصابنا ، عن مصيبتنا التي كانت ، وأن ذلك منا ضعف ووهن ، ولعمري مالنا بحبسها عن أبيها من حاجة ، وما لنا من ذلك من ثؤرة ، أي طلب ثأر ، ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات ، وتحدث الناس أن قد رددناها ، فسلها سراً ، وألحقها بأبيها ، كلام طيب ، وكلام معقول ، لأننا نحن الآن مصابون ، الجراح لا تزال نازفة ، الألم شديد مما أصابنا في بدر ، فأنت إذا خرجت بابنة محمد عليه الصلاة والسلام علانية ، على رؤوس الناس ، متحدياً فكأن في هذا ضعفاً لنا وإهانة ، فأرجعها الآن ، وبعد أيام قليلة ، سلها من بيننا ليلاً ، وألحقها بأبيها ، ولا نعترض على ذلك ، ففعل كنانة بمشورة أبي سفيان ، وأقام السيدة زينب ليالي في مكة ، ثم خرج بها ليلاً حتى سلمها لزيد بن حارثة والأنصاري ، فقدما بها على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وغضب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَا تعرضت له ابنته السيدة زينب ، فأراد أن يفعل شيئاً ، ثم كفَّ عن ذلك .
 ذكر ابن كثير ، أن هبار بن الأسود الذي نخس ناقة زينب ، وقد وقعت من على الناقة ، ونزفت ، وأسقطت ، أن هذا من جملة من ماتوا في السنة الثالثة عشر من الهجرة ، هذا الرجل كان قد طعن راحلة زينب بنت النبي عليه الصلاة والسلام يوم خرجت من مكة حتى أسقطت ، ثم أسلم بعد ذلك ، فحسن إسلامه ، وقتل بأجنادين رَضِي اللَّه عَنْه ، الإسلام يجُبُّ ما قبله ، الذي سبب هذا الألم الشديد للنبي عليه الصلاة والسلام ، ونخس بعير زينب ، وأوقعها من على البعير ونزفت ، وأسقطت ، تاب ، وأسلم ، وحسن إسلامه ، ومات شهيداً إذاً رَضِي اللَّه عَنْه ، إذاً هبار ابن الأسود رَضِي اللَّه عَنْه ، العبرة مما سبق أن الإنسان بخاتمة عمله ، فالإنسان لا ينبغي أن يقف كثيراً عند ماضيه ، ينبغي أن ينظر إلى مستقبله ، الماضي يطوى بلمحة ، الصلحة بلمحة .

 

إجارة السيدة زينب ابنة النبي لزوجها :

 مرت سنوات والسيدة زينب رَضِي اللَّه عَنْه مفارقة لزوجها ، وبينما كان أبو العاصي زوجها قافلاً بتجارة فيها أموال لقريش ، عن طريق مكة المحاذي للمدينة ، اعترضت سرية من سرايا المسلمين هذه القافلة فأخذوا ما معه من أموال ، وتمكن أبو العاصي من الفرار ، فلم يقع في أيدي رجال السرية ، إلا أن رجال السرية أخذوا كل البضائع وبالملايين ، قافلة كبيرة جداً ، والأموال كلها لقريش ، وأبو العاصي كان تاجراً ، ثم تسلل إلى المدينة المنورة ليلاً حتى دخل على زوجته السيدة زينب ، فاستجار بها ، فأجارته ، وانتظرت السيدة زينب حتى إذا خرج النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صلاة الفجر ، وكبر للصلاة ، وكبر الناس ، صرخت رَضِي اللَّه عَنْها من بين صفوف النساء : أيها الناس إني أجرت أبا العاصي بن الربيع ، فلما سلم النبي عليه الصلاة والسلام أقبل على الناس فقال :

((أيها الناس هل سمعتم الذي سمعته قالوا : نعم ، قال : والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم ـ من غير تخطيط ، أنا سمعت معكم ، انظر إلى التواضع ، تبرئة النفس ، ابنته وصهره ، وهو سيد الخلق ، وهو نبي هذه الأمة ، وهو قائد هذه الأمة ، قال : أيها الناس هل سمعتم الذي سمعت ، قالوا : نعم ، قال : والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم ، وإنه يجير على المسلمين أدناهم))

[البيهقي عن أم سلمة]

 عد ابنته أدنى المسلمين ، ومن حقها أن تجير ، قال ذلك عليه الصلاة والسلام حتى لا يظن أحد أن النبي اتفق مع ابنته السيدة زينب لتجير أبا العاصي بن الربيع ، ثم دخل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنته زينب فقال لها : أي بنيّة أكرمي مثواه ، ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له ، قال ذلك لأن أبا العاصي لا يزال على كفره ، ثم بعث صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجال السرية فحثهم على رد ما كان مع أبي العاصي من أموال ، فاستجابوا لرسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وردوا عليه كل ما أخذوه منه ، فأخذ البضاعة كلها .
 هنا نقطة أيها الأخوة لا تقدر بثمن ، رجع أبو العاصي بتجارته إلى مكة ، وأعطى كل إنسانٍ حقه ، أعطى كل إنسان ما كان له ، ثم قال : يا معشر المشركين هل بقي لأحد منكم مالٌ لم يأخذه ؟ قالوا : لا ، فجزاك الله خيراً ، فقد وجدناك وفياً كريماً ، فقال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله .

 

وفاة السيدة زينب رضي الله عنها :

 بالمناسبة أيها الأخوة ، عرضوا عليه أن يأخذ البضاعة كلها ، إذا أسلم عادت هذه البضاعة غنائم ، لأن المسلمين في حالة حرب مع المشركين ، وقد أخذوا أموالاً طائلة ، فمجرد أن يعلن أبو العاصي إسلامه عندئذٍ تغدو كل هذه الأموال غنيمة للمسلمين ، ماذا قال أبو العاصي ؟ قال : والله لا أبدأ إسلامي بهذا ، أنا مقتنع بالإسلام ، إن أسلمت بهذه الطريقة ، وأخذت كل هذه الأموال ماذا يفهم الناس ؟ أنني أسلمت لأكل أموالهم ، أنني أسلمت وأصبحت هذه الأموال غنائم من أجل أن آكل أموال الناس ، والله لا يصدقونني ، عاد إلى مكة ، وأعاد إلى كل ذي حقٍ حقه ، هل لكم عندي شيء ؟ قالوا لا ، جزاك الله خيراً ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، والله يا معشر قريش ما منعني عن الإسلام عنده في المدينة إلا خوفُ أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم ، فلما أداها الله إليكم ، وفرغت منها أسلمت ، أداها الله إليكم ، ثم خرج رَضِي اللَّه عَنْه حتى قدم على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرد عليه زينب على النكاح الأول هي زوجته :

((رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِي بْنِ الرَّبِيعِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحاً))

[الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 لما أصر على شركه فرق الإسلام بينهما ، فلما أسلم عادت إلى حكمه الأول .
 لم يدم اجتماع الزوجين الكريمين طويلاً ، إذ قدر الله سبحانه وتعالى أن يفرق الموت بعد اجتماعهما بزمن قصير ، ففي أول السنة الثامنة من الهجرة توفيت السيدة زينب رَضِي اللَّه عَنْها ، ولحقت بأمها السيدة خديجة رَضِي اللَّه عَنْها ، وحزن صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على موت ابنته ، وكفنها بإزاره ففي الحديث الشريف :

(( دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ : اغْسِلْنَهَا ثَلاثاً ، أَو ْخَمْساً ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُوراً ، أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُورٍ ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ : أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ تَعْنِي إِزَارَهُ ))

[البخاري عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِي اللَّه عَنْهَا]

 أعطاها قماشاً خاصاً به فلفَّت به في الكفن ، ومات أبو العاصي بعدها بأربع سنين من وفاتها .

 

مواقف كثيرة يمكن للإنسان أن يفعلها وهو صادق لكن الناس لا يصدقونه :

 ولدت السيدة زينب من أبي العاصي ولداً اسمه علي ، عاش حتى ناهز الاحتلام ، توفي في حياة النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وولدت أيضاً بنتاً اسمها أُمامة ، كان صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحبها كثيراً ، ويدنيها منه ، ففي الصحيحين قَالَ :

(( خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصيِ عَلَى عَاتِقِهِ فَصَلَّى فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا ))

[ متفق عليه عن أَبِي قَتَادَةَ ]

 أهديت للنبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة هدية فيها قلادة ، فدعا أمامة فعقدها بيده في عنقها ، كأنها ذكرته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقلادة خديجة رَضِي اللَّه عَنْها ، من تزوج أمامة ؟ تزوجها علي بن أبي طالب رَضِي اللَّه عَنْه بعد موت خالتها السيدة فاطمة ، وبعد استشهاد علي رَضِي اللَّه عَنْه تزوجت أمامة المغيرة بن نوفل الهاشمي وماتت عنده رَضِي اللَّه عَنْها ولم تلد لعلي ولا للمغيرة ، هذه قصة القلادة .
 أبرز ما في هذه القصة أنه أدى الأموال إلى أصحابها ، وبعدها أعلن إسلامه ، هناك مواقف كثيرة يمكن أن تفعلها أنت صادق لكن الناس لا يصدقونك ، قال والله لا أبدأ إسلامي بهذا .
 أيها الأخوة الكرام ، هؤلاء أصحاب رسول الله ، وأصهار رسول الله ، وبنات رسول الله كانوا قدوة لنا جميعاً ، ويحسن بنا أن نقف عند هذه القصص وقفةً متأنية ، لعل الله سبحانه وتعالى يعلمنا الشيء الكثير من هذا الفهم الدقيق لما فعله أصحاب النبي رضوان الله عليهم .

 

انقسام العلماء في موضوع التفضيل بين السيدة خديجة والسيدة عائشة رضي الله عنهما :

 في بحث قصير عن السيدة عائشة والسيدة خديجة ، أقرأ لكم ما تيسر منه إلى أن يؤذن العشاء ، قال عليه الصلاة والسلام :

((كمل من الرجال الكثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وفضل عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام))

[من مختصر تفسير ابن كثير عن أنس بن مالك]

 العلماء ينقسمون في موضوع التفضيل بين عائشة وخديجة رَضِي اللَّه عَنْهما ، إلى فريقين ، فريق ذهب إلى فضل السيدة خديجة على السيدة عائشة وفريق فضّل السيدة عائشة على السيدة خديجة ، إلا أن الكلام الطيب إذا أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فهذا لا يعلمه إلا الله ، التفضيل يتوقف ، وإن أريد بالتفضيل كثرة العلم فعائشة هي الأولى ، وإن أريد بالتفضل شرف الأصل ففاطمة لا محالة ، وإن أريد بالتفضيل النصرة والسبق إلى الإسلام فالسيدة خديجة ، كل واحدة لها نصيب من الفضل ، النبي عليه الصلاة والسلام قال مرة للسيدة فاطمة :

(( يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين .))

[الشيخان عن فاطمة]

 طبعاً هذا الحديث في صحيح مسلم ، فهو يعدها صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيدة نساء المؤمنين ، وفي رواية أخرى :

(( يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة ، أو نساء المؤمنين.))

[متفق عليه عن عائشة]

 بعضهم يعلق ويقول : إن أريد فضل كثرة العلم فعائشة ، ولو قدر للسيدة خديجة أن تسمع من النبي ما سمعت السيدة عائشة ، وأن تروي ما روت لبلغت من العلم درجة عالية رفيعة كما بلغت السيدة عائشة رَضِي اللَّه عَنْها .
 أيها الأخوة الكرام ، هؤلاء أهل بيت النبي قدوة لنساء المؤمنين ، إن شاء الله تعالى نتابع الحديث عن زوجاته الطاهرات زوجةً زوجة ، ثم ننتقل إن سمح الله لنا أن ننتقل إلى بناته الجليلات ، ونأخذ ما كتب عنهن من مواقف كاملة فلعلنا بهذه المواقف وتلك القصص نعرف قدر هؤلاء الصحابة الكرام الذين أيدوا النبي عليه الصلاة والسلام .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور