1999-06-01
طُلب مني أن أقدم كتاباً في " فضائل آل البيت في ميزان الشريعة الإسلامية " لمؤلفه الأخ الكريم الأستاذ عمر الحاجي، فقد ورد في الفصل الثاني من كتابه: إن المكانة السامية لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، التي أعطاهم إياها الله جل جلاله في كتابه، وأعطاهم إياها رسوله (ص) في سنته القولية والعملية ؛ إن هذه المكانة تجعل المسلم ـ أي مسلم ـ يعظمهم، ويجلهم، ويعدّ هذا التعظيم والإجلال جزءاً من دينه، وقد ذكر الفخر الرازي: أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ساووه في خمسة أشياء: في الصلاة عليه وعليهم في التشهد، وفي السلام، وفي الطهارة، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبة
ولقد آثرت أن يكون التقديم في موضوع عام، أصولي، هو منهج البحث الإسلامي لأنه يلقي ضوءاً كاشفاً على حقيقة الاختلاف بين المسلمين، وما ينبغي أن يكونوا عليه
فانطلاقاً من أن الدين في حقيقته نقل عن الله ورسوله، وأن أخطر ما في النقل صحته، لذلك لو حرص المسلمون على اعتماد النصوص الصحيحة وجعلوها أساساً لتصوراتهم، وعقائدهم، وموافقهم ؛ لما اختلفوا فيما بينهم، فالنصوص الصحيحة تجمع ؛ والنصوص الضعيفة والموضوعة تفرق، فالنص الصحيح أولاً والحكم مأخوذ منه ومبني عليه ثانياً، أما إذا عكسنا الأمر؛ فجئنا بالرأي أولاً ثم بحثنا عن نص يؤيده، فقبلنا من النصوص ما يؤيده، ورفضنا مالا يؤيده، وقعنا في ضلالات أهل الرأي، قال تعالى:
﴿ " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ "﴾
ويمكن أن نلخص منهج البحث الإسلامي بالقاعدة:﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾
وهناك الاختلاف الذي يرد إلى الحسد والبغي وتنازع المصالح الدنيوية﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾
وهناك اختلاف التنافس على الفوز بأعلى درجات الآخرة، وهذا الاختلاف محمود عند الله لأنه يستحث الخطى ويضاعف الجهود، ويعود بالخير العميم على المسلمين، قال تعالى:﴿ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
ثم إن هناك دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله، وهذه الدعوة من خصائصها: الابتداع، والتنافس، والجحود ؛ وهناك دعوة إلى الله خالصة، وهذه الدعوة من خصائصها: الاتباع، والتعاون، والإنصاف
والإنسان فردي الطبع، وهو مكلف بالتعاون، وهذا التناقض بين الطبع
والتكليف هو ثمن الجنة، قال تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾
فالمسلم يتعاون مع أخيه المسلم بقدر طاعته لله، وبقدر إخلاصه في طاعته، ويتنافس مع أخيه المسلم، ويتنازع بقدر تقصيره في طاعة الله، وبقدر ضعف إخلاصه