وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0252 - الدعاء في القرآن - أمراض منشأها نفسي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ، ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر . اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

الدعاء عبادة :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ مرّت قبل أيّام ذِكرى النّصف من شعبان ، وفي هذه المناسبة يطيبُ الحديث عن الدّعاء ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( الدّعاء مخّ العبادة ))

[الترمذي عن أنس]

وما من شيءٍ أكرمُ على الله من الدّعاء ، والله سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾

[ سورة غافر : 60]

 إنّ الذين يستكبرون عن الدّعاء ، أيْ يستكبرون عن عبادتي ، فالدّعاء عبادة ، بل هو مخّ العبادة ، إنّ الإنسان في الدّعاء يكون قريبًا من الله عز وجل ، وفي القُرْب كلّ السعادة ، وكلّ الطمأنينة ، وكلّ الراحة ، إنّ الدّعاء مخّ العبادة ، وما من شيءٍ أكرمُ على الله من الدّعاء ، بل إنّ من لوازم العبادة أن تدْعُو الله عز وجل ، وإنّ من علامات صحة العبادة ألا تدْعُوَ سِواه ، وألا تركن إلى غيره ، وألا تعتمد على غيره ، وألا ترجو غيره ، قال تعالى :

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾

[ سورة غافر : 60]

 ومن أصدق من الله حديثاً ؟ ومن أوفى بعهده من الله ؟ قال تعالى :

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾

[ سورة غافر : 60]

 لم يقل الله عز وجل : إنّ الذين يستكبرون عن دعائي ، حينما جاءَتْ كلمة عبادتي بدَل دعائي ، فَمِن تعاريف الدّعاء أنّه عبادة ، بل هو مخّ العبادة ، لأنّه ما من حالةٍ تكون أقربَ فيها من الله عز وجل من الدّعاء ، وما دامت الصّلاة قُربًا لقوله تعالى :

﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾

[ سورة العلق : 19]

 فالدّعاء مخّ العبادة ، لأنّك إذا دعوتهُ ولا ترجو أحدًا سواه تكون أقربَ شيءٍ إليه .

 

الله تعالى قريب مجيب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم :

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾

[ سورة البقرة: 189 ]

 قال تعالى :

﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾

[ سورة البقرة : 215]

 قال تعالى :

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾

[ سورة البقرة: 219]

 قال تعالى :

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾

[ سورة البقرة: 217]

 قال تعالى :

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾

[ سورة البقرة: 219]

 قال تعالى :

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾

[ سورة البقرة: 220]

 قال تعالى :

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾

[ سورة البقرة: 222]

 قال تعالى :

﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾

[ سورة المائدة : 4]

 قال تعالى :

﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ﴾

[ سورة الأحزاب : 63]

 قال تعالى :

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾

[ سورة الأنفال: 1 ]

 قال تعالى :

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ﴾

[ سورة الكهف : 83]

 قال تعالى :

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ﴾

[ سورة طه : 105]

 في هذه الآيات كلّها تأتي كلمة قلْ وسيطًا بين السؤال والجواب إلا في آيةٍ واحدة وهي قوله تعالى :

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾

[ سورة البقرة: 176 ]

 فليس في هذه الآية كلمة " قلْ " ، فاستنبط العلماء من ذلك أنّه ليس بينك وبين الله حجاب ، قال تعالى :

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾

[ سورة البقرة: 176 ]

 هل تستطيع أن تسأل البعيد ؟ يستحيل عليك أن تسأل بعيدًا ، واللهُ تعالى قريب ، وليس قريبًا فقط ، بل هو قريب مجيب ، فكم من قريبٍ لك لا يُجيبك ؟ قال تعالى :

﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾

[ سورة البقرة: 176 ]

 قريبٌ مجيب ، هل يكفي أن يكون الله قريبًا مجيبًا كي تدعوه ؟ لا ، الله سبحانه وتعالى قريبٌ مجيب ، ولكن : أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ، قد تدعو غيري ، فما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيّته ، فتكيدهُ أهل السموات والأرض ، إلا جعلتُ له من بين ذلك مخرجًا ، وما من مخلوق يعتصم بِمَخلوقٍ دوني أعرف ذلك من نيّته إلا جعلتُ الأرض هويًّا تحت قدميه ، وقطَّعْتُ أسباب السماء بين يديه ، فالله قريب ، وفضلاً عن أنّه قريب، فهو مُجيب ، ولكن هذا لا يكفي ، بل لا بدّ أن تدعوه ، قال تعالى :

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾

[ سورة البقرة: 176 ]

 إنّه يحول بين المرء وقلبه ، قال تعالى :

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴾

[ سورة ق : 16]

 يحول بين المرء وقلبه ، ويعلم السرّ وأخفى ، وفضلاً عن أنّه تعالى قريب فإنّه يجيبُ دعوة الداعي إذا دعاه .

 

شروط استجابة الدعاء :

 ولكن هذا الدّعاء متى يُستجاب ؟ بل كيف يُستجاب ؟ بل ما هي الشروط التي إذ توافرَت استجاب الله الدّعاء ؟ قال الله عز وجل :

﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾

[ سورة البقرة : 186]

قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾

[ سورة الأنفال: 24 ]

 هل استجبْت لله عز وجل ؟ هل نفَّذْت أمرهُ ؟ هل طبَّقتَ تعليماته ؟ هل وجدَكَ حيث أمرك وافتقدَك حيث نهاك ؟ هل استجبْت له في كسْب الرّزق ، وفي إنفاق المال ؟ هل استَجَبْت له في علاقاتك مع النّساء ؟ هل غضضْت بصرَكَ عن محارم الله تعالى ؟ هل أقمْت شرْع الله تعالى ؟ فليستجيبوا لي ؛ في البيت ، والسوق ، والطريق ، والعمل ، فكلّ حركةٍ وسكنةٍ أنت محاسبٌ عليها ، قال تعالى :

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 92-93]

 عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ؟))

[التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ]

 ولن يستجيبوا لي إلا إذا آمنوا بي ، فيجبُ أن تؤمن به أوَّلاً ، وأن تستجيب له ثانيًا، وأن تدْعُوهُ ثالثًا ، فعندئذٍ ترشُد إلى إجابة الدّعاء .

 

الحكمة من أن الله خلق الإنسان ضعيفاً :

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ إنّ الإنسان في بنيتِهِ الخَلقيّة ضعيف ، هكذا قال الله عز وجل :

﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾

[ سورة النساء : 28]

 والإنسان في بنيته الخلقيّة هَلوع ، وهكذا قال الله عز وجل :

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾

[ سورة المعارج : 19-22]

 في بنيتك النّفسيّة أيّها الأخ الكريم ضَعفٌ ، وهلَعٌ ، وجزَعٌ ، وخُلق الإنسان عجولاً، وفي بنيتك النفسيّة أنّك عجول ، فلو أنّ الله سبحانه وتعالى خلقك قويًّا لاستغنيْت بقوّتك ، فشقيتَ باستغنائك ، ولكنّ رحمة الله اقْتَضَتْ أن يخلقنا ضُعفاء ، لِنَفتقرَ في ضَعفنا ، فنسْعَدَ بِضَعفنا ، قال تعالى :

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾

[ سورة البقرة: 176 ]

 ليس بين العبد وربّه حِجابٌ ، فإذا قال العبد : يا ربّ وهو راكع ، قال الله : لبّيك يا عبدي ، وإذا قال العبد : يا ربّ وهو ساجد ، قال الله عز وجل : لبّيك يا عبدي ، وإذا قال العبد : يا ربّ وهو عاصٍ ، قال الله عز وجل : لبّيك ثمّ لبّيك ثمّ لبّيك ! فما مِن حِجابٍ بينك وبين الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 لو جِئتني بملء الأرض خطايا غفرتها لك ولا أُبالي ، فهو قريبٌ مجيب ، يُجيب دعوة الداعي إذا دعاه .

 

الإخلاص في الدعاء :

 ورد في بعض الأحاديث الصحيحة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 

(( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟))

 

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 أَتَحزنُ ومعك الدّعاء ؟ أتقلق والدعاء مخّ العبادة ؟ أتخافُ والدعاء سلاح المؤمن؟ أتخشى عدوًّا من بني البشر وخالق البشر يقول لك : اُدعُنِي أستجِبْ لك ؟
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾

[ سورة غافر : 65]

 أنا أغنى الأغنياء عن الشِّرْك ، لا تدع الله بلِسانك وأنت متّكئ ومعتمدٌ على غيره، لا تدعُ الله بلسانك وأنت معلّق الأمَلَ على غيره ، لا تدعُ الله بلسانك وأنت طامعٌ فيما عند غيره، عندئذٍ لا يستجيبُ لك ، لأنّ الله سبحانه وتعالى أغنى الأغنياء عن الشِّرْك ، قال تعالى :

﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾

[ سورة غافر : 65]

 أخلِصْ في دعائِكَ ، ولا تعتمد على أحدٍ سواه ، ولا ترج غيره ، ولا تعلّق أملاً على جهةٍ أخرى .

 

الجمع بين الخوف و الطمع في الدعاء :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ وفي آية أخرى يقول الله عز وجل :

﴿وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾

[ سورة الأعراف : 56]

 يجبُ أن تكون حالتك بين الطّمع وبين الخوف ، بين الرّجاء وبين الخوف ، لا أن تكون خائفًا إلى درجة اليأس ، ولا أن تكون راجيًا إلى درجة التفريط ، بل كنْ بين الخوف والرّجاء ، رغبًا ورهبًا ، وفي آيةٍ أخرى يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

[ سورة الأعراف : 55]

 إنّه لا يجيب دعاء المعتدين ، هذا الذي يعتدي بِمُطلق العدوان ، يعتدي على أيّ إنسان ، يعتدي على حُقوق الآخرين ، وأموالهم ، وسمعتهم ، وأعراضهم ، وهذا الذي ينظر إلى ما لا يحلّ له ، هذا لن يستجيب الله له دعاءهُ ، إنّه لا يحبّ المعتدين ، ما علاقة القسم الثاني من هذه الآية بالقِسم الأوّل ؟ قال تعالى :

﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

[ سورة الأعراف : 55]

 أيْ إذا اعتدَيْت فلا يحبّك ، وإذا لم يحبّك فلن يستجيبَ لك .

 

الله تعالى هو الجِهة التي تستطيع وحدها أن تستجيب لك :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ آيةٌ أخرى من آيات الدّعاء ، قال تعالى :

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[ سورة النمل : 62]

 من هي الجِهة التي تستطيع وحدها أن تستجيب لك وأن تنقذك مما أنت فيه ؟ إنّه الله تعالى ، قال تعالى :

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[ سورة النمل : 62]

 أما قوله تعالى :

﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾

[ سورة مريم : 4]

 فهذا دعاء سيّدنا زكريا عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام ، أيْ مستحيلٌ أن تدْعُوَهُ وتشقى بهذا الدّعاء ، فإنّ الله سبحانه وتعالى عظيمٌ كريمٌ رحيمٌ ودودٌ غنيّ قديرٌ ، أفَتدعُوه وتشقى ؟‍‍‍‍! وتدعوه وتُحرم ؟! وتدعوهُ ويخيبُ ظنّك ؟! .

 

الإكثار من ذكر الأسماء الحسنى في الدعاء :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ في آية أخرى من آيات الدّعاء يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾

[ سورة الأعراف : 180]

 يا حيّ يا قيّوم بِرَحمتك أستغيث ، يا حنّان ويا منّان ، ويا ذا الجود والإحسان ، برحمتك نستغيث ، اُدع الله بأسمائه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، فإن هذا أعْوَنُ على إجابة الدّعاء ، كما قال الله عز وجل :

﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾

[ سورة الأعراف : 180]

 وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دعا ربّه ، وقد ألمَّ به مكروه يقول : " لا إله إلا الله الغنيّ الحليم ، لا إله إلا الله الرحمن الرحيم " يُكثرُ من ذِكْر أسمائه الحسنى في دعائه الشريف .

 

من دعا غير الله حبطت أعماله :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ هؤلاء الذين يدعون غير الله تعالى حبِطَتْ أعمالهم ، لأنّهم كما قال تعالى :

﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾

[ سورة الأعراف : 194]

لا يملكون كشف الضرّ عنكم ولا تحويله ، هؤلاء الذين تدعون من دون الله عبادٌ لله أمثالكم ، مفتقرون إلى الله عز وجل ، لا يملكون النّفع أو الضرّ لأنفسهم فكيف لغيرهم ؟ قال تعالى :

﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾

[ سورة لقمان : 30]

 فكلّ جهةٍ تدعوها من دون الله تعالى إنّما هي بُطلٌ في بُطل ، ولن تستطيع أن تقدّم ولا أن تؤخّر ، ولا أن تعطي ، ولا أن تمنع ، ولكلّ شيءٍ حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليُخطئهُ ، وما أخطأهُ لم يكن لِيُصيبَهُ .

 

دعوة الله في الشّدة و الرّخاء :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ من النماذج التي وصفها الله عز وجل في القرآن الكريم ، أنواع من بني البشر يدعون الله سبحانه وتعالى إذا أصابهم الضرّ ، فإذا كشف الضرّ عنهم نسوا ما دَعَوا إليه ، يقول الله عز وجل :

﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً﴾

[ سورة يونس : 12]

 يدعو في الطريق ، ويدعو وهو واقف ، يدعو وهو جالس ، ويدعو وهو مضطجع، وهو مستلقٍ ، يرفع صوته بالدّعاء ، ويقول : يا ربّ ، يا ربّ ، قال تعالى :

﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[ سورة يونس : 12]

 هذا النموذج من بني البشر الذي يعرف الله في الشدّة وينساه في الرّخاء ، والذي يعرف الله عند الضّيق وينساهُ في الفرج ، والذي يعرف الله وقت الحِرمان وينساهُ في البحبوحة ، والذي يعرف الله عند المرض وينساه عند الصحّة ، ويعرفُه عند الفقر وينساهُ عند الغنى ، ويعرفُه عند الضّيق وينساهُ عند الراحة ، هذا النموذج ليس بالنموذج الذي أثنى الله عليه ، قال تعالى :

﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الزمر : 49]

 أهكذا ؟! أهكذا المؤمن ؟ تدعو الله تضرّعًا خائفًا مترقِّبًا ، فإذا منحكَ نعمةً منه تقول : إنَّما أوتيته على علمٍ عندي ، ولذلك قال العلماء : ثلاث كلماتٍ مهلكات ؛ أن تقول : أنا وعندي ولي ، فقد قالها إبليس : أنا خيرٌ منه ، فأهلكه الله عز وجل ، وقال فرعون : أليس لي ملكُ مصر ؟ فأغرقه الله عز وجل ، وقال قارون : إنّما أوتيتهُ على علم عندي ، فخسفَ الله به الأرض ، قال تعالى :

﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[ سورة الزمر : 49]

 نموذج آخر ، قال تعالى :

﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً﴾

[ سورة الإسراء : 83]

 أدار ظهرهُ للدِّين ، ترك الصلاة ، وترك تِلاوة القرآن ، قال تعالى :

﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴾

[ سورة فصلت : 51]

 ليْتَكَ تدعوه وأنت في بحبوحة ، وليتك تدعوه وأنت في أوْج قوّتك ، و في أوج غِناك ، وأنت في صحّتك ، هذا هو المعدن الثّمين ، أن تدعُوهُ وأنت في الرّخاء ، لا في الشدّة .
 قال تعالى :

﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾

[ سورة فصلت : 49]

 إنّ اليأس والقنوط من صفات أهل الإعراض ، لا يسأم الإنسان من دعاء الخير، وإذا مسّه الشرّ فيؤوسٌ قنوط .

 

الحكمة من الدعاء :


أيها الأخوة المؤمنون ؛ الدعاء كما قال عليه الصلاة والسلام مخّ العبادة ، وما من شيءٍ أكرمُ على الله من الدّعاء ، ولكن قد يسأل سائل : لماذا الدّعاء ؟ الدّعاء من أجل أن تعرف الله عز وجل ، فقد يسوقُ للإنسان بعض المشكلات ، فيطرق أبواب الناس كلّهم ، فلا يستجيبون له ، وإذا طرق باب الله عز وجل واستجاب له ازداد به علمًا وقربًا ، ومن ثمار الدّعاء الصحيح أنّ الله عز وجل يعرّفك بذاتك ، أيْ أنّه سميعٌ لدعائك ، بصير بحالك ، بيده كلّ شيء، وإليه يرجع الأمر كلّه ، فإذا استجاب لك ازْددْت منه قربًا ، وازددْت به علمًا ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله تعالى فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم ))

[الطبراني في الأوسط عن عائشة]

 ومن جملة المشكلات التي تحيط بالإنسان ، ومن جملة ثمارها أنّك بالدّعاء واستجابة الله لك تزداد منه قربًا ، وتزداد له محبّةً ، وتزداد به علمًا ، والله سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾

[ سورة طه : 114]

الابتعاد عن دعوة غير الله :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ هؤلاء الذين يدعون من دون الله يقول الله عنهم :

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾

[ سورة فاطر : 14]

 فأيّة جهةٍ أرضيّة لو سمعت لا تسمع ، ولو سمعت لا تستجيب ، ويوم القيامة يكفرون بشِرْكِكُم ، قال تعالى :

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

[ سورة إبراهيم : 22]

الاستقامة على أمر الله سبب استجابة الدعاء :

 لقد عجِبْتُ للمؤمن كيف يحزَن والدّعاء سلاحه ؟! وعجبْت له كيف يقنط والدعاء موفور بين يديه ؟! وعجبْت كيف ييئس والله سبحانه وتعالى يقول للعباد : اُدعوني أستجب لكم ؟
 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ كيف يقنط الإنسان من رحمة الله تعالى وهو الذي بيده ملكوت السموات والأرض ، وهو أرحم الراحمين ؟ فلا بدّ أن تنعقد الصّلة بينك وبين الله تعالى ، ويأتي الدّعاء فيكون في قمّة هذه الصّلة ، ولا بدّ أن تدْعُوَهُ من أعماق أعماقك ، وإذا دعوته سمع دعاءك ، واستجاب لك ، فارتَقَتْ رتبتك عند الله ، وارتقَت معرفتك به ، وارتقى حبّك له .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ ولكنّ المعتدين لا يُستجاب لهم ، استقم على أمره ، ولن تفعل إلا إذا عرفته ، إذا عرفت الآمِر طبّقتَ أمرهُ ، ولن تستطيع أن تستجيب له إلا إذا آمنتَ به، فإذا آمنْتَ به ، واستجبت له ، وعلمْت أنّ الله يُجيبُ دعوة الداعي إذا دعاه ، وأنّ الله قريبٌ مجيب ، فعندئذٍ تدعوه فيستجيب لك .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا ، فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

العلاقات الوشيجة بين أعراض الأمراض الجسميّة و الاضطرابات النفسيّة :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ الأطباء يبحثون عن العلاقات الوشيجة بين أعراض الأمراض الجسميّة ، وبين الاضطرابات النفسية ، فكم من مرضٍ عضوي أساسه اضطرابٌ نفسي؟ فمِن جملة الأمراض العضويّة ذات المنشأ النفسي - كما يقول بعض الأطباء - تسرُّع ضربات القلب واضطرابها ، وتضيّق الشريان التاجيّ الاختلاجي ذي المنشأ العصبي ، وارتفاع ضغط الدمّ ذي المنشأ العصبي أيضًا ، وتقرُّحات الجهاز الهضمي ، وأمراض الحساسيّة وأمراض الأعصاب ، وأمراض الشّلل العضوي ذي المنشأ النفسي ، وهناك أمراض كثيرة لا تُعدّ ولا تحصى أسبابها التوتّر النفسي ، فإذا ابتعد الإنسان عن الله عز وجل عاش في وحشةٍ ، وضيقٍ، وقلق ، واضطراب ، فإذا دعاه ، أو التجأ إليه ، أو اطمأنّ إلى قوّة الله عز وجل ، وإلى أنّ بيَدِهِ كلّ شيء ، فهذا التوحيد يبثّ في النّفس الطمأنينة ، وينفي عن الإنسان القلق والهمّ والحزن ، قال عليه الصلاة والسلام :

((الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن ))

[كنز العمال عن أبي هريرة]

 قال تعالى :

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾

[ سورة الشعراء : 213]

أمراضٌ كثيرة تصيب الجهاز التنفسيّ ، وأمراضٌ تصيب الجهاز الهضمي ، وأخرى تصيب جهاز الدوران ، القلب والأوعية ، وغيرها يصيب جهاز الأعصاب ، وكلّها ذات منشأ نفسي ، لذلك مع تقدّم الأيّام تزداد العلاقة بين الأمراض النفسيّة وبين الأمراض العضويّة ، لكنّ المؤمن حينما يعرف الله عز وجل ، ويطمئنّ إليه ، وإلى عدالته ، وإلى أنّه سميع بصير ، قريب مجيب ، يشعر أنّ الله معه .
 إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمَن معك ؟
 فهذا الذي يعتصم بالله من دون خلقه لو كادت له أهل السموات والأرض لجعل الله له من بين ذلك مخرجًا ، أما هذا الذي يعتصمُ بمخلوقٍ غير الله عز وجل فإنّ الله سبحانه وتعالى يكِلُه إليه . فالشّعور أنّ الله يدافع عنك ، وأنّ الله يحفظك ، ويرعاك ، ويحميك من كلّ مكروه صحّة نفسية ، وهل من صحّة نفسيّة أبلغ من قوله تعالى :

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 وهل من صحّة نفسيّة أبلغ من قوله تعالى :

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية : 21]

 هل من صحّة نفسيّة أبلغ من أن تكون في مستوى هذه الآية :

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة الحج : 38]

 إذا دافع الله عنك فهل في الأرض جهةٌ تستطيع أن توقع الأذى بك ؟
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ يقول الله عز وجل :

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾

[ سورة الشعراء : 213]

 تتعذَّب ، لأنّ الشِّرك يعذّب القلب ، والشِّرْك من نتائجه الخوف ، قال تعالى :

﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً ﴾

[ سورة آل عمران : 151]

 فإذا وحَّدْت الله عز وجل ، وإذا دعوْته وحده بثَّ في قلبك الأمْن ، قال تعالى :

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 81-82]

 فإذا عرفت الله ، واستقمت على أمره ، وتقرَّبْت إليه ، بثّ في قلبك الأمْن ، والطمأنينة ، والرّضا ، والهدوء ، والسكينة ، وعرفْت حينئذ معنى هذه السعادة .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ إذا عرفت الله عرفت كلّ شيء ، ابن آدم اُطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كلّ شيء ، وإن فتُّكَ فاتك كلّ شيء ، وأنا أَحبُّ إليك من كلّ شيء .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير . 

تحميل النص

إخفاء الصور