وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : سورة الضحى - تفسير الآيآت 1 - 11 آيات دالة على عظمة الله ومشاعر تنتاب المؤمن.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أسباب نزول سورة الضحى :

 أيها الأخوة الكرام، سورة اليوم هي سورة الضحى، وهذه السورة لها مكانة خاصة لأنها متعلقة بالنبي عليه الصلاة والسلام، وقد تتعلق بكل مؤمن له تجربة مع الله عز وجل من نوع تجربة النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما أنزلت هذه السورة قال: الله أكبر، لذلك بعض قراء القرآن الكريم يقولون حينما يقرؤون هذه السورة: الله أكبر، بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿ وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى*﴾

 ولد النبي عليه الصلاة والسلام بمكة المكرمة، فرأى مجتمعاً فاسداً وثنياً، يأكل القويُّ منه الضعيفَ، يأتي الفواحش، ويقطع الرحم، ويسيء الجوار، ويعبد الناس بعضهم بعضاً، ويعبدون آلهة ما أنزل الله بها من سلطان، ففكر في هذا المجتمع الفاسد، وفكر في هذه الأوثان، وفي تلك الأصنام، فرأى أنها باطل في باطل، ففكر في خلق السموات والأرض، ونظر في ملكوت الله فعرف ربه. وحينما كان طفلاً صغيراً كان أصدقاؤه يدعونه إلى اللهو فيقول: لم أُخلَق لهذا، وكأنه في صغره صلى الله عليه وسلم عرف المهمة الكبيرة التي أنيطت به، فعبد الله عز وجل السنوات الطويلة، وكان في غار حراء يخلو الليالي الطويلة، وَمَن منا يستطيع أن يذهب إلى رأس جبل فيقبع في مغارة أياماً بلياليها، فكم أنسه بالله شديداً.
 وما زال يعبد الله عز وجل ويفكر في ملكوت السموات والأرض، ويتقرب إليه بالعمل الصالح، ولا يعرف من هو، ولا ما سيكون، ولا من سيكون، ولا أنه سيكون نبياً، ولا رسولاً، ولا أنه سيد خلق الله، كل هذا لا يعرفه، ولما بلغ الأربعين وقد عرف الناس صدقه وأمانته وعفافه وطهارته ونسبه، جاءه الوحي، قال تعالى له:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾

[ سورة العلق: 1]

 قال: ما أنا بقارئ، فقال تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾

[ سورة العلق الآية: 1-5 ]

 جاءه الوحي فكان هذا الوحي غذاءً لروحه، عرف أنه مشمول بالعناية الإلهية، وأنه مقصود بالرعاية الربانية، وعرف أنه مصطفى، وأنه مقرب إلى الله عز وجل، وعرف الطريق لهداية الناس، بعثه الله نبياً ورسولاً، فبدأ يدعو قومه، وبدأ الوحي ينزل عليه، وفجأة انقطع عنه، وبانقطاع الوحي أصابه غم وحزن شديد، وشعر أن الله تركه وكأنه قلاه، وتخلى عنه، فجاءت هذه الصورة مبدوءة بقوله تعالى:

﴿ وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى*مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾

 من شدة فرحه صلى الله عليه وسلم حينما جاءه جبريل بعد انقطاع طويل قال: الله أكبر، فرحاً بالوحي المتجدد، وبرحمة الله المستمرة، وبمكانته الثابتة.

لا يعرف الشوق إلا من يكابده   ولا الصبابة إلا من يعانيها
* * *

هذه السورة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل مؤمن له مع الله تجربة :

 هذه السورة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكل مؤمن له مع الله تجربة، يعبده، ويطيعه، ويحبه، ويتفانى في خدمة خلقه، ويصلي له، ويتهجد له، فإذا أصابته جفوة، وأنكر قلبه، وشعر أن صلاته شكلية، وأن إقباله على الله أصبح صورياً، ضاق بالدنيا وضاقت به الدنيا.

فأحبابنا اختاروا المحبة لنا مذهباً   و ما خالفوا على مذهب الحب شرعنا
فما حبنا سهل وكل مـــــن ادعى سهولته قلنا له قد جهلتــــنا
فأيسر ما في حب الصب قتــله  وأصعب من قتل الفتى يوم هجــرنا
* * *

 إذا كان المؤمن قد عوده ربه على الصلة به، والتجلي على قلبه، والسعادة بقربه، ثم انقطعت عنه هذه الأحوال، وأنكر قلبه، ثم عادت له تلك الصلات، وتلك الأحوال، وتلك القربات يكاد قلبه يطير فرحاً. هذا الذي يحصل لبعض المؤمنين بشكل بسيط جداً إذا قيس بما حدثَ لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرب شديد إثر نزول الوحي من جديد، فربنا سبحانه و تعالى يقول:

﴿ وَالضُّحَى ﴾

 يقسم بالضحى أي يقسم بالنهار، وإن أجمل ما في النهار وقت الضحى، لا تنظروا إلى الضحى في المدينة، فالمدينةُ شوَّهت الضحى، وشوهت الليل، ولكنك إذا خرجت إلى أماكن بعيدة عن المدينة حيث الطبيعة الجميلة، وحيث الجبال الخضراء، وحيث الأشجار والعصافير، فإذا ذهبت إلى هناك، ووقفت في وقت الضحى تذوقتَ معنى قول الله عز وجل:

﴿ وَالضُّحَى ﴾

 أي أجمل وقت في النهار ليس شديد الحر بل يجمع بين برد الليل وضياء النهار.

﴿ وَالضُّحَى ﴾

 أقسم الله سبحانه وتعالى بالضحى.

 

في الكون اثنينية واللهُ هو الواحد :

 

 قال تعالى:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾

 أيْ إذا سكن، وأجملُ ما في الليل سكونُه، وأجملُ ما في النهار ضُحاهُ، فكأن الله سبحانه وتعالى يقول: يا محمد، والضحى الذي يمثل فضلي، وعطائي، وجمالي، ولطفي، والليلِ وما فيه من سكون وهدوء وراحة وسكينة، والضحى والليل، وكيف أن الضحى لا تعرف قيمته إلا بالليل، وكيف أن الليل لا يُعرَف سكونه إلا بضجيج النهار وصخبه، واللهُ سبحانه وتعالى خلق من كل شيء زوجين اثنين، فهناك الليل والنهار، والحر والقر، فلولا البرد لمَا عرفنا قيمة الحر، ولولا الحر لمَا عرفنا قيمة البرد، وهناك الحلو والمر، والخير والشر، والحق والباطل، والأمانة والخيانة، والشجاعة والجبن، ومن كل شيء خلقنا زوجين اثنين، وكأن في الكون اثنينية، واللهُ هو الواحد.

﴿ وَالضُّحَى *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾

 إنّ الله سبحانه وتعالى أقسم بهما لنبيه المصطفى مؤكداً له أن صاحب هذا الفضل العميم، وصاحب هذا الجمال الأخّاذ، وصاحب هذا اللطف المستديم لا يمكن أن يتركك، لا يمكن أن يتخلى عنك، لا يمكن أن يدعك بلا وحي، لا يمكن أن يأخذ بيدك في أول الطريق ثم يتركك.

﴿ وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى*مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾

 اطمئن يا محمد، اطمئن إلى مكانتك عندي، واطمئن إلى أن هذا الوحي لن ينقطع، وإلى أنك معنيٌّ بلطفنا.

نعمة القرب من الله سبحانه :

 قال تعالى:

﴿ وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى*مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى* ﴾

 كذلك حال المؤمن، فبعضهم وقع من غير قصد في مخالفة فأنكر قلبه، وانقطعت صلته، وتوجس خيفة، وخاف أن يعاقبه الله عز وجل، وانتظر العقاب فلم يحدث له شيء، وقف يصلي، وناجى ربه في صلاته، وقال: يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبني، فوقع في قلبه أن يا عبدي قد عاقبتك ولم تدرِ، ألم أحرمك لذة مناجاتي.
 أحياناً تنقطع الأحوال، وتنقطع الصلة، وينكر المرء قلبه لا لذنب اقترفه ولكن لحكمة إلهية، ومن هذه الحكمة أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يعرفه بتلك النعمة العظمى نعمة القرب، ولا تعرف هذه النعمة إلا بزوالها ولو مؤقتاً، من ذلك أن الله سبحانه وتعالى إذا قطع تجليته على عبده المؤمن، ضاقت عليه الأرض بما رحبت.
 ومن حكمة الله عز وجل أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يعرِّف عبده أن نعمـة القرب عظيمة عند هذا العبد، فلذلك عندما انقطعت صلته بالله عز وجل لم يحلُ له شيء، ولم يطمئن إلى شيء، ولم يرُق له شيء، لأنه فقَد حبيبه.
 إنّ الطفل الصغير إذا ضيع أمه في الطريق لن يصرفه عن هدفه الألعاب التي نثرت في الواجهات، ولا الأطفال الذين حوله، لأنه فَقَدَ أمَّه، وهو يبكي، ولا يريد إلا أمه.
 هذه السورة كما قلت قبل قليل خاصّة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها بالتبعية لكل مؤمن له مع الله أحوال، وله صلته بالله، وله من الله تجليات على قلبه، وله من الله سعادة إذا غابت عنه وانقطعت وأنكر قلبه، فإنه يتفاعل مع هذه السورة وكأنه معنيٌّ بها.

﴿ وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾

 كأنّ الله سبحانه وتعالى يريد أن يجمع بين تلك الآيات الدالة على عظمته وبين المشاعر التي تنتاب المؤمن.

من كانت له عند الله مكانة وصلة وإقبال فهذا هو أثمن ما في الوجود :

 هل يعقل يا حبيبي أن يكون فضلي عميماً، وأدعك في منتصف الطريق؟! هل يعقل ممَّن خَلَق الضحى، والليل إذا سجى، وما فيه من رقة وجمال وفضل ونعمة، هل يعقل لهذا الخالق العظيم أن يدعك وشأنك، وأنت المحب وأنت الوفي؟!

﴿ وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى*مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾

 معنى (ما ودَّعك)، في قراءة (ما وَدَعك) بمعنى ما تركك، ومعنى قلى أي: ما أبغضك الله عز وجل، ماذا فعلت؟ فكلك إحسان للمخلوقات، وحرص على طاعة الله، وكلك شوق إلى صلة الله عز وجل:

﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾

 من ذاق عرف، ومن كانت له عند الله مكانة وصلة وإقبال فهذا هو أثمن ما في الوجود، وما سوى ذلك سراب بقيعة.

فليتك تحلو و الحياة مريــرة  وليتك ترضى والأنام غضـاب
وليت الذي بيني وبينك عامـر  وبيني وبين العالمين خــراب
إذا صح منك الوصل فالكل هين  وكل الذي فوق التراب تــراب
* * *

 هذه أحوال المؤمن، إذْ لا بد له من صلة بالله عز وجل، ومن ساعة يرقى بها إلى الله عز وجل، ومن ساعة يناجي فيها ربه، ويمرغ وجهه في عتبة بابه عز وجل، ولا بد للمؤمن أن يكون متذللاً لله عز وجل.

لا يعرف الشوق إلا من يكابده  ولا الصبابة إلا من يعانيــها
* * *
فلو شاهدت عيناك من حسـن نا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرةً  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
و لو نسمت من قربنا لك نسمة  لمتَّ غريباً واشتياقاً لــقربنا
ولو لاح من أنوارنا لك لائـح  تركت جميع الكائنات لأجــلنا
فما حبنا سهل و كل من ادعى  سهولته قلنا له قد جـــهلتنا
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـا  فإنا منحنا بالرضى من أحـبنا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنابـــنا  لنحميك مما فيه أشرار خلـقنا
* * *

عظمة الكون تدل على كمال الله عز وجل :

 إنّ التدين من دون هذه الأحوال جسد بلا روح، ومعرفة أحكام الدين من دون إقبال على الله عز وجل جسد بلا روح، وحينما فهِمَ الدين أنه عبادات فقط، وأعمالاً تؤدَّى من دون محبة لله ورسوله، ومن دون إقبال على الله والتفات إليه واتصال به، ومن دون هذه التجليات التي تغمر قلب المؤمن فيذوب لها، فمن دون هذا كله أصبح الدينُ جسداً بلا روح. ألا لا إيمان لمن لا محبة له، ألا لا إيمان لمن لا محبة له، ألا لا إيمان لمن لا محبة له.

﴿ وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾

 من هاتين الآيتين اللتين أقسم الله بهما، ومن جواب القسم يتضح أن عظمة الخلق تدل على عظمة الخالق، وأن كمال الخلق يدل على كمال التصرف.
 إنّ عظمة الكون تدل على كمال الله عز وجل، وليطمئن الإنسان إلى الله عز وجل، فإنّ الله سبحانه وتعالى لن يتر المؤمنين أعمالَهم، ولن يضيعهم، والعاقبة للمؤمنين، والعاقبة للمتقين، وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم، قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي ﴾

[سورة المائدة: 12]

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[سورة الحج: 38]

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 160 ]

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

[سورة مريم: 96]

المؤمن مطمئنأن الله سبحانه وتعالى لن يصيبه إلا بما كتب له من الخير :

 قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة المائدة: 54]

 ليطمئن المؤمن المستقيم ذو العمل الطيب إلى مكانته عند الله عز وجل، ليطمئن أن الله سبحانه وتعالى لن يصيبه إلا بما كتب له من الخير، قال تعالى:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ﴾

[ سورة التوبة: 51 ]

 وليطمئن إلى قوله تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

وعود الله سبحانه وتعالى للمؤمنين :

 ليطمئن إلى وعد الله عز وجل، ومن أصدق من الله حديثاً، ومن أوفى بعهده من الله، وليطمئن إلى قوله تعالى:

﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

[ سورة الزخرف: 32 ]

 وليطمئن إلى قوله تعالى:

﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾

[ سورة آل عمران: 158 ]

 ليطمئن إلى أنّ الله سبحانه وتعالى هو كل شيء، فمن عرفه فقد عرف كل شيء، ومن لم يعرفه فقد ضل عنه كل شيء، واللهُ سبحانه وتعالى أَحَبُّ إلينا من كل شيء.
 ابن آدم اطلُبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، لتطمئن أيها إلى أن الله سبحانه وتعالى إذا كنت له كما يريد كان لك كما تريد.

﴿ وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى*مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾

 ما ودعك أي: ما تركك في نصف الطريق، وما دام قد أخذ بيدك إلى أول الطريق فلا بد أن تكون في نهاية الطريق.

الله تعالى يطلب من عبده أن يتعَلَّق بالآخرة ويعمل لها فهي خير له من الأولى :

 قال تعالى:

﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى* وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾

 هذه الكلمات واضحة، ولكن مع هذه الكلمات إيحاءات، فهل شعرتَ أيها الأخ الكريم بهذه الإيحاءات؟ إنّ الله سبحانه وتعالى في عليائه، رافع السموات بغير عمد، من بيده ملكوت السموات والأرض يقول لك: يا عبدي ولَلآخرة خير لك من الأولى، فتعَلَّق بالآخرة، واعمل لها فهي خير لك من الأولى، قل متاع الدنيا قليل، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾

[ سورة التوبة: 38 ]

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى ﴾

[سورة النساء: 77]

﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾

[سورة النساء: 78]

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

[سورة القصص: 60]

﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾

 فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا؟ فإن قال أهانه فقد كذب، وإن قال أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا، فإن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، وإن الله يحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام، وإن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلكة.

الدنيا لمن يسعى لها والآخرة للمتقين :

 فهل أنت يا أخي الكريم مصدِّق قول الله عز وجل:

﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾

 فهل ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا؟ دخل سيدنا عمر رضي الله عنه على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم فرآه مضجعاً على حصير وقد أثر في خده الشريف، فبكى عمر، فقال: يا عمر ما يبكيك؟ فقال سيدنا عمر وقد هاله الموقف: رسول الله ينام على الحصير، وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير، فقال: يا عمر إنما هي نبوة وليست ملكـاً، أنا لست ملكاً ولكنني نبي، أما ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا.
 أما يرضى أحدنا أن تكون له الآخرة ولو كان في الدنيا معذباً، لأن الدنيا زائلة، أما يرضى أحدنا أن تكون له جنة عرضها السموات الأرض ولو كان دخله في الدنيا محدوداً، ولو كانت الوظيفة في الدنيا متواضعة، ولو كان قد حُرِم من الدنيا أشياء فلا بد من حكمة بالغة:

﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾

 فهل أنتم مصدقون ذلك؟

﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾

 كما قلت قبل قليل: الآيات للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكل مؤمن بالتبعية:

﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ:

(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

إذا لاح للمؤمن مقامه في الجنةعندئذ يذوب خجلاً لما أعد الله له من نعيم مقيم :

 ربنا سبحانه وتعالى ألا نصدقه:

﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾

 متى نعرف ذلك إذا لاحت لنا الآخرة، ولاح للمؤمن مقامه فيها، وظهرت له أعماله الطيبة معروضة عليه، عندئذ يذوب خجلاً لما أعد الله له من نعيم مقيم، قال تعالى:

﴿ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ*هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ﴾

[سورة يس: 55ـ56]

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً*حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً*وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً ﴾

[سورة عم: 31-33]

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ* إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ* قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾

[سورة الحاقة: 19-24]

وصف الله تعالى للمتقين يوم القيامة :

 قال تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ*وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾

[سورة الذاريات: 15ـ19]

 ويصفهم الله عز وجل فيقول:

﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً ﴾

[سورة الانشقاق:9]

 يوم القيامة هذا العطاء الكبير، وهذه الجنة التي عرضها السموات والأرض، هذه الجنة التي لا تزول ولا تحول إلى أبد الآبدين، وهذا الذي أعده الله لعباده أيستغنى عنه؟ أيزهد به؟ أيضعه الإنسان وراء ظهره؟ أيلتفت إلى الدنيا وحدها؟ أينافس على جمع الدرهم والدينار؟ عند الموت لا يأخذ معه شيئاً:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى*وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾

المؤمن لا يعرف قيمة عمله إلا حين تلوح له الجنة :

 هذا الذي يدرس الليالي الطوال، ويسهر حتى لا تكحل عينه بنوم، بعد التخرج والتفوق، وبعد أن يحتل مركزاً مرموقاً، وتأتيه الأموال من كل طريق ألا يرضى حينئذٍ؟ هذا مثل من أمثلة الدنيا، إنه يرضى ويرضى. وكذلك المؤمن يغض بصره، ويحفظ فرجه، ويترفع عن كل معصية، ويطيع الله في كل شاردة وواردة، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ويسهر الليل، ويستيقظ لصلاة الفجر، ويساعد الضعيف، ويطعم الجائع، ويجلس على ركبتيه الساعات الطوال ليتعرف إلى الله عز وجل، وإذا دعي إلى عمل صالح لبَّى مسرعاً، وإذا دعي إلى عمل طيب وافاه، وهذا المؤمن لا يعرف قيمة عمله إلا حين تلوح له الجنة، فيقول: لم أر شراً قط في حياتي.

﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى* أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ﴾

 حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، ووزع بعض الغنائم على المؤلفة قلوبهم، وجد عليه بعض الأنصار وعلى رأسهم سيدنا سعد بن عبادة:

((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَاماً فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ، قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي، قَالَ: فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ، قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ، قَالَ: فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ: قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَقَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالاً فَهَدَاكُمْ اللَّهُ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟ قَالُوا: بَلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ، قَالَ: أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبـُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذَّباً فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيداً فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلاً فَأَغْنَيْنَاكَ أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْماً لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْباً وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْباً لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْماً وَحَظّاً، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقْنَا ))

[ أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

 أما ترضى أن تعطى الدنيا لمن أبغض الله عز وجل، وتكون الآخرة لمن أحبه الله سبحانه وتعالى.

لقد جعل الله سبحانه وتعالى نبيه يتيماً لئلا يكون لأحد من خلقه عليه حق :

 قال بعضهم:

كن عن همومك معرضا  وكِل الأمور إلى القضـا
و ابشر بخير عاجــل  تنسى به ما قد مضــى
فلربَ أمر مسخـــط  لك في عواقبه رضـى
ولربما ضاق المضـيق  ولربما اتسع الفضـــا
الله يفعل ما يشـــاء  فلا تكوننَّ معترضـــا
الله عودك الجميـــل  فقس على ما قد مضـى
* * *

 هذا يجب أن يعرفه كل مؤمن، فإنّ الله عودك الجميل، ألم يهدك إليه؟ ألم يعرفك به؟ ألم يدلك على أهل الحق؟ ألم تسعد به؟ اللهُ عودك الجميل فقس على ما قد مضى، والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ﴾

 اليتيم الذي لا أب له، بعضهم اجتهد وقال: لقد جعل الله سبحانه وتعالى نبيه يتيماً لئلا يكون لأحد من خلقه عليه حق، لا حق عليه إلا حق الله عز وجل:

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ﴾

 قد يكون الطفل يتيماً، ويتاح له من الرعاية والعناية والرفق والإكرام ما لم يتح لمن له أب شديد قوي.

من معاني (اليتيم) :

 قال تعالى:

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ﴾

 من معنى اليتيم أيضاً تقول: درة يتيمة، ومعنى درة يتيمة أي لا مثيل لها، فآواك بأصحابك، أنت فرد لا مثيل لك، أنت سيد المخلوقات، أنت سيد ولد آدم، أنت يتيم لا بمعنى أنك ليس لك أب، ولكن بمعنى أنه لا مثيل لك في كمالك، ولا مثيل لك في عطفك.

((عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنته وهي تغسل رأس عثمان رضي الله تعالى عنهما فقال: يا بنية أحسني إلى أبي عبد الله فإنه أشبه أصحابي بي خلقا))

[ الطبراني عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي]

 وهذا الموقف الكريم أيضاً حيث قال:

(( يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت))

[الواقدي وابن سعد وابن عساكر عن عبد الله بن الزبير]

 من هو أبوه؟ إنّه أبو جهل، ألدُّ أعداء الإسلام، فاليتيم بالمعنى الآخر لا مثيل له، كأن تقول: درة يتيمة، والمعنى الأول: ألم يجدك يتيماً لا أبا لك، فألهم الناس أن يعطفوا عليك، وأحاطك بالعطف والأمن والرعاية حتى من أعدائك.
 واليتيم بالمعنى الآخر الدرة التي لا مثيل لها، فآواك بأصحابك، وبعضهم يقول: لماذا لم يترك النبي عليه الصلاة والسلام ذرية من الذكور؟ بعضهم اجتهد وقال: لو أن للنبي عليه الصلاة والسلام ابن من الذكور، وأساء إلى الناس لسرت البغضاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، لكن ليس من ذريته الذين عاشوا ذكرٌ، لتكون محبته خالصة في نفوس أصحابه والناس جميعاً.

 

من معاني (الضال) :

 قال تعالى:

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ﴾

 معنى الضال هنا الغافل عما سيكون، أنت غافل عن أنك ستكون نبياً مرسلاً، أنت غافل عن أنك ستكون سيد ولد آدم، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى:

﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ﴾

[ سورة طه: 52]

 لا يضل أي لا يغفل، الضلال هنا معناه الغفلة، والنبي عليه الصلاة والسلام غافل عن مقامه، غافل عن مرتبته عند الله عز وجل، غافل عن نبوته القادمة، غافل عن رسالته، والمعنى الآخر للغفلة هو عدمُ العلم، ما كنت تدري ما الكتاب وما الإيمان؟ ما كنت تعرف أن قرآناً سينزل عليك، وما كنت تعرف ما بهذا الكتاب من حقائق وتشريعات.

﴿ وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ﴾

 والمعنى الثالث أن الضال هنا، أي وجـدك في قوم ضالين فهداهم الله بك، ومعنى الضلال أيضاً هو الطلب، فلان نشد ضالته فهو ضال، أي يبحث عن شيء ضائع منه. والنبي عليه الصلاة والسلام يبحث عن طريق يهـدي به الناس، ويبحث عن أسلوب ينقذهم به من الظلمات إلى النور، وعن طريقة تهديهم إلى ملكوت السموات والأرض، وعن أسلوب يرفعهم من وحل الشهوات إلى سمو الطاعات، فهداه إلى ذلك، وأنزل عليه كتابه، هذا المعنى الرابع، والمعنى الخامس:

﴿ وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ﴾

 أي ضائعاً بين قومك فهداك إليه، قد كان قومك لا يعرفون مقامك قبل البعثة، فهداك إليه، وعرفهم بك، والمعنى السادس الضلال الحيرة، كنت حائراً في الطريق الذي يناسب هؤلاء الضالين فهداك إلى الطريق، والمعنى الذي يجمع المعاني المادية والمعنوية، أن الشجرة الوحيدة في الصحراء تسمى ضالة وهي يهتدي بها القوم.
 كنت وحيداً فريداً في عظمتك، كنت وحيداً فريداً في سموك، فاهتدى بك الناس جميعاً، ويقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام ضاع عندما كان صغيراً في شعاب مكة، فسخر الله له أبا جهل، وعثر عليه يلعب ببعض الأوراق والأغصان في شعاب مكة، فردَّه إلى أهله.

 

الغنى الحقيقي :

 قال تعالى:

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ ﴾

 فالله سبحانه وتعالى يذكِّر النبي عليه الصلاة والسلام بالنعم التي أغدقها عليه، لقد كان يتيماً فآواه، وكان ضالاً فهداه:

﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾

 معنى عائلاً أي فقيراً فأغناه الله عز وجل بخديجة، وأغدقت عليه من عطفها، ومن مالها، لذلك كان وفياً لها أشد الوفاء، فحينما فتح مكة دعاه أصحابه ليبيت عندهم فقال: انصبوا لي خيمةً عند قبر خديجة، كلما كان يذكر خديجة تقع الغيرة في قلب عائشة رضي الله عنها، تقول له: ألم يبدلك الله خيراً منها؟ فيقول: لا والله، لا والله، لا والله، صدقتني حين كذبني الناس، وواستني حين أساء إلي الناس، واللهِ ما أبدلني الله خيراً منها، كان وفياً لها، وبعضهم قال:

﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾

 أي ربَّاك بما قسمه الله لك، والغنى له معنيان؛ فإما أن تكون غنياً حقيقةً، وإما أن تكون راضياً عن الله عز وجل، فهذا هو الغنى بعينه، ارضَ بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس، فإنْ رضيت عن الله فأنت الغني، وإن رضيت بما قسم الله لك من الدنيا فأنت الغني، وهذا هو الغنى الحقيقي، وبعضهم قال:

﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾

 أي فقيراً بمعرفتك له فأغناك بمعرفته، كنت مفتقراً إليه فملأ قلبك معرفةً به، كانت نفسك متشوقة إليه فملأها من تجلياته، فهي معان ثلاثة؛ إما أنه جعله غنياً حقيقةً، فقد جاءه سيدنا أبو بكر فأعطاه كل ماله، فقال: يا أبا بكر ماذا أبقيت لك ولأهلك؟ قال: الله ورسوله. كانت جفنة سعد تدور معه حيثما دار.

المؤمن غناه بعمله الطيب و باستقامته و بيقينه برحمة الله عز وجل :

 قال تعالى:

﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾

 إنَّ الدنيا لم تكن تعدل عند النبي عليه الصلاة والسلام جناحَ بعوضة، جاءه رجل من سادة العرب، وقد رأى وادياً من الغنم، فقال: يا محمد لمن هذا الوادي؟ قال: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: هو لك، لا أهزأ بك، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر. لقد كان غنياً في نفسه، غنياً بمعرفته بربه، وكذلك المؤمن غناه بعمله الطيب، وغناه في استقامته، وغناه في يقينه برحمة الله عز وجل.

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى *وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾

 إذا كان أحد من الحاضرين مؤمناً وكان فقيراً فإن الله عز وجل أغناه، كان بلا مأوى فآواه الله ببيت، بلا زوجة فزوّجه الله، وجعل له ذريةً، كان بلا عمل فيسَّر الله له عملاً مريحاً، فإذا قرأتَ هذه الآيات ينبغي أن يذوب قلبك محبة لله عز وجل:

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى *وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾

قراءة هذه الآيات تجعل قلب المؤمن يذوب محبة لله عز وجل :

 قال لي أحد الأشخاص وهو من أصحاب الملايين، عندما كنتُ أضع الخبز في الزيت، وأضعها بالزعتر، يبادرني والدي بصفعة ويقول لي: أكثرت، يجب أن تمسها مسّاً رقيقاً، فجعله الله غنياً حين كبر.
 فإذا كان الإنسان فقيراً، ثم جعله الله غنياً، ولم يتأثر بهذه الآية فهو كالصخر، ميت القلب، إذا كان بلا مأوى وصار له مأوى، يملك مفتاح بيت، وغرفة نوم، وغرفة جلوس، وغرفة طعام، مطبخاً فيه أنواع من الطعام، ولديه أدوات كهربائية، دافئ في الشتاء، مبرد في الصيف، فليقرأ هذه الآية وسيتأثر بالغ التأثر، ثم صار له أصهار يحترمونه، وأولاد يحفون به، وله مكانة اجتماعية، لا يشكو شيئاً، ولا يشعر بالنقص ولا بالحرمان، ألا يتأثر بهذه الآية.

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ﴾

 كان صانعاً في محل، ويحاسَب حساباً عسيراً، وإذا تأخر يُلام ويُعنَّف، صار صاحب محل، يجلس خلف مكتب، فغضَّ بصرك عن محارم الله، وتواضعْ لله عز وجل، وتذكَّرْ كيف كنت في الماضي.

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ﴾

 كنت تدخل إلى دور اللهو فمَنَّ الله عليك بمجالس العلم، وهذه نعمة كبرى، كنت تقضي الليالي الطويلة في اللعب بالنرد فمنَّ الله عليك فأصبحت تمضي الوقت في قراءة القرآن، كنت تتحدث للناس بكلام لا معنى له، كلام فاحش، مزح بذيء، فمنَّ الله عليك بمعرفته فأصبحت تعرِّف الناس بالله عز جل، فإذا قرأت هذه الآيات فعليك وعلى كل مؤمن أن يذوب قلبه محبة لله عز وجل.

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ﴾

حق اليتيم :

 إذا قرأتها أنت فلها معانٍ، وإن نزلـت على النبي عليه الصلاة والسلام فلها معانٍ، والنبي يتفاعل معها بمعانٍ خاصة به، وأنت إذا قرأت هذه السورة ربما تفاعلت معها بمعان خاصة بك، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾

 كنت يتيماً فإذا رأيت يتيماً فلا تقهره، ومعنى لا تقهره أي لا تظلمه ولا تمنعه حقه، أحسِنْ إليه، وفي قراءة: " فلا تكهر"، والكهر هو الاحتقار.

((عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّماً قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيماً مِنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ... ))

[ مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ]

 هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:

((علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف))

[كنز العمال عن أبي هريرة]

﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾

أحاديث شريفة تؤكد مكانة من يعطف على يتيم :

 قال النبي عليه الصلاة والسلام، ومن كلام داود عليه السلام:

((كن لليتيم كالأب الرحيم واعلم أنك كما تزرع تحصد))

[الطبراني والبخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة]

 وفي الأثر:" أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي فقلت: من هذه يا جبريل، قال: هي امرأة مات زوجها وترك لها أولاداً فلم تتزوج من أجلهم، تريد أن تدخل الجنة قبلي تنازعني لأنها عطفت على الأيتام.
 عَنْ سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

(( وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئاً))

[البخاري عَنْ سَهْلٍ]

 وعن ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:

(( إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن، فيقول اللّه تعالى لملائكته: يا ملائكتي، من ذا الذي أبكى هذا اليتيم الذي غيبت أباه في التراب، فتقول الملائكة: ربنا أنت أعلم، فيقول اللّه تعالى لملائكته: يا ملائكتي، اشهدوا أن من أسكته وأرضاه أن أرضيه يوم القيامة، فكان ابن عمر إذا رأى يتيماً مسح برأسه، وأعطاه شيئاً ))

[ذكره القرطبي عن ابن عمر]

 عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( مَنْ ضَمَّ يَتِيماً بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ وَمَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِماً كَانَ فَكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِي بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنْهُ مِنْ النَّارِ ))

[ أحمد عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ]

 وليس اليتيم من بلغ أربعين سنة، فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ:

(( حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ))

[أبو داود عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ]

 فإذا كان الشخص كبيراً ووالده متوفَّى فلا يقل: أنا يتيم، لا، فاليُتْم ما كان دون سن البلوغ.

﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾

 لأنك كنت يتيماً فاذكر يتمك السابق، واللؤماء قد يسيئون للضعفاء، وقد كانوا من قبل ضعفاء، ولا يذكرون كيف كانوا.

إجابة السائل فرض على العلماء :

 قال تعالى:

﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾

 لا تنهر، أي لا تزجر السائل، رُدَّه ببذل يسير، أو رد جميل، واذكر فقرك، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((لا يمنعن أحدكم من السائل إذا سأله أن يعطيه وإن رأى في يديه قلبين))

[الديلمي عن أبي هريرة]

 والقلب هو السوار، وقال إبراهيم بن أدهم:

(( نعم القوم السُّؤَّال - جمع سائل - يحملون زادنا إلى الآخرة "، وقال إبراهيم النخعي: " السائل بريد الآخرة، يجيء إلى باب أحدكم فيقول: هل تبعثون إلى أهليكم بشيء، السائل بريد الآخرة ))

[ذكرهما القرطبي في تفسير قوله تعالى: فأما اليتيم فلا تقهر...]

 أيْ ينقل لك أعمالك الصالحة إلى الآخرة، وقال عليه الصلاة والسلام:

((ردوا السائل ببذل يسير أو برد جميل))

[ذكرهما القرطبي في تفسير قوله تعالى: فأما اليتيم فلا تقهر...]

 وفهِم بعض المفسرين أن قوله تعالى:

﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾

 من يسألك العلم، من يسألك عن قضية في كتاب الله عز وجل، ومن يسألك عن حديث شريف، عن آية، وعن قضية فقهية.

﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾

 وتواضعْ لمن تعلِّم، إنّ إجابة السائل فرض على العلماء، والسلام سنة لكن رده فرض، وكان أبو الدرداء يقول: "مرحباً بأصحاب الحديث "، هؤلاء الذين يحدثون الناس كان يبسط لهم رداءه، ويقول لهم: مرحباً بأحبة رسول الله.

 

الله تعالى يطلب من نبيه الكريمأن يهدي الناس وإذا سأله أحد أن يجيبه ويتواضع له :

 

 يروى أن النبي وقع في قلبه أن الله سبحانه وتعالى اتخذ إبراهيم خليله، واتخذ موسى كليمه، وأعطى سليمان ملكاً، فماذا أعطاني الله عز وجل؟ فقال الله عز وجل: ألم أجدك يتيماً فآويتك، ألم أجدك ضالاً فهديتك، ألم أجدك عائلاً فأغنيتك، ألم أشرح لك صدرك.

﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾

 لو أردنا أن نقابل هذه الآيات الثلاث بتلك الآيات الثلاث:

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى*وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى*وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى*وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾

 فيغلب على معنى الآية أن الذي يسألك عن قضية دِين، وعن قضية تتعلق بالله عز وجل، كنت ضالاً فهديتك، فإذا سئلت فاهدِ الناس، وإذا سألك أحد فأجبه وتواضع له.

﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور