وضع داكن
19-04-2024
Logo
رحلة أمريكا 2 - المحاضرة : 01 - الأخلاق - اذاعة ديترويت
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أعزائي المستمعين والمستمعات أهلاً وسهلاً بكم مع برنامجكم الأسبوعي ونستضيف الآن الأستاذ محمد راتب النابلسي، الذي يتصل بنا من واشنطون د. س، الأستاذ محمد راتب النابلسي الأستاذ المعروف أستاذ محاضر في جامعة دمشق كلية التربية والتعليم وله مؤلفات عديدة ومدير معهد النابلسي الشرعي في دمشق وله أفضال كبيرة في مجال التعليم والتربية وحديثنا اليوم سيكون حول موضوع من أهم المواضيع التي طرحها وهو موضوع الأخلاق.
 نعتذر عن التأخير أولاً، لكن موضوع الأخلاق الذي أصبح من الأهمية بحيث كتبت عنه عدة مؤلفات وخاصة نحن في منعطف القرن الواحد والعشرين وفي نهاية القرن الواحد والعشرين، أصبح هذا الموضوع من الأهمية بحيث كتبت عدة كتب في هذا الموضوع كما ذكرنا وأصبحت النظرة قد تكون تشاؤمية لأن القرن الواحد والعشرين قد يكون محور أساسي في التغيير الجذري للإنسان وعلاقته بموضوع الأخلاق والخلق بشكل عام.
 س: السؤال الأول نحن نقول أن كل إنسان يتمنى أن يكون أخلاقياً ولكن يجب أن نعرف أن الشهوات والإغراءات التي تتحرك في داخل الإنسان وخارجه ما هي بالأمر السهل، كيف الإنسان يكون أخلاقي ويوجد عنده معارضات أو حواجز داخلية من الداخل، وخارجية من الخارج؟
 ج: دكتور عماد قبل أن نبدأ بالإجابة عن هذا السؤال أريد أن أضع بين يدي الأخوة المستمعين بعض الحقائق المتعلقة بالأخلاق، أولاً لقد أوضع الله في مدارك الأفكار، وفي مشاعر الوجدان ما تدرك به فضائل الأخلاق، الأخلاق فطرية وهذا يجعل الناس يشعرون بقبح العمل القبيح وينفرون منه، ويشعرون بحسن العمل الحسن ويرتاحون إليه، لذلك هم يمدحون بفطرتهم فاعل الخير ويذمون فاعل الشر، أي أن الحس الأخلاقي موجود في الضمائر البشرية لذلك لدى الإنسان بصيرةٌ يحاسب بها نفسه محاسبةً أخلاقية على أعماله ومقاصده ولو حاول بالجدل اللساني الدفاع عن نفسه وإلقاء معاذيره على غيره. يروي التاريخ العربي أن فارساً يقطع الصحراء فرأى رجلاً ينتعل رمال الصحراء المحرقة دعاه إلى ركوب الخيل فما إن اعتلى هذا الإنسان ظهر الخيل حتى دفع صاحبها وألقاه أرضاً وعدا بالفرس لا يلوي على شيء، قال له صاحب الفرس: يا هذا لقد وهبت لك الفرس ولن أسأل عنه بعد اليوم ولكن إياك أن يشيع هذا الخبر في الصحراء فتذهب المروءة منها وبذهاب المروءة منها يذهب أجمل ما فيها.
 يعني الحياة لا تعاش من دون أخلاق، لا تعاش من دون قيم، إن أجمل ما في الحياة هذه القيم الرفيعة التي يتحلى بها الإنسان، والآن إلى الإجابة عن سؤالكم الكريم.
 في الإنسان جانب مادي هو جسم يحتاج إلى الطعام والشراب، وفي الإنسان جانب نفسي يحتاج إلى التقدير والحب، وفي الإنسان جانب عقلي يحتاج إلى العلم، الإنسان جسم يأكل وعقل يدرك وقلب يحب فكلما تعاملنا مع هذه الجوانب الثلاثة كنا في حالةٍ طيبة صحيحة، أما إذا اخترنا جانباً من جوانبه وتعاملنا مع هذا الجانب على أنه هو الإنسان فهذا هو الخطأ الفادح الذي وقع به هذا العصر، ليس الإنسان جسماً يأكل فقط، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، الإنسان جسم يأكل وعقل يدرك وقلب يحب.
 أما أن سؤالكم أن هذه الشهوات التي تتحرك في الإنسان قد تحول بينه وبين ما يتمنى هذه المقولة تحتاج إلى توضيح، لقد أودع في الإنسان الشهوات، حب المال، حب النساء، حب التفوق، حب البنين، هذه الشهوات حيادية يمكن أن تكون سلماً نرقى به أو دركات نهوي بها إنها قوى محركة بمثابة الوقود السائل في السيارة إذا وضع في مستودعاته المحكمة وسال في الأنابيب الدقيقة وانفجر في الوقت المناسب وفي المكان المناسب ولد حركةً نافعة، أما إذا خرج عن مساره وأصاب المركبة شرارة أحرق المركبة ومن فيها.
 الشهوة التي سألتني عنها قوة محركة أو قوة مدمرة، إنها حيادية سلم نرقى بها أو دركات نهوي بها، لذلك من أدق تعريفات الأخلاق أنها ضبط للشهوات، قال أحد الزعماء في أوربا عقب الحرب العالمية الثانية ملكنا العالم ولم نملك أنفسنا، الإنسان وضعت فيه الشهوات أعطي معها حرية الاختيار ولكن ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، فالإنسان بإمكانه أن يكون أخلاقياً من دون أن يشعر بالحرمان إذا ضبط هذه الشهوات وحركها ضمن الشهوات النظيفة التي تعد القيم المثلى في الحياة، هذه علاقة الشهوة بالأخلاق.
 س: تفضل أستاذ إبراهيم، عندي سؤال للأستاذ محمد راتب النابلسي عن الأخلاق وعن الرادع النفسي الذي تكلمت عنه، كان في قديم الزمان يقال للشخص الذي يرتكب الفاحشة أو يقوم بالأعمال الغير أخلاقية كان يقال له اتقي الله، ثم أورد إلينا لا أدري ما إذا كان المستعمر أو الأخلاق الأوربية أوردت إلينا كلمة الضمير، فأصبح يقال لذلك الشخص ألا يوجد عندك ضمير، ومنذ متى الأخلاق في هذه الدنيا منذ قدم التاريخ تترك للضمير، هناك الرادع وتقوى الله، فما هو تعليقك على ذلك في خضم ما يحدث في هذه الأيام وما يناقش من خلال وجود أو عدم وجود الضمير عند الإنسان كثيراً ما يقال أنا ضميري مريحني يا أخي ؟
 ج: والله قد تختلف الأسماء والمسمى واحد، فالإنسان حينما يسلك الطريق الصحيح، عندما يقف الموقف الكامل، حينما يعطي كل ذي حق حقه، حينما يتواضع، حينما يكون كريماً، حينما يكون موضوعياً حينما يكيل بمكيال واحد، حينما ينصف، حينما يعامل الآخرين برحمة هو في هذا يستجيب لفطرته السليمة التي فطر عليها ؛ يستجيب لمنهج الله الذي أمر به ؛ يستجيب للراحة النفسية التي ينعم بها، فإن شئت أن تسمي هذا ضميراً أو إن شئت أن تسمي هذا وازعاً داخلياً دينياً، أو إن شئت أن تسميه وازعاً أخلاقياً قد تختلف الأسماء والمسمى واحد، الإنسان فطر فطرةً كاملة يحب مكارم الأخلاق ولو لم يكن أخلاقياً، أن تحب الأخلاق شيء وأن تكون أخلاقياً شيء آخر، الإنسان مفطور فطرةً سليمة على أن يكون أخلاقياً، فإما أن تكون إرادته قوية فيكون أخلاقياً وإما أن تضعف إرادته وتغلبه شهوته فيسقط، أما أن تسمي هذا ضميراً، أو وازعاً، أو هدفاً، أو مسلكاً للراحة النفسية هذه أسماء تعددت والمؤدى واحد، بل إن العكس أن الكآبة أو الشعور بالذنب أو الشعور بالنقص أو وخز الضمير أو تعذيب الضمير أيضاً أسماء لمسمى واحد وهو خروج الإنسان عن فطرته كما تكلمت قبل قليل أن الفطرة جبلت على حب الكمال وأن الإنسان مفطور أصلاً على معرفة الخطأ من الصواب من دون معلم، إلا أن هناك حالات خاصة حينما تنطمس هذه الفطرة في نفس الإنسان عندئذ قد يرتاح للخطأ نقول هذه حالة مرضية وليست سوية وهذه الحالة لا يقاس عليها.
 س: أستاذ راتب الموضوع الذي ذكرته موضوع الشهوات أو اللذائذ كما تفضلت يعتقد البعض أن السعادة في تحصيل هذه اللذائذ هي هذه المعرفة أو هذه المعنى للسعادة هل يمكن توضيح الفرق ما بين اللذة والسعادة، هل هما نقطة واحدة أو وجهان لعملة واحدة ؟
 ج: في الإنسان طبع وفيه فطرة، الطبع في الأعم الأغلب مرتبط بجسده وبشهوات الجسد ومطالب الجسد وميول الجسد ونوازع الجسد، والفطرة مرتبطة في الأعم الأغلب بنفسه، بقيمها، بمبادئها، طموحاتها سعادتها.
 الكمال البشري يتناقض مع الطبع، يتوافق مع الفطرة بالضبط، فالجسد يميل إلى الراحة إلى الاسترخاء إلى التمتع بمتع الحياة رخيصها وثمينها على اختلاف أنواعها، وهذا يقتضي أن يأخذ لا أن يعطي، أن يستهلك جهد الآخرين لا أن يبذل الجهد لهم، أن ينام لا أن ينهض وقد يقتضي الخلق الكريم أن يدع الراحة والاسترخاء وأن يبتعد عن المتع التي لا تحل له، وأن يعطي من وقته وجهده وماله الآخرين، وأن يتجافى جنبه عن المضاجع، عندئذ ترتاح نفسه، يتعب جسمه وترتاح نفسه، جسده مجبول على قبض المال، نفسه ترتاح لإنفاق المال جسده مجبول على الاسترخاء والراحة واستهلاك جهد الآخرين بينما نفسه تطوق إلى خدمة الآخرين وإلى إسعاد الآخرين.
 س: خالد دياب، سؤالنا للشيخ راتب، ممكن أن تبين لي أثر المجتمع وكم يشكل في مساعدة الفرد على موضوع الأخلاق والتمسك بها إلى آخره ؟
 ج: أخي الكريم لاشك أن للبيئة أثراً واضحاً بيناً في سلوك الإنسان هذا شيء واضح، ولكن حينما نجعل من الإنسان شيئاً منفعلاً دائماً.

تحميل النص

إخفاء الصور