وضع داكن
18-04-2024
Logo
رحلة أمريكا 1 - المحاضرة : 07 - صفة المصلين من خلال القرآن والسنة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الأكارم:
 في المنطق القاعدة هي أن الصفة قيد، ما معنى ذلك ؟ لو قلنا كلمة إنسان هذه الكلمة تشمل خمسة آلاف مليون، لو أضفنا إلى كلمة إنسان صفة قلنا إنسان مسلم قلت الدائرة من خمسة آلاف مليون إلى مليار واحد، لو أضفنا إلى هذه الكلمة إنسان مسلم عربي لأصبحت مئتان مليون، لو أضفنا إلى هذه الكلمة قيداً رابعاً، إنسان مسلم عربي مثقف خمسين مليون، لو أضفنا إلى هذه الكلمة صفة سابعة إنسان مسلم عربي مثقف طبيب لعل مئتان ألف، لو أضفنا إلى هذه الكلمة قيد تاسع إنسان مسلم عربي مثقف طبيب قلب خمس آلاف فرضاً، لو أضفنا جراح قلب، لو أضفنا مقيم في مكان معين أصبحوا اثنين، من خمسة آلاف إلى اثنين، كلما أضفت صفة ضاقت الدائرة، هذا تمهيد لآية دقيقة يقول الله عز وجل:

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾

( سورة المعارج )

 الهلع صفة في خلقه، ليس محاسب عليه، هاتان الصفتان التي هما في أصل خلق الإنسان ولا يحاسب عليهما، إنهما لصالحه لأنه بالهلع يلجأ إلى الله وبالحرص يرقى بإنفاق المال إلى الله، لو أنك لا تحب المال لما ارتقيت في إنفاقه، حريص على المال، وصار الإنفاق مناقض لطبعك، لأن هناك تناقض بين حبك للمال وبين إنفاقك له ترقى عند الله لأنك تخاف خوفاً شديداً تلجأ إلى باب الله، يدفعك الله إلى بابه عن طريق هذه الجبلة، الجزع وهذا الجزع ضعف في أصل الخلق لكنه لصالحك.
 والله أيها الأخوة لولا هذه الصفة، الجزع، لما وصل الإنسان إلى الله الإنسان ضعيف ولأنه ضعيف يفتقر إلى الله، يبحث عن ملجأ، عن ملاذ، عن ركن، وبهذه الطريقة يسعد، ضعيف يفتقر بضعفه إلى الله فيسعد بافتقاره، لو أنه قوي لاستغنى بقوته وشقي باستغنائه، لو لم يكن حريصاً لما كان لإنفاقه من معنى، ينفق مئات الألوف ولا يشعر بشيء كما لو أمسكت حفنة من تراب وأعطيتها لإنسان لا قيمة لها عندك، لا تعني شيئاً، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

 

( سورة المعارج )

 يوجد استثناء، المصلي يستثنى من الجزع لأنه استعان بالله ولجأ إليه وأوى إلى ركنه، واحتمى بحماه، واستعاذ به.
قد نجد طفلاً صغيراً، هل يجوز أن تعطي طفلاً زكاة مالك ؟
 هذا الطفل إذا كان ابن لغني، فهو غني بغنى أبويه، والمؤمن ضعيف لكنه قوي بالله، والمؤمن جاهل لكنه عالم بعلم الله، والمؤمن حكيم بحكمة الله، أنت إذا لجأت إلى القوي أصبحت قوياً، وإذا لجأت إلى القوي أصبحت قوياً.
 يا رب كيف نضام في سلطانك، وكيف نزيد في عزك، وكيف نفتقر في غناك ؟
 ليس هنا المقصود، المقصود إلا المصلين هؤلاء اتصلوا بالله عز وجل فكان افتقارهم إليه سبب غناهم، وكان تذللهم بين يديه سبب عزهم قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)﴾

 

(سورة المعارج )

 الآن دقق لو أن الله عز وجل قال إلا المصلين وانتهى الأمر، أي إنسان صلى انتهى الأمر، إلا المصلين تشمل كل مصلي العالم الإسلامي، الذين هم على صلاتهم دائمون هذه أول صفة قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)﴾

 

﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)﴾

(سورة المعارج )

 فالبطولة لا أن تكون مصلياً فقط، أن تكون مصلياً وتنطبق عليك كل صفات المصلين لذلك ورد في الحديث القدسي:

 

(( ليس كل مصلي يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصية، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وأوى الغريب، كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه أضوء عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا، يدعوني فألبيه ويسألني فأعطيه، يقسم علي فأبره، أكلأه بقربي واستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها. ))

 

 هذا الحديث القدسي جمع أركان الدين.

((ليس كل مصلي يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي))

قالوا: الأرض تدور حول الشمس بمسار إهليلجي ويوجد قطر أعظمي وقطر أصغري إذا وصلت الأرض إلى القطب الأصغري تزيد من سرعتها، لأن الجاذبية تتأثر بالمسافة بين كتلتين فإذا قلت انجذبت الصغرى إلى الكبرى، لذلك لابد أن تزيد الأرض من سرعتها عند القطر الأصغري لينشأ من هذه السرعة الزائدة قوة نابذة تكافئ الجاذبية، فإذا وصلت الأرض إلى القطر الأعظمي وبقيت على سرعتها العالية تفلتت من جاذبية الشمس لذلك لابد من أن تقلل من سرعتها لتبقى مرتبطة بالشمس، إلا أن الذي يلفت النظر أن التسارع بطيء والتباطؤ بطيء، لو أن التسارع سريع لانهدم كل ما على الأرض، لو أن التباطؤ سريع لانهدم كل ما على الأرض لكن التسارع بطيء والتباطؤ بطيء، هذا من تدبير العلي الحكيم، فرضاً لو أن الأرض بقيت على سرعتها العالية وتفلتت من جاذبية الشمس كيف نرجعها إلى الأرض ؟
 قال: نحتاج إلى مليون مليون كبل من الفولاذ، وتعلمون أن أمتن عنصر في الأرض هو الفولاذ المضفور، في المصاعد فولاذ مضفور التلفريت، فولاذ مضفور أمتن عنصر، نحتاج إلى مليون مليون كبل وقطر كل كبل خمسة أمتار، وكل كبل يقاوم قوى شد مليونين طن، الحقيقة أن الأرض مربوطة بقوى شد تساوي مليونين ضرب مليون مليون، كل هذه القوة الهائلة من أجل أن تحرفها ثلاثة ملم في الثانية، إذا حرفت هذه الجاذبية، جاذبية الشمس الأرض ثلاثة ملم كل ثانية تبقى الأرض في مسار مغلق حوال الشمس، أما هنا ترفع من سرعتها وهنا تبطئ، والرفع بطيء والتباطؤ بطيء.
 قال: إذا أردنا أن نزرع هذه الحبال على سطح الأرض المقابل للشمس نفاجئ أنه بين كل حبلين مسافة حبل واحد، نحن أمام غابة من الحبال هذه الغابة منعت عنها أشعة الشمس، منعت زراعة الأرض، منعت إنشاء الأبنية، تعطلت الحياة، الآن دقق في قوله تعالى:

﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾

( سورة الرعد )

 معنى ذلك أنه رفعها بعمد لا ترونها، هذه قوى التجاذب شيء مذهل، هل تستطيع أن تأتي بقطعتي مغناطيس متساويتين و أن تضع بينهما كرة
 فولاذية بحيث لا تنجذب لا إلى هنا و لا إلى هنا، فوق طاقة البشر، لو تحركت واحد بالألف بالميلي لجذبت إلى إحدى الكتلتين، لو وضعنا هذه الكرة بين ثلاث كتل أصعب، بين أربع كتل أصعب و أصعب، بين أربع كتل مختلفة في الحجم تريد حسابات و لغارتم، بين كتل متحركة في الهواء، هذا هو الكون، الكون كتل متفاوتة في أحجامها و قوة جذبها و مسافاتها و متحركة هذا اسمه توازن الحركة لذلك إنما أتقبل الصلاة من تواضع لعظمتي، ما لم تفكر في خلق السماوات و الأرض كيف تعرف عظمة الله عز وجل ؟ ممن تواضع لعظمتي، فالأرض مربوطة بالشمس بقوة جذب تساوي مليون مليون ضرب مليونين، هذه القوة الهائلة من أجل أن تحرفها ثلاثة ميلي في الثانية لتبقى في مسار حول الشمس و من أدق الآيات في هذا الموضوع قال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41)﴾

 

( سورة فاطر )

 معنى الزوال هنا الانحراف، وقت الظهيرة وقت الزوال، حينما تنحرف الشمس عن كبد السماء يدخل وقت الظهر، و الزوال بمعنى الفناء، فالأرض إذا انحرفت عن مسارها حول الشمس فدخلت في الشمس تبخرت في ثانية واحدة، و إذا خرجت عن مسارها حول الشمس مات كل ما عليها برداً، تصل لدرجة مئتان و سبعين تحت الصفر، هذا صفر مطلق تتلاشى فيه المادة، فإذا زالت زالت، أي الله أعطى معنيين لكلمة واحدة، فإذا زالت عن مسارها زالت قال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41)﴾

 

(سورة فاطر )

((إنما أتقبل الصلاة لمن تواضع لعظمتي.))

 إخوانا الكرام:
 يجب أن نفهم القرآن فهماً دقيقاً قال تعالى إنما و إنما أداة قصر و حصر قال:

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾

( سورة فاطر )

 إنما أداة قصر، إنما أداة حصر، العلماء وحدهم ولا أحد سواهم يخشى الله، لذلك إنما أتقبل الصلاة لمن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي، ضبط، ما قيمة العقيدة السليمة إن لم يكن معها انضباط ؟
 أنت بحاجة إلى أشعة الشمس، قل إنها ساطعة وأنا مؤمن أنها ساطعة ولن تعرض نفسك إلى أشعتها، أحدهم معه مرض جلدي وعلاجه أشعة الشمس فإذا قال أنا مؤمن أن هناك الشمس ساطعة ما قيمة هذا الإيمان ؟
 لا قيمة له إطلاقاً ما لم تتحرك، ما لم تأخذ موقف، ما لم تعطي لله، ما لم تمنع لله، ما لم تصل لله، ما لم تقطع لله، تغضب لله، ترضى لله، ما لم تتخذ موقف.
 أما الإيمان السكوني لا قيمة له أبداً، نحن نريد إيمان متحرك، قالوا: القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، كان خلقه القرآن.
 أنت عندك شعور إسلامي، وعندك عقيدة، ما لم تتحرك والدليل قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)﴾

 

(سورة الكهف )

 هذا قرآن، إن أردت أن تلقى الله عز وجل تلقاه بالصلاة، تلقاه معك، تلقاه مؤيدك، تلقاه ناصرك، تلقاه موفقك، من يعمل عملاً صالحاً ولا يشرك، قلت قبل ساعة في لقاء مع بعض الأخوة الكرام: زوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعده للمؤمنين، قال تعالى:

 

﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾

 

( سورة غافر )

 هذا كلام خالق الكون، كن مؤمناً كما يريد والنصر جاهز، قال تعالى:

 

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

 

( سورة الصافات )

((إنما أتقبل الصلاة لمن تواضع لعظمتي))

 لابد من التفكر، التفكر في خلق السموات والأرض أعلى أنواع العبادات، لأن ليلة القدر خير من ألف شهر، والألف شهر ثمانون عام عبادة، ثمانون سنة صلاة، وثمانون سنة صوم، وثمانون سنة حج، إذا فكرت في خلق السموات والأرض وعرفت عظمة الله وخشع قلبك له هذه الليلة هي المجدية لذلك ثلث آيات القرآن آيات كونية، إن لم تتفكر فيها عطلت هذه الآيات، إنما أتقبل الصلاة لمن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي عملية ضبط، قلت لكم البارحة أنه يوجد شهوات لابد من ضبطها هي قوى محركة ترقى بها إلى الله مرتين، ترقى بها صابراً وترقى بها إلى الله شاكراً، لو أنك نظرت إلى امرأة تحل لك ترقى إلى الله شاكراً، لو أنك نظرت إلى امرأة لا تحل لك تنحرف عن الله عز وجل.
 إذاً الشهوة قوى محركة.

((... كف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي... ))

 لو أنه زلت قدمه استغفر سريعاً وأناب، نحن في بحبوحة أيها الأخوة وهذا كلام دقيق قال تعالى:

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

 

( سورة الأنفال )

 والنبي بين ظهرانيهم والآية واضحة، أما حينما يقبض النبي عليه الصلاة والسلام ما معنى هذه الآية، معنى هذه الآية ما كان الله ليعذبهم وسنتك يا محمد فيهم مطبقة، في بيوتهم يطبقون سنة النبي، في أعمالهم في تجارتهم، في أفراحهم، في أحزانهم، في سفرهم، في إقامتهم، في علاقاتهم الاجتماعية، ما دامت سنة النبي مطبقة في حياتنا نحن في بحبوحة من عذاب الله قال تعالى:

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

 

( سورة الأنفال )

 نحن في بحبوحتين، بحبوحة إتباع سنة النبي وبحبوحة الاستغفار.

 

((... إنما أتقبل الصلاة لمن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي... ))

 

(( سيدنا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام قال: ماذا ينجي العبد من النار ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إيمان بالله قال: يا رسول الله أمع الإيمان عمل ؟ قال: أن تعطي مما رزقك الله، قال: فإن لم يجد ما يعطي، فقال عليه الصلاة والسلام فليأمر بالمعروف ولينهى عن المنكر، فقال: فإن كان لا يستطيع ؟ قال: فليعن الأخرق، قال: فإن كان لا يحسن أذاه عن الناس، قال: أوإن فعل هذا دخل الجنة فقال عليه الصلاة والسلام: ما من عبد مسلم يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة ))

 معنى ذلك الإنسان حركي فإذا كف أذاه عن الناس اتصل بالله، بادر إلى عمل صالح.
 دائماً العمل الصالح يجر إلى عمل صالح آخر، أردنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله، الإنسان يطبق عليه مبداً العطالة، هذا مبدأ في الفيزياء الأجسام المتحركة ترفض السكون، والساكنة ترفض الحركة الإنسان يحب أن يستمر فإذا كان مرتاحاً يحب أن يبقى مرتاح، وإذا كان متحركاً يحب أن يبقى متحرك.

 

((...فقال عليه الصلاة والسلام: ما من عبد مسلم يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة ))

 إذا إنسان كف أذاه عن الناس يعين الأخرق، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وينفق مما أعطاه الله عز وجل، الآن هناك نقطتان دقيقتان

 

 

((...وعزتي وجلالي إن نور وجهه أضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما... ))

 الجهالة يعني اللؤم، البخل الاستعلاء، الكبر، كل الصفات المذمومة، تسمى جهالة.

 

 

ألا لا يجهلن أحد علينا  فنجهل فوق جهل الجاهلينا
***

 وسميت الفترة قبل الإسلام جاهلية بما فيها من شرب للخمر وغزو واعتداء وأكل للربا...

 

 

((... على أن أجعل الجهالة له حلما... ))

 والحلم سيد الأخلاق، ما لم يحدث تبدل جذري في أخلاقك فأنت لم تقطف ثمار الدين، اللؤم كرم، الخور شجاعة، الظلم عدل، القسوة رحمة.

 

 

((...والظلمة نوراً... ))

 معنى ذلك الاتصال بالله الحقيقي يكسب رؤيا صحيحة، ويكسب خلقاً قويماً، وهذه ثمار الصلاة، قال النبي الكريم:

 

 

(( عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ أَوْ تَمْلأ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ))

 الصلاة طهور، الصلاة حبور أي سعادة.

 

 

((...على أن أجعل له الجهالة حلماً والظلمة نوراً يدعوني فألبيه ويسألني فأعطيه ويقسم علي فأبره، أكلأه بقربي واستحفظه ملائكتي مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها... ))

 أنا أتصور منهج الله عشرة آلاف بند، الصلاة بند والصوم بند والحج بند أما المسلمين ضغطوا الدين إلى هذه العبادات فقط وكان الدين في واد وحياتهم في واد آخر، ما قطفوا ثماره، لابد من أن هذا الدين أن نحوطه من كل جوانبه، أن نطبقه في بيوتنا، في احتفالاتنا، في أفراحنا في زواجنا، في علاقاتنا الاجتماعية، في كسبنا للمال.
 إنسان ارتكب معصية في عهد رسول الله بعد وفاة النبي، بلغ السيدة عائشة فقالت لبعض من حولها: قولوا له إنه أبطل جهاده مع رسول الله.
 يوجد الآن ازدواجية، الإنسان كأنه يخادع الله، يصلي ليخدع الله ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا.
 إذا إنسان غش المسلمين، أو غش المخلوقات كلها، إذا غش، إذا لم ينصح، إذا احتال، يعني كلمة لا تعدوها قاسية ليضع صلاته في الحاوية، ليضع عباداته في الحاوية إذا لم يكن منضبط بمنهج الله عز وجل، ذكرت البارحة أن في الإسلام عبادات تعاملية وعبادات شعائرية العبادات الشعائرية هي مناسبة لقطف ثمار العبادات التعاملية، الأصل أن تكون صادقاً، أن تكون أميناً، أن تكون منصفاً، أن تكون عادلاً، أن تكون صادقاً، إن كنت كذلك صار الطريق إلى الله سالكاً، تقف في الصلاة فيخشع قلبك، الذي لا يملك هذا الإحساس يكون مقطوع أم موصول ؟ لك أن تصلي وأن تقف وأن تركع وأن تسجد، لكن هل اتصلت بالله، هل شعرت أنك موصول بالله عز وجل ؟
 يحتاج إلى التزام خارج المسجد، في العمل، في البيت، إن فعلت هذا وجدت نفسك مع الله، أنا أقول لكم كلمة: يمكن أن تخدع الناس لبعض الوقت كله، أو أن تخدع بعضهم لكل الوقت، أما أن تخدعهم جميعاً لكل الوقت هذا مستحيل لأن الله لابد من أن يكشف حقيقة كل إنسان.
 هناك درس مهم جداً أنا استشرت بعض الأخوة الكرام لأن الحضور غداً أقوى من هذا الحضور فالدرس متعلق بمنهج التلقي، هذا أهم موضوعات العقيدة، نحن أمام ركام كبير من المقولات في الدين، كيف السبيل إلى معرفة دقائقه ؟ كيف نقبل وكيف نرفض ؟ هذا هو منهج التلقي، إن شاء الله أعالج هذا الموضوع غداً وإلى الإجابة عن بعض الأسئلة.
 س: سمعنا منكم اليوم قصة سيدنا عمر مع ملك الغساسنة يمكن أن تتكلم لنا عن بعضها ؟
 ج: سيدنا عمر جاءه ملك الغساني اسمه جبلة بن الأيهم هذا الملك جاء مسلماً طبعاً رحب به عمر أشد الترحيب، يطوف حول الكعبة بدوي من فزارة داس طرف ردائه فانخلع عن كتفه الرداء، ما كان من هذا الملك إلا أن التفت إلى هذا الفزاري وضربه ضربةً هشمت أنفه، هذا البدوي من فزارة شكاه إلى عمر، استدعاه عمر، هذه القصة خطيرة جداً، سيدنا عمر ضحى بملك من أجل مبدأ، طبعاً أحد الشعراء صاغ هذا الحوار شعراً.

 

 

قال أصحيح ما ادعى  هذا الفزاري الجريح
قال لست ممن يكتم سراً  أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي
قال له أرضي الفتى لابد من  إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه
أو يهشمن الآن أنفك  وتنال ما فعلته كفك
قال كيف ذاك يا أمير  هو سوقة وأنا عرش وتاج
قال كيف ترضى  أن يخر النجم أرضاً
نزوات الجاهلية ورياح العنجوهية  قد دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديداً
وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا  كان وهماً ما جرى في خلدي
إني عندك أقوى وأعز  أنا مرتد إذا أكرهتني
قال عنق المرتد  بالسيف تحز
عالم نبنيه كل صدع فيه  بشذى السيف يداوى
وأعز الناس بالعبد  بالصعلوك تساوى
***

 سيدنا عمر خرج إلى ظاهر المدينة لاستقبال سيدنا بلال، وبلال عبد، سيدنا الصديق حينما اشتراه وأعتقه وضع يده تحت إبطه وقال هذا أخي حقاً، فقال له صفوان: والله لو دفعت به درهماً لبعتك هو، فقال له: لو طلبت به مائة ألف لأعطيتك.
 الإسلام لا يوجد فيه تمييز إطلاقاً، لا يوجد عنصرية أبداً، سيدنا الصديق كان يحلب لجيرانه، فلما أصبح خليفة المسلمين دخل الحزن على جيرانه لأن هذا لن يستمر، في صبيحة تسلمه الخلافة طرق باب أحد الجيران قالت الأم لابنتها يا بنيتي انظري من الطارق، قالت يا أمي جاء حالب الشاة، سيدنا الصديق جاء ليحلب شياه جيرانه وهو خليفة المسلمين.
 الحقيقة الصحابة فعلوا شيء لا يصدق، هذا الإسلام الذي أصبح في الشرق والغرب سببه مواقف بطولية رائعة جداً، الله موجود هو هو، والنبي هو هو وسنته بين يدينا وكتابه بين يدينا ما علينا إلا أن نتحرك.
 س: حينما يقول الله عز وجل إن تنصروا الله ينصركم، هل هذا الخطاب للفرد أم لمجموع الأمة ؟
 ج: للفرد وللأمة، الله عز وجل غني عن أن ننصره، لكنك إذا نصرت دينه ينصرك، إن نصرت شريعته ينصرك، أحدهم دعي إلى طعام فيه خمر ماذا يقول ؟ يقول أنا يوجد معي قرحة أعتذر، لا أنا مسلم هذا أقوى، إن قلت أنا مسلم نصرت دين الله بينت شريعته، أما أنا معي قرحة ما نصرت أحداً، استحييت أن تترك هذه المعصية.
 وإذا كانت هناك ظروف صعبة جداً جداً قد تقضي على وجوده لابأس إن تكلم، أما خلاف هذا يأخذ عليه لأنه مسلم، إذا أعززت دين الله يعزك الله.
 س: ذكرتم البارحة أن أول ما يحتاجه المسلم العقيدة هل ذكرتم تفصيل ذلك، ما حدود هذه المعرفة ؟
 ج: أنا قلت هناك علم يجب أن يعلم بالضرورة، ضربت مثل المظلي، المظلي قد يجهل شكل المظلة، قد يجهل نوع قماشها، قد يجهل لونها، قد يجهل عدد الحبال، ثخن الحبال، لون الحبال، وينزل سالماً إلا إذا جهل طريقة فتح المظلة نزل ميتاً، فالعلم المتعلق بفتح المظلة بالنسبة للمظلي هذا العلم يجب أن يعلم بالضرورة.
 أما هناك فروع الدين فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الجميع يوجد أحكام تفصيلية، يوجد خلافات فقهية، يوجد علم أصول الفقه، أما أركان الإيمان والإسلام والأحكام الفقهية المتعلقة بعملك هذه علوم يجب أن تعلم بالضرورة فمن جهلها كأنه جهل فتح المظلة نزل ميتاً.
 س: ما هي واجبات المسلم في هذه البلاد، وكيف يحافظ على دينه ؟
 ج: الحقيقة الإنسان في بلده، في مجتمعات محافظة الجهد أقل من هنا، أما هنا يحتاج إلى جهد مضاعف، أحياناً تمشي مع التيار سهل، أما إذا عاكست التيار صعب جداً، فأنا أقول: الذي يبقى في هذه البلاد يحتاج إلى جهد عالي جداً وإلى تألق حتى يقاوم هذه المغريات، يوجد مغريات ويوجد تألق، فنحن هنا بحاجة إلى اجتماع.

 

 

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَلالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ ))

 

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَامِي فِيكُمْ فَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِأَصْحَابِي خَيْرًا ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْتَدِئُ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ لا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ))

 س: كيف يتفكر الإنسان بخلق السموات والأرض إذا كان ضعيفاً أو متواضعاً في إمكاناته الفكرية ؟
 ج: إذا كان هناك مدينة فيها كل شيء لمن دخلها، من بيوت إلى حدائق إلى مطاعم إلى شراب، كل شيء والعبرة أن تدخلها، أحدهم دخلها بدراجة ودخل، والثاني دخلها بأفخم سيارة ـ بشبح ـ ودخل، بعدما، هل هناك فرق بين الدراجة والشبح ؟ بعد أن دخلوها الواسطة لا قيمة لها، الصحابي الجليل لا يوجد عنده كومبيوتر، ولا يملك مركبة فضائية، ولكن وصل إلى الله عز وجل، وصل إلى كل شيء، العبرة بالإمكانات أن تصل بها إلى الله، أعرابي قال: الأقدام تدل على المسير، والماء يدل على الغدير، والبعرة تدل على البعير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟
 الكون كله واسطة، وإذا عندك معلومات ضعيفة وهذه المعلومات كافية بأن تصل بها إلى الله انتهى الأمر، عندك تعقيدات، القضية ليست في مستوى المعلومات، بل في استخدام المعلومات.

 

تحميل النص

إخفاء الصور