وضع داكن
19-04-2024
Logo
رحلة أمريكا 2 - المحاضرة : 06 - الموت.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 الإمام النوويُّ رحمه اللهُ تعالى في كتابه رياض الصالحين من كلام سيِّد المرسلين عليه أتمُّ الصلاة و التسليم عقَد بابًا سمَّاه " باب الحثِّ على الازدياد من الخير في أواخر العمُر " و كعادته رحمه الله تعالى يبدأ الباب ببعض الآيات الكريمة و يثنِّي ببعض الأحاديث الصحيحة، فهذا الباب بدأه بقوله تعالى:

﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾

[سورة فاطر]

 و قبل أن نمضي في الحديث عن هذه الآية و عن ذاك الحديث، لا بد من وقفة عند موضوع الموت.
 اللهُ جلَّ جلاله يقول

 

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾

 

[سورة الملك]

 لماذا قدَّم الموت على الحياة ؟ يمكن أن نكتشف في القرآن الكريم أن ترتيب الكلمات يحتلُّ أهمِّيةً كبيرة، الله عزوجل قدَّم الموت على الحياة لأن خياراتِ الحياة كثيرة، لكن الإنسانَ عند الموت أمام طريقين لا ثالث لهما، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار " الخِيار صعب جدا، لذلك كان عليه الصلاة و السلام يقول،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((أَكْثِرُوا ذِكْرَ هادم اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتِ))

[رواه الترمذي]

 لم يقل اذكروا، قال:أكثروا، و بالمناسبة حينما يقول اللهُ عزوجل:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)﴾

 

[سورة الأحزاب]

 قال علماء التفسير: الأمر ينصبُّ لا على الذكر، بل على كثرة الذكر و قد ورد عن النبيّ صلى الله عليه و سلم أنه برئ من النفاق من أكثر من ذكر الله، و برء من الكبر من حمل حاجته بيده و برء من الشُّح من أدَّى زكاة ماله " الأمر إذًا ينصبُّ لا على الذكر، يقول عليه الصلاة و السلام:

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هادم اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتِ))

[رواه الترمذي]

 السبب هو أن الإنسان في حقيقته و في أدقِّ تعاريفه أنه زمنٌ، هو بضعة أيام، كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه، ما من يوم ينشقُّ فجرُه إلا ينادي: يا ابن آدم أنا خلقٌ جديد و على عملك شهيد، فتزوَّد مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
 إذًا ما مهمَّة التفكُّر في الموت في حياة المسلم، تصوَّر مركبة على الطريق، هذه المركبة ينتظرها خطران ؛ خطر أن تنزلق عن الطريق فتهوي في الوادي، و خطر أن يتعطَّل محرِّكُها فتقف، التفكر في الموت يمنع المسلمَ من أن ينحرف عن منهج الله المستقيم، و يمنع المسلمَ من أن يقف في طريق الموت، التفكُّر في الموت يدفعك إلى الله دائما، و يجعل بينك و بين المعاصي سياجا عاليا، فهذا من السنة، و هذا أمر والذي يشكو من نفسه رعونتَها و انغماسها في الدنيا، ونحن في عصر كلُّ شيء يدعونا إلى الدنيا، كل شيء يدعونا إلى الاستمتاع بها، مباهج الدنيا لا تنتهي، أي أجدادُنا لم تكن حياتُهم بهذا الشكل، فهذه الحياة المغرية الفاتنة، كل شيء يدعوك إلى البعد عن الله، هناك آلاف المجالات لتمضية الوقت بشكل لا يرضي اللهَ عزوجل، فالذي يشكو من نفسه رعونتها يشكو من نفسه إصرارها على الدنيا هذا الدواء دواءٌ ناجعٌ التفكُّر في الموت، فالإنسانُ بضعة أيام، كلما انقصى يومٌ انقضى بضعٌ منه، و أدقُّ ما في سورة العصر التي قال عنها الإمام الشافعي:" لو أن المؤمنَ تفكَّر فيها لكفتْه "، سورة قصيرة لكن لها مدلولات عظيمة، قال تعالى:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾

 

[سورة العصر]

 إلهُنا يقسم بمطلق الزمن،بهذا المخلوق الذي في حقيقته زمنٌ، يقول له: و العصر إنك خاسر، و ما هي الخسارة ؟ الخسارة أن مضيَّ الزمن وحده يستهلك الإنسانَ، سبت، أحد، اثنين، ثلاثاء، أربعاء، خميس مضى أسبوع،كانون ثاني، شباط، نيسان، مضا عامٌ، التسعينات،السبعينات، و نحن عِشنا الستِّينات و الخمسينات، فالخمسينات مضت و الستينات مضت و السبعينات مضت و الثمانينات مضت و التسعينات على وشك أن تمضي، إذًا، قال تعالى:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا﴾

 

[سورة العصر]

 الآن، أهمُّ نقطة في هذه السورة، الزمن إما أن نستهلكه وإما أن ننفقه إنفاقا استهلاكيا، و إما أن ننفقه إنفاقا استثماريا، إذا الإنسان ذهب إلى نزهة في مكان، ونزل في أفخر فندق و أكل أطيب الطعام، عند الحساب مائة و ثمانون ألف يدفعها، هذا المبلغ دُفِع استهلاكا، أما إذا كانت في شركة استثمار كبير جدا تعطي أرباحا طائلة وتعود بهذا المبلغ لهذه الشركة هذا اسمه إنفاق استثماري، بين أن تدفع لفندق و طعام و شراب مبلغا و بين أن تدفع لشركة استثمار تعطي أرباحا طائلة طريقة ثانية، فالوقت يمكن أن تنفقه استهلاكا و يمكن أن تنفقه استثمارا.
 الإنسان لو لم يعصِ اللهَ عزوجل، أكل و شرب و نام و عمل و كسب المالَ و أنفقه على أهله كلَّ يوم كالذي قبله، هذا إنفاق استهلاكي، هذا الإنفاق ليس له مردود في المستقبل، لذلك إذا أُنفِق الوقتُ استهلاكا فالإنسانُ خاسر، أنا أقول: لم يعص اللهَ، أنا أقول عن إنسان لم يعص اللهَ، أي من بيته إلى عمله، ومع أهله و أولاده، مع أنه لم يعص اللهَ ينفق وقتَه استهلاكا، أنا أخاطب مؤمنين، أخاطب رُواد مسجد، أخاطب أناسًا عرفوا اللهَ، نحن لم نتكلَّم لا عن المعاصي، المعاصي موضوعٌ ثانٍ، المعاصي قنابل و متفجِّرات، أنا أتكلَّم عن إنسان يستهلك وقته استهلاكا في المباحات، هذا خاسر، قال تعالى:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

 

[سورة العصر]

 قال العلماءُ: هذه أركان النجاة، و الإنسان يحاسب نفسه كل يوم، هل ازددت من الله علما، هل ازددت منه قربًا، لا بورِك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله علما، و لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً، فإذا حاسب الإنسانُ نفسه حسابا دقيقا يومًا بيوم، اليوم هل أنفقتُ وقتي استهلاكا ؟ أم أنفقته استثمارا، هل عملتُ عملا يقرِّبني إلى الله ؟ هل أتقنتُ عبادتي ؟ وهل أنفقت مالي ؟ و هل أعنتُ ضعيفا ؟ وهل واسيْت فقيرا و هل تقرَّبت إلى الله عزوجل ؟ لذلك العلماء عدُّوا أركان النجاة أربعة: الإيمان و العمل الصالح و الدعوة إلى الله و الصبر، فإذا مضى يومٌ لم أزدد علما و قُربا فهذا يوم خاسر، وهذه السورة من أخطر السور.
 إخواننا الكرام ؛ مركَّب في أعمق أعماق الإنسان أن الوقت أثمن من المال، و الدليل أن الإنسان قد يبيع بيته الذي لا يملك سواه ليجري عملية يتوهَّم أنها تطيل عمرَه سنوات عدَّة، فمركَّب في أعماقنا جميعا أن الوقت أثمن من المال، طيِّب أنت لو رأيت إنسانا ممسك بمائة ألف دولار يحرقها تحكم عليه انه مجنون وسفيه، و في القوانين يُحجَر على تصرفاته، طيِّب و بما أن الوقت أثمن من المال فالذي ينفق ماله جُزافا يُسمَّى سفيها، و الذي ينفق وقتهجزافا هو أشدُّ سفاهة، فالوقت أثمن لأنك بضعة أيام، كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منك، لذلك هذه السورة من أخطر السور، قال تعالى:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا﴾

 

[سورة العصر]

 خسارة الإنسان أن مضيَ الزمن وحده يستهلكه.
 نعود إلى هذه الآية التي بدأ بها الإمام النوويُّ رحمه اللهُ تعالى باب الحثِّ على الازدياد من الخير في أواخر العمر، قال تعالى:

 

﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾

 

[سورة فاطر]

 مَن هو النذير ؟ أو ما هو النذير ؟ قالوا: النذير سنُّ الأربعين، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، راقب نفسك في نزهة عشرة أيام في اليوم السابع ينعكس التفكيرُ، أول يوم و الثاني و الرابع و الخامس و السادس استمتاع، في السابع حجز بطاقة العودة، تثبيت الحجز شراء الهدايا، وجمع الأغراض، فلكلِّ مشروع و في كل سفر الثلثُ الأخير تنعكس نشاطاتُ المسافر إلى إعداد العودة، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، هذه قاعدة أساسية، قال تعالى:

 

﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾

 

[سورة فاطر]

 قالوا سن الأربعين هو النذير، و الإنسان شاهد أربعين ربيعا و أربعين خريفا و أربعين شتاءً و أربعين صيفًا، و تزوَّج و أنجب و زوَّج أولادَه و بناته، و كل شيء في الحياة مارسه، ماذا بقي له ؟ أن يعرف اللهَ و أن يتَّجه إليه و أن يخلص له و أن يعمل لآخرته، هذا أول تفسير جاء به القرطبي، الأربعون هي النذير، و هناك تفسير آخر السِّتون هي النذير فالإنسان إذا بلغ السِّتين، عبدي كبرت سنُّك و انحنى ظهرُك و ضعف بصرُك و شاب شعرُك فاستحِ مني فأنا أستحي منك، لذلك ليس هناك منظرٌ أشدَّ كراهية من شيخٍ متصابر، و ورد في بعض الآثار القدسية:

((أحبُّ ثلاثا و حبي لثلاث أشد، أحب الطائعين وحبِّي للشاب الطائع أشدُّ و أحب الكرماء، و حبِّي للفقير الكريم أشدّ و أحبُّ المتواضعين و حبي للغنيِّ المتواضع أشدُّ، و أبغض ثلاثا و بغضي لثلاث أشدُّ،أبغض العصاة و بغضي للشيخ العاصي أشدُّ، وأبغض المتكبِّرين و بغضي للفقير المتكبِّر أشدُّ، وأبغض البخلاء و بغضي للغنيِّ البخيل أشدُّ))

 و كما قالوا: إن السخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن، و التوبة حسن لكن في الشباب أحسن، و الصبر حسن و لكن في الفقراء أحسن، و الحياء حسن لكن في النساء أحسن، و العدل حسنٌ لكن في الأمراء أحسن، و الورع حسن لكن في العلماء أحسن، و أكمل ما في العالم الورع، و أكمل ما في الأمير العدل، و أكمل ما في المرأة الحياء، و أكمل ما في الفقير الصبر، و أكمل ما في الغنيِّ السخاء، و أكمل ما في الشاب التوبة، و أكمل ما في المرأة الحياء، و الحياءُ حسن لكن في النساء أحسن، و من علامات قيام الساعة أنه تُنزَع النخوةُ من رؤوس الرجال، ويذهب الحياءُ من وجوه النساء و تُنزَع الرحمةُ من قلوب الأمراء، لا رحمة في قلب هذا و لا حياء في وجه المرأة و لا نخوة في رأس الرجل، هذه من علامات آخر الساعة، و العياذ بالله، فأول معنى سنُّ الأربعين و سنُّ الستين، و الإمام القرطبي في تفسيره يقول:" و النذيرُ هو القرآن الكريم " القرآن هو النذير، لأن القرآن الكريم بيانٌ من الخالق، و بالمناسبة الله عزوجل له أساليب في الدعوة إليه، أنقى أسلوب و أفصح أسلوب و أنعم أسلوب الدعوة البيانية، و أنت معافى في بيتك و أهلك و ليس عندك مشكلة، دُعيتَ إلى درس علم، قرأت كتابا و سمعت شريطا و سمعت خطبةً، هذه دعوة بيانية، دعوة سنِّية، فإن لم يستجبْ هناك التأديب التربوي، فإن لم يكن هناك الإكرام الاستدراجي، فإن لم يكن فهناك القصر، اللهُ عزوجل يوحي للإنسان بأربع مراحل أرقى مرحلة الأولى الدعوة البيانية، لم تكن هناك استجابة، التأديب التربوي، لن تحدث استجابة، الإكرام الاستدراجي، لم تحدث استجابة القصر،قال تعالى:

 

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾

 

[سورة الأنعام]

 إذًا القرآن الكريم هو النذير و سنُّ الأربعين هو النذير و سنُّ الستين هو النذير و حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم هو النذير، قال الله عزوجل:

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (46)﴾

 

[سورة الأحزاب]

 إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا، فالنبيُّ نذير بكلامه، و بعضهم قال: النذير هي المصائب ن فالمصائب عملية لفت نظر، قال تعالى:

 

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾

 

[سورة السجدة]

 فالإنسان إذا جاءته مصيبة لا سمح الله و لا قدَّر يجب أن يفهمها فهما توحيديا، لا أن يفهمها فهمًا أرضيا، لأن أخطر مصيبة أن لا نتَّعظ بالمصيبة، من لم تحمل المصيبةُ في نفسه موعظةً فمصيبته في نفسه أكبرُ.
 الشيء الأخير، موت الأقارب هو النذير، إنسان ملءُ السمع و البصر فجأةً صار خبرا على الجدران، قال تعالى:

 

﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾

 

[سورة سبأ]

 و الحقيقة موضوع الموت موضوع أساسي، لأنه هو المِكبح، حينما تندفع السيارةُ اندفاعا مخيفا قد يوديها إلى الهلاك، ما الحلُّ الناجع ؟ هو أن تكبح، فالتفكُّر في الموت هو المكبح، شيء آخر يقول عليه الصلاة السلام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ))

[رواه الترمذي]

 نقطة مهمة جدا، دائما الحقيقة مُرَّة، أنا أتمنى على كل إخوتنا الكرام أن يبحث عن الحقيقة المرَّة لا عن الوهم المريح، الذي معه شيك بمائه ألف دولار، و لكن مزوَّر، إذا ما عرف فهو مبسوط شاعر بقوة مالية كبيرة جدًّا، و حينما يكتشف أنه مزور يتألَّم ألما لا يُحتمل، لا اِعرِف هذه الحقيقة مبكَّرا، دقِّق في هذا التوقيع، دقِّق في هذا الرصيد و إلاَّ تعيش أنت في وهمٍ مريح، هذا الوهمُ المريح يعيقك عن العمل، نحن في حياتنا هناك آلاف الأوهام المريحة، و أنت ابحَثْ عن الحقيقة المُرَّة، و الحقيقة المُرَّة أفضل ألف مَرَّة من الوهم المريح.
 في الحديث الصحيح:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ))

[رواه الترمذي]

 و التعليق الدارِج، ممكن أن تستيقظ كلَّ يوم كالبارحة إلى ما شاء اللهُ هذا السؤال، سؤالٌ دقيق كلَّ يوم كالبارحة إلى ما شاء اللهُ لا هناك أجلٌ و قبل الأجل هناك أعراض في الجسم غير طبيعية، الآن حينما أشعر أنه اقترب أجلي فإن لم أعِدَّ لهذه الساعة عدَّتها و إن لم أعدَّ لهذا الموت عدَّته من العمل الصالح، ما منا أحدٌ بإمكانه أن ينكر حدثَ الموت إطلاقا إلا يكون مجنونا، البطولة بين الناس لا في الإيمان أو عدم الإيمان بالموت، الإيمان بالموت واقع، البطولة في مدى الاستعداد له هذا أكبر سؤال، ماذا أعددت لهذه الساعة التي لا بدَّ منها ؟
 إخواننا الكرام ؛ ما نجمعه في الدنيا كلَّ يوم نخسره في ثانية واحدة ثانية واحدة، و الإنسان عظمته و هيمنته و حجمُه المالي و استمتاعه كلُّه مبنيٌّ على ميلي و ربع شريانه التاجي،و الإنسان عظمته و مكانته و استمتاعه بالحياة وهيمنته وحجمه المالي مبنيٌّ علة نموِّ الخلايا، مبنيٌّ على نموذج دمه، فمدار الإنسان في أيِّ لحظة ممكن أن ينشأ معه ظرفٌ لم يكن في الحسبان، و الحديث الشريف: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ))

[رواه الترمذي]

 البارحة ذكرت في مكان آخر، قلت إن الإنسان حينما يُولد، كلُّ من حوله يضحك و هو يبكي وحده، و حينما يأتيه الأجلُ، كلُّ من حوله يبكي، فإذا كان بطلاً يضحك وحده، لذلك قالوا: من يضحك أخيرا يضحك كثيرا، قال تعالى:

 

﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)﴾

 

﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)﴾

[سورة المؤمنون]

 دقِّق، هؤلاء ضحكوا أوَّلا، قال تعالى:

 

﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 و في آية أخرى، قال تعالى:

 

﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)﴾

 

[سورة المطففين]

 هناك ناسٌ الآن يضحكون كثيرا، مالك قويٌّ وسيطرة، يعيش وحده في رفاهٍ و لا يعبأ بالآخرين، هناك أناسٌ كثيرون، و هناك شعوب كثيرة تضحك وحدها، ولكن البطولة من يضحك أخيرا، لا من يضحك أوَّلاً من يضحك أخيرا يضحك كثيرا، و من يضحك أوَّلاً يبكي كثيرا، قال عليه الصلاة و السلام، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

 

((يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ))

 

[رواه البخاري]

 محور هذا الدرس، أردت أن أبدأ بهذا المحور و هو محور و اللهِ ناجع و إن كان مؤلما قليلا، و أحيانا معلومات تلقي في القلب السرور أكثر و لكن هذا الدرس الحقيقة المُرَّة أهون ألف مَرة من الوهم المريح.
 محور الدرس هذه الساعة التي أخسر فيها كلَّ شيء في ثانية، و هذه الساعة التي نلقى اللهَ ماذا أجيبه، كان سَّيدنا عمر بن عبد العزيز عيَّن شخصا اسمُه عمر بن مزاحِم، قال له: يا عمر إن رأيتني ضللتُ أمسِكني من جلابيبي، و هُزَّني هزًّا شديدا و قل لي: اتَّقِ اللهَ يا عمر فإنك ستموت" هناك واحد في الشام اضطرَّ إلى ثلاثمائة ألف ليرة، فذهب إلى أشخاص يعيرونه هذا المبلغ فلم يجِد، فعنده مزرعة فخمة فيها مسبح و فيها فيلا، فعرَضها رهنا لمن يعطيه هذا المبلغ، وجد شخصا قال له: أعطيك ثلاثمائة لما تردُّهم أردها لك، أخذ الثلاثمائة ألف وأعطاه المزرعة، و المزرعة تساوي مليونا، و بعد سنتين أمَّن المبلغ و جاء إليه وقال له: كل واحد وحقُّه معه، خذْ حقَّك، هذا الرجل من شدَّة ألمه أصابته جلطةٌ و قارب الموتَ، ألمه لا يُحتمل، شيءٌ يساوي مليونا ذهب بثلاثمائة ألف، قرض حسن، فكتب رسالةً و كلَّف ابنَه، قال له: أنا حينما أموت - و كان بيتُه في المهاجرين و المقبرة كانت بالباب الصغير، و الذي أقرضه له محلٌّ في القصَّاع، قال له: سِرْ بالجنازة إلى القصَّاع و مرْ أمام المحلِّ التجاري و أوقف الجنازةَ و ادخُل إليه أمام الناس و أعطه هذه الرسالة، ماذا كتب له في هذه الرسالة؟ أنا سبقتُك إلى دار الحق فإن كنتَ بطلاً فلا تلحقني، و الله سمعتُ أنه أعادها إلى ورثته بعد أن مات صاحبُها، إنسان تقول له: أشكوك إلى الله عزوجل، الله كبيرٌ، و اللهِ كلمة " الله كبيرٌ " لا يُشبَع منها، فإيَّاك أن تظلم، و إياك أن تتكبَّر و إياك أن تستهين بحقوق الآخرين، و اللهُ عزوجل، قبل يومين محلٌّ في بعض أحياء دمشق هو " سوبر ماركت " و صاحب المحلِّ في انحراف شديد يرتكب الفاحشة في المحلِّ نفسه، أما المشكلة أنه يكتب " نحن في الصلاة " يرتكب الفاحشة و يكتب لوحةً " نحن في الصلاة " في المحلِّ نفسه، و المحلُّ من حوالي شهرين احترق عن آخره و لم يستطع أن يتَّهم أحدا، لم يبقَ فيه شيءٌ إطلاقًا، حدَّثني جارُه، أعاد كسوتَه و أعاد تزيينه و أعاد البضاعة، فاحترق مرَّة ثانية، فمن هو الأحمق ؟ الذي يتجاهل عظمةَ الله و يتجاهل عدلَه و يتجاهل أنه يراقبه، كل شيء في كتاب مبين، قال تعالى:

 

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾

 

[سورة إبراهيم]

 دائما يجب أن نضيف إلى الدنيا الآخرة "، إذا الإنسان قوي و مستعلٍ و مستكبر يجب أن تضيف آخرتَه إلى دنياه، و تصحُّ المعادلة، أما الموازنة بالدنيا وحدها مشكلة، أما أضِف الآخرة إلى الدنيا تشعر أنك في آمانٍ و في معادلة صحيحة.
 و الحديث الشريف، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ))

[رواه الترمذي]

 النبيُّ عدَّ الغنَى المطغِي مصيبةً، غنى مطغٍ، أي غنًى حملك على الطغيان و غنى حملك على الانحراف و غنى حملك على المعصية، قال: غنى مطغيا، أو فقرا منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفنِّدا، قال تعالى:

 

﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)﴾

 

[سورة النحل]

 أو موتا مجهزا أو الدجال.
 هذا أول محور محور الإكثار من التفكُّر في الموت، و اللهِ أيها الإخوة ما وجدتُ أعقلَ و لا أذكى ممَّن يعِدُّ لهذه الساعة التي لا بدَّ منها، التفكُّر في الموت لا يعيق عملَك، خذْ أعلى شهادة و أسِّس مشروعا، مرة شاهدت مطارا بشيغاغو شريطا يتحرَّك و له حاجزان، إذا الإنسان ركب على هذا الشريط يمشي و الحاجز يمنعه أن ينحرف، هذا هو تفكُّر الموت، ممكن أن تتزوَّج و تعمل مشروعا و تؤسِّس و تدرس و تحقِّق كلَّ أهدافك و لكن وفقَ منهج الله و دون أن تقف في هذا الطريق، هناك موتٌ يمنعك أن تقف و يمنعك أن تنزلق، و هذه وصيةُ النبيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((أَكْثِرُوا ذِكْرَ هادم اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ))

[رواه الترمذي]

 و الموتُ ليس له سنٌّ معيَّن، يقول لك: أنا مطوِّل، و اللهِ أنا كنت أعمل في التدريس، وهناك مديرُ ثانوية زرتُه مرَّةً، قال لي: أنا ضاقت نفسي و شكا لي همومَه، و هو متضايقٌ كثيرا، و كان عندنا شيءٌ في الشام يُسمَّى " الإعارة إلى بعض الأقطار العربية " و كانت الجزائرُ بعد الاستقلال تطلب مدرِّسين، فقال لي: أنا أريد أن أذهب إلى الجزائر أبقى فيها خمس سنوات هكذا واللهِ قال، قال لي لا أريد أن أنزل الشام قلتُ لماذا ؟ قال لي، يريد أن يقضي الصيفية في فرنسا و صيفية في إسبانيا و صيفية في إنجلترا و صيفية في إيطاليا، قال لي: أتمنى أن أرى متاحفها و ريفها و أرى معارضها و أرى مسارحها و أرى حياتها و أرجع إلى الشام بعد خمس سنوات أفتح محلاًّ للتحف، ليس له إشكالات مع التموين، تحف، أعمل هذا المحلَّ ندوة لأولادي، أنا لي أصدقاء يزورونني، أنا أمشي معهم...، و بعدئذٍ أتقاعد، لما انتهي من تأسيس المحل و ينجح المحلُّ أنهيت إعارة خمس سنوات أتقاعد، ساعتها أعمل هذا المحلَّ ندوة أنا و أصدقائي و أولادي في المحلِّ، حسبتُ لا بدَّ له من عشرين سنة، و اللهِ الذي لا إله إلا هو القصة مشهورة، أنا خرجت من عنده و قد ضيَّفني كأسا من الشاي، و ذهبتُ إلى الغداء و كانة عندي ساعات تدريس مساءً، خرجت من بيتي مشيا من باب الرياضة من طريق الصالحية و إذ نعيه في نفس اليوم، و اللهِ في اليوم نفسه و اللهِ و ليس ثاني يوم، و أنا في حياتي هناك حالات كثيرة جدا إنسان يعيش ثلاثين سنة بآماله، و النبيُّ رسم مستطيلا في الرمل، و رسم خطًّا خارجا من المستطيل إلى مسافات طويلة، قال: هذا أجل الإنسان و هذا أملُه، فإذا الإنسان هيَّأ نفسه للقاء الله عزوجل يعيش في راحة، يا ربي أن هيَّات إجابات عن كلِّ شيء، فهذا الذي أتمنى أن يجعل الإنسانُ إذا كانت نفسُه عنيدة ذات رعونة تدعوه إلى الدنيا و إلى الانغماس فيها على حساب علاقته بالله عزوجل، ليس عنده إلا الموت، و هذا الموت مكبح، و رادعٌ كبير، و الإنسان بحاجة إلى التفكُّر في الموت مع إقبال الدنيا أكثر مع إدبار الدنيا، إذا أقبلت عليه هو بحاجة إلى الموت، و الموتُ ينهي كلَّ شيء، مرة كنتُ في حلب، هناك حيٌّ في حلب اسمُه حي الشَّهباء، هذا الحي حي المالكي عندنا في الشام يظهر أكواخا أمامه، طبعا صناعيين كبار في حلب و مؤسِّسين و كلهم مهندسين جاءوا بهم من خارج القطر فالنتيجة أني شاهدتُ بناءً على النمط الصيني، و القصة من سنة أربعة و سبعين، هذا البناء كلَّف خمسة وثلاثين مليون، و الدولار كان بثلاث ليرات، فيه رخام " أونيكس " بخمس ملايين، شيء فوق التصوُّر، أنا رأيته من الخارج ولنا مضيف في حلب و بِتنا عنده و قال لنا: سأوريكم أحياء حلب، فهذا صاحب البناء عمره اثنان و أربعون سنة مات فجأةً، كان طويلَ القامة وضعوه في قبر فكان القبر قصيرا قليلا فجاء الحفَّارُ دفعه من صدره فالتوى رأسُه هكذا، و اللهِ منظر لا يُنسى، لأنه صاحب هذا البيت، البطولة أن تعدَّ لهذه الساعة عدَّتها، الموت قطرة، و الموت ينهي غنى الغني و ينهي فقر الفقير و ينهي قوةَ القوي و ينهي ضعف الضعيف و ينهي وسامة الوسيم و ينهي دمامة الدميم و ينهي صحَّة الصحيح و ينهي مرض المريض، كلُّ شيء منهي، حالة واحدة الذكاء و العقل و النجاح و التفوُّق أن أنجوَ في هذه اللحظة أن أضحك وحدي، و كلّ من حولي يبكي، و إن كان موضوع الموت من الناس من يتشاءم منه و لكن هذا التشاؤم غير صحيح، هذا واقع، ما من حدثٍ في حياتنا أشدُّ واقعيةً من الموت، و الموتُ نهاية كلِّ شيء، و بدأ الحياة الجديدة، قال تعالى:

 

﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)﴾

 

[سورة الفجر]

 فالمؤمن، يقول سيدُنا علي - له كلمتان و صلت إلى الأعماق - يقول: و اللهِ لو كُشِف الغطاءُ ما ازددتُ يقينا "الإنسان يعيش في أوهام و في أقنعة مزيَّفة، عند الموت قال تعالى:

 

﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾

 

[سورة ق]

 إخواننا الكرام ؛ الذي رآه الأنبياءُ في حياتهم يراه الكافرُ عند الموت،قال تعالى:

 

﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾

 

[سورة ق]

 ما هي البطولة ؟ أن ترى هذه الرؤية و أنت حيٌّ، و أنت معافى، و أنت في بيتك و أنت في أولادك و أنت مع زوجتك، أن ترى هذه الرؤية قال: و اللهِ لو كُشِف الغطاءُ ما ازددت يقينا، أما النصُّ الآخر: و اللهِ لو علمتُ أن غدًا أجلي ما قدرتُ أن أزيد في عملي"، العدَّاد مغلَق على المائتين و الأربعين، أسرع، ليس هناك مجالٌ، لو علمت أن غدا اجلي ما قدرت أن أزيد في عملي، لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.
 بطولة المؤمن أن يكون يقثينُه قبل كشف الغطاء كيقينه بعد كشف الغطاء و بعد ذلك نصُّ سيدنا عمر بن عبد العزيز: الليل و النهار يعملان فيك انظُر إلى صورتك قبل عشرين يوما، قبل أربعين سنة، و أنظر إليها الآن، هناك فرق كبير، هذا فعل الزمن، فعل الليل و النهار، الليل و النهار يعملان فيك فاعمل فيهما، و ابدأ على عمل الليل و النهار فينا بالعمل الصالح، صار إنفاق الوقت استثماريا، ذاهب إلى المركز، ليس في المركز شيء إلا رضوان الله عز وجل، و لا توجد مصلحة مادية، و لا يوجد مكسبٌ دنيوي، لكن هناك طاعة لله، هناك طلب للعلم، هناك لقاء مع المؤمنين، هناك روحٌ جماعية، كل عمل صالح تنقطع منافعُه للدنيا هو للآخرة، فالإنسانُ حينما يعمل عملا صالحًا يرقى عند الله عزوجل، قال تعالى:

 

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)﴾

 

[سورة الكهف]

تحميل النص

إخفاء الصور