وضع داكن
25-04-2024
Logo
رحلة استراليا 2 - المحاضرة : 5 - الدين النصيحة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيعة: يسعدنا، ويشرفنا بأن نرحب بفضيلة الدكتور الداعية محمد راتب النابلسي، فضيلتكم فخراً لنا أن تكون معنا الآن، وتودع مستمعينا الذين يتابعون، ونعلم أن سفركم إن شاء الله في هذا المساء، وندعو الله سبحانه وتعالى أن تعود إلى بلدك سالماً إن شاء الله، وكل المحبة لك منا، ومن جميع مستمعين إذاعة الصوت الإسلامي، في ختام لقاءاتك وإقامتك في أستراليا وسيدني تحديداً ماذا تود أن تقول لمستمعينا الكرام ؟
 الأستاذ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، أيها الأخوة الأحباب، لقد غمرتموني بمحبتكم، ولقد لقيت من كرمكم واهتمامكم وحفاوتكم الشيء الكثير، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون قد قدمت لك شيئاً ثميناً ننتفع به جميعاً، لأن الدين نصيحة، والمؤمنون بعضهم لبعض نَصَحةٌ متوادون، ولو ابتعدت منازلهم.
 أيها الإخوة الأحباب، دعيت لإلقاء كلمة في إذاعة أستراليا ( SBS ) قلت لهم: إن الأسترالي لا يمكن أن يعرف الإسلام من الكتاب والسنة، ولا من كتب الأصول، ولا من علماء المسلمين في المشرق، ولا من المرجعيات الدينية، ولكن الأسترالي لا يعرف الإسلام إلا مِن الذي أمامه من المسلمين، فكل أخ كريم مسلم في هذا البلد الطيب هو سفير أمتي، وأتمنى أن يستوعب هذا الحديث الشريف الدقيق فيما ورد في الأثر:

(( أنت على ثغرةٍ من ثغرِ الإسلام فلا يُؤتَينّ مِن قِبَلكَ ))

( ذكره المروزي في كتاب السنة عن الأوزاعي )

 لو أن مسلمًا أساء لمسلم، المسلم الذي أسيء إليه يقول: فلان أساء إلي، أما لو أن مسلماً أساء لغير مسلم، يقول: الإسلام أساء إلي ! لذلك في بعض أحاديث النبي الكريم، عَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ قَالَ:

(( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِجَنَبَاتِ رَجُلٍ عِنْدَهُ طَعَامٌ فِي وِعَاءٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ غَشَشْتَ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ))

( سنن ابن ماجة )

 من غش فقط ! مطلقاً، فالإنسان الذي يقيم في هذه البلاد يمكن أن يكون داعية كبيرا، وهو صامت، لكن استقامته وصدقه وأمانته وتواضعه ومودته لمن يعيش معهم هو دعوة إلى الله، ودعوة إلى الدين، وتجسيد لقيم الإسلام، أما إذا توهم أوهامًا ما أنزل الله بها من سلطان، أن هؤلاء ينبغي أن نسيء إليهم، أو أن نأخذ ما ليس لنا أن نأخذه منهم، هذا فهم سقيم لا يمكن أن يكون صحيحاً إلا من الجهلة المتطرفين، تعيش في بلد ينبغي أن تكون أديباً، وتحترم الذين منحوك هذه الإقامة، وقدموا لك كل شيء، وقد قال الله عز وجل:

 

﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾

 

( سورة التوبة: الآية 7 )

 طبعاً أنا لا أعمّم، لأن التعميم من العمى، ولكن في إقامتي في هذه الأسابيع الثلاثة وجدت أن بعضاً، وأرجو أن يكونوا قلة من المسلمين أساءوا لمن حولهم، فأعطوا انطباعاً سيئاً عن الإسلام، هم لم يكونوا دعاة له، بل كانوا منفّرين، وفرق كبير بين أن تكون داعية وبين أن تكون منفراً.
 وفي بعض ما ورد في كتب الأثر: أن نبياً قال:

(( يا رب، أيّ عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ فقال: أَحبُّ عبادي إليّ تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحب من أحبني، وحببني إلى خَلقي، قال: يا رب، إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خَلقك ؟ قال: ذكِّرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي ))

 فالإنسان حينما يفكر أن يقيم في هذه البلاد يجب أن ينقل إليها أفضل ما في الدين من قيم سامية، ومبادئ واضحة، من تسامح، ومحبة، وإذا ذهب إلى بلاد المسلمين ينبغي أن ينقل إليهم أفضل ما في هذه الحضارة من نظام، ودقة، ومسؤولية، وعمل دؤوب، أما أن ينقل إلى بلاد الغرب البعيد أسوأ ما في الشرق، فإذا ذهب إلى الشرق ينقل إليهم أسوأ ما في الغرب، فهذه الطامة الكبرى، والمشكلة التي لا حل لها.
 فكل إنسان يقيم في هذه البلاد يجب أن يعدّ إلى المليون قبل أن يخطئ مع من حوله.
 الملاحظة الأولى: أقول مرة ثانية: هؤلاء الإخوة لا يمكن أن يفهموا الدين الإسلامي لا من الكتاب والسنة، ولا من مرجعياته، ولا من علماء المسلمين في المشرق، إنهم لا يفهمون هذا الدين إلا من هذا المسلم الذي أمامهم، فإما أن تكون داعية كبيراً، ولو لم تنطق بكلمة، أمانتك، وصدقك، وتواضعك، ومودتك، وخدمتك هو أكبر دعوة لهذا الدين، وإما أن تكون منفراً فتعطي فكرة سيئة، وقد قلت مراراً في لقاءات عدة: إن الجاليات الإسلامية في العالم الغربي والشرقي البعيد لو أنها طبقت منهج الله عز وجل، وأنا أقسم بالله لكان موقف الغرب والشرق من الإسلام غير هذا الموقف الذي نشكو منه، وهو أننا دائماً متهمون بالعنف، وبأننا لسنا حضاريين، هذه الاتهامات جاءتنا من تصرفات قام بها الجهلة، والتي تتناقض مع جوهر الدين، فكل أخ مسلم في هذا البلد ينبغي أن يكون داعية لهذا الدين، هذه ملاحظة أولى.
 الملاحظة الثانية: يقول الله عز وجل:

 

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا﴾

 

(سورة الأنفال: الآية 46 )

 فالمسلمون حينما يتنازعون، ويبتعدون عن منهج ربهم، وتدبّ العداوة والبغضاء بينهم، وحينما يتنافسون يتفرقون، ويضعفون، والأخ المسلم في هذا المهجر في أمسّ الحاجة إلى أخيه.
 فلذلك أنصح الإخوة الكرام، وقد غمروني بمودتهم وكرمهم وترحيبهم، أنصح لهم أن يبقوا على صلة متينة مع بعضهم البعض، لأن هذه الصلة يمكن أن تتنامى، وإذا تنامت شكلوا مجتمعاً إسلامياً نموذجياً، والغرب كما أقول: لا يحترمون هذا الدين إلا إذا رأوه ممثلاً في مجموعة تبرز مبادئه وقيمه، فوحدة الإخوة المؤمنين في هذا البلد الطيب، وتعاونهم، وتناصرهم، وتناصحهم، ونزع فتيل المشكلات بينهم هذا أفضل رسالة يؤدونها لهذا البلد الذي يعيشون فيه.
 الملاحظة الثالثة التي أتمنى أن تكون واضحة: هي أن أكبر مشكلة تقلق الآباء أبناؤهم، والابن فلذة الكبد، والابن استمرار الإنسان، ولو بلغ الإنسان أعلى مرتبة في العلم المادي، أو جمع أكبر ثروة، أو ارتقى إلى أعلى منصب، ولم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس !
 فلذلك أن نعتني بالأولاد، وقبل أن أغادر ( ميرمون ) أحد الأخوة الكرام قال: نحن في بلاد المسلمين نطمئن على أولادنا، ولو كنا عمياً، ونحن هنا في أستراليا نقلق على أولادنا ولو كنا متفتحين، لأن الصوارف كثيرة جداً، وأبواب الفساد لا تعد ولا تحصى، والطفل إذا لم يتلقَّ من أبيه وأمه توجيهاً قوياً مركزاً لم يتلقَّ متابعة، ولا عطفاً، وحناناً فلربما انجرف إلى تيار يجعل الأب والأم شقيين بشقاء ابنهما.
 فإذا كان الإنسان في بلده الأصلي يحتاج إلى جهد كبير لتربية ابنه، هنا يحتاج لأضعاف مضاعفة لهذا الجهد، ولا شيء يملأ قلب الأب والأم سعادة وطمأنينة واستقرارًا كأن يرى ابنه صالحاً، لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ، صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ ))

( سنن الترمذي )

 فأول ملاحظة: كل أخ مسلم سفير لدينه في هذه البلاد.
 والملاحظة الثانية:

 

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾

 التواصل، والتعاون، والمحبة تنطلق من هذا القول: نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، هناك أقلّيات في العالم ذكية جداً: يتعاونون على خمسة بالمئة من القواسم المشتركة، والمسلمون مع الأسف الشديد يتقاتلون، و بينهم خمس وتسعون بالمئة من القواسم المشتركة.
 فأول بند أن نكون سفراء لهذا الدين العظيم، ونتعاون، ونعتني بأولادنا، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الأخوة المؤمنين في هذا البلد الطيب إلى الصلاح والرشاد والتعاون، فالإنسان قوي بأخيه، ضعيف وحده، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن آتيكم مرات ومرات، فلعل الله سبحانه وتعالى يكتب لي أن أدع شيئاً ثميناً بين الإخوة الكرام المؤمنين الذين أحبوني، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنهم، وأهلاً لمحبتهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 المذيعة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكراً فضيلة الدكتور على هذه الكلمة الطيبة، وأهلاً وسهلاً بك دائماً في سيدني وأستراليا.

 

 

إخفاء الصور