وضع داكن
29-03-2024
Logo
ندوات الإعجاز العلمي - الندوة : 08 - النحل .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 أخوة الإيمان والإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، مع برنامج : " الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة " معنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية بجامعة دمشق ، والخطيب والمدرس الديني في جوامع دمشق ، أهلاً وسهلاً بكم .
 لقد بثّ الله سبحانه وتعالى في الأرض آيات للموقنين ، فحيثما نظرت ، وأينما ذهبت في حركاتك وسكناتك ، وبيتك وحقلك ، وفي دكانك أو معملك ، إذا مشيت على الأرض، أو ركبت البحر ، أو الطائرة ، فإن الآية الكونية هي معك في كل مكان ، تدل على عظمة الخالق ، في هذه الحلقة واستكمالاً لهذه السلسلة التي نتحدث فيها عن عظمة الخالق في الإعجاز العلمي ، واستكمالاً لحديثنا عن الحشرات والحيوانات ، النحل آية عظمى ، نتحدث عنها إن شاء الله .

 

النحل آية عظمى من آيات الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 إن النحل آية من آيات الله الباهرة الدالة على عظمته ، قال تعالى :

﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾

[سورة النحل: 68]

 تكلمت في الحلقة السابقة أن الآيات الكونية لا تعد ولا تحصى ، ولكننا إذا بقينا في المنهج ، أي في الآيات التي وردت في القرآن الكريم نكون قد توخينا الموضوعات الأولى في موضوعات الآيات الكونية الدالة على عظمته تعالى .
 أول شيء يلفت النظر أن هذه الياء في

﴿ أَنِ اتَّخِذَي ﴾

 هي ياء المؤنثة المخاطبة ، وكأن الآية منصبة على الإناث حصراً دون الذكور ، قال تعالى :

﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[سورة النحل: 68-69]

 إن أردت التفكر فهذه آية مناسبة للتفكر ، إن النحلة هي الحشرة الوحيدة التي تستطيع تخزين رحيق الأزهار من أجل الغذاء ، وهي فضلاً عن بناء خلاياها ، وتصنيعها للشمع والعسل فهي تقوم بعمل جليل ، وهو تلقيح الأزهار ، يغيب عن معظم الناس أن هذه الحشرة لها فائدة كبيرة جداً في تلقيح النباتات ، لكننا نتصور أنها من أجل صنع العسل فقط ، صنع العسل أحد وظائفها ، ومن دون تدخل النحل فإن عدداً كبيراً من النباتات لا يثمر ، والنحل من الخلايا ذات النظام الاجتماعي الدقيق المحكم ، النحل والنمل من أرقى الحشرات الاجتماعية ، طبعاً في خلقها ، وعملها ، ودقائق صنعها إعجاز ، ولكننا قد نلتفت في هذا الموضوع إلى النظام الاجتماعي الذي تخضع له النحلات ، طبعاً هذا النظام الاجتماعي تعجز عن تقليده أرقى المجتمعات البشرية ، لكن ذكرت في لقاء سابق أن هذا النظام الاجتماعي البالغ التعقيد ليس أمراً تكليفياً من الله كما هي حال البشر ، بل هو أمر تكويني من صنع الله وحده .

 

وظيفة النحل :

 الغريزة في الحيوان عمل معقد جداً ، ولكن ليس كسبياً ، إنه عمل وهبي كما يقولون ، تزور النحلة ما يزيد على ألف زهرة لكي تحصل على قطرة من الرحيق .
 أستاذ عبد الحليم ؛ من أجل توفير الوقت والجهد حينما تقع النحلة على زهرة ، وتمتص رحيقها تترك علامة أن هذه الزهرة مصّ رحيقها لتوفر على أخواتها وقتاً وجهداً في مص رحيق زهرة قد مصّ رحيقها ، وتحتاج القطرة الواحدة من الرحيق إلى أن تحط النحلة على ألف زهرة أو أكثر ، ومن أجل أن تجمع النحلة مئة غرام من الرحيق تحتاج إلى مليون زهرة ، ومن أجل أن تصنع نحلة واحدة كيلو عسل تحتاج لأن تطير مئة ألف كيلو متر ، تدور حول الأرض عشر مرات ، لو أننا كلفنا نحلة واحدة أن تصنع كيلو من العسل لاحتاجت إلى أن تطير أربعمئة ألف كيلو متر ، أي ما يعادل عشرة أضعاف محيط الأرض .
المذيع:
 قدرة عجيبة ، سبحان الله بما منّ به على هذه المخلوقات بجمع الرحيق من الأزهار ، وتعليم كل زهرة بزهرتها كي لا تأتي نحلة أخرى ، وتأخذ الرحيق .
الدكتور راتب :
 إن سرعة النحلة في طيرانها تزيد على خمسة وستين كيلو مترًا في الساعة في حالة طيرانها من دون حمولة ، هذه السرعة تقترب من سرعة السيارة ، فإذا كانت محملة بالرحيق تهبط سرعتها إلى ثلاثين كيلو مترًا ، حمولة النحلة من رحيق الأزهار يعدل ثلثي وزنها ، السيارة وزنها ألف كيلو تحمل ثلاثمئة تقريباً ، ويحتاج كيلو من العسل كما قلت قبل قليل إلى طيران ما يعادل أربعمئة ألف كيلو متر تقريباً ، أي يحتاج الكيلو الواحد من العسل إلى عشر دورات حول الأرض إلى خط الاستواء ، طبعاً إن بعض الدول المتقدمة في الصناعة تأخذ المواد الأولية من قارة ، وفي طريقها إلى المصانع تجري على هذه المواد عمليات كثيرة معقدة في الباخرة نفسها .
 قرأت مرة مقالة عن اليابان أنه ليس عندهم مواد أولية إطلاقاً ، وهم من كبار مصدري الستانلس ، صنعوا بواخر تصل إلى أواخر أستراليا ، تأخذ المواد الأولية ، وفي الطريق إلى الشرق الأوسط تصنع هذه المواد الأولية في الباخرة ، وتسلِّمها مصنَّعة جاهزة ، هذا تفعله النحلة ، في طريقها الذي قد يصل إلى عشرة كيلو مترات من مكان رحيق الأزهار إلى خلاياها في الطريق تجري عمليات كيماوية معقدة جداً ، تحويل الرحيق إلى عسل ، ويتم هذا في الطريق كما تفعل بعض البواخر اليوم في صنع الستانلس ، ريثما تصل إلى مكان التسليم ، إذا كان موسم الأزهار غزيراً فإنها تعطي حمولتها لنحلة أخرى ، وتعود سريعاً لكسب الوقت ، وجني رحيق الأزهار ، يوجد نحلات ضعيفة لا تكلف بالسفر إلى مكان بعيد ، هذه تأخذ الحمولة من أختها في مدخل الخلية ، وتنطلق إلى داخل خلية كي تضع الحمولة في المكان المناسب ، وتعود النحلة إلى مكان رحيق الأزهار إذا كان الموسم جيِّدًا .
المذيع :
 ذكرت لنا فضيلة الدكتور أن النحلة ليس فقط تأتي بالرحيق من الأزهار ، بل إن هناك مكانة اجتماعية للنحلة ، وهي اجتماعية ، لها وظائف محددة غير جمع الرحيق .

وظائف أخرى للنحل :

الدكتور راتب :
 الملكة هي أكبر النحل حجماً ، هي تضع كل يوم في فصل الربيع تقريباً من ألف إلى ألفي بيضة كل يوم ، والذي يأخذ بالألباب أن هذه الملكة تضع الملكات في مكان ، والذكور في مكان ، والإناث في مكان ، وكأنها تعلم مسبقاً أنها ستلد ملكة ، أو أنثى ، أو ذكرًا، هذا فوق طاقة البشر ، طبعاً تضع الملكات في مكان كي تتلقى غذاء خاصًّا مناسباً لها ، والذكور في مكان ، لأن لهم غذاء خاصًّا مناسبًا لهم .
 إن العاملات من إناث النحل منهن من يأتين بالطعام الخاص للملكة ، ويسمى هذا النحل الوصيفات ، هناك نحلات وصيفات يقمن على خدمة الملكة ، وتأمين الغذاء المناسب للملكة ، ويباع في الأسواق عسل الملكة ، وهو غالٍ جداً ، وهو أفضل ما عند النحل ، بعض النحلات العاملات يجمعن غبار الطلع ليكون غذاء ملكيًّا لملكتهم ، إذا ماتت الملكة اضطربت الخلية ، ويلاحظ الإنسان هذا التبدل ، و الملكة لا تلدغ الإنسان ، بل ملكة أخرى تنافسها على منصبها ، لذلك كانت مهمة الذكور تلقيح الملكات ، ومهمة الإناث العمل ، والملكة مهمتها الولادة .
 هذه آية من آيات الله الدالة على عظمته ، لقد شاءت حكمة الله جلّ جلاله أن يخلق مجتمعاً قائماً على أعلى مستويات التعاون ، والتكامل ، والاختصاص ، والعمل الدؤوب المنتج ، والتنظيم المعجز ، بأمر تكويني لا بأمر تكليفي ، لذلك لا يمكن أن تجد في مجتمع النحل خللاً ولا فساداً ، إنه كمال خلقي مطلق ، لأن أمره هذا تكويني لا تكليفي ، هذا ما نجده في مجتمع النحل ، إنه مجتمع موحَّد متكامل ، على رأسه ملكة واحدة لا تنازعها أخرى ، تشعر كل نحلة في الخلية بوجود الملكة عن طريق مادة تفرزها الملكة ، وتنقلها العاملات إلى كل أفراد الخلية ، فإذا ماتت الملكة اضطرب النظام في الخلية ، وعمت الفوضى ، وشلّت الأعمال .
 في وقت واحد لا تدير المملكة إلا ملكة واحدة ، يوجد نائبة لها ، أو كما يسمى وليّ العهد ، إن إناث النحل تقوم بأعمال متنوعة كثيرة ، توزع فيما بينها بحسب أعمارها واستعدادها الجسماني ، وعند الضرورة والخطر ، وفي المواسم الصعبة تعمل كل نحلة ما يفرض عليها ، في أيام الرخاء هناك اختصاصات ، أما في أيام الشدة فينبغي أن تقوم كل نحلة بكل هذه الأعمال ، الوصيفات كما قلت يقمن على خدمة الملكة ، وجلب الطعام الملكي ، وهناك حاضنات ومربيات يقمن برعاية الصغار ، وجلب الغذاء المناسب ، وهناك عاملات يحضرن الماء إلى الخلية ، وهناك أخريات يقمن بتهوية الخلية صيفاً ، وتدفئتها شتاء ، وترطيبها في وقت الجفاف ، وغيرهن يقمن بتنظيف الخلية ، وجعل جدرانها ملساء لامعة ناعمة عن طريق مواد خاصة ، وهناك حارسات يقمن بحراسة الخلية من الأعداء ، ولا يسمحن لنحلة أن تدخل الخلية ما لم تذكر كلمة السر ، وإلا قُتلت ، وتبدل كلمة السر عند الضرورة ، وهناك من النحلات من يقمن بصنع أقراص الشمع ذات الشكل السداسي ، الذي تنعدم فيه الفراغات البينية بأسلوب ، وتصميم يعجز عن تقليده كبار المهندسين .
 مثلاً ، هل يستطيع إنسان بالغ ذروة العقل والمهارة أن يبدأ بتبليط صالة كبيرة ، إنسان من اليمين ، وإنسان من اليسار ، وإنسان من الشمال ، وإنسان من الجنوب ، وأن يجتمع هؤلاء الأربعة على بلاطة نظامية بمقياس دقيق ، هذا فوق طاقة البشر ، إن قرص الشمع تبدأ به النحلات من أطرافه ، وتصل إلى الوسط بأشكال سداسية لا تتغير عن بعضها ، ولا بعشر الميليمتر ، هذا شيء فوق طاقة البشر .
المذيع :
 إنها دقة عجيبة في التصميم والتنفيذ .
الدكتور راتب :
 وهناك رائدات يقمن بمهمة استكشاف مواقع الأزهار ، فإذا عثرن عليها عُدنَ إلى الخلية ، ورقصنَ رقصة خاصة تحدد هذه الرقصة لبقية النحلات العاملات الموقع من حيث المسافة ، والاتجاه ، وغزارة الإنتاج ، وإذا كانت الوتيرة سريعة جداً والإنتاج كثيفًا جداً ، الجمهرة الكبيرة من العاملات تنطلق إلى مكان الأزهار لجني رحيقها ، لأنها المادة الأولية للعسل ، وقد تبتعد هذه المواقع عن الخلية أكثر من عشرة كيلو مترات ، ويعود النحل للخلية بعد أخذ الرحيق بطريقة لا تزال مجهولة حتى الآن ، والنحل أكفأ الحشرات بنقل وتخزين أكبر قدر ممكن من رحيق الأزهار في أقصر وقت ممكن ، وأقل مجهود ممكن ، وهي أكفأ الحشرات في تلقيح النباتات كي تساعدها على إنتاج البذور والثمار .
المذيع :
 سبحان الله ! و بعد كل هذا الجهد والعمل الدقيق ، وبعد أخذ الرحيق من الأزهار والعملية التصنيعية التي ذكرتها ، وهي في الطريق تأتينا بهذا العسل المفيد جداً .

العسل شفاء للناس :

الدكتور راتب :
 كان العسل يعدّ فيما مضى غذاء ، وهو الآن دواء ، أكثر من أربع وسبعين مادة علاجية في العسل ، إذا قال خالق الكون :

﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾

[سورة النحل: 69]

 أعرف طبيبًا جراحاً في دمشق ، بعد أن ينتهي من عمله الجراحي يضع خيطاً من العسل على الجرح ، حتى يسرّع العسلُ في التئام الجروح .
 أتمنى أن يكون هذا الموضوع واضحاً عند كل أخ كريم ، حتى يستبدل العسل بهذه الحلويات الصناعية ، الآن يوجد شرابات ليس فيها ذرة واحدة من مادة طبيعية ، كلها مواد كيماوية ، فكان عليه الصلاة والسلام يشرب شربة عسل ، يضع لعقة عسل في كأس ماء ، ويبقيه حتى الصباح ، ثم يذوب العسل في الماء ، المادة الحلوة المكثفة قد تؤذي المعدة ، كان عليه الصلاة والسلام يشرب شربة عسل ، ثم إن القيمة العلاجية للعسل أضعاف قيمته الغذائية ، ففوائده العلاجية في مختلف الأجهزة والأعضاء والنسج ثابتة ، بل تفوق الحد المعقول ، كيف لا وقد قال تعالى :

﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾

[سورة النحل: 69]

 بالمناسبة لا بد من ذكر هذه الحقيقة المؤلمة ، أنت قد تشتري عسلاً ، لكنه أخذ من السكر فقط ، لأن بعض ضعاف النفوس يضعون القطر إلى جانب خلايا النحل ، فتمتص القطر ، فيكون عسلاً ، ولكن هذا العسل ليس له كبير فائدة ، العسل الذي ينفع الإنسان ما أُخِذ من رحيق الأزهار بالذات ، هذا الموضوع طويل جداً ، ولكن في حلقة قادمة إن شاء الله نتحدث عن تركيب العسل وفوائده العلاجية ، إن شاء الله تعالى .

 

خاتمة و توديع :

المذيع :
 فضيلة الدكتور ، ذكرت النحلة في آيات كريمة ، قال الله تعالى :

﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾

[سورة النحل: 68]

 وكما ذكرتم فضيلة الدكتور أن مجتمع النمل مجتمع متكامل ، من التعاون ، والتكامل ، والاختصاص ، والعمل الدؤوب المنتج ، والتنظيم المعجز ، بأمر تكويني لا بأمر تكليفي ، لإنتاج هذا الكمّ الكبير من العسل ، وهو كما ذكرتم دواء ، وليس فقط للأكل والاستهلاك ، نشكركم فضيلة الدكتور على هذه الحقائق العلمية والشرعية في آن واحدٍ التي تعطونها في كل حلقة من هذه الحلقات .
 أخوة الإيمان والإسلام ، إلى حلقة قادمة بإذن الله تعالى من برنامج الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة ، نستودعكم الله ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور