وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 0384 - رمضان1 ، حكم الصيام وأسراره
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر . اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

حكمة الصّيام :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ في الجمعة السابقة كان موضوع الخطبة حول قوله تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[سورة البقرة : 183]

 وقد شُرحَت معاني التقوى بِفَضل الله عز وجل ، أو شُرِحَت بعض معانيها كما وردَت في أكثر من ثلاثمئة آيةٍ في القرآن الكريم . واليوم أيها الأخوة الأكارم نُتابِعُ الحديث عن حِكمة الصّيام ، لأنّنا في شهر الصّيام .
 قبل كلّ شيءٍ الإنسان أيّها الأخوة إذا أصْدَرَ أمْرًا يغلبُ عن أمره هدفٌ واحد ، فإذا استطاع الإنسان أن يُحقّق هدفين معًا في وقتٍ واحد فهذا نوعٌ من التَّفَوّق ، وقد يُصيبُ من جهةٍ، ويخطئ من جهةٍ أخرى ، قد يحقّق نفْعًا من جهة ، ويؤذي من جهةٍ أخرى من حيث لا يريد أو يريد .
 يجبُ أن نفرّق بادئ ذي بدءٍ بين أمْرٍ يُصْدرهُ إنسان ، عِلْمُهُ محدود ، خِبرتُهُ محدودة، مطامحُهُ محدودة ، وبين أمْر الواحد الدّيان ، خالقُ الكون إذا أمر بالصّيام معنى ذلك أنّ الحِكَم لا تُعدّ ولا تُحصى ، والفوائد التي تُجْنى من أمره فوق الحصْر والعدّ ، في الأسبوع الماضي تحدّثنا عن التّقوى ، وقد وردَت في القرآن الكريم .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ نحن في دنيا ابتِلاء ، والابتلاء ليس معناه المصائب ، الابتلاء هو الامْتِحان ، نحن في دار عمل ، والآخرة دار جزاء ، نحن في دار تكليف ، والآخرة دار تشريف ، وما دمنا قد جئنَا إلى هذه الدنيا لِنُبْتلى ، قال تعالى :

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾

[سورة الملك : 2]

 ما دُمْنا قد جئْنا إلى الدنيا لِتَظهر حقيقتنا ، حقيقة عبوديتنا لله عز وجل ، حقيقة طاعتنا له ، حقيقة انْصِياعنا لأمره ، حقيقة اسْتِسلامنا لِحِكمته ، ما دُمنا قد جئنا إلى الدنيا كي نُمْتحنَ ، فالصّيام نَوْعٌ من الابْتِلاء ، ونوعٌ من الامتِحان ، أمرنا بِتَرك الطّعام والشّراب ، وهو مباحٌ في الأصْل .

 

الصيام امتحان لعبودية الإنسان لله عز وجل :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ حينما ينهى ربّنا عباده المؤمنين عن قَوْل الزور ، أو عن شهادة الزور ، أو عن الكذب ، أو عن الغيبة والنميمة ، أو عن أكل أموال الناس بالباطل ، أو عن أيّ شيءٍ آخر من المعاصي التي يتَّضِح للناس خطرها ، وإسهامها في تفتيت المجتمع ، فهذا شيءٌ تقبلُه العقول ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يمْتَحِنَ عُبودِيَّتنا له ، وانْصِياعنا لأمره، واسْتِسْلامنا لمشيئته ، وقبولنا بِحُكمه ، أمرنا بِتَرك الطّعام والشّراب ، هناك حِكَمٌ لا تُعدّ ولا تُحصى ، من هذه الحِكَم أنّه يمتحِنُ عبوديَتَنا جلّ جلاله فأيُّ إنسانٍ رِضاءُ الله عز وجل أغلى عنده من الطّعام والشراب يصوم ، وأيّ إنسانٍ هذا الطّعام والشراب أغلى عليه من رِضاء الله عز وجل تراه لا يصوم ، فكأنّ الصِّيام مُفْترقُ طرُق ، فكأنّ الصّيام كاشفٌ يكشفُ الطائعين من العاصين ، يكشفُ الذين يعرفون الله عز وجل ، والذين لا يعرفونه ، يكشفُ الذين يبْتغون رِضوانه ، والذين لا يُعْنَوْنَ برِضْوانه ، يكشفُ الذين يُحبُّون أن يكون الله راضٍ عنهم ، ويكشفُ الذين لا يعبؤون بِرِضاء الله عز وجل بل يتعرّضون لِسَخَطِه .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ بِشَكلٍ بسيط بسيط ، صِيامُكَ ، وأداءُ طاعتك لله عز وجل دليلٌ قطعيّ على أنّ رضا الله عز وجل أغلبُ عندك من مُتَعِ الحياة الدنيا ، ولكنّ شيئًا يُضاف إلى هذه الطاعة ، وهو أنَّك إذا دَخَلْتَ إلى بيتِكَ وقد أغلقْتَ الأبواب ، ليْسَ من جِهةٍ على وجه الأرض تستطيعُ أن تكتشفَ ما إذا كنتَ مفطرًا أو صائمًا ، إنّها مراقبة الله عز وجل ، إيمانك بأنّ الله معك ، إيمانك بأنّ الله مُطَّلعٌ عليك ، إيمانك بأنّ الله يراقبك هو الذي جعلكَ تمْتَنِعُ عن كأسِ ماءٍ في أيّام الصّيف الحارة ، حيث لا يراك أحد ، حقًّا إنّ عبادة الصّيام هي عبادة الإخلاص . كيف أنّ غضّ البصر أيها الأخوة ، ليس في الأرض كلّه تشْريعٌ يمْنعُكَ من أن تطْلقَ بصركَ في محاسِن النِّساء ، ولكن الدِّين دِينَكَ الحنيف يأْمُرك بِغَضّ البصر ، حيث قال الله عز وجل :

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾

[سورة النور : 30]

 كيف أنّ هذه العبادة التي يميّز بها الدِّين عن بقيَّة التشريعات الأرضيّة ، كيف أنّ هذه العبادة عبادة غضّ البصَر نَوْعٌ ممَّا يُؤكِّدُ إخلاصك لله عز وجل .

 

الفوائد التي نجنيها من الصيام :

1 ـ رضا الله عز وجل والاسْتِسلام لأمرِهِ أكبرُ عندنا من لذّة الطّعام والشّراب :

 الله عز وجل أحيانًا يُحبّ أن يعرّفكَ بِنَفسِهِ ، يحبّ أن تعرف أنّك مؤمن ، وأنّك مُطيعٌ لله عز وجل ، وحريصٌ على طاعته ، وأنّك تحسّ بِوُجوده ، وبأنَّه معك حيثما ذهبت ، وبأنَّه يراقبك ، ومُطّلعٌ على قلبك ، لذلك بعض الفوائد الأخرى التي نجنيها من الصّيام أنَّه يؤكِّد لنا أنّ رِضاء الله عز وجل والاسْتِسلام لأمرِهِ أكبرُ عندنا من لذّة الطّعام والشّراب ، هذه واحِدَة ؛ إذًا العبادة تدفعنا إلى طاعة الله عز وجل ، ولكن حينما ينهانا ربّنا عن الطّعام والشّراب ، وهو شيءٌ مُباح ، على مدى شُهور السّنة ، فحينما تخرج من رمضان تشعُر أنّ ترْك ما نهى الله عنه ممّا هو مؤْذٍ لِنَفسِكَ ، ولمجتمعك يجبُ أن تدَعَهُ من باب أولى ، إنَّك في رمضان تركْت المباح ، وتركت الطّعام والشّراب وأنت في أشدّ حالات الجوع ، فما بالُك بعد رمضان تفعَلُ ما نهى الله عنه ؟! كأنّ الله سبحانه وتعالى يريدُ أن يعلّمنا في رمضان الانْصِياع لأمره تمامًا .

2 ـ يعوّد الإنسان الصّبر على الشدائد :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ فائدةٌ أخرى تُستفاد من الصّيام ، إنَّهُ يُعَوّد الإنسان الصّبْر على الشدائد ، وأقلّ هذه الشدائد أن تحسّ بالجوع ، وأن يكون الطّعام في مُتناوَل يدَيْك فلا تأكله ، لماذا يُعِدُّنا الله عز وجل لِتَحَمّل الشدائد ؟ لأنّ الإنسان في الدنيا في مدرسةٍ ، والمدرسة لابدّ من الإنجاز فيها ، والإنجاز يحتاج إلى صبرٍ ، وإلى تحمّل ، ألا ترى إلى هؤلاء الذين صبروا في أوّل حياتهم ، صبروا على الدراسة ، كيف تألّقوا في ربيع حياتهم وفي سنيّ عُمُرهم ، إنّ كلّ شيءٍ تبذلُه أيّها الأخ الكريم من جُهْدٍ ، من صبْرٍ ، من انضِباطٍ ، ومن التزامٍ ، تقطفُ ثِمارهُ أضعافًا مضاعفة .

3 ـ الصّيام دَوْرة تدْريبيّة على تقويَة الإرادة :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ الصّيام شهر الصّبر ، وشهر الإرادة ، ما الذي يجعلُ المسلمين متخلّفين عن مستوى دينهم ؟ هو ضَعفُ إرادتهم ، لأنّ الإسلام من فضْل الله عز وجل أصْبحَ ظاهرًا جليًّا ، وهذا الدِّين العظيم أصْبحَ واضِحًا للناس ، ما الذي يجعلُ الإنسان في مستوى ودينه في مستوى أعلى بِكَثير ؟ ما الذي يُقْعِدُه عن طلب هذا العلوّ ؟ ما الذي يُقْعِدُه عن طلب هذا المجْد ؟ ما الذي يُقْعِدُه عن أن يكون بطلاً من أبطال الدِّين ؟ هو ضَعف الإرادة ، وما الذي يقوّي الإرادة ؟ إنَّ الصّيام دَوْرة تدْريبيّة على تقويَة الإرادة ، لا بدّ من أن تصلّي الفجر في المسجد ، ولا بد من أن تقرأ القرآن ، ولا بدّ من أن تغضّ البصَر ، ولا بدّ من أن تضبط لِسانك ، لأنَّه لا يُعقل أن تدَعَ الطّعام والشراب ، ويبقى اللّسان طليقًا في الغيبة والنميمة ، وتبقى العَين طليقة في النّظر إلى النّساء ، شيءٌ لا يُقبلُ ؛ تناقضٌ مريع ، مُفارقة حادّة ، أن تتْرُك الطّعام والشّراب ، وأن تفْعل المعاصي ، ترْك الطّعام والشراب يحْملُك على غضّ البصر ، وعلى ضبْط اللّسان ، وعلى ضبْط الجوارح ، إذًا هذا الشّهر العظيم يدْفعُك إلى طاعة الله ، ويدفعُكَ إلى ترْك ما نهى الله عنه عن طريق نهْيِهِ عن المباحات التي أباحها لك في أيّام الفطْر .

 

من عرف نفسه اقترب من معرفة ربه :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا الشّهر يُعَلِّمُنا الكثير ، يعلّمنا بادئ ذي بدْءٍ أنّ الإنسان ضعيف ، قد يكون الإنسان في أوْج شبابه ، قد يكون غنيًّا ، قد يكون قويًّا ، وقد يكون عظيمًا في نظر الناس ، ولكن ترْك الطّعام والشراب يعرّفه بِحَجمه الحقيقيّ ، إنّ وُجود الإنسان ليس ذاتيًا ، إنّ وُجود الإنسان مُتعلّق بما يأتيه من خارجه من طعام أو شراب ، فلو امْتَنَعَ عن الطّعام والشراب لأحسّ بالجوع ، ولشَعَرَ بالضّعْف ، ولشَعَرَ بانْحِطاط في جسمه وشوْقٍ إلى الطعام عجيب ، هذا هو الإنسان عبْدٌ ضعيف ، كلّما عرفْت نفسكَ اقْتربْتَ من معرفة ربّك ، كلّما عرفْت حجْم عُبوديتك لله عز وجل ازْدادَتْ معرفتك لربِّك ، هذا الذي يقول أنا وأنا ، حيثما تكلّم يقول : أنا !! من أنت ؟! أنت مَخلوق قد تبيعُ كلّ ملْكِكَ بِكَأسِ ماءٍ إذا مُنِعَ عنك ، وقد تبيعُ كلّ مُلْكِكَ بهذا الكأس إذا منِعَ إخراجهُ منك ، فأنت مفتقر إلى كأس الماء تشربُه ، ومفتقر إلى هذا الماء تفرزهُ ، ومفتقر إلى لقمة تسدّ بها رمقك ، ومفتقر إلى لقمةٍ تخرجُ بِشَكلٍ صحيح .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ الإنسان عبْدٌ لله فقير ، والفقْر في الإنسان شرفٌ له ، وشُعوره بِعُبوديته لله مرتبةٌ عُليا ينالها ، ألمْ تسمعوا أنّ النبي عليه الصلاة والسلام حينما كان في المناجاة مع ربّه في سِدرة المنتهى سأل الله أن يكون عبْدًا له ، يشْعُرُ بِعُبوديَتِهِ لله عز وجل .

الصّيام يدفع الإنسان إلى الإحساس بآلام الفقراء :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ الصّيام فضلاً عن كلّ ذلك يدْفعنا إلى الإحساس بآلام الجوع التي يحِسّ بها الفقراء أحيانًا ، الإنسان أحيانًا يبتعد عن مشاعر الآخرين ، مرّة جاء لعمر بن الخطاب رسولٌ من أذربيجان ، وكانت تابعةً لحُكْم سيّدنا عمر ، ولحُكْم المدينة ، وكم بينها وبين المدينة من أميال ! في عهْد عمر كانت أذربيجان التي تسْتَمِعون إلى أخبارها من حينٍ لآخر تابعةً لِحُكم المدينة ، ولحُكم سيّدنا عمر ، جاء من أذربيجان إلى عمر بن الخطاب ، ووصَل المدينة ليلاً ، كرهَ هذا الرسول أن يطرقَ باب أمير المؤمنين في هذه الساعة المتأخّرة من الليل ، فتوجَّه إلى المسْجِد فإذا رجلٌ يُصلّي ويبكي ، ويقول : يا ربّ ، هل قبِلْتَ توبتي فأُهنّئ نفسي أم رددْتها فأُعزِّيها ؟ فقال هذا الرسول لهذا الرجل الذي لا يرى شكلهُ : من أنت يرحمكَ الله ؟ فقال : أنا عمر ، قال : يا أمير المؤمنين ألا تنام الليل ؟ قال : إنْ نِمْتُ ليلي كلّه أضَعْتُ نفسي أمام ربي ، وإن نِمْتُ نهاري أضعْتُ رعيّتي ، ولا زال عمر مع هذا الرسول يُصلّيان حتى أذّن الفجر ، وصلى الفجر ، وأخذهُ إلى بيتهِ ، في البيت قال : يا أمّ كلثوم ؛ ما عندك من طعامٍ ؟ قالت : والله ما عندنا إلا خبزٌ وملح ! فأخذهُ منها وأكل هو وضيْفُه هذا الطّعام الخَشِن ، وفتَحَ هذا الرسول علبةً فيها طعامٌ نفيس ، قال : هذه هديّة لك من عاملك على أذربيجان ، أمْسكَ سيّدنا عمر بهذا الطّعام ، وأكلَ منه لقْمةً ، قال : يا هذا هل يأكُلُ عندكم عامّة المسلمين هذا الطّعام ؟ قال : يا أمير المؤمنين هذا طعام الخاصّة ، فكَتَبَ عمر إلى واليه على أذربيجان : يا فلان كُلْ مِمَّا يأكل منه عامّة المسلمين ، كيف يعنيك ما يعنيهم إن لم تأكل من طعامهم ؟! هذا الغني الذي ما ذاق الجوع في حياته ، كيف يشْعرُ بِمرارة الجوع إن لم يذُقْ حقيقة الجوع ؟ النبي عليه الصلاة والسلام حينما أمرَ الفقراء بالصّبْر ذاقَ طعْم الجوع ، قال : أوذيتُ في الله وما أوذِيَ أحدٌ مثلي ، وخفْت وما خاف أحدٌ مثلي ، ومضى عليّ ثلاثون يومًا ما دخل على جوفي شيئًا إلا ما يُواريه إبْط بلال ، كان إذا دخل بيته صلى الله عليه وسلّم يسأل : هل عندكم من طعامٍ ؟ فإذا قالوا : لا ، قال فإنِّي صائم .
 من بعض المعاني التي تُستفاد في شهر الصّيام أنّ الغنيّ المُتْرف الذي لا يعنيه أمر الطّعام إطلاقًا ، شيءٌ مبذول ، وميسور ، ووافر ، هذا الطّعام الذي تأكلهُ ، هناك أُناسٌ بِحاجةٍ إليه ، هذا الطّعام الذي تُلقيهِ في سلّة المهملات ، هناك من يتمنَّى لقْمةً منه ، نِظَام التَّرَف والإسراف نِظامٌ لا يتوافقُ مع الإسلام أبدًا ، وفي ثماني آياتٍ في القرآن الكريم المُتْرفون هم الكافرون ، إذًا حينما يجوع الإنسانُ فعلاً ، وحينما تتوق نفسُه إلى الطعام فعلاً ، لِيَذْكر أنّ هناك أناسًا لا يُطْبخُ في بيتهم الطّبْخ الطيّب إلا من حينٍ إلى آخر ، وفي وقتٍ متباعد.
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ إنّ هذه الفائدة هي بعض فوائد الصّيام ، يشعر الإنسان بآلام الجوع ، فإذا كان مُنْعمًا ، وإذا كان يأكل ما يشتهي ، فهناك أناسٌ كثيرون لا يجدون ما يشتهون ، ولا يجدون ما يسدّون به رمقهم ، على كلٍّ أيها الأخوة هذه أهدافٌ ثانويّة جدًّا إذا قيسَتْ بالهدف الكبير الذي ورد في القرآن الكريم ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[سورة البقرة : 183]

 لعلّكم تطيعون الله عز وجل ، لعلّكم إذا تركْتُم ما هو مباح تتْركون بعد الإفطار ما هو محرّم ، لعلّكم إذا ألفْتُم صلاة الفجْر في المسجد تسْتَمِرّون عليها طوال العام ، لعلّكم إذا ألفْتم قراءة القرآن تقرؤونه على مدار العام ، لعلّكم إذا ألفْتم إنفاق المال وإطعام البائسين تشعرون بِلَذَّة العطاء ، حِكْمةٌ بليغة أيها الأخوة .

 

الحكمة من زكاة الفطر :

 لماذا أُمِرَ الفقير بأداء زكاة الفِطْر ؟ الذي يمْلكُ قوتَ يومه ، أي الذي يملكُ في بيته وجْبة طعامٍ واحدة ، لا يمْلكُ سواها عليه زكاة الفِطْر ، قال بعض العلماء : إنّ حِكمة زكاة الفِطْر أنْ يذوق الفقير طعْم الإنفاق ، لأنّ للإنفاق طعمًا لا يعرفه إلا من ذاقهُ ، طعْمُ الإنفاق أراد الله عز وجل أن يُذيق الفقير الذي لا يملِكُ إلا وجبةَ طعامٍ واحدة طعْم الإنفاق في رمضان .
 فيا أيها الأخوة الأكارم يجب أن تعلموا أنّ أقلّ ما في هذا الشّهر ترْك الطعام والشراب ، من ترك الطعام والشراب ، ولم يتْرك ما سوى ذلك ، لمْ يتْرك غضّ البصر ، ولم ينْضبط لسانهُ ، لم ينضبط في حديثه ، لم يضْبط جوارحه ، ماذا فعل هذا الإنسان ؟ ليْتَهُ لم يترك الطّعام والشراب .

 

رمضان دورة تدريبية للرقي من حال إلى حال :

 يجبُ أن نعلم أيها الأخوة أنّ هذا الشّهر دَوْرةٌ تدريبيّة ، دوْرَة ترقى بها من حالٍ إلى حال ، من مقام إلى مقام ، من منزلة إلى منزلة ، من مستوى إلى مستوى ، أقلّ ما في هذا الشّهر ترْك الطعام والشراب ، بعد ذلك ترْك المخالفات كلّها ، ضبط العين ، ضبطُ الأُذن ، ضبط اللّسان ، ضبط اليد ، ضبط الدَّخْل ، ضبط الإنفاق ، وأعلى من ذلك طلب العلم ، ومعرفة الله عز وجل ، معرفة أسمائه الحسنى ، معرفة أمره ونهْيِهِ ، معرفة رسوله ومعرفة أصحاب رسوله ، ترْك الطّعام والشراب منطلقٌ وبدايةٌ ، بعد ذلك ترْك المخالفات كلّها ، صغيرها و جليلها ، ماديها ومعْنويها ، بعد ذلك طلب معرفة الله ، من خلال كتابه ، ومن خلال العبادات، ومن خلال الصلاة .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ ترك الطعام والشراب فقط !! أيّ حيوانٍ إذا مُنِعَ من الطعام والشراب ، ليس لهذا الإنسان أجرٌ يزيدُ عن أجر هذا الحيوان ، لذلك الإمام الغزالي قسّم الصّيام إلى ثلاثة مستويات ؛ صِيام البهائم ، وصيام المؤمنين ، وصيام المتّقين ، صيام البهائم تركوا الطّعام والشراب وهم على ما هم عليه ، من مخالفات ، وانحرافات ، وتجاوزاتٍ ، لا ينضبط لا بلسانه ، ولا بِبَصرِه ، ولا بأُذنه ، ولا بِجَوارحه ، ولا يفعل خيرًا هو هو كما كان قبل الصّيام هو بعد الصّيام ، وهذا المستوى من الصّيام لا يُرضي الواحد الدّيان ، كأنّ الله عز وجل أراد من الصّيام أن تنطلق إليه ، أن يكون الصّيام مرحلة تنطلق بها إلى الله عز وجل ، وتُتَابِعُ هذا الانطلاق ، فجاء هذا الإنسان وفرَّغهُ من مَضمونه ، ألا ترى أنّ الإنسان إذا اسْتغْرق في أجهزة اللّهو في هذا الشّهر العظيم حرم نفسهُ كلّ الخَيْرات ، حرمَ نفسهُ الأجواء القدسيّة ، أجواء القرآن الكريم ، حرمَ نفسه أجواء القرْب من الله عز وجل ، حرمَ نفسهُ الطّهْر والعفاف .

 

من أخلص لله في رمضان ذاق طعم القرب :

 فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا الشّهر لا يحتملُ المخالفات أبدًا ، أي إذا أخْلصْتَ لله عز وجل ثلاثين يومًا ذُقْتَ فيها طعْم القرب ، لعل الله عز وجل يكرمُكَ بِمُتابعة هذه التوبة إلى ما شاء الله ، فالقضيّة قضيّة انطلاق ، طبعًا من عظمة تشريع الله عز وجل أنّ شهر الصّيام للعُصاة انطلاق ، وللمؤمنين مُتابعة الترقّي ، ولبعض الناس مدافعة التدنّي ، كان متدنِّيًا ، كان هاويًا في حفرة ما لها من قَرار ، فجاء شهر الصّيام وكبحَ تدنِّيه ، أما المؤمن فتابعَ فيه ترقِّيه ، كلّ إنسان له من هذا الشّهر موقف ، التَّقيّ ازْداد نورًا من الله عز وجل ، إذا خاطبْنا الضِّعاف فهذا من شأن الدّعوة إلى الله عز وجل ، من لم يكن مصْطلحًا مع الله فلا بدّ من أن يصطلحَ مع الله في هذا الشهر الكريم ، والاصطلاح مع الله عز وجل لا يكون بِتَمْتماتٍ تقولها ، ولا بِحَركاتٍ تؤدِّيها ، ولكن بانْضِباطٍ تنضَبِطُ به ، والْتِزامٍ تلْتَزِمُ به ، يا رسول الله ادْع الله لي أن أكون مُستجاب الدعوة ؟ ماذا قال له النبي ؟ قال له : " يا سعْد أطِبْ مطعمَكَ تكن مستجاب الدّعوة " هذا شهْر الصّلح مع الله ، هذا شهر التوبة النّصوح ، هذا شهر الانضباط ، شهر الالتزام ، وشهر محاسبة النّفس ، لئلاّ يُسْتَهلك الإنسان في مشاغله اليوميّة ، لئلاّ تستهلكُه متاعبُهُ ، وهمومه ؛ هموم طلب المعاش ، وهموم طلب الرّزق ، وهموم أخرى ، جاء هذا الشّهر لِيَكون صلحًا مع الله عز وجل ، ترك الطّعام والشراب أقل ما في هذا الشّهر ، إنّ عبادةً تبدأُ بِتَرْك الطّعام والشراب ، وتنتهي بتَناوُلِهِ ليس غير ، هذه العبادة لا تليق أن تكون عبادةً لله عز وجل ، إنّ وراء ترْك الطعام والشراب أشياء كثيرة ، أهمّها الاستقامة على أمر الله ، أهمّها عقْد الصّلح مع الله ، أهمّها التوبة النصوح ، وبعد التوبة النّصوح يأتي طلب العلم ، والزيادة فيه ، وطلب القرب والزيادة فيه .

الصّوم إعلان أن طاعة الله أغلى من كل شيء :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ بالصّوم نُعْلِنُ لأنفسنا قبل كلّ شيء أنّ طاعة الله أغلى علينا ممَّا نشْتهيه ، وضَعنا شهْوتنا تحت أقدامنا ، ما دُمتَ صائمًا فأنت على شيءٍ من الإيمان لا شكّ ، ولكن إذا تركْت ما هو مُباح من باب أولى يجبُ أن تدعَ ما هو محرّم ، تدَعُ الطّعام والشّراب ، وتنظر إلى النّساء ؟ تدعُ الطّعام والشراب ، وتسْتغيبُ الناس ، وتتكلّم بالسُّوء ؟ هذا لا يكون ، إذًا ترك الطعام والشراب منطلقٌ لكلّ المعاصي .
 شيءٌ آخر ترك الطعام والشراب يُعَرّفك من أنت ؟ أنت عبْدٌ لله مفتقر ، أنت مفتقر إلى لقْمةٍ تأكلها ، وإلى شرْبة ماءٍ تشربها ، هذا كلّ حجمك عند الله عز وجل ، عبدٌ فقير ، أنت بعبوديّتك لله عز وجل شيءٌ عظيم ، وبِتَكَبُّرِكَ على الله عز وجل شيءٌ حقير ، قال تعالى :

﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾

[سورة القصص : 78]

 قال تعالى :

﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[سورة الزخرف : 51]

 أربع كلمات مهلكات ، نحن أولو قوّة وأولو بأسٍ شديد فأهلكهم الله عز وجل قومُ سبأ، فكلمة نحن مهلكة ، معناها أنت معْتدّ بِذاتك ، وكلمة أنا مهلكة ، وكلمة عندي مهلكة ، وكلمة لي مهلكة ، أنا ونحن ولي وعندي أربع كلمات مهلكات في أربع آياتٍ من كتاب الله ، إذًا بالصّيام تعرفُ حجْمك الحقيقيّ ، تعرف عبوديتك لله عز وجل ، تعرف افتقارك له ، وما دُمْت تبحثُ عن مستوى أرقى وأنت في مستوى أدنى ، لا بدّ من أن تصل إلى هذا المستوى الأرقى و لا يكون ذلك إلا بإرادة حديديّة ، والصّيام يُقوِّي لك هذه الإرادة ، إذًا تعريفٌ بِعُبوديّتِكَ ، تَقْويَةٌ لإرادتك ، وعبادة الإخلاص ، هذا كلّه من معاني الصّيام ، والله سبحانه وتعالى يوفّقنا إلى سواء السبيل ، ويلهمنا رشْدنا إنّه على ما يشاء قدير .
 حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كلّ عمل ابن آدم له إلا الصوم :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ حديثٌ قدسي تعرفونه جميعًا ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:

((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ))

[البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ]

 إذا أمرك الله عز وجل بِتَرك الكذب تألّق نجمُكَ بين الناس ، وعُرِفْت بالصِّدْق ، إذا أمركَ الله عز وجل بِتَرْك أكل المال الحرام ، فكان مالك حلالاً ، وقاكَ الله من كلّ المصائب المتعلّقة بإتلاف الأموال ، فأيُّ أمْرٍ يأمرك الهك به تقطف ثماره في الدنيا .
 أمرَكَ أن تكون أمينًا ، والأمين موثوق ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :" الأمانة غِنًى " أيُّ أمْرٍ أمرك الله به تقطفُ ثماره في الدنيا قبل الآخرة ، لذلك كلّ عمل ابن آدم له إلا الصوم ، أمرك أن تدَعَ الطعام والشراب ، لو أنّ أبًا أمر ابنهُ أن ينظّف أسنانه قبل أن ينام ، أليْسَ في هذا الأمْر فائدةٌ لابنه ؟ لو أمرهُ أن يكون نظيفًا ، أيّ أمْرٍ يُلقيه الأب على ابنه هو لِمَصلحته ، لو أنّ أبًا أراد أن يمْتَحِنَ عبوديَة ابنه ، وبِرَّ ابنه ، وُضِعَ الطعام على المائدة فقال له يا فلان لا تأكل معنا أنت ! قال : سمْعاً وطاعةً ! ألا ترى أنّ هذا الابن في أعلى مستويات البرّ؟ لأنّ أيَّ أمرٍ لو أمره به متعلّق بصالح عام لاسْتجاب له حُبًّا لِمَصلحته ، لكنّ هذا الأمْر يبْدو غير واضِحٍ ، لماذا ؟ قال له : سمْعًا وطاعة ، لذلك كلّ عمل ابن آدم له ، عائدٌ عليه ، أما جهدك فقد تعجَّلْتَ فيه الراحة لنفسك ، كلّ فعْلٍ فعلتَهُ في الدنيا عاد عليك فعْلهُ ، قال : إلا الصوم ، فيما يبْدو للإنسان ، فإنَّه لي وأنا أجزي به ، فما قولكم أنّ الصّيام صِحّة ؟

 

الصّيام صحة :

 أُلِّفَت بعض الكتب في الطبّ النَّبويّ ، وأُفْرد في هذه الكتب فصْلٌ كبير من فصولها حول الصّيام ، ورد في بعض هذه الكتب التي وردت عن الطبّ النبوي ، ورد في فوائد الصّيام أنَّ الصِّيام يُخَفِّف العبء عن جهاز الدّوران ؛ أي على القلب والأوعيَة الدمويّة ، لماذا ؟ لأنَّه يخفّض نسبة الدّسم في الدّم ، ونسبة الدَّسم في الدم إذا ارْتفعَتْ صلَّبَتْ الشرايين ، ويقول الأطبّاء: عمر الإنسان مرتبطٌ بعُمر شرايينِهِ ، فكلّما تصلَّبَت جهِدَ القلب ، وإذا جهد القلب أصابهُ عطبٌ في وقتٍ مبكِّر ، فحينما يصوم الإنسان ثلاثين يومًا يخفّف العبء عن القلب والأوعِيَة الدَّمَوِيّة ، عن طريق تخفيض نسب المواد الدسمة في الدم ، فإذا انخفضت هذه النِّسْبة ازدادَت مرونَةُ الشرايين ، كلّما ارتفعَتْ نسبَةُ الدَّسم في الدّم تصلّبت الشرايين ، وإذا تصلَّبَتْ تَعِبَ القلب ، وإذا تعب القلب قد يعطبُ في وقتٍ مفاجئ ، فالصّوم كما قال عليه الصلاة والسلام :

((صوموا تصحُّوا))

[الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة]

 شيءٌ آخر ، الصّوم يُخَفِّفُ العبء عن جهاز الدّوران ، حينما تنخفضُ نسبة حمض البول في الدّم ، لأنّ حمض البول هو الذي يُسبّب أمراض النّقْرس وأورام المفاصل ، فإذا خفّ العبء خفَّتْ نسبة حمض البول في الدم ، ومنها تخفّ نسبة الإصابة بهذا المرض .
 شيءٌ آخر ، الصّيامُ يُريحُ الكليتين وجهاز البول ، وقد لا نصدّق أنّ الكليَتَين في بعض الحالات أخْطرُ من القلب ، لأنّ الإنسان قد يعيشُ بِقَلبٍ إلى حينٍ لكنّ الكليتَيْن إذا توقّفتا عن العمل انتَهَتْ حياة الإنسان .
 فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ الصّوم أيضًا يريحُ الكليَتَين وجهاز البول من فضلات الأغذيَة المنطرحة عن طريق جهاز البول ، فالصّوم صِحَّة . والصّيام أيضًا دوْرةٌ سنويّة لِتَخفيض الوزْن ، لِمَن يشكون بعض الوزْن الثقيل ، إذًا الصّوم أيضًا صِحَّة لفئة من هؤلاء الناس .
 وهناك شيءٌ آخر ، يُعَدُّ الصّوم عِلاجًا فعَّالاً لبَعْض المصابين بمرض السّكر ، وارْتِفاع التوتّر الشرياني ، والقصور الكلوي ، والالتِهابات الهضميّة المُزْمنَة ، وحصيات المرارة ، والأمراض الجلديّة ، إنّ كلّ هذه الأمراض يُعَدُّ الصوم لها دواءً .

 

الصّوم دورةٌ وِقائيّة صِحِيَّة سنويّة :

 شيءٌ آخر ، في مجْمل القول ورد في كتب الطبّ النبوي أنَّ الصوم دورةٌ وِقائيّة صِحِيَّة سنويّة ، أمراض خطيرة جدًّا ، وهذا الشهر كأنَّه صمّام أمان ، انْخفضَتْ نِسَب الدَّسَم في الدّم ، انْخفضَتْ نِسَب حمض البول في الدّم ، اسْتراحَتْ الكليتان وبعض الأجهزة ، كأنّه عملية صِيانة ، وما من معملٍ يعمل ليلاً نهاراً بلا كلل ولا ملل ، إلا وله وقتٌ تُجرى له فيه أعمال صيانة ، ويجب أن تعلم أنّ الله الذي خلق الإنسان هو الذي فرضَ الصّيام ، لأنّه خبير بما صنعَ ، دَوْرة صيانة ، دوْرة صيانة وترميم .
 شيءٌ آخر ، إنَّه دورةٌ صِحِيَّة وِقائيَّة في الدرجة الأولى ، ودوْرةٌ صِحِيَّة عِلاجيّة لبعض الأشخاص ، ولبعض الأمراض ، وفوق هذا وذاك إنّ الصيام دورةٌ وقائيّة من أمراض الشَّيْخوخة ، ومن بلغ الأربعين دخل أسواق الآخرة ، من تجاوز الأربعين أو الخمسين صار معرَّضًا لأمراض الشيخوخة ، والصّيام بِفَضل الله عز وجل يقي أمراض الشيخوخة ، فإذا أمرنا الله عز وجل بأمْرٍ شيءٌ يُحَيِّرُ العُقول ؛ يا تُرَى أَمِنْ أجْل التقوى ؟ أم من أجل معرفة عبوديتنا ؟ أم من أجل نشاط أجسامنا ؟ أم من أجل ماذا ؟ هذا هو أمْر الله ، كما قال بعضهم : فضْلُ كلام الله على كلام خلقه كفضْل الله على خلقِهِ ، كم هي المسافة كبيرة بين الخالق والمخلوق ، هي نفسها بين كلامه وبين كلام خلقه ، كم هو التفاوُت عظيم بين خالق الكون وبين المخلوق هي النسبة نفسها بين أمْر خالق الكون وبين أمْر المخلوق . لذلك قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[سورة البقرة : 183]

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور