وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0168 - أحكام الصيام وفوائده.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

 الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله .
 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر .
 وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر .
 اللهمَّ صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين .
 اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك على كل شيءٍ قدير .

الصيام :

 قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 183]

 فالصوم ركنٌ من أركان الإسلام ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :

(( الصومُ نِصْفُ الصبر ))

[أخرجه الترمذي]

 وفي حديثٍ آخر :

(( الصبر نصف الإيمان ))

[ أخرجه الحاكم في مستدركه]

 فإذا كان الصوم نصف الصبر ، والصبر نصف الإيمان ، فالصوم ربع الإيمان .

 

قال تعالى : ( يأيها الذين أمنوا .... ) الخطاب هاهنا للمؤمنين .

 الشيء الذي يتبين من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى يتوجه بالخطاب إلى المؤمنين :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة البقرة الآية : 183]

 أما كلمة :

﴿ كُتِبَ ﴾

 فالله سبحانه وتعالى يستخدم هذه الكلمة للتثبيت ، مثلاً :

﴿ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾

[ سورة الأنعام الآية : 12 ]

﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ﴾

[ سورة المجادلة الآية : 21 ]

 فإذا وردت كلمة كتب بحق الله سبحانه وتعالى ، لأن الله سبحانه وتعالى كلامه حق واقع .

 

الحكمة من الصيام .

 أما كلمة كتب لنا .. ف ..

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 183]

 أي عبادة ثابتة ، ارتقت إلى مستوى الفَرْضيّة ، ما معنى الفرض في حقيقته ؟ أوضح لكم ذلك بأن أقول : استنشاق الهواء فرض ، أي فرضٌ لسلامة الإنسان ، لو لم يستنشق الهواء لهَلَك .
 فالصيام لا بالمعنى الذي قاله الإمام الغزالي ، قال :
 هناك صيام العامة ، وهناك صيام المؤمنين ، وهناك صيام الخواص .
 المعنى الذي تحدّث به الإمام الغزالي عن صيام العامة لا قيمة له ، صيام العامة ترك الطعام والشراب ، عن أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[أخرجه البخاري ، وأبو داود ، والترمذي]

(( من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيءٍ من عمله ))

[ فيض القدير ، شرح الجامع الصغير ]

 فالصيام ليس معناه ترك الطعام والشراب ، بل المعنى الذي يشمله الصيام ؛ صيام الجوارح عن المعاصي ، هذا المعنى ينطبق على المؤمنين ، المؤمنون يصومون عن كل معصية ، إذا رأيت إنساناً يدع الطعام والشراب ، ويكذب ، ويغتاب ، وينظر ، ويحلِف يميناً كاذبة ، ويمزح مُزاحاً رخيصاً ، ويحتال ، ويغُش ، ويخادع ، هذا الصيام ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، لا يزيد عن صيام بهيمةٍ تركت الطعام والشراب .
 أما صيام المؤمن ترك الطعام والشراب ، وترك كل المعاصي من أجل أن ترقى نفسه .
 أما صيام الخواص فترك ما سوى الله . ترك الصيام والشراب صيام العوام ، وترك كل المعاصي صيام المؤمنين ، وترك ما سوى الله صيام الخواص السابقين ، فربنا عز وجل قال :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 183]

 الصيام في أصل اللغة الإمساك ؛ هناك مَن يصوم عن الكلام ، هناك مَن يصوم عن الحركة ، هناك مَن يصوم عن الطعام والشراب ، هذا المعنى معنىً لغوي ، ولكن الصيام في المعنى الشرعي ، أو في المصطلح الشرعي : ترك الطعام والشراب ، وسائر المُفْطِرات ، مِن طلوع الفجر الصادق ، إلى غروب الشمس بنية . النية ركن مِن أركان الصيام .

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 183]

 أي أن ربنا سبحانه وتعالى شرعه واحد ، والحكم التي تستنبط مِن شرعه واحدة ، لذلك مِن البديهي أن الذي كتب علينا يجب أن يكون قد كتب على مَن قبلنا ، وهكذا قال الله عز وجل :

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 183]

 تروي كتب التاريخ أن الذي مِن قبلنا كتب عليهم صيام رمضان بالذات ، وهو شهرٌ قمري ، يدور مع أيام السنة ، لكن هؤلاء الذين كتب عليهم الصيام كما كتب علينا ، حينما جاء رمضان في أيام الصيف الحارة الطويلة ، أو في أيام البرد الشديد ، نقلوه إلى الربيع ، وأضافوا عشرة أيامٍ فوق الثلاثين ، ثم أضافوا عشرة أيامٍ أخرى ، ثم جعلوا الصيام إلى وقت الظهيرة ، ثم جمعوا الصيام عن المواد الحيوانية ، واكتفوا بالنباتيات ، حينما يترك الشرع للعقل ، العقل يتصرّف إلى أن يُلغى الصيام ، أصبح الصيام شيئاً لا معنى له عند الشرائع الأخرى .
 لذلك من فضل الله عز وجل أنه حفظ لنا هذا الكتاب ، ومِن فضل الله عز وجل أنه سخَّر لنا علماء أشداء ، أمضوا حياتهم كلها في علم الحديث حتى حفظوا السنة ، لذلك حفظ السنة متممٌ لحفظ القرآن ..

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾

[ سورة الحجر الآية : 9]

 بعض العلماء قال : مِن حفظ الكتاب حفظ السُنَّة ، لأن الكتاب يأمرنا أن نتّبع ما جاء به النبي ..

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

[ سورة الحشر الآية : 7 ]

 فلو أن السُنّة ضاعت لكان هذا نقصاً في الآية الكريمة ، لذلك مِن تمام حفظ كتاب الله عز وجل أن الله عز وجل تولى أيضاً حفظ السُنة ، من حفظ السُنة أنه سخَّر لها علماء كبار ، أمضوا حياتهم في علم الحديث، وعلم الرواية ، وعلم التجريح ، صنفوا الأحاديث الصحيحة ، والحسنة ، والضعيفة ، والموضوعة ، ونبّهوا إلى قواعد الحديث ، إلى أن أصبح لدينا اليوم علمٌ اسمه علم الحديث حَفِظَ لنا قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو مصدرٌ ثانٍ مِن مصادر الشريعة ، فبفضل الله عز وجل الذي جاء به القرآن ، والذي جاء به النبي العدنان ، محفوظٌ تماماً ، لذلك بقي الصيام كما شُرِعَ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 183]

 أي الله عز وجل في صريح القرآن ، وفي آيةٍ واضحة وضوح الشمس بيّن أن الحكمة مِن الصيام :
 التقوى ؛ أي أن تبلغوا مرتبة التقوى .

 

مفردات عامة :

 وكما تعرفون ، أن هناك الإسلام ، وهناك الإيمان ، وهناك التقوى ، وهناك الإحسان .

أولاً : الإسلام .

 فالإسلام أن تنقاد كلّياً لأوامر الشرع ، الإسلام هو المظهر السلوكي للدين ، المظهر السلوكي ؛ تشهد أن لا إله إلا الله ، تقيم الصلاة ، تؤتي الزكاة ، تصوم رمضان ، تحجُّ البيت ، هذا هو الإسلام ، لا تأكل الربا ، لا تنظر إلى الحرام ، تتحرّى الدخل الحلال، لا تجلس مع مَن لا يحل لك أن تجلس ، أي إذا انقادت نفسه لأوامر الشرع كلها ، في المنشط والمكره ، فيما عرفت حكمته ، وما لم تُعْرَف فأنت مسلم .

 

ثانياً : الإيمان .

 أما إذا أقبلت على الله عز وجل ، وذاقت نفسك طعم القرب ، إذا اتّجهت إليه وذقت حلاوة الإقبال ، وتجلى الله على قلبك ، وشعرت بقيمة الصلاة ، وكانت الصلاة شُغْلاً لك ، وارتحت بها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، إذا توجّهت إلى الله ؛ فطهرت نفسك من السوى ، وتحلت بالكمال فأنت مؤمن ، الإيمان ؛ الوجه الشعوري للإسلام ، طبّقت الشرع فأنت مسلم ، أقبلت على الحق فأنت مؤمن ..

﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾

[ سورة مريم الآية : 31 ]

ثالثاً : التقوى .

 وأما التقوى : فأن تنتقل مِن مرتبة الذَوْق ، إلى مرتبة الشهود ..

﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة الأنعام الآية : 75 ]

 أن تنتقل الحقيقة مِن ذهنك ، إلى شعورك ، إلى قلبك ، فتعقلها ، قال تعالى :

﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 179 ]

 التقوى أن ترى الحق حقاً والباطل باطلاً ، التقوى أن ترى حقائق الأشياء ، التقوى أن ترى بواطن الأشياء ، التقوى أن تَفْقَه سر التشريع ، التقوى أن ترى الشيء فلا تحيدَ عنه أبداً ، التقوى تحتاج إلى نورٍ كشّاف ساطعِ يقذفه الله في قلبك ، هذا النور الساطع الكشاف لا يكون إلا بالصلاة ؛ الصلاة المحكمة ، لذلك كان الصيام تركاً لكل المخالفات ، تمهيداً لإحكام الصِلَة ، وإحكام الصلة تمهيدٌ لقذف النور الإلهي في القلب، وقذف النور الإلهي في القلب إراءةٌ للقلب لكل الحقائق ، عندها لو قُطِّعْتَ إرباً إرباً لا تعصي الله ، لأنك ترى عندئذٍ ما في المعصية مِن هلاك ، وما في الطاعة مِن سعادة ، ترى ما في المعصية من دمار ، من شقاء ، من خسارة ، من بعدٍ عن الله ، وما في الطاعة من غنيمة ، وإقبالٍ ، وخيرٍ ، وسعادة ، التقوى مرتبة تأتي بعد الإيمان ..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

[ سورة الحشر الآية : 18 ]

 والتقوى مراتب ..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 102 ]

 وردت آيات التقوى في القرآن في أكثر من مئتيّ مَوْضع ، وكلها تؤكد أن المتقي يمشي بنور الله ، يجعل له فُرقاناً ، يريه الحق حقاً فيتّبعه، والباطل باطلاً فيجتنبه .

 

علة الصيام التقوى .

 أما كلمة " لعل "

﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 183]

 فتعني شيئين ، تعني الترقُّب ، وتعني العِلَّة ، فحكمة الصيام بلوغ التقوى ، ولكن قد تبلغ التقوى وقد لا تبلغها ، إذا كان الصيام عادةً من عوائدك ، تركنا الطعام والشراب ، ونحن على ما نحن عليه من مخالفات ، وتقصيرات ، ومعاصي ، وتجاوزات لحدود الشرع ، وصلاتنا شكليّة ، وصيامنا جوع وعطش ، لو أنك صمت دهراً بكامله لن تبلغ التقوى ، أما إذا كان الصوم دورةً سنويةً ، دورةً مكثفة ، شهرٌ فيه جُهْدٌ كبير ، وإقبال شديد ، والتزام كامل ، وطاعة تامّة ، وعملٌ طيب ، وتلاوةٌ لكتاب الله واعية ، إذا شمَّرت عن ساعد الجِد ، وقلت : يا رب ، ودعوته ، قال لك: لبيك يا عبدي ، وأقبل عليك ، وتجلّى على قلبك ، فذُقت حلاوة التقوى .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 183]

 توضيحٌ آخر لمعنى التقوى لا بد منه : الإنسان في الحياة الدنيا أودع الله فيه الشهوات ؛ حب المال ، حب الجِنس ، حب العلو في الأرض ، هذه الشهوات تجعله يندفع لتحقيقها ، إذاً حياة الإنسان اندفاع نحو كسب المال ؛ ليشتري به الطعام والشراب ، ليتزوّج ، ليظهر على أقرانه ، اندفاعٌ نحو تحقيق هذه الميول ، هذا الاندفاع إذا لم تُرافقه رؤيةٌ مِن عند الله عز وجل ، إذا لم يرافقه نورٌ كشّاف لابد من أن تقع في الحرام ، لا بد من أن تأخذ ما ليس لك ، لا بد من أن تعتدي على أموال الناس بطريقةٍ أو بأخرى ، لا بد من أن تعتدي على أعراضهم بطريقةٍ أو بأخرى ، لا بد من أن تعلو في الأرض على أنقاض الناس بطريقةٍ أو بأخرى ، ما دام هناك اندفاعٌ لتحقيق شهواتٍ أودعها الله فيك ، فلا بد مِن نور كشّاف يهديك إلى سواء السبيل .
 لذلك التقوى مِن الوقاية ، إنك إذا اتقيت الله عز وجل وَقَيْتَ نفسك مِن الهلاك ، هذه الشهوات مغرية ، الدنيا خضرةٌ نضرة ، المال يُغري ، النساء تغري ، حب العلو في الأرض يغري ، ما الذي يجعلك تتوقى الوقوع في هذه المغريات ، لا أن تهرب منها ، الحياة مليئة بالشهوات ، لو أنك فررت إلى شاهق ، وعبدت الله في صومعة ، ليس هذا حلاً ، هذا مخالفٌ للسُنَّة ، النبي عليه الصلاة والسلام بلغه أن بعض الناس ألزموا أنفسهم بترك أكل اللحم ، وبعضهم ترك الزواج ، وبعضهم ترك النوم ، فقال عليه الصلاة والسلام :

(( أشدكم لله خشيةً أنا ، أنام وأقوم ، أصوم وأفطر ، أتزوج النساء هذه سنتي فمن رغب عنها فليس من أمتي ))

[ الجامع لأحكام القرآن ]

 ليس الخلاص مِن هذه الشهوات أن تهرب منها ، لا . الخلاص منها أن تواجهها بنورٍ كشّاف ، تعرف جانبها الخيِّر ، وجانبها الشرير ، إذا نظرت إلى المرأة بنور الله ، ترى أن المرأة خيرٌ كلها ، بشرطِ أن تطبق الشرع ، أن تخطبها من أهلها ، أن تحجّبها ، أن تعلّمها أمر دينها، أن تجعلها شركيةً لك في حياتك ، فإذا هذه الأسرة مباركة . طريق الزنا طريقٌ فيه اندفاع نحو الشهوة من دون استنارةٍ بنور الله ، وطريق الزواج اندفاعٌ نحو الشهوة مع استنارةٍ بنور الله .
 طريق الكسب الحلال ، كسب للمال مع استنارةٍ بنور الله ، والكسب الحرام طريقٌ آخر فيه بُعدٌ عن الله سبحانه وتعالى .
 فالحقيقة التقوى مهمة جداً ، من دون تقوى لا بد من أن تقع في شر عملك ، لا بد من أن تأكل المال الحرام ، لا بد من أن تنظر إلى ما لا يحل لك ، لا بد من أن تقيم علاقاتٍ غير شرعية ، أما إذا اتقيت الله عز وجل تصبح حركاتك ، ونشاطاتك ، وقدراتك ، وحركتك اليومية وفق الطريق السَوِيّ الذي شرعه الله لنا سبحانه وتعالى .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 183]

 أي أوضح مثل أن سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، حينما دعته امرأة العزيز ، امرأة ذات منصبٍ وجمال دعته وهي سيدته ، لا يخشى أن تفشو سرّه ، دعته وهو في قصرها ، دعته وهو عبدٌ لها ، ما الذي رأى حتى قال : معاذ الله ؟ هذه هي التقوى ، لو دُعِيَ ألف شابٍ إلى ما دعي إليه يوسف عليه السلام ، لأقدم ولم يحجم ، لأنه أعمى .
 إذا عرضت على إنسان مبلغاً غير مشروع ، إنسان يقول لك : هاته ، وإنسان يقول لك : معاذ الله ، لماذا ؟ لِمَ هذا الاختلاف في المواقف ؟ اختلاف الرؤية ، فالذي يرى بنور الله ما في المال الحرام من دمار لصاحبه ، يقول : معاذ الله ، الله الغني ، آكل خبزاً فقط ، ولا أمدُّ يدي لمبلغٍ مِن الحرام ، والأعمى غير المستنير بنور الله ، غير المتقي يراه مغنماً ، ويندفع إلى أخذه مِن أي طريق ، إذاً نحن بحاجةٍ ماسّةٍ إلى التقوى من أجل أن نرى الحقائق .
 ما الذي يهلك الناس الآن ؟ يهلكهم أنهم في عمى ، لا يرون الطاعة مغنماً ، بل يرونها مغرماً ، يرون الطاعة عبئاً ، لا يرون المعصية مغرماً ، بل يرونها مغنماً ، فهذا الذي يأكل المال الحرام ، أو يعتدي على أعراض الناس ويظن هذا ذكاءً أو مغنماً ، أو تفوقاً ، أو نجاحاً ، أو فلاحاً ، هذا هو العمى بعينه .
 والتقوى لا حد لها ، مثلاً : النبي عليه الصلاة والسلام كان يوزع في أحد أيام الأعياد أضحيةً ، بدأ يوزع منها ، ولم يبق منها إلا كتفها ، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله لم يبق إلا كتفها . فقال عليه الصلاة والسلام :

(( بل بقيت كلها إلا كتفها ))

[ الدر المنثور في التفسير المأثور ]

 رؤية ، سيدنا عمر أمسك تفاحةً قال هذا القول : أكلتها ذهبت ، أطعمتها بقيت .
 هذه التقوى .
 الدنيا ماضية ، الدنيا زائلة ، الدنيا منقطعة ، يأتي الموت فينهي كل شيء ، هذا الذي حصّلته في حياتك كلها ، ينتهي في ثانية ؛ حينما تقف ضربات القلب ، يمسك الطبيب بيده على يدك ، ويضع يده على مركز النَبْضِ ، ماذا يقول : عظّم الله أجركم ، انتهى ، ما معنى انتهى ؟ البيت ليس له ، والسيارة التي جَهِدَ حتى اشتراها ليست له ، وغرفة نومه ليست له ، ومكتبته ليست له ، ومكتبه ليس له ، بمجرد أن يقف القلب .
 الدنيا جيفة ، طلابها كلابها ، الدنيا دار من لا دار له ، ولها يسعى مَن لا عقل له ، لو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ، فالتقوى أن ترى الشيء الباقي ، لا أن ترى الشيء الفاني ، قولوا لي بربِّكم أكثر الناس ينظرون إلى الدنيا فقط ، أما ساعة الموت ، ساعة ترك الدنيا ، ساعة الفراق ، ساعة نزول القبر ، ساعة البعث والنشور ، يوم القيامة تفتح بعض أبواب جهنم ، فيقول الكافر : لم أر خيراً قط في حياتي . كم مرة أكل أكلاً نفيساً ؟ وكم مرة سكن بيتاً مريحاً ؟ وكم مرة سافر سفرةً ممتعةً ؟ وكم مرة غاص في مباهج النعيم ، وغاص في ملذّات الحياة ؟ فالدنيا منقطعة ، فلذلك التقوى من أجل أن ترى حقيقة الدنيا ، " يا دنيا غري غيري ـ هكذا قال سيدنا علي ـ لقد طلقتك بالثلاث ، شأنك قليل ، وخطرك حقير ، آه من قلة الزاد وبعد السفر ، يا دنيا غري غيري " .
 فلذلك التقوى من أجل أن ترى الحقائق ، من أجل ألا تفرح ببيتٍ ليس لك ، من أجل ألا تفرح باغتصاب أرضٍ ليست لك ، من أجل ألا تفرح بمبلغٍ كبير جاءك من طريقٍ غير مشروع ، هذا الذي يفرح بالمال ، من طريقٍ غير مشروع أعمى ، هذا الذي يعتدي على أعراض الناس أعمى ، هذا الذي ينظر إلى محاسن امرأةٍ أجنبيةٍ ، يُمْلي به عينيه أعمى ، لا يعرف أن الله بالمرصاد .
 شخص كانت هوايته أن يتمشى في الطرقات الآهلة بالفتيات ، لا يتكلَّم ، ولا يفعل شيئاً إلا أن يمتع عينيه بهذا ، أصيب بمرض ارتخاء الجفون ، لا يستطيع أن يرى إلا بحركة أصابعه ، لو أنه اتقى لما فعل هذا . هذا بالنظر ، وهناك بكسب المال ، وهناك بالتجاوزات ، التقوى أن تعرف أن شرع الله يجب أن يطبَّق وإلا فالثمن كبير جداً ، الثمن قد يكون في الصحّة ، وقد يكون في المال ، وقد يكون في المكانة الاجتماعية ، حينما تأكل مالاً ليس لك ، قد ينكشف الأمر ، فإذا أنت في قاع السجن ، وكل يوم نسمع عن إنسان أحياناً اتهم وهو يحاسَب ، لو كان متقياً لما مدّ يده إلى الحرام ، وما دام نظيفاً فهو في مكانةٍ عليّة ، لا يستطيع أحدٌ أن ينال منه .

 

الرحمة الإلهية .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ ﴾

[ سورة البقرة الآيات : 183-184]

 رحيم ربنا عز وجل ، ثلاثين يوم فقط ، لو أن الصيام ستة أشهر، برمضان بالعشر الأخير يكون الإنسان استنفز المخزون في جسمه ، تجده ضعيف ، أمْيَل للسكوت ، أميل للاستلقاء ، أميَل لتأجيل القضايا ، ثلاثين يوم ، لو كان شهرين ، أو ستة أشهر ، أياماً معدودات ، والله الذي لا إله إلا هو فوائد الصيام لا يمكن أن تحصى ، فهي عبادة قبل كل شيء ، أولاً طهر ، ثانياً استقامة ، ثالثاً إقبال ، رابعاً تقوى ، استنارة ، قُرب ، وفوق كل هذا صحّة ، وسوف أعالج هذا في آخر الدرس .

﴿ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 فربنا عز وجل ديننا دين فطرة ، هناك مرضى يؤذيهم الصيام ، وهناك سفرٌ يشق على الصائم ..

﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 العلماء اختلفوا حول تفسير المرض والسفر ، يا ترى مُطْلَق المرض والسفر ؟ إذا واحد سافر للزبداني ، ركب سيارة ثلث ساعة ، أو ثلثين ساعة كان بالزبداني هل يعد هذا مسافراً ؟ لو أن شوكةً دخلت في إصبعه فأدْمتها ، هل يعد هذا مرضاً ؟ المذهب الظاهري مطلق المرض والسفر ، أما العلماء على أن السفر الشاق والمرض الذي يتفاقم بالصيام ، المرض الذي يؤذيه الصيام ، يزيد العلّة في الصيام ، يؤخر الشفاء ، هذا هو المرض الذي يُباح لصاحبه أن يفطر ، على كلا الموضوع خلافي .

﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 لابد له مِن ترميم ، هذا الذي يترك صيام بضعة أيامٍ مِن شهر رمضان يحدث في نفسه انهدام ، هذا الانهدام يحتاج إلى ترميم ، الترميم أن تصوم أياماً أخرى فيما بعد رمضان .

﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 أيضاً هذه الآية آيةٌ خلافية ، أوجه تفسيراتها :
 أن اطاقة الصيام أي صيامه مع مشقةٍ كبيرة ، وتنطبق المشقّة الكبير على الشيخ الفاني ، والمرأة العجوز ، وعلى الحاِمل والمُرضع ، فمن كان شيخاً فانياً ، أو امرأةً عجوزاً ، أو من كانت حاملاً أو مرضعاً ..

﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 أي مع المشقة .

﴿ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 المسكين يُطْعَم مِن أوْسط ما تطعمون به أهليكم ، فلو إنسان يصرف بالشهر أربعة آلاف ، ألفين أجور سكن ولباس ودواء ، وألفين شراب وطعام ، تقسيم ثلاثين يوم ، تقسيم خمسة أشخاص ، فتقريباً يصيب النفر الواحد في الوجبة الواحدة ثلاثية ليرة مثلاً فرضاً ، فطعام مسكين ، أي يجب أن تطعم مسكيناً عن كل يومٍ أفطرته وأنت لا تطيق الصيام ، الشيخ الفاني ، المرأة العجوز ، الحامل ، المرضع .
 لكن الذي يمرض مرضاً طارئاً عليه القضاء وليس عليه الكفارة ، لكن الذي يمرض مرضاً طارئاً ثم انتهى المرض ، وجاء شوال ، والأشهر تتابعت بعد شوال إلى أن جاء رمضان ولم يصم ما عليه ، الآن عليه القضاء والكفّارة ، القضاء في الشهر التي تلي رمضان ، أما إذا مضى عامٌ بأكمله ولم يؤدِّ ما عليه مِن قضاء ، وجبت عليه الكفارة أيضاً، قضاءٌ وكفارة ، هذا في مُعظم المذاهب ، والموضوع أيضاً خلافي بين المذاهب .
 المعنى الثاني : الشيخ الفاني ، والمرأة العجوز ، والمرأة الحامل ، والمرضعة التي تستطيع أن تصوم ولكن الصيام يجهدها ، أو يستنفذ كل طاقتها ، وقد يعود هذا بالضرر على وليدها ، أو على حليبها ، الحامل أو المرضعة أو الشيخ الفاني أو المرأة العجوز ، هذا إذا أفطر ، ويُحْمَل عليه الأعمال الشاقّة التي لا قِبَل للإنسان أن يصوم معها ، أعمالٌ شاقةٌ نادرة أجاز العلماء بالفدية .
 ويحمل على هذه الآية من كان مريضاً أو مسافراً ومضى عليه سنةٌ بأكملها ولم يصم ، تترتب عليه فديةٌ في العام التالي .
 ويحمل على هذه الآية أيضاً ، أنه من كان سفره قريباً ومرضه خفيفاً ، وأفطر مستفيداً مِن رخصة الإفطار ، هذا عليه فدية ، وعلى الذي يطيق الصيام مع السفر والمرض وأفطر عليه فدية ، كم معنى صاروا ؟ القرآن حمّال أوجه ، القرآن ذو وجوه ، دخل بذلك الشيخ الفاني ، والمرأة العجوز ، ودخل بهذا المرأة الحامل ، والمرأة المرضعة ، ودخل بهذا الذي يتواني ويتكاسل عن أداء ما عليه ، ودخل بهذا من يستفيد مِن رخصة الإفطار وهو ليس أهلاً لها ، كمرض طفيف أصاب قدمه فأفطر ، سفرٌ قريب فأفطر ، تقول له :

﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 في عندنا شيئين : إما أن تقضي وإما أن تفدي ، القضاء له أحكام ، والفدية لها أحكام .

﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 إلا أن الشيخ الفاني الذي ليس معه مالٌ يدفع فيه الفدية لا شيء عليه ، لا شيء عليه لأنه ليس بالإمكان أن يقضي ، وليس بالإمكان أن يدفع ، فهناك أحكام فرعية ، وليس من السهولة أن نُجْمِل أحكام الصيام في هذه الساعة ، أحكام الصيام لا تنتهي بعامٍ بأكمله ، لكن بقدر المستطاع أُجْمِل لكم أحكام الصيام المستنبطة من هذه الآية :

﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 كإنسان ميسور ، في عنده مرض مزمن ، في أمراض معينة ، القرحة مثلاً لا يناسبها الصيام ، أمراض الكليتين ، إذا كان مرض طارئ عليك القضاء ، مرض مزمن مدى الحياة ، حياتي الكفارة ، الفدية، إنسان ميسور أخرج عن كل يومٍ إطعام عشرة مساكين ، فبارك الله بك .

﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 لكن الله سبحانه وتعالى يلقي إلينا بهذه النصيحة :

﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 لا تستخدم هذه الرُخَص مِن دون وعي ، من دون تبصُّر ، من دون أن تسأل عالماً ، لمجرد أن يقول لك الطبيب : افطر . فأفطرت ، قد يكون هذا الطبيب بالأساس غير صائم ، فالإنسان الذي لا يصوم يتوسع بالإفتاء بالفطر ، لاحظت أن أكثر الأطباء الذين هم في الأساس لا يصومون ، لأتفه سببٍ ينصحونك أن تفطر ، لا بد مِن أن تستجيب لمشورة طبيبٍ مسلمٍ حاذق ، مسلم ورع ، ومع ورعه طبيب حاذق ، لذلك هناك أمراض إذا صمت فيها تفاقَمت ، وأنت آثم ، النبي عليه الصلاة والسلام ـ قيسوا عليها ـ قال لأصحابه :

(( من كانت له جملٌ حرون فلا يتبعنا ))

 أي فلا يجاهد معنا ، وصحابي جليل رغبته في الجهاد حملته على معصية الرسول ، عنده جمل حرون ، ركبها وجاهد مع رسول الله ، فرمته وقتلته ، فأبى النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلي عليه لأنه مات عاصياً ، فهناك أمراض خطيرة ، في أمراض نقص السكر ، في أمراض في المعدة ، في أمراض في القلب تحتاج إلى أدوية أن تصوم ، ليس ورعاً أن تصوم ، الورع أن تفطر ، ولكن برأي الطبيب المسلم الحاذق ، أما طبيب ليس فيه دين ، الطبيب من دون شيء يقول لك : لا تصوم أريح لك ، الآن بالامتحانات ينصحوك بأن تفطر ، الأطباء ينصحون الطلاب بالإفطار في الامتحانات ، لا يجوز هذا ، لا بد من مرضٍ عضال يتفاقم في الصيام ، أو يتأخر شفاؤه بالصيام .

﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

 لما في الصيام مِن خير ، فإذا رأيت الإفطار أفضل من الصيام فأنت لا تعلم بنص هذه الآية :

﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

فوائد الصيام :

 بعض العلماء الأكارم تحدّثوا عن فوائد الصيام .
 أولاً :
 نحن كمؤمنين ، يجب أن نصوم وكفى ، الصوم عبادة ، وأنت عبدٌ ، والرب ربٌ ، يجب أن تطيعه وكفى ، ولكن لا يوجد مانع أن نتحرى فوائد الصيام ، كي نعرف أن الإله العظيم أمره جليل ، أمره لا تحصى فوائده .
 العلماء قالوا :
 الإنسان مأمور بالاعتدال في الطعام والشراب طوال حياته ، والسيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقول : أول بدعةٍ ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله الشبع . لو أن إنساناً خالف السُنَّة في أشهر السَنَة ، وأكل ، وشرب ، وارتفعت نسبة الدسم في الدم ، وارتفعت نسبة حمض البول في الدم ، أي الأسيد أوريك ، إذا ارتفعت نسبة الدسم في الدم فهذا يهدد الشرايين ، إن مرض تصلُّب الشرايين ، وهو أخطر مرضٍ بسبب ارتفاع نسب الدَسَم في الدم ، يقول لك : الشحوم في الدم كثيرة ، أول فحص تطالب فيه فحص نسبة الشحوم في الدم ، يأتي شهر الصيام ليخفِض هذه النسبة ، يخفض نسبة الشحم في الدم ، ونسبة حمض البول في الدم ، وفي خفض هاتَيْن النسبتين وقايةٌ لمرضين خطيرين ، تصلُّب الشرايين ، ومرض النقرس ، أي داء المفاصل ، ففي شهر الصيام لو فحصت دم صائم تجد أن نسبة الشحوم منخفضة ، ونسبة حمض البول منخفضة .
 إذاً الصوم يخفف العبء عن جهاز الدوران والقلب ، إذا كان الشريان مرن فالقلب مرتاح ، فإذا تصلب الشريان ، فالقلب عندئذٍ يبذل جهداً إضافياً ، حينما تقل نسبة الشحوم في الدم ينخفض الضغط ، أي التوتر الشرياني ، ويرتاح القلب ، لذلك في حالات ارتفاع ضغط ، وارتفاع الضغط مرضٌ خطير ، علاجه الصيام ، إذا صُمت انخفض الضغط ، في ارتفاع استثنائي ، بسبب ارتفاع نسب السوائل والشحوم .
 وبعد ، الصيام يريح الكليتين وجهاز البول بإقلاله مِن فضلات استقلاب الأغذية ، فإذا حرقت قطعة خشب ، ينتج عن هذا الاحتراق طاقة ، أي حرارة ، ولا بد مِن رماد ، الكليتان مكلفتان بطرح هذه الفضلات ، فكلما كانت كمّية الأشياء المحترقة كبيرة فالبواقي كبيرة ، فالجُهد على الكليتين كبير ، لذلك في الصيام الاستقلاب يتم ، الاستقلاب عملية تحول غذاء إلى طاقة ، فمعه فضلات ، والكلية مسؤولةٌ عن طرح الفضلات في البول ، فإذا كان الطعام قليلاً ترتاح الكليتان ، والآن في مرض خطير جداً اسمه توقف الكليتين المفاجئ ، وقف مفاجئ ، الإجهاد المستمر يأتي شهر الصيام فيريح الكليتين ، ويعطيها فرصةً تستجم فيه ، ويجعلها تستأنف عملها بعد الإفطار بنشاطٍ بالغ .
العلماء قالوا :
 في الصيام يتحرك سكر الكبد ، بالكبد في مخزون سكري ، يتحرّك ، ويتحرك الدهن المخزون تحت الجلد ، وتتحرك بروتينات العَضَل ، تتحرك الغُدد ، تتحرك خلايا الكبد ، أي عملية تجديد ، وتنشيط ، وصيانة لكل أجهزة الجسم ، في الصيام ، إيّاكم أن تصوموا بنيّة أن تصحوا ، الصيام عبادة ، يجب أن تصوم طاعةً لله عز وجل ، ولكن أنا أعلمكم أن هذه الطاعة لها فوائد كبرى تتجاوز أنها عبادة إنه صحة ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( صوموا تصحوا ))

[ الجامع الصغير : عن " أبي هريرة " ]

 العلماء قالوا :
 الصوم أقرب إلى الطب الوقائي منه إلى الطب العلاجي ، بدليل : أن هناك أمراض تتفاقم بالصيام ، لذلك :

﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 184 ]

  قرأت تعريفاً علمياً صحياً للصيام :
 الصيام دورةٌ وقائيةٌ سنويةٌ تقي مِن كثيرةٍ من الأمراض ، في عندنا علاج لبعض الأمراض ، لبعضها .
 أولاً : مرض السكر بنسبه المعتدلة يفيد فيه الصيام ، وارتفاع التوتّر الشرياني ، ارتفاع الضغط يفيده الصيام ، والالتهابات الهضمية الحادة والمزمنة يفيدها الصيام ، والأمراض الجلدية يفيدها الصيام ، ولكن هذا الكلام ليس وصفةً طبيةً مني ، هذا لا يجوز ، قال عليه الصلاة والسلام :

(( من تطبب ولم يعلم منه طبٌ فهو ضامن ))

[ الجامع الصغير : عن " ابن عمر" ]

 أي إذا واحد معه مرض سكر عليه أن يسأل الطبيب ، كلامي لا يعفيه من سؤال الطبيب ، هذا كلام عام ، أما نسب السكر ، مدى ارتفاع السكر ، هذا يعلمه الطبيب فقط .

(( من تطبب ولم يعلم منه طبٌ فهو ضامن ))

[ الجامع الصغير : عن " ابن عمر" ]

 فهذا الكلام لا يصلح أن يكون وصفةً لكم ، إنما هو بيانٌ لفضل هذا الأمر الإلهي العظيم ، كيف أن الصيام يرفع مِن طاقة التشغيل لدى أجهزة الإنسان كلها ، لكن الشرط الأساسي أن الإنسان يأكل بالصيام أكل معتدل ، كثير من الناس يعد عشاء مثل ثلاثة وجبات ، ويأتي من التراويح يعمل وجبة أيضاً يفيق على السحور يعمل له وجبة ، يجد نفسه وزنه زاد بعد رمضان ، هذا ليس صيام ، كل هذا الكلام ليس له معنى إذا لم يكن هناك اعتدال في شهر الصيام ، اعتدال في الطعام والشراب ، فيجب أن تكثر من الأشياء الخفيفة ، والكميات قليلة ، من أجل أن يؤتي الصيام أكله ، وفي درسٍ قادم إن شاء الله تعالى نعود إلى سورة النحل .

 

تحميل النص

إخفاء الصور