وضع داكن
28-03-2024
Logo
رسالة التجديد - الحلقة : 1 - أدب الاختلاف في الإسلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم علمنا ما ينفعنا، اللهم انفعنا بما علمتنا، اللهم زدنا علماً وعملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين.
 أهلاً بكم أيها الإخوة الأحبة إلى لقاء جديد في رسالة التجديد، يسعدنا أن يكونا شريكنا في ندوة اليوم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ بكلية التربية والداعية الإسلامي المعروف، أهلاً بكم.
 بدايةً عندما نتحدث عن أدب الاختلاف في الإسلام لابد أن نعرج على موضوع هام كنا قد عالجناه منذ أسابيع مع فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي جزاه الله خيراً وهو أسباب اختلاف الفقهاء.
 لماذا يختلف الفقهاء في الإسلام ؟ ولماذا اعتاد المسلم أن يسمع في المسألة الشرعية رأياً ورأيين وثلاثة وأربعة ؟ وهل هذا الاختلاف ظاهرة حضارية أم هو ظاهرةٌ تمزيقيةٌ تدل على أن هذه الشريعة منهارة ولا تستطيع أن تواجه الأحداث ؟
 في البداية دعنا الدكتور راتب نبدأ من هذه النقطة بالذات، لماذا الاختلاف في الفقه الإسلامي ؟
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 الاختلاف في الفقه الإسلامي اختلاف تنوع وغنىً وليس اختلاف تضادٍ وتناقض، ذلك أن في الإنسان ثوابت هذه الثوابت لا علاقة لها لا بمكان ولا بزمان ولا ببيئة ولا معطيات، إنها مغطاةٌ بنصوص قطعية الدلالة.
 لذلك الأمور الأساسية في الدين في عقيدته في منهجه التي تُعَدُّ قواسم مشتركة في كل إنسان هذه مغطاةٌ بنصوصٍ قطعية الدلالة أما حينما نجد نصاً في القرآن الكريم ظني الدلالة أو نجد نصاً في السنة الصحيحة ظني الدلالة.
 لو سمحت دكتور نشرح للإخوة المستمعين ما معنى ظني الدلالة ؟
 يعني أنا حينما أقول أعطي فلاناً ألفاً وخمسمئة درهم، هذا نص قطعي الدلالة لا يحتمل إلا رقماً واحداً لا يحتاج لا إلى تأويل ولا إلى تفسير ولا إلى اجتهاد وليس فيه اختلاف ولا منازعة ولا وجهات نظر، هذا النص قطعي الدلالة، عقائد الدين وهي أخطر ما في الدين والعبادات  كلها مغطاة بنصوص قطعية الدلالة.
 أما النص ظني الدلالة أو النص الاحتمالي كأن تقول أعطي فلاناً ألف درهم ونصفه، فهذه الهاء تعود على من ؟ إن أعدناها على الألف فالمبلغ ألف وخمسمئة، إن أعدناها على الدرهم فالمبلغ ألف ونصف درهم، هذه الصيغة اسمها صيغة نص ظني الدلالة أو صيغة نص احتمالي الدلالة، المتغيرات في الإنسان تبعاً لبيئته، لمعطياته، لسكناه في الريف أو في المدينة، لتطوره. المتغيرات مغطاة بنصوص ظنية الدلالة لكن الإنسان حينما يترصد بنص ظني الدلالة لضعفه في اللغة يقصد معنىً واحداً فتأتي عبارته فضفاضةً فنحتاج إلى أن نسأله ماذا تقصد بهذه العبارة ؟ أما إذا كان خالق الأكوان والنبي عليه الصلاة والسلام المعصوم في نصوصهما نص ظني الدلالة فلا بد من فهم آخر للاحتمال هنا.
 إذاً واضح كما أشرتم أن النصوص في الشريعة الإسلامية منها ما قطعي الدلالة ومنها ما هو ظني الدلالة وهذا ما يجب أن يعلمه المسلم عندما يكون نص ظني الدلالة وهذا ليس ضعفاً في منزل النص ولا ضعفاً في الناطق بالسنة المطهرة صلى الله عليه وسلم.
 والمشرع أراد كل الاحتمالات ليغطي بها كل الحالات وكل الظروف وكل المتغيرات، يعني مثلاً لو أديت إلى فقير كيس قمح وهو في المدينة ماذا يفعل به ؟ هو عبء عليه أما حينما تؤدي هذا الكيس للإنسان يعيش في الريف قدمت له مؤونة سنة بأكملها، إذاً يمكن أن تؤدى الزكاة نقداً في المدينة وعيناً في الريف. هناك أمثلة كثيرة جداً الإنسان له ظروف معينة له أوضاع معينة فالنصوص ظنية الدلالة غطت كل هذه الأوضاع والمشرع حينما كان نصه ظني الدلالة أراد كل المعاني المحتملة بخلاف ما لو أن الإنسان جاء بنص ظني الدلالة.
 نحن واضح أن الأمة عندما يكون فيها مذاهب يمكن للإنسان أن يتخير من هذه المذاهب ما يشاء بحسب ظروفه وأحواله ولكن في بعض الأحيان يتحول الاختلاف إلى شقاق ونزاع ويمزق وحدة المسلمين ويتمسك كل واحد برأيه، يعني يمكن أن نسمي هذا اللون الاختلاف المدمر، هذا الاختلاف المدمر نريد أن نضع الأخوة في جوه.
 الحقيقة أنني أعتقد أنه ما من حدث وقع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كان مقصوداً لذاته، ليقف النبي عليه الصلاة والسلام منه موقفاً كاملاً ومشرفاً، فقد نقل الحافظ السيوطي في الدر المنثور ما أخرجه ابن إسحاق من أن شاس بن قيس وكان شيخاً عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم. مر هذا الرجل على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية.
 فقال: قد اجتمع بنو قيلة بهذه البلاد والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار، فأمر فتىً شاباً معه فقال: اعمد إليهم فجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار.
 طبعاً شاس بن قيس هذا من زعماء اليهود، وهذه مكائد اليهود دائماً تتكرر في التاريخ.
 اليهود هم اليهود، وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جزعةً، وغضب الفريقان جميعاً وقالوا: قد فعلنا، السلاح السلاح، موعدكم الحرة. فخرجوا إليها وانضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار من أصحابه حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم أبعد أن هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً.
 فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم.
 الآن وأنزل الله في شأن شاس بن قيس هذا الزعيم من زعماء اليهود وما صنع قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ﴾

( سورة آل عمران: الآية 100-101 )

 لقد سمى القرآن هذا الخلاف المدمر كفراً.

 

﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(101)﴾

 

( سورة آل عمران: الآية 100-101 )

 إذاً واضح أن الاختلاف الذي هو رحمة كما ورد بأن اختلاف هذه الأمة رحمة طبعاً هذا ليس حديث ولكنه كلام صحيح قاله عمر بن عبد العزيز عندما قال: ما أُحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا لو لم يختلفوا لم تكن توسعة، يجب أن نفرق جميعاً بين الاختلاف المدمر الذي هو مؤسس على البغضاء والكراهية والحسد وبين الاختلاف الإيجابي الذي يمكنه أن يقدم لنا المسائل الحيوية لعلاج كثير من قضايانا في الواقع الإسلامي، هذه الفكرة هي الذي نريد أن نؤكد عليها، هناك فارق كبير بين الاختلاف المؤسس على التنازع والهوى والشقاق والنفاق وبين الاختلاف المؤسس على البحث عن الحقيقة، ولو تعددت الآراء بهذه المسألة..
 فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي. طبعاً المعنى الذي أشرتم إليه من سعي اليهود إلى إقامة الاختلاف المدمر بين الأمة الإسلامية وعينه الذي نستمع إليه بين الحين والآخر من مكائدهم في ضرب شبابنا في الأرض المحتلة في تنوع الأساليب في اغتيال القادة والنشطاء من القائمين بهذه الانتفاضة الإسلامية العربية الباسلة، والآن في كل ساعة هناك مجاهدون يرتقون إلى العلا وهم يقدمون أروع الأدلة على صمود هذه الأمة وبقائها.
 طبعاً يجيء مثل هذا الحوار رشيداً داخلياً لبناء جيل المقاومة الجيل الذي يحسن كيف يفهم الاختلاف في إطار التنوع وكيف يتجنب الاختلاف في إطار التدمير، الاختلاف في إطار الفقه هو اختلاف محمود ويمكنه أن يجعل سائر المؤمنين في دائرة الجماعة الواحدة وأما الاختلاف في العقيدة وأما الاختلاف في تحديد مقاصد هذه الرسالة والاختلاف في مواجهة هذا العدو فهو الاختلاف الذي يريده العدو في كل حال.
 الآن عودة مرة أخرى فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي إلى مسألة الاختلاف وطبائع الاختلاف وكيف يمكن أن نتجنب وكيف يجب أن نتجنب الاختلاف المدمر الذي يعود بأفدح الضرر على وحدتنا وجماعتنا في مواجهة العدو ؟
 بسم الله الرحمن الرحيم الحقيقة أن الإنسان معه طبعاً ومعه تكليف لا بد من تناقض الطبع مع التكليف، فالإنسان طبعه يدعوه إلى أخذ المال والتكليف أن ينفقه، طبعه يقتضي أن ينام والتكليف أن يصلي، هناك تناقض بين التكليف وبين الطبع، طبعه أن يملأ عينه من محاسن امرأة أجنبية والتكليف يقتضي أن يغض البصر، هذا هو التناقض بين الطبع والتكليف ثمن الجنة قال تعالى:

 

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41)﴾

 

( سورة النازعات: الآية 40-41 )

 هذا تمهيد الإنسان طبعه فردي والأمر الإلهي التكليفي أن يتعاون، قال تعالى:

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾

 

( سورة المائدة: الآية 2 )

 فالإنسان يكون فردياً ويضخم ذاته ويطعن بالآخرين ويتخاصم معهم ويتنافس معهم بقدر معصيته لله، ويتعاون معهم وينكر ذاته أمامهم بقدر طاعته لله، فالاختلاف المدمر مؤشر على معصية الله والتعاون المثمر دليل على الإخلاص لله ذلك أن في الاختلاف أنواعاً ثلاثة ؛ منه ما هو اختلاف طبيعي يقول الله عز وجل:

 

﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(213)﴾

 

( سورة البقرة: الآية 213 )

 يعني أن هناك اختلاف طبيعي أساسه نقص المعلومات هذا الاختلاف لا يمدح ولا يذم، لكن هناك اختلاف قذر أساسه الحسد والبغضاء والمصالح والأهواء، هذا الاختلاف القذر ورد في هذه الآية الكريمة:

 

﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾

 

( سورة البقرة: الآية 213 )

 يعني علة هذا الاختلاف هو البغي والحسد والعدوان هذا اختلاف قذر هذا اختلاف مدمر ولكن لا ننسى أن في الآية اختلافاً ثالثاً محموداً يقول الله عز وجل:

 

﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)﴾

 

( سورة البقرة: الآية 213 )

 قد نختلف في أيهما أجدى أن نبدأ من القمة أو من القاعدة، قد نختلف فيما هو أجدى أن نؤلف القلوب أم أن نؤلف الكتب، حينما نتنافس..
 يعني الاختلاف في الوسائل.
 نعم اختلاف الوسائل اختلاف محمود قال تعالى:

 

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾

 

( سورة المطففين: الآية 26 )

 أما الاختلاف بدافع الحسد والغيرة والأهواء والمصالح والغرور هذا اختلاف قذر وهو اختلاف مدمر أما حينما تقل المعلومات ويتكهن كل منا بتفسير لهذا النص في المعلومات هذا اختلاف طبيعي مثلاً نحن حينما نتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يثني الناس على كل من اتبع هذه السنة أما حينما نخالفها الذي خالفها يثير حوله جدلاً كبيراً، لو أردنا أن نفهم أسباب الاختلاف، الحقيقة هناك أسباب خلقية، الإنسان المغرور هذا يختلف بل يجعل الاختلاف ديدناً له، الإنسان قد يصعد إلى القمة ويبذل جهداً لا حدود له أما إذا وصلها هناك مطبٌ خطير قد يسقط في ثانية هذا المطب هو الغرور فالبطولة لا أن نصل إلى القمة بل أن نبقى فيها، الغرور هو الذي يسبب بعض أنواع الاختلاف المؤلم.
 ثم سوء الظن بالآخرين، واحدٌ ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عم النبي العباس في مكة وكان عينه على قريش وكان ينقل له كل أخبارها وكل قراراتها وكل ما يجري في داخلها، وفي معركة بدر قال عليه الصلاة والسلام كلمة موجزة لا يمكن أن يضيف عليها كلمة أخرى قال: لا تقتلوا عمي العباس. بعضهم قال: أيقتل أحدنا أباه وأخاه وينهانا عن قتل عمه، لو أن النبي قال إن عمي هناك عيني وقد أسلم كشفه وانتهت مهمته، لو لم يشارك العباس بهذه الغزوة لكشف نفسه وانتهت مهمته، لو أن العباس ذكر الحقيقة لانتهت مهمته، لا يمكن أن يقول النبي إلا هذا النص لا تقتلوا عمي العباس، فلما كشفت الحقيقة يقول هذا الذي ظن برسول الله ظناً سيئاً: كدت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.
 معنى ذلك سوء الظن أيضاً أحد أسباب الخلاف المدمر، أولاً الغرور سبب كبير أخلاقي ينتمي إلى الناحية الأخلاقية وهو لا أخلاقي وسوء الظن بالآخرين.
 في الواقع مسألة سوء الظن هذا ما ينبغي التوكيد عليه الآن، الآن في كثير من الخيارات في العالم الإسلامي هناك حركات إسلامية تعمل، وعادةً تختلف هذه الحركات ولكن بالتأكيد عندما يكون حسن الظن هو الحالة السائدة بين هذه الحركات فما أيسر ما يعذر المسلم أخاه ولكن إذا ما غلب سوء الظن على سلوك الأمة ونظرية المؤامرة على الآخر، فإننا دائماً أمام خصام لم يؤدِ إلى وحدة على الإطلاق يعني هذا ما نتمنى أن يسمعه أهلنا في الداخل، عندما يتعاون المجاهدون في تحقيق رسالتهم في الكفاح ضد هذا العدو الغاشم قد تتعدد الوسائل، قد تتعدد الوسائل ولكن المقصد ينبغي أن يبقى واضحاً وهو تخليص هذه الأمة من خطر الاحتلال، من شؤم العدو الذي يسيطر على الأرض وإذا اختلفت الوسائل هنا ينبغي أن يعذر بعضنا بعضاً نحن بحاجة..
 دعني هنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أن أنتقل إلى رؤية سياسية نحن نلاحظ عدونا في الأرض المقدسة ربما هناك منظمات متطرفة، هناك أناس يسمونهم الصقور، وأناس يسمونهم الحمائم، وأناس يسمونهم... ولكن عندما ندخل في المواجهة نجد أنهم جميعاً متفقون على حربنا هم يقاتلوننا بالشاس، بالمريت، بالعمل، بالليكود، كل هذه الأحزاب متفقة على شيء واحد وهو يجب أن يبقى الاستبداد والبغي ضد العرب ولكن نحن في المقابل ينبغي أن نتعلم كيف نستخدم كل وسائلنا وإن كنا مختلفين، هناك حركات تعنى بالعمليات الاستشهادية، هناك حركات تعنى بالبناء الفكري للفرد، هناك حركات تعنى بالنشاط الخارجي من أجل تقديم رأي عام، فليس من المعقول أن نقول لمن يعمل في النشاط الخارجي أن تضيع وقتك ينبغي أن تكون بطلاً استشهادياً في هذه الساحة لا هذا الرجل رفيد لهذا وهذا... والجميع يعملون ويتألق جهادهم وعملهم من خلال بطل يقدم روحه من أجل هذه الأرض المقدسة.
 نعود مرةً أخرى إلى إطار الاتحاد في المقاصد وإن اختلفت الوسائل. سيدنا الصديق قال لسيدنا عمر: ابسط يدك لأبايعك فقال سيدنا عمر: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن كنت أميراً على قوم فيهم أبو بكر، قال: يا عمر أنت أقوى مني، قال: أنت أفضل مني، فقال: قوتي إلى فضلك. أرأيت إلى هذا التعاون قوتي إلى فضلك.
 سيدنا الصديق حينما كان خليفةً جاءه من يسأله شيئاً فأحاله إلى عمر، عمر رفض طلبه فعاد إلى الصديق ليستفزه قال له: الخليفة أنت أم هو ؟ قال له: هو إذا شاء.
 عندنا في التاريخ مواقف مشرقة من التعاون، يوجد شيء آخر هو حب الذات، هناك دعوة خالصة إلى الله من لوازمها الاتباع، ومن لوازمها التعاون، ومن لوازمها الاعتراف بفضل الآخرين، بينما هناك دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله، الدعوة إلى الذات المغلفة بالدعوة إلى الله من لوازمها التنافس لا التعاون، من لوازمها الابتداع لا الاتباع، من لوازمها الطعن بالآخرين، أما الدعوة الخالصة إلى الله من لوازمها الاتباع ومن لوازمها التعاون والاعتراف بفضل الآخرين، حب الذات والغرور وسوء الظن بالآخرين هذه من أسباب الخلاف المدمر ثم يضاف إلى ذلك التعصب الأعمى. هذا الدين كالهواء تماماً لا يمكن أن يحتكره أحد، لا يمكن أن يحتكره عصر ولا مصر ولا فئة ولا جماعة ولا مذهب، هذا دين الإنسان في أمس الحاجة إليه بل حتى الديانات الوضعية هي تعبير عن حاجة الإنسان إلى الدين، الإنسان خلق ضعيفاً يحتاج إلى قوة يركن إليها، يعتمد عليها، يثق بها، تدعمه، تحميه، توفقه، تنصره، الأديان السماوية عرفت أن الله خالق السماوات والأرض، إنما الأديان الوضعية لجأت إلى صنم أو حجر لكنها في النهاية عبّرت عن حاجة أساسية فيها، أن يركن إلى عظيم يستمد منه القوة ويعتمد عليه ويعلق عليه الآمال.
 هذه أسباب أخلاقية لكن هناك أسباب علمية، الأسباب العلمية ذكرتها في مقدمة هذا اللقاء فنحن حينما نختلف في موضوعات تعدُّ من الوسائل نتفق في المقاصد وقد يكون لنا وجهات نظر في التفاصيل هذا الاختلاف لا ينبغي أن ينقلنا إلى العداء أو الطعن، لأن الاختلاف في فهم بعض الأمور لا يفسد في الود قضية، نحن نؤكد أن الاختلاف في التفاصيل أو في الوسائل ينبغي أن نفهمه اختلاف غنىً واختلاف تنوع وليس اختلاف تناقض وتمزق، هناك أنواع من الاختلافات أساسها لغوي، فأنا حينما أفهم العقل أنه فِكْر، وهناك من يفهم العقل على أنه القلب ونعبر عن العقل تارةً بالفكر وتارةً بالقلب نختلف أحياناً هذا اختلاف لفظي لا يقدم ولا يؤخر.
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أنت خضت بالحديث عن الاختلاف المدمر والاختلاف الذي منشؤه الهوى والأثر والحقد والتباغض والتحاسد، ولكن نحن بحاجة الآن والعالم الإسلامي الآن يعيش حالةً من الصحوة، حالةً من العودة إلى الله، حالةً من العودة إلى العقيدة، نحن بحاجة أن نتحدث عن الاختلاف المحمود.
 نعم.
 الاختلاف المحمود كيف يكون الاختلاف محموداً ؟
 مثلاً لآتيك بمثل من الفقه لو أن امرأةً يعني منعتها طبيعتها الأنثوية من الصلاة ولم تؤدِ طواف الركن ماذا قال الفقهاء عن هذا الوضع ؟ الأحناف قالوا: عليها بدنة يعني ناقة، والسادة الشافعية قالوا: تغدو أميرة قومها.
 ما المقصود تغدو أميرة قومها ؟
 ينتظرها قومها إلى أن تطهر من دورتها.
 المالكية قالوا: تطوف البيت ولا شيء عليها، سأوضح لك بعض الحالات، امرأة ثرية غنية أمرها الأحناف أن تتصدق بمالها بما يعادل ثمن بدنة وتنفع بها الفقراء، أما لو أنها لم تملك هذه المبلغ بإمكانها أن تتأخر أياماً عديدة في الأراضي المقدسة وتنتظر وينتظرها قومها، أما إن لم تملك هذا المبلغ وليس بإمكانها أن تنتظر يأتي المذهب المالكي فيقول لها طوفي البيت ولا شيء عليك فهذا عرض سماوي.
 أرأيت إلى أن هذه الحالات الثلاث استوعبتها الأحكام الفقهية فلو فرضنا أن هناك حكماً واحداً لكان في هذا عنت على المرأة.
 إذاً واضح أن الفقهاء عليهم رضوان الله عندما كانوا يبحثون عن الحلول كانوا يبتغون مصلحةً معينة وهذا ما يجعلنا نفهم اختلاف المذاهب في هذا السياق، واضح أن وجود المذاهب هو رحمة بالأمة وأن بإمكاننا أن نتخير من المذاهب ما هو حل لك حالة من الحالات، فعندما تكون المتخلفة عن طواف الوداع غنية فيجب أن نبادر إلى توجيهها إلى المذهب الحنفي فهذا فيه مصلحة للفقراء لأنها ستتصدق وتنحر وتتصدق وعندما لا تملك هذه السعة بإمكانها التأخر والتأخر هنا قد يكون ممكناً وقد لا يكون ممكناً فتأخذ بالرخصة من مذهب الإمام مالك.
 أنا أتمنى أن نصل إلى قناعة من خلال هذه الندوة وهي أن خيارات الفقهاء عبر التاريخ الإسلامي هي مصلحة للوحدة الإسلامية.
 نعم.
 نحن نعاني من مشكلة فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي هي مشكلة بعض الشباب الذين وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام بأن أحدنا يحقر صلاته أمام صلاتهم وصيامه أمام صيامهم يتمسكون بالدين لكن تمسكهم بالدين يذهب بهم إلى التشدد إلى حد أنه لا يرى الحق إلا ما يفعله.
 لكن يمرقون من الدين.
 ووصفهم رسول الله أنهم:

 

(( يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.))

 

( البخاري، مسلم، أبي داود، النسائي، أحمد )

 عندما يكون لدي دليل مثلاً الحديث ورد في هذه المسألة هو لا يأذن لأي مخالف وأي مخالف سيتهمه فوراً بأنه عاص ومناهض لرسول الله مع أن المسألة تحتمل الآراء المتعددة فهذا كما فسرناه بصراعنا مع العدو عندما نحتاج إلى سائر العاملين في مختلف مواقعهم، أيضاً ينبغي أن نفهمه في إطار بحثنا عن الوحدة الإسلامية لأننا نحتاج إلى الآراء جميعاً في الفقه الإسلامي لأنها ستكون مصدر غنىً ولا ينبغي أن يغير المسلم على أخيه إذا تخير وجهاً من الوجوه في الخيارات الفقهية.
 لكن العلماء تحفظوا وقالوا: من تصيد الرخص في كل مذهب رق دينه، وأنا أرى أننا نقلد أي مذهب في حالة الشدة ونأخذ بالأحوط في حالة الرخاء.
 إذاً جميلة هذه القاعدة ومهمة ينبغي أن يكون عليها سائر العاملين في الحقل الإسلامي العام، ينبغي أن نتخير لأنفسنا الشدائد عندما نملك الاختيار وعندما يجد الإنسان نفسه مضطراً لابأس أن يبحث عن الرخص في المذاهب.
 بقي موضوع دقيق جداً وهو أدب الاختلاف والذي هو محور هذا اللقاء الحقيقة هناك توسط واعتدال وهناك غلو في الدين، أنا حينما أفهم الدين عقيدةً صحيحة وسلوكاً قويماً واتصالاً بالله وأتحرك على هذه الخطوط الثلاثة معاً أتفوق، أما حينما آخذ فرعاً من فروع الدين وأجعله أصلاً أتطرف والتطرف مدمر والتفوق مطلوب، هذا نوع من أنواع الحلول أن أكون معتدلاً متوسطاً، الإسلام وسطي ومعتدل وجمع بين الدنيا والآخرة والقلب و بين الجسد وبين الحاجات و بين المبادئ والقيم، من عظمة هذا الدين أنه دين الفطرة، أنه دين الواقع، وأن الدين العظيم هو الذي يلبي كل حاجات الفرد، الإنسان عقل يفكر وغذاؤه العلم وقلب يحب وغذاؤه الصلة بالله عز وجل وجسد يتحرك وغذاؤه العمل وكسب المال.
 بل إن النبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى إنساناً لا يعمل سأله من يطعمك قال له: أخي، قال: أخوك أعبد منك.
 هذا ينقلنا إلى أن عبادة تتعلق بالهوية فأنت إذا كنت عالماً فأول عبادة أن تعلم العلم، إذا كنت غنياً أول عبادة أن تنفق المال، وإذا كنت قوياً أول عبادة أن تحق الحق، فهذا موضوع دقيق.
 شيء آخر من الغلو في الدين أن تأخذ فرعاً صغيراً وتضخمه وتجعله ديناً وتقاتل من أجله هذا من أخطائنا الكبيرة التي نجدها في واقعنا المؤلم، العبرة أن أفهم أن الدين دين وسطي معتدل يلبي كل حاجات الحياة، دين يتوافق مع الفطرة يوفق بين الحاجة والمثل الأعلى، يوفق بين الدنيا والآخرة، يوفق بين الجسد والروح، وأنا أرى أن الإنسان كلما ارتفع مستوى إخلاصه أصبح متعاوناً وكلما ضعف مستوى إخلاصه أصبح مشاكساً، فالإخلاص هو مؤشر. التعاون دليل الإخلاص وعدم التعاون دليل ضعف الإخلاص. إذاً نريد أن نكون معتدلين ومخلصين.
 يوجد شيء اسمه فقه الأولويات، يقول سيدنا عمر: ليس بخيركم من عرف الخير ولا من عرف الشر ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أهونهما، فلا بد من أن أقدم المهم على الأقل أهمية.
 يعني الواعي بفقه الأولويات، فقه الأولويات يعني أحياناً الأمة الإسلامية مثلاً في مواقعها المختلفة، في حاجتها، أحياناً يكون العدو على الأبواب فالأولوية هنا الجهاد، وليست الأولوية هنا الصوم والطاعة وعبادة ولكن ليس الآن وقت الصوم بل وقت الجهاد، وفي مواقف أخرى يكون الإنسان عندما يهل هلال رمضان الأولوية هنا لطاعة الله عز وجل في هذا الجانب.
 كنت أقول في هذا الموضوع هناك تحديات كثيرة يُتحدى بها المسلمون لو أن التحدي كان تحدي إفقارٍ فكسب المال الحلال وحل مشكلات المسلمين به أول عبادة، وإذا كان التحدي تحدي إفساد فإنشاء تيار روحي قوي قوي هذا عبادة وأية عبادة، وحينما يكون التحدي تحدي إضلال فتعزيز أصول الدين وتأصيل أدلته أول عبادة، وحينما يكون التحدي تحدي احتلال يكون الجهاد أول عبادة، فنحن في تحدي الإضلال نؤصل قواعد ديننا، وفي تحدي الإذلال نعتز ونأبى أن نَذِل، وفي تحدي الإفساد نقيم تياراً روحياً يقاوم هذا الفساد والانحلال، وإذا كان التحدي تحدي انتهاك حرمات واحتلال الأرض لا بد من الجهاد بل إن الجهاد على أنواع ثلاث، هناك جهاد النفس والهوى المهزوم أمام نفسه لا يمكن أن يقاتل نملة، ثم يأتي الجهاد الدعوي وقد وصفه الله عز وجل بقوله تعالى:

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

 

( سورة الفرقان: الآية 52 )

 ثم يأتي الجهاد القتالي، فنحن إذا ذكرنا الجهاد نقصد جهاد النفس والهوى والجهاد الدعوي والجهاد القتالي، وفي كل ظرف وفي كل وقت هناك عبادة تحتل الدرجة الأولى.
 جميل، هذا تصنيف في الواقع يعود بنا إلى فقه الأولويات وينبغي أن يدرك المسلم، لأننا نعاني من تشرذم في أفكارنا ولكن عندما نتفق على المتفق عليه ونبحث عن الوسائل التي تجمعنا.
 ولهذه المقالة تعديل، وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، إذاً نتعاون فيما اتفقنا عليه وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
 إذا اعتمدنا النصوص الصحيحة فهي توحدنا وإذا دخلنا في الضعاف فهي تفرقنا، ثم إننا حينما نجادل ينبغي أن نجادل بالتي هي أحسن وكلمة أحسن هي اسم تفضيل لو أن هناك ألف عبارة حسنة ينبغي أن نختار أحسنها.
 أدعوهم بالتي هي أحسن.
 شيء آخر أننا إذا أنكرنا المنكر ونتج عن هذا المنكر فتنةٌ أشد لا بد من أن نختار الأسلم، أحياناً ننكر منكراً ينشأ عن إنكار هذا المنكر منكرٌ أشد منه وأدهى عندئذ لا نكون حكماء في إنكار هذا المنكر.
 الآن دكتور راتب أصبحت المقاصد التي نريد أن نتحدث عنها واضحة أصبح أن هناك تأمر على الإسلام من الخارج، تأمر تغذية الخلافات بالمقاصد المدمرة التي أشرت إليها.
 وسماه الله كفراً.
 وسماه الله وقال:

 

﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ﴾

 

( سورة آل عمران: الآية 101 )

 عندما جاء شاس بن قيس اليهودي وزرع في نفوس المسلمين مشاعر البغضاء فيما بين قبيلة الأوس والخزرج، بين الفرقة والفرقة، بين الطائفة والطائفة، بين الفرقة والفرقة، بين مذهب فقهي ومذهب آخر، القرآن حذرنا وأخبرنا أن هذا النوع من الاختلاف هو كفر لأنه سيعود بأفدح الضرر على وحدتنا أمام العدو، ولكن القاعدة التي ينبغي أن نؤكد عليها أن المحنة لا تقتضي إلغاء الآخر، يعني نحن يمكن أن نكون أمة واحدة ومتحدة وفينا حلم أبي بكر وقوة عمر وحياء عثمان وشدة علي وزهد أبي ذر وحكمة معاوية، نحن بحاجة إلى كل هذه الاختلافات من أجل أن نواجه عدونا، المشهد الذي نشاهده الآن في الأرض المحتلة من تمكن عدونا من توحيد كل طاقاته على الرغم من كل الاختلافات والكراهية التي تعشش داخل المجتمع الإسرائيلي ولكنه يعمل كقوة متحدة في مواجهة الأمة الإسلامية فهل تعلم المسلمون من ذلك شيئاً ؟
 الحقيقة إذا كنت سعيداً تسعد بالآخرين، ينبغي أن نأخذ دروساً من التاريخ ومن واقعنا ومن سلبيات واقعنا، فنحن لا بد من أن نتعاون ونتكاتف ونتضامن وأن نكون في الوقت نفسه مع منهج ربنا وفي إرضاء ربنا جل جلاله، فنحن في حاجة ماسة أن نوحد جهودنا، أن نقلد في ديننا وأن نطور في حياتنا وأن نحل مشكلاتنا وأن نوضح أهدافنا وأن تكون أمامنا واضحةً، وأن نسعى إليها بوسائل مشروعة من جنسها، هذا الذي ينبغي أن نفعله في هذه المرحلة إن شاء الله.
 واضح ما نقوله هنا عن الفقه الإسلامي هو ما ينطبق أيضاً على سائر أنماط السلوك فنحن جميعاً الآن شركاء في معركة واحدة هناك عدو يستهدف مقدرات هذه الأمة ويستهدف وحدتها ويستهدف وجودها وكل واحد في موقعه مجاهد كما أشرتم، الإعلامي في موقعه في جهاد، الذي يقوم بتربية النفس وإعدادها هو أيضاً في جهاد، الذي يقوم أيضاً بجمع المال لهذه الانتفاضة التي نعتز بها ونفتخر هو أيضاً في جهاد، الذي يقوم بتربية الجيل هو أيضاً في جهاد، المرأة التي تؤسس لجيل الجهاد جيل التربية هي أيضاً في جهاد، ولا ينبغي لواحد منا أن ينكر على الآخر.
 بل إن العمل الذي يعمل به الإنسان إذا كان في أصل الدين مشروعاً وسلك به الطرق المشروعة وابتغى به خدمة نفسه وأمتهِ ولم يشغله عن واجب ديني أو فرض انقلب إلى عبادة.
 أنت صاحب العبارة كيف يمكن تحويل العادة إلى عبادة ؟
 المؤمنون عاداتهم عبادات والمنافقون عباداتهم سيئات.
 لو تشرح هذه الفكرة.
 المؤمن حياته كل لا يتجزأ فحينما يلبي حاجة جسده، حينما يلبي حاجة قلبه، حاجة عقله، حينما يربي أسرته، وحينما يتقن عمله، وحينما يكون مواطناً صالحاً، هذا كله في انسجام وفي وحدة، فعاداته ما يفعله كل يوم من عمل، كسب رزق، تربية أولاد، خدمة الآخرين، كله عند الله عبادات إنه ينوي التقرب إلى الله بخدمة خلقه، بينما المنافق حتى إذا صلى إذا فعل عبادةً محضة هي عند الله سيئة لأنه ينافق بها ويبتغي بها الدنيا.
 في هذا السياق أذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

 

(( عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ سَفَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَالَ حِينَ يَخْرُجُ: بِسْمِ اللَّهِ آمَنْتُ بِاللَّهِ اعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِلا رُزِقَ خَيْرَ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ وَصُرِفَ عَنْهُ شَرُّ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ.))

 

( رواه أحمد )

 وفي الحديث المعروف:

 

(( إن أحدكم ليأتي أهله وله في ذلك أجر ))

 طبعاً وصلنا الآن إلى نهاية هذه الحلقة مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ولكن المعنى الذي أود أن نؤكد عليه وهو الذي قادتنا إليه الحوارات من خلال هذه الحلقة وهي أن الأمة الإسلامية مأمورةً أن تكتشف سبيل وحدتها وأن سبيل الوحدة لا يقتضي أن يلغي المسلم أخاه.
 الأستاذ راتب في نهاية الحلقة هل لك أن توجه للأخوة أدب الاختلاف في الإسلام.
 أريد أن أنهي هذا اللقاء بأن من أسباب الاختلاف المدمر النفسية هو سوء الظن بالآخرين، العلاج عكس ذلك حسن الظن بالآخرين، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( التمس لأخيك عذراً ولو سبعين مرة ))

 حينما أحسن الظن بالآخرين وألتمس لهم العذر وقد ورد في بعض الآثار أنه من أساء الظن بأخيه فكأنما أساء الظن بربه. شيء آخر التواضع.
 طبعاً هذا حسن الظن في تعامل المسلم مع أخيه، أما تصرفات العدو تحمل على سوء الظن.
 أبداً.
 الأصل فيها سوء الظن، إذا قدم العدو مساعدة إنسانية للاجئين فيفترض نحن سوء الظن.
 اللهم لا تجعل لي خيراً على يد كافر أو منافق.
 نعم بينما في السلوك المسلم مع أخيه المسلم، بين المؤمن مع أخيه المؤمن، بين المناضل مع أخيه في النضال الأصل حسن الظن.
 وشيء آخر في هذا الموضوع هو أن المعركة بين حقين لا تكون لأن الحق لا يتعدد، وبين حق وباطل لا تطول إن شاء الله لأن الله مع الحق، بينما إن كانت بين باطلين لا تنتهي.
 المعركة بين حق وحق لا تكون، لا تكون لأن الحق لا يتعدد، وبين حق وباطل لا تطول لأن الله مع الحق وإن شاء الله لا تطول هذه المعركة، أما بين باطلين لا تنتهي لأن الباطل مؤسس على الشقاق.
 لأن هناك نصراً استحقاقياً قال تعالى:

 

 

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

 

( سورة آل عمران: الآية 123 )

 وهناك نصر تفضلي، وهناك نصر كوني، في النصر الاستحقاقي للمؤمنين، النصر التفضلي لمن هم أقرب إلى الإيمان، أما الكوني للأقوى فقط.
 أنا أتمنى على الله عز وجل أن لا ننهزم من الداخل، من الداخل الانهزام خطير جداً، قال تعالى:

 

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾

 

( سورة آل عمران: الآية 139 )

 قد نخسر معركةً قد لا نربح معركةً أخرى هذه الهزائم من الخارج تتلافى أما حينما أنهزم من الداخل أفقد معنوياتي أفقد إيماني بديني، أفقد إيماني بأهدافي الكبيرة هنا المشكلة، فنحن إن شاء الله لا نهزم من الداخل وسوف نستعيد عن كل خطأ وقع في واقعنا بصواب آخر قال تعالى:

 

﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)﴾

 

( سورة الأنبياء: الآية 92 )

 وأيضاً الآية:

 

﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)﴾

 

( سورة المؤمنون: الآية 52 )

 شكراً لفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية، وشكراً للسادة العلماء الذين أغنوا هذه الحلقة بمداخلاتهم القيمة وشكراً لإذاعة القدس وفريق العمل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحميل النص

إخفاء الصور