- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم، رسول الله سيِّد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير، إنك على كل شيءٍ قدير. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أربع آياتٍ متشابهات في القرآن الكريم :
أيها الأخوة الأكارم... لازلنا في مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، وقد كان موضوع الخُطبة السابقة آيةً كريمة هي قوله تعالى:
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾
والآيات التي هي موضوع هذه الخطبة أربع آياتٍ متشابهات، اثنتان في سورة البقرة، وواحدة في آل عمران، وواحدة في سورة الجُمُعة.
فالآية التي في سورة البقرة ورقمها تسعةٌ وعشرون بعد المئة، هي قوله تعالى في سياق دعوة سيدنا إبراهيم:
﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
هذا وآية البقرة الثانية:
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ*فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِي ﴾
وآية الجُمُعة:
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
وأما آية آل عمران فهي قوله تعالى:
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
النبي محمد دعوة أبيه إبراهيم :
يا أيها الأخوة الأكارم... النبي عليه الصلاة والسلام حينما حدَّث أصحابه عن نفسه قال:
((أنا دعوة أبي إبراهيم ))
ألم يقل الله عزَّ وجل في سياق دعوة إبراهيم:
﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
قال عليه الصلاة والسلام:
((إن حقيقة قولي وبدء شأني دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى ابن مريم))
﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) ﴾
(( ورأت أمي في المنام أنه يخرج منها نورٌ يضيء قصور الشام ))
قصَّت السيدة آمنة هذه الرؤيا على قومها، حتى شاعت فيما بينهم، وقال علماءُ التفسير: إن تخصيص الشام بظهور نوره إشارةٌ واضحة إلى استقرار دينه وثبوته في الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام وأهله، وقد ورد في الصحيحَيْن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحقِّ ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال))
وانفرد البخاري فقال:
(( وهم بالشام ))
الشام خير بلاد المسلمين :
إذاً:
﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
قال عليه الصلاة والسلام:
((أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى.. ورأت أمي في المنام أنه يخرج منها نورٌ يضيء قصور الشام))
إذاً الشام خير بلاد المسلمين للمسلمين يومئذٍ، إنها صفوته من أرضه، وفيها صفوته من عباده، ومَن خَرَج إلى الشام من بعض الأقطار يعلم علْم اليقين ماذا يعنيه هذا الحديث الشريف.
معرفة الله من خلال آياته :
أيها الأخوة الأكارم... أربع آياتٍِ مُتشابهات. النبي عليه الصلاة والسلام يتلو على أمَّته، أو على أصحابه آياتِ الله، ورد في "تفسير القاسمي " أن الآيات هنا الآيات الدالة على عظمة الله، لابدَّ من التعريف بالله، لابدَّ من أن تَعْرِفَ الله من خلال آياته، فوردت هذه الكلمة في أربع آياتٍ..
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾
تلاوة الآيات أيْ التذكيرُ بها..
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾
آيات الله في جسمك، آيات الله في طعامك، آيات الله في شرابك، آيات الله في الماء الذي تشربه، في الهواء الذي تتنفَّسه، في النبات الذي تراه ينمو أمامك، في الأطيار تُحَلِّق في السماء، في الأسماك تَمْخُر عُباب الماء، هذه كلها آيات الله.
تعريف الناس بالله من خلال آياته في السموات و الأرض :
لذلك:
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا ﴾
وقد يقول قائل: لِمَ لمْ تكن آيات القرآن الكريم؟ نجيبه لأنه بعد قليل:
﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
والكتاب هو القرآن الكريم، وإذا أردت الجمع بين المعنيين، فلعل الله عزَّ وجل يريد: يتلو عليهم آياتنا الكونية التي هي في القرآن الكريم، على كلٍّ كأن هذه الآيات الأربعة تريد أن تؤكِّد أن الدعوة إلى الله ينبغي أن تتجه أولاً إلى تعريف الناس بالله؛ من خلال الآيات التي بثَّها الله في السموات والأرض، ففي الآيات الأربعة وردت كلمة (يتلو عليهم آياتنا).
معاني التزكية :
وأما:
﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
فالتزكية لها معنيان أيها الأخوة: معنى التَخْلية ومعنى التَحْلية، معنى الطهارة ومعنى النمو، إذا قُلنا عن الزكاة:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
أي تطهِّر المال من حق الغَيْر، وتزكي المال أي تنمِّيه. إذا قلنا:
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
أي يطهِّرهم من الشِرك، يطهرهم من قبائح الذنوب، يطهرهم من المعاصي، يطهِّرهم من اتباع الشهوات، يطهِّرهم من مفاسد الأخلاق، يطهِّرهم من الدنايا، يطهِّرهم من الموبقات، وينمي فيهم حب الخير، وحب الحق، يسمو بنفوسهم فيجعلها زكيةً طاهرة، يجعل النفس راقيةً مستبشرة، يجعل النفس مُنْصفةً، يجعل النفس آمرةً بالمعروف ناهيةً عن المنكر، تحب الحق، ترحم الخلق، تعطي ولا تخاف الفقر، هذا معنى يزكيهم.
إذاً أية دعوة إلى الله لا تتصل بتزكية النفس، وتطهيرها من الشَكِّ، والشرك، والدنايا، والموبقات، والمعاصي، والفجور إنها دعوةٌ لا تستمر، ولا تقف على قدميها، لأن أساس التديّن الصحيح الخلُق القَويم، بل إن هناك علاقةً لازمةً بين التديُّن الصحيح وبين الخُلُق القويم..
(( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له))
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
الرسول الكريم فصّل آيات القرآن الكريم و شرح أحكامه :
أيها الأخوة الأكارم... أما الآية التي في سورة البقرة والتي رقمها واحدٌ وخمسون بعد المئة فهي:
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً ﴾
دققوا في معنى (كما)..
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا ﴾
يطهِّركم، وينمي فيكم الفضائل..
﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
القرآن الكريم، كلام رب العالمين، الحبل المتين، النور المُبين، الدستور الحكيم، المَنهج القويم..
﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
وقد فسَّره النبي، قيَّد مُطْلَقَهُ، وبيَّن مضمونه، وشرح أحكامه، وفصَّل آياته إنها السُنَّة النبوية، وللإمام الشافعي رحمه الله تعالى رأيٌ حصيف في كلمة (الحكمة)، إنها السنة النبوية المُطَهَّرة.
إذاً الدعوة إلى الله ينبغي أن تتجه إلى التعريف بالله أولاً، وإلى تزكية النفس ثانياً، وإلى تعلُّم منهج الله ثالثاً. معرفةٌ بالله، ومعرفةٌ بمنهجه، ثم تزكيةٌ للنفس، هذه الفِقَرات وردت في الآيات الأربعة المتشابهة، مع تقديمٍ وتأخير، وتفصيلٍ وتبيين..
من نعمة الله الكبرى علينا أن النبي من أمتنا و ينطق بلساننا :
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا ﴾
كما الخطاب موجَّه للمؤمنين..
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ ﴾
نعمة الله الكبرى أن النبي جاءنا من بني جلدتنا، من أُمَّتنا، من بيئتنا، ينطق بلساننا، هذا شيءٌ يدعو إلى الشكر الجزيل لله رب العالمين، هو منَّا، من جِلْدَتِنا، من أمتنا، من عِرْقِنا..
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ ﴾
وبعضهم يقول: (منكم) أي بشر، من بني البشر؛ يحسُّ بما تحسون، ويتألَّم بما تتألمون، ويشعر بما تشعرون..
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
ولولا أن النبي عليه الصلاة والسلام من بني البشر لما قامت الحُجَّة لله عزَّ وجل، لقالوا له: إنك مَلَك ونحن بشر، وهذا الذي تقوله لا يصدُق علينا، لكنه بشر يأكل ويشرب، يأكل الطعام، إذاً هو مفتقرٌ في وجوده إلى تناول الطعام، يمشي في الأسواق، هو مفتقرٌ في تأمين طعامه إلى السَعْيِ والكَسْب، هو بشر، لأنه تجري عليه كل خصائص البشر ارتقى إلى هذا المكان العَلِيّ، لأنه يغضب كما نغضب، ويتألَّم كما نتألَّم، لأنه يجوع، لأنه يشعر بالحر ويشعر بالبرد، لأنه يشعر بالضيق إذا هاجمه أُناسٌ، أو كذَّبه أُناسٌ، إنه من طبيعة البشر ولهذا كان سيد البشر، إنه من طبيعتهم تجري عليه كل ما يجري عليهم، إذاً كان المَثَل الأعلى، والقُدوة الصالحة، والأسوة الحسنة..
أيها الأخوة الأكارم... هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ ﴾
وهذه (مِن) للتبعيض..
تزكية النبي المؤمنين بإرشادهم و توجيههم :
﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ﴾
إما أنه يزكيكم بتوجيهكم، هذه نهانا عنها، وهذه أمرنا بها، وهذه كرِهها، وهذه أقرَّها، وهذه حذَّرنا منها، وهذه أنذرنا منها، إذاً هو يزكينا بأقواله، ويزكينا بأحواله.
حنظلة كان يبكي في الطريق، مرَّ به الصديق قال له: ما لك يا حنظلةُ تبكي؟ قال: نافق حنظلة، قال: ولِمَ يا أخي؟ قال: نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين، فإذا عافسنا الأهل ننسى، فقال الصديق رضي الله عنه: أنا كذلك يا أخي، انطلق بنا إلى رسول الله، فانطلقا إليه، وقصَّا عليه القصة، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا ))
((لو أنكم تكونون على كل حال على الحالة التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم))
إذاً " يزكيهم " إما بإرشادهم وتوجيههم، وأمرهم ونهيهم، وتبيين شرع الله لهم، وإما بقلبه المُفْعم حباً لله عزَّ وجل، وإما باتصاله الشديد بالله عزَّ وجل، فإذا أقبلوا عليه، واتصلوا به، وأحبوه، سرت إليهم مشاعر الحب، ومشاعر الطُهر، ومشاعر التزكية.
مهمة المؤمن في الدنيا :
يا أيها الأخوة الأكارم... الآية مفتاحها في آخرها:
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾
أين جواب (كما)؟ كما فعلت معك كذا وكذا وكذا، لو أنني سكت لقلت: لماذا أفعل؟ أين تتمة الكلام؟ الكلام مُتَّصل، كلمة (كما) تحتاج إلى جواب..
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾
الجواب:
﴿ فَاذْكُرُونِي ﴾
أين فَاذْكُرُونِي؟ لعبادي..
﴿ أَذْكُرْكُمْ ﴾
إذاً هذه دعوة من الله عزَّ وجل إلى المؤمنين، كما ذَكَّرَكَ الله عزَّ وجل، كما مَنَّ الله عليك فهداك إلى دينه، كما منَّ الله عليك فعرَّفك بآياته، كما مَنَّ الله عليك فعرَّفك بكتابه، كما منَّ الله عليك فعرَّفك بسنة نبيه، ما مهمتك أيها الأخُ الكريم؟ أيها المؤمن؟ يا من اهتديت إلى الله، يا مَن عرفت شرع الله، يا مَن طبَّقت سنة رسول الله ما مهمتك؟ قال:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
شكر نعمة الهدى :
وإن من شكر الله عزَّ وجل لنعمة الهُدى أن تكون سبباً في هدى الآخرين، إن من شكر الله استنباطاً من قوله تعالى:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي ﴾
أيْ إن ذكرته للناس فهذا شكر نعمة الهدى، هذا زكاة نعمة الهدى، إن ذكرته للناس فقد شكرت له الهدى الذي مَنَّ الله به عليك.
إذاً أيّ مؤمنٍ مطالبٌ أن يبيّن كما عرف، أن يهدي كما اهتدى، أن يبيِّن للناس كلام الله كما فهمه، أن يبين للناس سنة النبي كما عرفها، أن يسعى في تزكية الآخرين كما تزكَّى، فزكاة الهدى، وزكاة تزكية النفس، وزكاة معرفة منهج الله بيان الآيات، وبيان القرآن الكريم والسُنة، والسعيّ لتزكية الآخرين، هذه الآية الأولى:
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ* فَاذْكُرُونِي ﴾
لعبادي..
﴿ أَذْكُرْكُمْ ﴾
ومن باب التَمثيل والتقريب: لو أن أباً كان غنياً ومقتدراً، واعتنى عنايةً بالغةً بابنه، قبل موته قال: يا بُني كما اعتنيت بك، وعلَّمتك، ونِلْتَ أعلى الشهادات، وأصبحت شخصيةً مرموقةً في المجتمع، علَّمتك وهذَّبتك وأمدتُك بالمال وبكل ما تحتاج، فوصيتي عندك أن تعتني بإخوتك الصغار كما اعتنيت بك..
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ* فَاذْكُرُونِي ﴾
لعبادي..
﴿ أَذْكُرْكُمْ ﴾
إن ذكرتموني لعبادي ذكرتكم برحمتي، إذا أردت أن تسعد فاسْعِد الآخرين، إذا أردت أن ترقى عند الله فكن معواناً لعباده الضائعين، إذا أردت أن ترتقي في سُلَّم الإيمان فكن مناراً للتائهين، هؤلاء عباد الله، الخَلق كلهم عباد الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.
لذلك قال بعض العلماء: إن ذكرتموني لعبادي ذكرتكم برحمتي، لم أنسكم. أي خصصتكم برحمةٍ من عندي، وفقتكم، أعطيتكم سُؤلكم.
(( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين ))
الأمية في النبي كمالٌ ليبقى الوحي صافياً :
أيها الأخوة الأكارم... هذه الآية الأولى من سورة البقرة، وأما الآية التي في سورة الجمعة فلها تفصيلٌ دقيق. ربنا جل جلاله يقول:
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ﴾
أيْ أراد الله عزَّ وجل لهذا الوحي العظيم، لهذه الدعوة الخالدة أن تكون خالصة من كل ثقافةٍ أرضية، لو أن هذه الدعوة الإلهية ظهرت في أمةٍ لها في العلم باعٌ طويل، ولها في الحضارة شأوٌ عظيم لاختلط الأمر على الناس، ما عرفوا أهذا من حضارة هذه الأمة أم من وحي السماء؟ لذلك شاءت حكمة الله جلَّ جلاله أن تكون هذه الأمة أميةً، وهذا نقصٌ بها، وأن يكون هذا النبي أمياً، وهذا كمالٌ به، لأن الأمية في النبي عليه الصلاة والسلام كمالٌ ليبقى الوحي صافياً، هو أميٌ ولكن يوحى إليه..
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
قال النجاشي: يا جعفر حدِّثنا عن هذه الرسالة؟ قال: "أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونسيء الجوار، ونقطَع الرحم، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله فينا رسولاً نعرف أمانته، وصدقه، وعفافه، ونسبه، فدعانا إلى الله لنعبده،ونوحِّده، وندع ما يعبد آباؤنا من الحِجارة والأوثان، وأمرنا بصِدق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلة الرحم، والكفِّ عن المحارم والدماء".
معرفة الله شيء ومعرفة منهجه شيءٌ آخر :
أيها الأخوة الأكارم... بقي في الآية إعجاز..
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾
أيْ أنَّ معرفة الله شيء ومعرفة منهجه شيءٌ آخر، أنت بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، معرفته شيء وعبادته شيءٌ آخر، تعبده من خلال الكتاب والسنة، وتعرفه من خلال آياته الكونية..
فضل الله عزَّ وجل ليس قاصراً على أمةٍ دون أمة :
﴿ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ* وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
أي أممٌ أُخرى غير الأمة العربية سوف تدخل في دين الإسلام، فإن دخلت فهي منكم وأنتم منها، أيَّة أمةٍ اعتنقت هذا الدين فهي منكم، هذه إشارةٌ إلى ما سيكون، وهذا من إعجاز القرآن الكريم، ومن غَيْب المُستقبل..
﴿ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ ﴾
قال علماء التفسير: هذه معطوفةٌ على الأميين هو الذي بعث في " الأميين... وآخرين ". أيْ أممٌ أُخرى سوف تدخل في دين الله أفواجاً، فإن دخلت فهي منكم لأن الإسلام لا يعرف مَوْطِناً، أيُّ إنسان اعتنق الإسلام فهو منا ونحن منه..
﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
يؤكد هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: "ليست العربية بأحدكم من أبٍ وأم، ولكن من تكلَّم العربية فهو عربيّ "
ألا ترون أحياناً أن إنساناً ليس من هذه الأمة يحب الله حُبَّاً جماً، ويُقبل على تعلُّم هذه اللغة ليفهم كلام الله، ويلتزم شرع الله، فإذا هو أقرب إلينا من أنفسنا ؟!..
﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾
أي أن فضل الله عزَّ وجل ليس قاصراً على أمةٍ دون أمة، على أُناسٍ دون آخرين، فضل الله عام..
﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
من ظلم نفسه أو ظلم الآخرين كان هذا الظلم حجاباً بينه و بين ربه :
لكن السؤال الآن: ما علاقة الآية التي تليها ؟..
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
هذه أبلغ، تربيةٌ راقية وإشارةٌ لطيفة؛ أن أيها العرب جاءكم هذا النبي العظيم، وأُنْزِل عليه هذا القرآن الكريم، وقد كُلِّفتم معرفته وتطبيقه، فإن فعلتم فُزْتُم، وإن لم تفعلوا، إن أدرتم له ظهوركم، أو إن جعلتموه وراء ظهوركم، إن أعرضتم عن تلاوته، وعن تَدَبُّره، وعن تطبيقه ماذا يحل بكم؟ يحل بكم كما حَلَّ بغيركم، هم حينما حُمِّلوا التوراة، أي كُلِفوا معرفتها، وكُلفوا تطبيقها، ولم يفعلوا، قالوا:
﴿ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾
مثلهم عندئذٍ كمثل الدابَّة التي حُمِّلت عليها أسفاراً عديدة، ما حَظُّها من هذه الأسفار؟ ما حظُّها من هذه الكُتُب؟ الثِقل والمشَقَّة، أما أن تفهم هذه الدابة شيئاً !! والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
تُشير الآية إلى أن الإنسان إذا ظلم نفسه، أو ظلم الآخرين كان هذا حِجاباً بينه وبين الله عزَّ وجل، فإذا كان مُنْتَمِياً إلى الدين الإسلامي، وبين يديه قرآنٌ كريم، كان في حجابٍ عن هذا الكتاب الكريم، وكان حظّه مِنْهُ المَشَقَّة والتَعَب دون الهُدى والرشاد.
من أعرض عن كلام الله و تطبيقه مثله كمثل اليهود مع توراتهم :
فيا أيها الأخوة الأكارم... آيات سورة الجمعة دقيقةٌ جداً..
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ* وَآخَرِينَ ﴾
بعث في " الأميين " وفي " آخرين "..
﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾
دابةٌ تحمل كُتُباً عظيمة، هل فَقِهَت شيئاً؟ هل عَلِمَت شيئاً؟ هل استفادت مما في هذه الكتب من معارف؟ من حقائق؟ من قوانين؟ من دلائل؟ من أشياء تنفع الإنسان؟ لا. فهذا تعريضٌ، وقد ورد في بعض التفاسير أن هذه الآية وردت على أسلوب: " إياكِ أعني واسمعي يا جارة " وكأن الله عزَّ وجل تلطَّف بالمؤمنين وذكر لهم هؤلاء الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها.
أيها الأخوة الأكارم... لو أن أحدنا أعرض عن فهم كلام الله، أعرض عن تطبيقه، لكنه وضعه في بيتٍ جميل، وصدَّر به غرفته، وضعه في مَرْكَبَتِهِ، وضعه في محله التجاري، لم يقرأه، لم يتفقَّه، لم يتدبَّر، لم يطبِّق، مثله مع هذا الكتاب الكريم كمثل اليهود مع توراتهم..
﴿ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾
وقد أجمع المفسرون على أن كلمة (حُمِّل) بمعنى كُلِّفَ معرفة التوراة وتطبيقَ أحكامها، حُملنا القرآن أي كُلِّفنا معرفته وتطبيق أحكامه. فإذا حضرت مجلس عِلْمٍ فيه تفسيرٌ لكتاب الله فهذا من باب التكليف الإلزامي الذي ألزمك الله به، أن تتعرَّف إلى كلام الله، وأن تنتقل إلى مرحلة تطبيق أحكام الله.
أيها الأخوة الأكارم... ونحن نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف، أوردت لكم هذه الآيات الأربعة المُتشابهات، التي تفيد أن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام مُلَخَّصةٌ بأربعة أركان: معرفة الله من خلال الكون، معرفة منهجه من أجل أن تعبده من خلال الكتاب والسُنَّة، الحكمة هي السنة، ثم تزكية النفس عن طريقين؛ عن طريق تنفيذ الأمر والنهي من قِبَل النبي، وعن طريق الاتصال بالله اتصالاً يُطَهِّر هذه النفس مِن أدرانها، ويزكيها بمكارم الأخلاق، فإن مكارم الأخلاق مخزونةٌ عند الله تعالى، فإذا أحبَّ عبداً منحه خُلُقاً حسناً.
أيها الأخوة الأكارم... حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز مـن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلُقِ العظيم، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
تطبيق سنة النبي في بيوتنا و أعمالنا :
أيها الأخوة الأكارم... لازلنا في موضوع المَولد النبوي الشريف، وكل ما أتمناه على الله عزَّ وجل، وأتمناه عليكم أن نستفيد من هذه المُناسبة، فنبحث عن شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، ونحاول أن نطبِّق سُنته في بيوتنا، وفي أعمالنا، لقول الله عزَّ وجل:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
فهم المفسِّرون هذه الآية على وجهين ؛ الوجه الأول: أن الله جلَّ جلاله ما كان ليعذب هذه الأمة والنبي عليه الصلاة والسلام بين ظهرانيهم، لا يزال يدعوهم.
وتُفهم هذه الآية على وجهٍ آخر: مادامت سنة النبي عليه الصلاة والسلام مطبقةً في حياتهم، في بيوتهم، في أعمالهم، في نُزُهاتهم، في نشاطاتهم جميعها، فالله سبحانه وتعالى ما كان ليعذِّبهم، فأنت إذا طبقت سنة النبي عليه الصلاة والسلام فهذا أمانٌ لك من عذاب الله، وكيف تطبق سنة النبي ؟ لابدَّ من أن تعرفها بادئ ذي بدء، إذاً لابدَّ من أن تعرف حديث رسول الله، لابدَّ من أن تعرف سُنَّته القولية، والعملية، والإقرارية، إذاً لابدَّ من أن تطلب العلم، لابدَّ من أن تتعلَّم ما في كُتُبِ السُنَّة من أحكام، ومن توجيهات، ومن فضائل، ومن مواقف، ومن مواعظ، إذاً طلب العِلْمِ ليس فرضاً كِفائياً - كما يدعي البعض- إنه فرضٌ عيني على كل مسلم.
وهل سمعتم رجلاً يحمل شهادةً، وقد بلغ رتبةً علميةً من دون أن يلتحق بجامعة؟ من دون أن يقتطع من وقته وقتاً لمعرفة كلام الله وكلام رسوله؟ من دون أن يأتي بيوت الله ليتعلَّم؟ من دون رسم تسجيل، ولا رسوم منوَّعة، إن بيوت الله مُفَتَّحَةٌ أبوابها لكل طالب عِلم.
فيا أيها الأخوة الأكارم... إذا كانت خطبة الجمعة تدعوكم إلى طلب العلم، فإن طلب العلم يكون في مجالس العِلم، إذا كان خطبة الجمعة تثير فيكم الحماس، فالعِلم الحقيقي يجب أن يُطْلَب في مساجد الله عزَّ وجل، يجب أن تحدّثوا أنفسكم بحضور مجالس العلم من أجل أن تتعرفوا إلى كلام الله، وإلى سُنة نبيِّه، وإلى تلاوة الآيات البيِّنات الدالة على رب الأرض والسموات.
الدعاء :
اللهمَّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن توليت، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك.
اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا.
اللهمَّ اهدنا لصالح الأعمال، لا يهدي لصالحها إلا أنت. اللهمَّ ألزمنا سبيل الاستقامة لا نحيدُ عنها أبداً. اللهمَّ يا أكرم الأكرمين إنَّا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء مولانا رب العالمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها مَعاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خَير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهمَّ اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهمَّ استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخيا وسائر بلاد المسلمين، اللهمَّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنه على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.