وضع داكن
29-03-2024
Logo
ندوات الإعجاز العلمي - الندوة : 25 - الخيل - الزرافة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات : 21 ]

 السماء ، البرزخ ، النحل ، الأرض ، ظلمات الفضاء ، الكون ، النمل ، الكواكب ، دقة الإنسان .
 التفكر في الخلق والكون حوارات مع الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أحد علماء دمشق ، يجريها عبد الحليم قباني .
المذيع :
 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 لقد دعانا القرآن الكريم في كثير من المواطن والمواضع إلى التفكر والتدبر في آياته ليصل الفكر بإمعان إلى الحقائق الكبرى ، فإعجاز ما هو إلا وسيلة لتتأكد ألوهية الله سبحانه وتعالى ووحدانيته ، ورسالة الإسلام رسالة السلام ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن خلال الفكر نصل إلى وجدان كل شخص يتأمل في آيات الله الذي خلق هذا الكون ، ونزل هذا القرآن ، وقلنا : إنه عندما نجد فيما وصل إليه الإنسان من تطور علمي وحقائق مذهلة توصل إليها العلم مسجل في القرآن الكريم فإن ذلك يؤنس إيمان كل فرد .
 أخوة الإيمان والإسلام ، في هذه الحلقة ، ومع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، والخطيب والأستاذ الديني في جوامع دمشق نرحب به أهلاً وسهلاً .
 إذاً في هذه الحلقة نتحدث عن أمر يهتم إليه العربي ، فالعلاقة قديمة بين الخيل والرجل العربي ، ولكن لابد من حكمة لهذه العلاقة ، فكما ذكرتم فضيلة الدكتور في كتابكم أن الله جعل لحكمة أرادها في كل صفة مادية للإنسان حيواناً يفوقه بها ، فلننظرْ ما هي الأمور التي يفوق بها الخيل الإنسان ؟

 

الخيل من المخلوقات التي سخرها الله للإنسان وذلّلها له :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .
 قبل أن نتحدث عن الخيل التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ، بل في صحيح البخاري ، من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))

[متفق عليه عن عبد الله بن عمر]

 فالخيل حيوان أكرمنا الله به ، ولكن من ذلَّله لنا ؟ من جعله مذلَّلاً ؟ من جعله قريباً منا ؟ من جعلنا نألفه ونحبه ؟ إنه الله ، ففي كلمة :

﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهمْ ﴾

 لولا أن الله طوّع هذه الحيوانات كالخيل والإبل ، وما إلى ذلك ، والبقرة ، والخروف ، لولا أنها مذلَّلة كيف ننتفع بها؟
 تعلمون أن بمرض جنون البقر اضطرت بريطانيا إلى إعدام أحد عشر مليون بقرة ، قيمتها حوالي ثلاثة وثلاثين مليار جنيه إسترليني ، لأنها توحشت ، فالتذليل من نعمِ الله الكبرى .
 إنك تشعر أن الخيل مصممة لهذا الإنسان ، مسخرة له ، مذلّلة له ، فحينما قال الله عز وجل :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾

[سورة الأحزاب : 72]

 لأنه قَبِل حمل الأمانة كان المخلوق الأول رتبةً ، ولأنه المخلوق الأول سخِّر له :

﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾

[سورة الجاثية : 13]

 فالخيل من المخلوقات التي سخرها الله للإنسان وذلّلها .

خصائص الخيل :

 من عجيب خصائص هذا الحيوان الذي سخره الله للإنسان تكريماً له أنه قوي السمع ، فالخيل تسمع وقْع الخُطى قبل أن ترى الذي يمشي ، وتسمع وقع حوافر خيل أخرى قبل أن تتبدى لها في الأفق ، وتنبِّه صاحبها ، هذه خاصة تفوق ما عند الإنسان من خصائص ، والخيل لا تفقد قدرتها على التناسل إن تقدمت في السن ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))

[متفق عليه عن عبد الله بن عمر]

 الخيل سريعة الشفاء من جروحها . الشاعر الجاهلي عنترة وصف فرسه فقال :

فازورّ من وقع القنا بلبــــانـــــــــــــه  وشكا إليّ بعبرة وتحمحــــــــــمِ
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى  ولكان لو علم الكلام مكلمِي
***

 يبدو أن هناك مشاركة وجدانية بين صاحب الخيل والخيل ، كائن له شعور أحياناً .
 إذاً هي سريعة الشفاء من جروحها وأمراضها سرعة غير معقولة ، فشفاؤها أسرع من شفاء الإنسان ، وتلتئم كسور عظامها بسرعة عجيبة جداً ، ويكفي الحصان علفاً قليلاً ليقوم بجري كثير ، يضاف إلى هذه الخصائص أن جهاز الحصان التنفسي قوي جداً ، فهو ذو قصبة هوائية واسعة جداً ، وقفص صدري واسع جداً يعينه على استنشاق أكبر كمية من الأوكسجين ، لتعينه هذه الكمية على الجري الطويل ، لأنه مهيأ ليكون أداة نقل للإنسان .
 من ألطف ما قرأت أن هذا الحصان يقي أمراض القلب والكليتين والكبد ، وهناك بحوث حديثة جداً تؤكد أن الإدمان على ركوب السيارة يجلب للإنسان أمراض القلب والكبد والكليتين .
 الحصان له قدرة عجيبة على تحمل المصاعب والمشاق ، يستطيع أن يحمل ربع وزنه، فإذا كان وزنه أربعمئة كيلو غرام فإنه يحمل مئة ، ويستطيع أن يعدو مسافات طويلة ، ولأمد طويل جداً من دون طعام ولا ماء ، ويتميز الحصان بذاكرة حادة جداً ، هذه الذاكرة تنصب على الأماكن التي يعيش فيها ، فبإمكانه إذا أصاب صاحبه مكروه أن يعيده إلى البيت بذاكرته ، بل إنه يستطيع أن يحفظ أدق الأماكن ، وأدق التفاصيل ، يعرف صوت صاحبه ، ولو لم يره ، بل إنه ليعرف صاحبه من طريقة ركوبه الفرس ، فيعرفه إما من صوته أو رائحته ، أو من طريقة ركوبه الفرس ، ويستجيب الحصان بردود فعل سريعة جداً لحركات فارسه ، وهو من أذكى الحيوانات ، ومن أشدها وفاء ، والشيء الذي يأخذ بالألباب كما ذكر في بعض البحوث العلمية أن ركوب الخيل يقي من أمراض القلب ، وأمراض والكبد والكليتين ، وأمراض جهاز الهضم ، بخلاف الإدمان على ركوب السيارة ، فإنه يجلب أمراض القلب وأمراض الكليتين وأمراض الكبد ، لذلك صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال :

(( الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))

[متفق عليه عن عبد الله بن عمر ]

المذيع :
 إذاً ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الخيل ، وأن في نواصيها - أي في مقدمة رأسها- الخير إلى يوم القيامة ، وكما ذكرتم فضيلة الدكتور من بعض البحوث العلمية أن ركوب الخيل يقي من أمراض كثيرة ، كأمراض القلب وأمراض الكبد والكليتين .
 الآن نريد أن نتحدث أيضاً عن حيوان آخر في هذه الحلقة ، فإن رأيناه رأيناه طويلاً جداً ، ألا وهو الزرافة .

 

الزرافة من آيات الله الدالة على عظمته :

الدكتور راتب :
 أستاذ عبد الحليم ، حينما قال الله عز وجل :

﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾

[سورة النمل : 88]

 هذا يرشدنا إلى أن الإنسان أحياناً يصنع صنعة متقنة تسمى صناعيّة ، وقد يصنع صنعة أقلّ جودة تسمى تجارية ، لكن عند الله عز وجل :

﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾

[سورة الملك : 3]

 فأيّ شيء صنعه الله عز وجل بدقة بالغةٍ بالغة ، وبحكمةٍ بالغةٍ بالغة ، إذاً معنى قول الله تعالى :

﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾

[سورة الملك : 3]

 لا تجد صنعة لله عز وجل في مستوى من الإتقان أقلّ من غيرها .
 الزرافة : هذا الحيوان الذي يعد من أطول الحيوانات قاطبة ، فطول الزرافة يزيد على ستة أمتار ، أي ارتفاع طابقين من الطوابق العالية ، الطابق في بعض بلادنا ثلاثة أمتار ، أما في بلاد أخرى فمتران ، فهذه الزرافة تعلو على طابقين من الطوابق العالية في بلادنا ، هذا الحيوان من أشد المخلوقات تيقظاً وخفة ، زودها الله بعينين جاحظتين تستطيعان أن تريا ثلاثمئة وستين درجة ، فعينها تغطي كل الجهات ، وهي واقفة رأسها كالبرج ، وعيناها تجوسان الأفق كله من كل الزوايا ، وتزن طناً واحداً ، وإذا عَدَتْ تجاوزت سرعتها ستين كيلو متراً في الساعة .
 ذكرت لكم سابقاً أنه ما من صفة في الإنسان على الإطلاق مادية إلا وفي الحيوان صفة أعلى منها ، لكن الإنسان ميزه الله بالعقل ، وبالإيمان ، وبمعرفة الله عز وجل ، وبالإقبال عليه ، فإذا تخلى الإنسان عما خلق له من معرفة بالله ، وطاعة له ، فأي حيوان يفوقه في مناحي الحياة .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ، لكن لابد من حكمة من خلق الزرافة على هذا الطول والارتفاع .

 

الحكمة من خلق الزرافة على هذا الطول والارتفاع :

الدكتور راتب :
 سنراها بعد قليل ، لها رغامى تعد من أطول رغامى في الكائنات التي خلقها الله عز وجل ، رغامتها تزيد على متر ونصف أي الرقبة القصبة الهوائية ، رأسها ضخم جداً ، هذا الموضوع أريد منه شيئاً واحداً ، هو أن هذا الرأس الضخم ، وهذه الرقبة الطويلة التي تزيد على مترين إذا أرادت أن تضع رأسها في الأرض لتأكل مما عليها ما الذي يحصل ؟ ينهمر الدم كله إلى رأسها ، فإذا تدفق الدم إلى رأسها احتقنت شرايين الدماغ ، فإذا رفعت رأسها فجأة فلابد من أن تصاب بالدوار .
 الإنسان - أستاذ عبد الحليم - قد يكون نائمًا ، فإذا وقف فجأة بالمنطق ينبغي أن يصاب بالدوار ، لأن الدم بحسب الجاذبية هبط ، ولكن الشيء الذي لا يصدق أن في الإنسان خصائص ، أن هذا الدم لا يرجع إذا وقف الإنسان فجأة ، مزود بآلية معقدة جداً تحميه من هبوط الدم إذا وقف فجأة ، لكن هذه المادة التي أودعها الله في الإنسان مع تقدمه تضعف ، لذلك المتقدمون في السن لا يستطيعون أن يقفوا فجأة ، يصابون بالدوار ، هذه الزرافة لو أنها وضعت رأسها على الأرض لتأكل ما على الأرض ، وارتفعت فجأة يجب أن تصاب بالدوار ، فلذلك جهز جسمها بآلية بالغة التعقيد تحميها من هذه الحالة التي قد تعيق حركتها ، إذا تدفق الدم إلى رأسها احتقنت شرايين الدماغ ، فإذا رفعت رأسها فجأة فلابد من أن تصاب بالدوار والإغماء قطعاً ، لذلك جهزها الله بآيلة عجيبة حيرت العلماء .
 شرايين الرأس في الزرافة من طبيعة خاصة ، لهذه الشرايين عضلات ، إذا جاءها الدم تتسع بفعل انبساطها حتى تستوعب جميع الدم الذي جاء إلى الرأس بفعل الجاذبية ، ولكن هذه الشرايين لها صمامات ، فحينما ترفع رأسها فجأة تغلق الصمامات كلها فتبقى هذه الكمية من الدم في رأسها ، ثم تفتح شيئاً فشيئاً ، عندها يعود الدم تدريجياً إلى بقية شرايين الجسم ، وآلية هذه الشرايين تلفت النظر ، إذا جاءها الدم كثيفاً توسعت ، واستوعبت ، فإذا رفعت الزرافة رأسها فجأة أغلقت الشرايين صماماتها محتبسة الدم فيها كي لا تصاب بالدوار والإغماء ، من جهزها بهذا الجهاز ؟ من جعل لها هذه الشرايين وهذه العضلات ؟ إنه الله جل جلاله :

﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾

[سورة النمل : 88]

ما من مخلوق إلا وخلقه الله أبدع خلق :

 أستاذ عبد الحليم ، هذا ينقلنا إلى أن الإنسان حينما يكون البرد قارساً ، ويستنشق الهواء الذي تصل درجته إلى الصفر ، كيف يصبح هذا الهواء في درجة سبع وثلاثين بعد وصوله إلى الرئتين ؟ بآلية بالغة التعقيد ، أن الأنف فيه سطوح متداخلة ، وهذا الأنف مزود بأوعية دموية تتسع في البرد ، فتأتي كمية من الدم كبيرة تسخن الهواء بين هذه السطوح ، فإذا استنشق الإنسان هذا الهواء البارد إلى أن يصل إلى مقدمة الرغامى أو القصبة الهوائية تعود حرارته لتصل إلى الدرجة السابعة والثلاثين الطبيعية ، أيضاً هذه آلية بالغة التعقيد ، لذلك تجد الإنسان يحمر أنفه في البرد الشديد ، لأن كمية الدم تأتي كبيرة جداً ، وهذه تسهم في رفع الحرارة فيما بين السطوح التي في الأنف ، وقد زودت هذه السطوح بمادة لزجة تعلق عليها المواد التي يحملها الهواء ، ثم إنه لو تصورنا أن ذرةً من هذه الذرات نجت من أن تلتصق بالسطوح ، وسارت في هذه التجاويف تأخذها الشعيرات التي في الأنف ، فهو جهاز تصفية وتسخين رائع جداً .
 كذلك الزرافة ، قد نتساءل : من زود هذه الزرافة بهذه الشرايين وتلك الصمامات ؟ إنه الله العليم الحكيم ، ما من مخلوق على وجه الأرض ، وما من مخلوق تحت الأرض ، وما من مخلوق إلا وخلقه الله أبدع خلق ، وصنعه أتقن صنعة ، إن قلب الزرافة يدفع في الدقيقة الواحدة خمسة وخمسين لتراً من الدم ، في الدقيقة الواحدة ، فأي شيء وقعت عينك عليه هو آية دالة على عظمة الله ، أي شيء تفحصته ، أي شيء درسته ، أي شيء دققت فيه إنما هو آية تدل على أنه الواحد الديان ، الواحد الأحد الفرد الصمد .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 في حديثنا ، وفي هذه الحلقة فضيلة الدكتور نذكر الأخوة والأخوات أننا تحدثنا عن الخيل ، وذكرنا حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم :

(( الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))

[متفق عليه عن عبد الله بن عمر]

 كما تحدثنا عن الحكمة من طول الزرافة ، وهذا الصنع الذي أتقن بقدرة الله وعظمته .
 أخوة الإيمان والإسلام ، إلى حلقة قادمة من هذا البرنامج مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي نستودعكم الله ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور