- موضوعات علمية
- /
- ٠2ندوات الإعجاز العلمي
مقدمة :
السماء ، البرزخ ، النحل ، الأرض ، ظلمات الفضاء ، الكون ، النمل ، الكواكب، دقة الإنسان .
التفكر في الخلق والكون ، حوارات مع الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أحد علماء دمشق ، يجريها عبد الحليم قباني .
المذيع :
اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أخوة الإسلام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ؛ إن نظرة واحدة في القرآن الكريم تؤكد لنا أن الله جل وعلا كما أنزل للناس كتاباً مقروءاً فقد جعل هذا الكون ناطقاً بخالقيته وقدرته ، يدرك ذلك من يقرأ في آيات الله تبارك وتعالى ، وما يشهد الكون به على عظمة الله سبحانه وتعالى ، ولذلك يمكن القول : إن القرآن الكريم والكون هما مصدرا الحقائق الدينية والعلمية ، والله أنزل الكتاب بالحق :
﴿ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾
وخلق أيضاً الكون بالحق ، خلق السموات والأرض بالحق ، ولا يتصور تصادم حقين مصدرهما واحد ، أو تصادم الحق مع نفسه ، ومن ثَمّ فلا تصادم بين الدين الموجود في الكتاب والعلم المنشور في صفحة الكون .
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، والخطيب والأستاذ الديني في جوامع دمشق ، أهلاً وسهلاً بكم يا سيدي .
لقد سقتَ في كتابك الإعجاز العلمي في القرآن والسنة قصة واقعية حول العقرب والانفجار النووي ، فالعناية البالغة والقدرة على خلق الإنسان والحيوان والنبات ، هذه الصفات من صنع الله عز وجل ، نحن نسوق مثْلَ هذه الأمثلة كي ندل على خلقية الله وقدرته ، فلنبدأ مع هذه القصة ، ونشارك الأخوة المستمعين في هذه الحلقة .
الكون والقرآن مصدرا المعرفة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ عبد الحليم- جزاك الله خيراً - لا بد من تعقيب لطيف على هذه المقدمة التي أدليت بها ، الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، وقد ذكرت قبل قليل أن الكون والقرآن مصدران للمعرفة ، ذلك أن الحق دائرة يمر بها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، وهو القرآن والسنة ، وخط العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة ، وخط الواقع الموضوعي المأخوذ من الكون ، ولأن العقل الصريح من خلق الله عز وجل ، ولأن الفطرة السليمة من برمجة الله عز وجل لهذا الإنسان ، ولأن الواقع الموضوعي هو خلق الله ، ولأن القرآن هو كلام الله ، والسنة تفصيل نبيه صلى الله عليه وسلم ، إذاً هذه الخطوط الأربعة من أصل واحد ، وإذا اجتمعت الفروع في أصل واحد كانت فيما بينها متساوية.
إذاً أنا أعتقد أنه لابد من تطابق النقل الصحيح مع العقل الصريح مع الفطرة السليمة مع الواقع الموضوعي ، أما إذا كان النقل غير صحيح فيتناقض مع العقل ، أما إذا كان العقل تبريرياً غير صريح فيتناقض مع النقل ، أما إذا كانت الفطرة منطمسة فتتناقض مع المنهج الإلهي ، أما لو تصورنا فطرة سليمة ، وواقعاً موضوعياً ، وعقلاً صريحاً ، ونقلاً صحيحاً فهذه الأشياء الأربعة حتمية تطابقها مئة في المئة ، وهذا ما عبر عنه بعض العلماء الكبار حينما ألّف كتاباً عنونه : تطابق النقل مع العقل .
الكون خلقه ، والقرآن كلامه ، والعقل جهاز أودعه الله فينا من خلق الله ، والفطرة جبلة جَبَلنا عليها ، كلها من الله عز وجل .
الحقيقة أن اختياري لهذا الموضوع في كتاب الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة لا من حيثيات الموضوع ، بل في النتائج المترتبة عنه ، الإنسان له خصائص يتميز بها ، وفيه خصائص يشترك فيها مع بقية المخلوقات ، لكن الحقيقة الأولى أن أية صفة مادية يتصف بها الإنسان ففي المخلوقات الأخرى ما يفوقه بها ، فهو إذا عطل عقله ، ولم يبحث عن الحقيقة ، ولم يكن مؤمناً ، فما من مخلوق من الحيوانات إلا ويفوقه في خصائصه المادية ، لكن الإنسان ميزه الله بالعلم ، منحه قدرة إدراكية ، ميزه الله بالخلق ، ميزه الله بالإيمان ، فلو لم يبحث الإنسان عن هذه التي تؤكد إنسانيته هبط إلى مستوى الحيوان .
العناية البالغة والقدرة على الخلق من صنع الله عز وجل :
ثمة مقالة وقعت تحت يدي من قبل ، مضمونها أن فرنسا قبل خمسة وثلاثين عاماً قامت بتفجير نووي في صحراء الجزائر
وهذا التفجير النووي لهيب حارق ، وضغط ماحق ، الإنسان يتوهم أن التفجير النووي يقتل الكائنات الحية بفعل الحرارة المرتفعة
هذا الكلام صحيح ، ولكن كلاماً لا يقلّ عنه صحة أن الضغط الذي يولده هذا الانفجار يسحق كل شيء
فمن لم يمت بالحرارة مات بالضغط ، فإذا قلنا انفجاراً نووياً ، فينبغي ألا يبقى كائن حي كائناً من كان بعد هذا الانفجار ، طبعاً هذا الانفجار لا يبقي نباتاً ، ولا حيواناً ، ولا إنسانًا ، هذا الانفجار أحدث حفرة كبيرة جداً
وشّكل كرة من النار تعلو إلى مسافات شاسعة ، وبعد نهاية الانفجار ، وسكون الأرض وجدوا عقرباً يمشي في أرض الانفجار
إنها مفاجأة غريبة عجيبة ، شيء مدهش ، شيء غير مجرّب في البحوث العلمية ، لذلك عكف علماء الحيوان ربع قرن على دراسة هذا العقرب !!
مقاومة العقرب لظروف البيئة:
الآن يبدأ المغزى ، وجدوا أن العقرب يستطيع أن يبقى بلا طعام ولا شراب ثلاث سنوات ، ووجدوا أن العقرب يستطيع أن يكتم أنفاسه تحت الماء يومين كاملين
ووجدوا أنه إذا وضع العقرب في ثلاجة ، وكانت البرودة من عشر درجات إلى عشرين درجة تحت الصفر فإنه لا يتأثر
فلو نقل إلى رمل الصحراء المحرقة في درجة ستين فإنه يتكيف مع هذا التبدل الحراري الطارئ .
ثم إنه إذا وضع في حمام من الجراثيم الفظيعة لم يتأثر بها إطلاقاً ، وكأنه في حمام بارد ، ثم إنهم عرضوه لأشعة نووية تزيد ثلاثمئة ضعف ما يتحمله الإنسان فتحملها
شرّحوه فلم يجدوا فيه دماً ، بل فيه مصلٌ أصفر ، ماذا يعلمنا هذا ؟ قلت قبل قليل : ليست العبرة في هذه الحقائق المدهشة عن العقرب ، بل العبرة فيما سوف نستنبطه منه.
أبدأ الموضوع بمثل بسيط جداً ، عندكم في البيت طاولة صغيرة توضع في غرفة الضيوف ، لو أنك قدمت لهذا الضيف كأس شراب يضعه على هذه الطاولة ، ما وزن هذه الكأس ؟ قد يكون وزنها مئتي غرام ، هذه الطاولة لو وقفت أنت عليها لاحتملت ، هي صممت لتتحمل كأسًا من الشراب لا يزيد على مئتي غرام ، لكنها تتحمل إنساناً يقدر وزنه بثمانين كيلو ، فكم وضع فيها احتياطي من القوة المتحملة للضغط ؟ وزن الكأس مئتا غرام ، الكيلو خمس كؤوس ، الثمانون كيلو أو المئة كيلو يقف عليها فلا تنكسر ، خمسمئة ضعف .لو تصورنا أن كل عضو في الإنسان معه احتياطي ألف ضعف ، معنى ذلك انتهى المرض ، لا مرض أبداً ، يمكن أن نقول بشكل أو بآخر : إن الإنسان سريع العطب ، خثرة في الدماغ تشلّ حركته ، نقطة دم في شريانه التاجي توقف القلب ، يقال : سكتة قلبية ، خثرة دماغية ، نمو خلايا غير منتظم تنهي حياته .
المذيع:
فضيلة الدكتور ، بعد أن تحدثنا عن العقرب ، وما جرى له ، وأنه احتمل الصقيع، واحتمل البرود ، واحتمل رمل الصحراء ، فطبعاً الإنسان هنا سريع العطب .
الأمراض و سرعة العطب وسائل تربوية لتقريب الإنسان إلى الله عز وجل :
الدكتور راتب :
طبعاً هو سريع العطب ، الشيء الذي أتمنى أن يكون واضحاً تماماً أن الله عز وجل واجب الوجود ، بينما ما سوى الله ، وهو الكون ، أو بالمصطلح القرآني السموات والأرض ممكن الوجود ، الذات الإلهية واجبة الوجود ، وما سوى الله من الكون ممكن الوجود ، معنى ممكن أيْ ممكن أن يكون ، وممكن ألا يكون ، وإذا كان يمكن أن يكون على ما هو كائن ، أو على غير ما هو كائن ، كان من الممكن أن يكون الإنسان متحملاً لكل الضغوط ، ولكل المتغيرات في الحياة ، إذاً لا مرض .
مرض الإنسان أداة تربوية:
مثل آخر ، نحن نأتي إلى الدنيا تِباعاً ، وكان من الممكن نأتي جميعاً دفعة واحدة ، وأن نغادرها دفعة واحدة ، إذاً لا موت ولا حزن ، يجب أن نعلم علم اليقين أن الله عز وجل واجب الوجود ، بينما خلقه ممكن الوجود ، يمكن أن يكون هذا الخلق موجوداً أو غير موجود ، وإذا كان موجوداً فيمكن أن يكون على ما هو كائن ، أو على خلاف ما هو كائنلو أن قلب الإنسان ، ودماغه ، وعضلاته ، والجهاز الهضمي ، والجهاز الإفرازي ، كان باحتياطي كبير جداً يتحمل كل التقلبات ،
وكل المؤثرات ، معنى ذلك أنه المرض أُلغِيَ ، ولكن المرض مقصود لذاته ، إنه أداة تربوية ، قال تعالى :
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
هذه المصائب هي من تصميم الله عز وجل ، الإنسان كلفه الله حمل الأمانة ، وكلف أن يتعرف إليه ، وكلفه أن يطيعه ، فإذا جاء إلى الدنيا ، ولم يكن قائمًا بما كلفه الله به، أو غفل عن معرفة الله ، وعن طاعته ، فلا بد من مذكِّر ، لو أن أباً قال له ابنه : يا أبتِ ، لا أحب أن أدرس ، مثلاً ، فالأب سمح لابنه ألا يدرس ، هذا حينما أصبح راشداً لم يجد معه شهادة يعمل بها ، ولا رأس مالٍ ، ولا بيتاً ، ولا مكانة اجتماعية ، فحقد على أبيه ، قال : يا أبتِ، أنا حينما سألتك ألا أدرس لمَ لم تنهرني ؟ لمَ لم تؤدبني ؟ أنا لا أعلم أنت تعلم ، فكأن الأب ارتكب في حق ابنه خطأ كبيرًا ، لأنه سمح له أن يفعل ما يريد ، وهو جاهل ، فربنا عز وجل يقول :
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
حينما يصمَّم الإنسان على أنه سريع العطب ، وقد يصاب بأمراض وبيلة ، وأمراض عضالة ، وقد تنهار معنوياته أحياناً ، هذه كلها وسائل تربوية ، لتقريبه إلى الله عز وجل .
أنواع المصائب :
لكن بشكل موضوعي المصائب لها أنواع منوعة ، فالمصيبة في حق الشارد والتائه مصيبة ردع أو قصم ، إذا كان فيه بقية خير كانت ردعًا ، وإذا لم يكن فيه خير كانت قصمًا ، لكن المصيبة في حق المؤمن مصيبة دفع إليه ، أو رفع إليه ، أما المصيبة في حق النبي فهي كشف كماله ، بالمصيبة ينكشف كمال النبي ، وبالمصيبة يدفع المؤمن إلى الله عز وجل ، أو يرتقي عنده في الأجر والثواب ، بينما الشارد والغافل إما أن تكون مصيبته مصيبة قصم أو أن تكون مصيبته مصيبة دفع ، هذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
المذيع :
فضيلة الدكتور ، هنا في مثل هذه الحالة التي نتحدث فيها عندما يأتي مرض للإنسان نرى بعض الناس يقولون : لا أريد الذهاب إلى الطبيب ، ولكن الله يداويني ، هناك بعض الناس من يفكر بمثل هذه الطريقة ، وهناك من يفكر بطريقة أخرى ، بل يعتمد على الطبيب بشكل دائم ، ما هي الطريقة المثلى في مثل هذه الحالة ؟
الأخذ بالأسباب و التوكل على الله :
الدكتور راتب :
الطريقة المثلى سألخصها ، ثم أشرحها : أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
العالم الآن غربيٌّ وشرقيٌّ ، العالم الغربي أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، وألّهها، فوقع في الشرك ، والمجتمع المتخلف لم يأخذ بها فوقع بالمعصية ، هم مخطئون ، ونحن مخطئون ، إنك إن أخذت بالأسباب فينبغي أن تعتمد على الله ، تأخذ بها عبادة ، وأن تعتمد على الله يقيناً ، وإنك إن لم تأخذ بها فقد وقعت في المعصية ، بدليل أن الله عز وجل قال عن ذي القرنين :
﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾
النبي عليه الصلاة والسلام علّمنا في سنته أنه لما هاجر أغلق كل الاحتمالات، وهيأ علاجاً لكل التوقعات ، فهيأ من يأتيه بالأخبار في غار ثور ، وهيأ من يمحو الآثار ، آثار الأقدام ، وهيأ ناقة نجيبة ، وهيأ دليلاً رجح فيه الخبرة على الولاء ، كان مشركاً ، غطى كل الاحتمالات ، أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، فلما وصلوا إليه لم يضطرب ، فعَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَا فِي الْغَارِ :
(( لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا ، فَقَالَ : مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ))
هو أخذ بالأسباب تعبّداً ، وهو يوقن بحفظ الله له ، أما المسلم المعاصر فلا يأخذ بالأسباب ، ويقول : توكلنا على الله ، هذا ليس توكلاً ، إنما هو تواكل . في بعض الأحاديث عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ :
(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ : حَسْبِيَ اللَّهُ ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ـ الكيْس العمل والسعي والأخذ بالأسباب ـ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
استعن بالله ولا تعجز . العجز ؛ أن أستسلم لقدري ، وألا أتحرك ، وألا أخذ بالأسباب . ألخّص ذلك : أنت تمشي على طريق ضيق ، عن يمينك وادٍ سحيق ، هو وادي الشرك ، وعن يسارك واد سحيق ، هو وادي المعصية ، إن أخذت بالأسباب ، واعتمدت عليها كما قال الصحابة الكرام في حنين: لن نغلب من قلة ، عددهم كبير ، اعتمدوا على العدد فقط ، قالوا يوم حنين :
﴿ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
وحينما لا تأخذ بالأسباب ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ : قَالَ رَجُلٌ :
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ ؟ قَالَ : اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ ))
سيدنا عمر رأى أعرابياً يقود ناقة جرباء ، قال : كيف تعالجها ؟ قال : أدعو الله أن يشفيها ، قال له : يا أخا العرب ، هلا جعلت مع الدعاء قطراناً ؟
مشكلة العالم الإسلامي عدم الأخذ بالأسباب ، يجب أن نأخذ بها ، وكأنها كل شيء ، ثم نتوكل على الله ، وكأنها ليست بشيء .
خاتمة و توديع :
المذيع :
إذاً كما ذكرتم فضيلة الدكتور ، على الإنسان أن يتخذ الأمر الوسط بين الأخذ بالأسباب والتوكل ، إذاً يأخذ بالاثنين معاً .
طبعاً في مثل هذه الحلقات نتعلم نحن وإياكم الحكمة من بعض الأمور ، ذكرنا أن العقرب لم يمت من هذا الانفجار الكبير ، ولكن الإنسان يموت من شيء صغير .
أخوة الإيمان والإسلام ، مع هذه الحلقات نستفيد نحن وإياكم ، ومع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، جزاه الله عنا كل خير . شكراً جزيلاً .