وضع داكن
20-04-2024
Logo
رحلة استراليا 2 - المحاضرة : 2 - سؤال وجواب2.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيعة: يسعدنا أن نستضيف في برنامج اليوم الدكتور محمد راتب النابلسي من مواليد دمشق عام 1938، الذي حصل على ليسانس في آداب اللغة العربية وعلومها من جامعة دمشق، وماجستير في الآداب من جامعة ليون، ودكتوراه في التربية من جامعة ( Trainity college ) في ١٩٩٩/٦/١٨ بناء على إنجازاته وخبراته ومؤلفاته في مجال التربية في موضوع تربية الأولاد في الإسلام، وشارك في تأليف عدة كتب، ودرس التفسير والحديث والفقه والسيرة والفرائض، وفي عام 1974 عين خطيباً، ولا يزال في جامع جده الشيخ عبد الغني النابلسي، ومدرساً دينياً في مساجد دمشق، مثّل سورية في مؤتمر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة في الرباط، والمؤتمر الإسلامي في طهران، شارك في مؤتمر الأسرة في أبو ظبي، وفي مؤتمرات في ديترويت في لوس أنجلوس، وفي القاهرة، وفي مؤتمرات استنبول وماليزيا، لبى دعوة لإلقاء محاضرة في الولايات المتحدة الأميركية وفي أستراليا وتركيا ولبنان، من مؤلفاته: نظرات في الإسلام، تأملات في الإسلام، كلمات مضيئة ولقاءات مثمرة مع الشعراوي، الإسراء والمعراج، الهجرة، كتاب الله أكبر، موسوعة الأسماء الحسنى، ومضات في الإسلام، وتفسير سورة النور، أهلاً وسهلاً بكم يا أستاذ في أستراليا للمرة الثانية.
 دكتور محمد راتب النابلسي، ماذا تريد أن تحقق في هذه الزيارة ؟
 الأستاذ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أنا أرى أن هناك ممارسات للمسلمين ليست صحيحة، عكست صورة لا ترضي عن الإسلام، جئت إلى هنا من أجل أن أوضح حقيقة الإسلام، هذا الدين العالمي الدين الذي يدعو للسلام والمحبة، المفهومات الخاطئة التي تصورها الناس عن الإسلام من خلال ممارسات خاطئة للمسلمين، هذه الممارسات لا تعبّر عن هذا الدين العظيم، ينبغي أن نرجع إلى هذا الدين من أصوله الكبيرة، كما لو أننا أردنا أن نشرب الماء الصافي ينبغي أن نذهب للينابيع.
 المذيعة: دكتور محمد راتب النابلسي، كما قلنا: إنك هنا في أستراليا بدعوة من المجلس الإسلامي في ولاية نيسافواس، وكما تعرف أن في الغرب لا يكاد يمر يوم أو أسبوع دون أن تروّج وسائل الإعلام مغالطات وافتراءات عن الإسلام والمسلمين، وهذا الوضع مستمر من الحادي عشر سبتمبر، يربطون الإسلام بالإرهاب، تصوِّر بعض وسائل الإعلام الإسلام بطريقة نمطية تؤجج العنصرية والعداء نحو الذين ينتمون للعالم الإسلامي.
 الأستاذ: أرى أنّ قلّة قليلة جداً من كبار المثقفين يفصلون الدين عن رجال الدين، والإسلام عن المسلمين، ولكن الخط العريض في المجتمع بعفوية ساذجة يتوهم أشياء عن الإسلام ليست صحيحة، إنما هي من ممارسات خاطئة مارسها بعض المسلمين الذين لم ينضبطوا بمنهج الله عز وجل، ففي أي بلد في العالم هناك مذاهب ومبادئ، قد تزوّر، وتشوّه، وتمارس ممارسة غير صحيحة، هذا شأن أيّ مكان في العالم، وأيّ اتجاه.
 المذيعة: قد تتجاوز الممارسات إلى حد أنه يوجد عدد كبير ممن يطلقون على أنفسهم علماء في الدين، يشرّعون، ويفتون، ويفسّرون بطريقة مهينة للإسلام تثير الرعب من الإسلام.
 الأستاذ: المشكلة أن هناك من يكيد لهذا الدين من أدعيائه ! حينما يمارسون ممارسات لا يقبلها الإسلام إطلاقاً، ولكن نحن نقول: الموضوعية أكبر قيمة خلقية، وأكبر قيمة علمية، ولا يلتقي العلم مع الخُلق إلا في قيمة الموضوعية، فحينما أدرس الأمر دراسة بعيدة عن المهاترات، وبعيدة عن الممارسات الخاطئة، وعن الأهواء والكيد، والأهداف السياسية حينما أصل إلى الحقيقة أكون أخلاقياًَ وموضوعياً.
 المذيعة: نحن نتوجّه إلى هؤلاء الذين من الدين الإسلامي نفسه يسيئون لسمعة الإسلام بطريقة عشوائية غير منظمة، ليس هناك في التنظيم الإسلامي في العالم ما يكبح جماح هؤلاء الذين يسيئون إلى سمعة الإسلام.
 المذيع: أرى أن العلماء فيما مضى قصروا في توعية الناس من خطورة هذه الممارسات، فلما قصروا تفاقمت هذه الممارسات، وأصبحت لا تقمع إلا قمعاً عنيفاً، وقد كان من الممكن أن يسمح للإسلام الوسطي المعتدل المرابح المسامح المتسامح أن ينتشر، هذا الإسلام هو الأصل، لأن النبي عليه الصلاة والسلام فيما ورد في الأثر يقول:

(( الخَلْق كُلُّهُمْ عِيَالُ اللهِ، وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ ))

(الطبراني في المعجم الكبير عن ابن مسعود، مسند أبي يعلى عن أنس )

 وفي حديث صحيح عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ))

(صحيح البخاري)

 وهناك قاعدة أصولية: أن المطلق على إطلاقه، أيْ لأخيه في الإنسانية، الإسلام دين إنساني، دين السلام، والمحبة، والتسامح، هذه حقيقته، والحقيقة أن هناك تشويقًا كبيرًا جداً.
 لي صديق هو رئيس الجالية الإسلامية في أميركا، وقد أجرى دراسة كلفته عامين من أجل أن يحصي الأعمال العنيفة، فإذا بنسبة المسلمين فيها ثلاثة بالمئة فقط ! هذه دراسة علمية كلفت عامين من الجهد، جمع الوثائق من أكثر مراكز الشرطة، وأكثر مراكز المساحات.
 المذيعة: مثل هذه المبادرات الجيدة التي تظهر الحقائق بالنسبة للوضع الإسلامي الحقيقي تأتي من فرد، ليس هناك أي مؤسسات حكومية يمكن أن تدعّم مثل هذه التطورات، مثلاً تتحدث عن الولايات الأميركية، نجد في مثل هذه الأيام حملة تصنيف عرقي، يقال: إن المسلمين في أميركا يتعرضون له من قبل السلطات، عمليات استجواب، تحقيق مع أعضاء الجالية المسلمة في أميركا، اقتحام مسجد في نيويورك من قبل المباحث الفيدرالية، وزارة الأمن الداخلي أعلنت أنها بحاجة إلى قوائم بأسماء العرب والمسلمين هناك، نجد أنهم يعملون بأنفسهم من دون أي دعم من أجل تصوير حقيقة الإسلام وحماية المسلمين المعتدلين الذين تتحدث عنهم.
 الأستاذ: إنني من سوريا، ومن دمشق تحديداً، وخطباء المساجد في دمشق ـ ولله الحمد ـ يكرّسون المعنى الصحيح للإسلام في خطبهم التي تنقل عبر الإذاعة والتلفزيون، وفي مقالاتهم وكتبهم، لاشك أن هناك حملة واعية وكبيرة جداً من علماء المسلمين لتوضيح حقيقة الإسلام، هذه مهمة أساسية ألقيت على كواهلنا عقب الأحداث الأخيرة التي ألمّت العالم.
 المذيعة: دكتور، ضيفنا الذي يزور أستراليا الدكتور محمد راتب النابلسي، رغم وجود موقع مهم على الإنترنت لك، وبريد إلكتروني يبدو أنك من علماء الدين الذين يهتمون بشكل خاص بالتكنولوجيا، نجد بأن هناك حالة تخلف كبيرة، ليس هناك من إنتاج معرفي حقيقي عند المسلمين، هناك الكثير من الكتب تصدر في العالم الإسلامي، لكنها كلها شروحٌ عن كتب مضت، مضى الدهر عليها، وأكل وشرب، لا تتجاوز حدود الحزب الواحد، أين نحن من الحداثة ؟
 الأستاذ: أنا أرى أنه إذا لم يكن لديك ما تقول فلا غناء في القول، وكنت أتمنى على وسائل الإعلام التي أنيط بها قضية السماح للكتب أن تنشر أن يكون في كل كتاب شيء جديد، أما أن يكون هناك كمّ كبير من الكتب تتحدث عن موضوعات واحدة بطرائق متنوعة فهذا يثقل كاهن الإنسان العربي الذي يريد أن يقرأ، على كل الإسلام ينبغي أن نطبقه، ونعقلنه، ونبسطه، الدين كالهواء، يجب أن يستنشق ببساطة ما بعدها بساطة، والدين ليس معقّداً، لكن نحن عقّدناه، الدين لُخِّص بكلمة قالها السيد المسيح في القرآن الكريم:

 

﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً (31)﴾

 

(سورة مريم)

 أي إنّ الإنسان المسلم هو الذي يحسن علاقته بالله، طاعة، وعبادة، ويحسن معاملته للخلق، فحينما أعقِد صلة مع الله عز وجل تنعكس هذه الصلة بعلاقة راقية مع الخَلق فأكون مسلماً.
 المذيعة: دكتور النابلسي، لماذا نجد مثلاً أن هناك حالة كبيرة ينشغل العلماء بقضايا وفتاوى
 ليس لها أهمية، وفي الحقيقة في الحياة ليس هناك مِن انتباه أو التفات في الفتاوى الدينية وقضايا العلماء ينشغلون في قضايا اندماج المسلمين في مجتمعاتها ؟
 الأستاذ: هذا موضوع خـطير جداً سميته الاستغراق في الجزئيات، هذا مرض أصاب المسلمين، الدين له أهداف كبيرة، ومقاصد إسلامية رفيعة، ومنهج يجعل من الإنسان إنسانًا متميّزًا يتمتع بمرتبة خُلقية، ومرتبة علمية، ومرتبة جمالية، هذا الدين العظيم نسخ إلى جزئيات غرق فيها الفقهاء، وأنا أقول: لا بد من أن نربط كل جزئية بالمقصد العام، ولا بد من أن نعرف أهداف الدين الكبرى، لابد من أن نبسط الدين، لا يعقل أن يكون الدين طلاسم وأحاجي، وألغازًا، الدين يجب أن نستنشقه كالهواء، وأن نعرف عظمة الله عز وجل، ونأتمر بأمره، وأمرُ الله عز وجل أمرٌ مِن قِبَل الخالق والخبير، فنحن ابتعدنا كثيراً عن حقيقة الدين، وجوهر الدين، وأهداف الدين السامية، ومقاصد الدين، وغرقنا في جزئيات لا تقدم ولا تؤخر، والحقيقة أنا أدعو إلى التجديد في الدين، دعوتي تقوم على أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه.
 جاءتني رسالة عن طرق الإميل ( البريد الإلكتروني ) من أخ صديق في بريطانيا، يذكر لي قصة إمام مسجد في بريطانيا، نُقِل إلى ظاهر لندن، عندما نقل هناك اضطر أن يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه، في إحدى المرات صعد المركبة ودفع له ورقة نقدية كبيرة، وردّ له السائق التتمة، عدّها فإذا هي تزيد عشرين بنسًا عما يستحق، فقال هذا الإمام: هذا المبلغ ليس لي، عليّ أن أرده للسائق، ثم جاءه خاطر آخر أنها شركة عملاقة، ودخْلُها فلكيّ، والمبلغ يسير، وزهيد، ولا قيمة له، ولا عليّ أن آخذه، فأنا بحاجة إليه، لكن حينما وقف لينزل من المركبة دون أن يشعر مدّ يده، وأعطى السائق عشرين بنسًا، السائق تبسم، وقال: ألست إمام هذا المسجد ؟ قال: بلى، قال: والله قبل يومين حدثت نفسي أن أزورك في المسجد كي أتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك ! وقع هذا الإمام مغشياً عليه، لأنه تصوّر عِظمَ الجريمة التي سيقترفها لو أبقى هذا المبلغ الزهيد في جيبه، ثم قال: يا رب، كدت أبيع الإسلام بعشرين سنتاً ! أقسم بالله لو أن أفراد الجاليات الإسلامية في المشرق والمغرب طبقوا الإسلام وحقيقته تماماً، وتسامحه، ودعوته للسلم والمحبة، ومنهج الله العدل لكان حال الغربيين من الإسلام غير هذا الحال.
 المذيعة: دكتور، هناك مشاكل ليست فقط فيما يصور عن الإسلام في الإعلام في الغرب، وأيضاً في اندماج المسلمين في مجتمعاتهم الغربية، قضايا حساسة مهمة، مثل وضع المرأة في الإسلام، تعليم البنات، أهمية التكنولوجيا، والتحديات التي يواجهها، فكيف تنظر لمثل هذه الأمور المهمة التي قد يساء تفسيرها، خصوصاً بالنسبة للمرأة ؟
 الأستاذ: حينما يقول الله عز وجل في قرآنه الكريم:

 

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

 

( سورة المائدة: الآية 3)

 قال علماء التفسير: " الإتمام عددي، والإكمال نوعي "، أي إنّ عدد القضايا التي عالجها الدين تام عدداً، وإن طريقة المعالجة كاملة نوعاً، الدين له مرجعية، وله أصول، القرآن والسنة، القرآن يؤكد بآية قطعية الدلالة أن التعايش واجب المسلم مع غير المسلمين، أين الآية ؟

 

﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾

 

( سورة التوبة: الآية 7 )

 هذه الآية أصل في مبدأ التعايش ! ينبغي أن يعيش المسلم مع غير المسلم معيشة أساسها السلام والمحبة، والتعاون والتضامن والتسامح.

 

﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾

 

 المذيعة: هناك تحيز نمطي ضد الغرب مرتبط ربما بذاكرة جماعية، بتداعيات سلبية، الهيمنة، ولدت عند عدم ثقة، شهدنا مثلاً صراعات طويلة، مثل فلسطين، وما يجري في العراق، تنامي العداء الآن للولايات الأميركية، وهناك رؤية خاطئة تجعل الغرب بصورة نمطية سلبية عند المسلمين، والعرب بالغرب.
 الأستاذ: تفضلتِ بكلمة ذاكرة جماعية، الذاكرة الجماعية محصلة توجيه خاطئ من قِبَل الدعاة، أرى أن الإسلام المعتدل الوسطي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام الإسلام الأُممي، والذي يقر التعايش، وأساسه المحبة، والذي أساسه التسامح والسلام، هذا الإسلام ينبغي أن يُمَكَّن من يفهموه هذا الفهم من منابر المسلمين، إذا مُكِّن أناس معلوماتهم غير صحيحة، وتوجيههم خاطئ، إذا مُكِّن هؤلاء من منابر المسلمين أثمر توجيههم هذا الفهم الجماعي الخاطئ للإسلام.
فمهمّة الحكومات الإسلامية أن تمكِّن الذين يفهمون الإسلام فهماً وسطياً معتدلاً كما جاء به نبي الرحمة، نبي الإنسانية، أن يمكن أن هؤلاء من منابر المسلمين، فإذا مكِّن المتطرفون من الدعاة كانت الثمرة هذه الذاكرة الجماعية التي تفضلتِ بها.
 المذيعة: هناك مشكلة عند علماء الدين في معظمهم، ربما قليل ما تجد عالمًا في الدين يتكلم لغة غير عربية، معظمهم ليس لديهم معرفة بالتكنولوجيا، كيف يمكن التواصل مع الآخر عندما تفتقد إلى اللغة، وأين علماء الدين ؟ ما هي القضية الحيوية الإسلامية في العالم ؟
 الأستاذ: ما قولكم بأن هناك اقتراحات عالية جداً، أن تدخل اللغة الأجنبية في المعاهد الشرعية بشكل موسَّع ! وما رأيكم أن تدخل إدارة الأعمال في كليات الشريعة ؟ لأن هذا الشيخ يدير مؤسسة، ويقود عددًا كبيرًا من الناس، فلا بد من اختصاص !
 لي صديق في أميركا أراد أن يؤسس جمعية خيرية، لم يسمح له إلا بعد أن يدخل دورة في أصول إدارة الجمعيات الخيرية، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، نحن نفتقر لدعاة متنورين، إلى دعاة يفهمون الإسلام فهماً عميقاً، ولكن لي كلمة دقيقة جداً: في بعض البلاد حينما ترفض الدين كلياً تنشأ أقبية وبؤَرًا ليست على الحق، هذه تزعج، أما لو مُكِّن العلماء الربانيون والمتمسكون بدينهم الذين يفهمون الدين فهماً عميقاً، لو مكِّن هؤلاء من المنابر لكان وضع الشباب غير هذا الوضع، هناك خطأ يرتكبه بعض أولي الأمر حينما يقمعون الدين كلياً، إذا قمعوه كلياً نشأت فقاعات منحرفة مغالية متطرفة، وأقلقت المجتمع المسلم، أما حينما يمكَّن العالم الرباني المتوازن المعتدل الذي يفهم الإسلام فهمًا عميقًا جداً، وفهماً إنسانياً، هذا الشيء الذي نراه كل يوم لا يحصل أبداً، و نحن في بلدنا ـ واللهِ ولا أبالغ ـ العلماء الربانيون ممكَّنون من منابر المسلمين، وعندنا إسلام نمطي، لا يوجد مشكلة أبداً، هناك تعايش رائع بين المسلمين وغير المسلمين، وسافرت إلى السودان بوفد أنا أحد علماء دمشق، ومعنا ثلاثة بطارقة، وبيّنا لجنوب السودان تجربة القطر الرائعة في التعايش بين الأديان، وكانت رحلة نافعة جداً.
 المذيعة: هذا على صعيد سوريا، ولكن الحوار الإسلامي المسيحي الذي يساهم في التوعية حول الثقافة رغم أنه مهم لتصير الحضارة والثقافة، هل يكفي في حين يفتقد المسلمون للحوار السياسي الفعال ؟ وما نسمعه عن اتجاه سياسي من يدعي بأنه مسلم قطع رأس أحد الغربيين على الإنترنت، وشوهت سمعة الإسلام لفترات طويلة، ما يرتكب من جرائم باسم الإسلام.
 الأستاذ: والله لا أشك لحظة أن الذي قام بهذا الفعل، وليكن كائنًا من كان أقدم على جريمة بحق المسلمين لا توصف، ولا تقدّر، لأنه شوَّه سمعة المسلمين.
 عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:

(( قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ))

( صحيح البخاري )

 أيْ مَن سلِمت سمعة المسلمين من لسانه ويده، هذه أعمال لا يقرّها الدين، ولا الشرع، ولا الإسلام، ولا الأخلاق، ولا الإنسانية.
 واللهِ هناك قصص لمعاملة الأسرى المسلمين جعلتها في خطبة، ولكِ أن تقرئِيها في الإنترنت، معاملة المسلمين للأسرى واللهِ شيء لا يكاد يصدق، النبي خلع ثوبه وقميصه، وألبسه لأسير، أمر أصحابه أن يطعمون الأسير أطيب الطعام، فكانوا يطعمونهم أطيب الطعام، ويأكلون أردأَه.
 المذيعة: هذا جيّد، لكنها تقرأ بالعربية، والغرب بريء من قراءتها أو فهمها، ماذا تفعلون إذا بحملات الكراهية والعداء للإسلام في الغرب الذي لم يعد يقتصر على الغربيين أو المسيحيين، كما تعلمون يوجد عشرات الملايين من المسلمين الذين يحملون جنسيات الغرب.
 الأستاذ: نحن أسّسنا في دمشق دراسة عالية جداً لا يتحدث المعلمون والطلاب إلا باللغة الإنجليزية، هؤلاء نهيّئهم ليكونوا دعاة سلام في الشرق والغرب، أدرِّس في كلية الأزهر في دمشق، أُحدِث اختصاص دراسات باللغة الأجنبية، تضمّ مناهج رائعة جداً في مفهوم الإسلام الصحيح، نحن الآن نصدّر دعاة متنورين يتقنون اللغة الأجنبية، كما تفضلت للعالم الغربي والشرقي بغية تصحيح الصورة التي شوِّهت بعد الحادي عشر من أيلول.
 المذيعة: كملة أخيرة تريد أن توجهها إلى مستمعينا في أستراليا.
 الأستاذ: أنا أقول: إن هذا الدين العظيم دين إنساني، ودين أساسه التسامح والمحبة والسلام، وحينما يجتمع هؤلاء العرب المهاجرون في أستراليا على حدود دنيا من التفاهم والتعايش والمحبة والولاء، إنهم يَسعدون، ويُسعدون، ويقدّمون أفضل نموذج للمجتمع الأسترالي، لأن هذا المجتمع لا يمكن أن يفهم الإسلام إلا من خلال المسلمين، ولا يفهمه من مراجعه وأصوله، ولا من الكتاب والسنة، بل من المسلم الذي يعيش معه، فإذا أدلى المسلم بتصريح كاذبٍ، إذا افترى، أو خالف القانون، إذا لم يعمل لصالح هذا البلد يكون قد ارتكب بحق هذا المجتمع خطأً كبيرا، فلذلك نحن نريد مسلمًا متحركًا، كيف أن الكون قرآن صامت، وكيف أن الكون قرآن ناطق، وكيف أن النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، نحن بحاجة لمسلم يمشي !
 أقول لك هذه الكلمة: سيدنا جعفر سأله النجاشي عن الإسلام فقال:

(( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ... ))

( مسند الإمام أحمد عن أم سلمة)

(( وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ))

 أي إذا حدّثته فهو صادق، وإذا عاملك فهو أمين، وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف.
 الإسلام هو قيم أخلاقية، هذا هو الإسلام، لكنه شوّه من قِبل ممارسات خاطئة والله، لا ترضي الله، ولا الإنسانية، ولا المسلمين، وقد دفع المسلمون ثمناً باهظاً من أناس جهلاء تطرفوا، وغالوا، ولم يفعلوا شيئاً يقرّه الله ولا رسوله.
 المذيعة: هل هناك في الأفق أيّ أمل من منهج موحد حديث لتخريج علماء المسلمين والشيوخ في العالم حتى لا ينتشر هناك أشخاص يغالون، ويتطرفون، ويمثّلون الإسلام بصورة خاطئة ؟
 الأستاذ: الذي أعرفه عن بلدي أن هناك دراسة جادة لكل المناهج الدينية، هي معتدلة في الأصل، لكن هناك تدقيق كبير فيما يدرس للطلاب، وفيما يلقى على المنابر، وفيما يؤلف هذا الذي تفعله الدولة مشكورة حينما تحرص على أن تقدم للناس صورة رائعة لهذا الدين.
 المذيعة: شكراً للدكتور محمد راتب النابلسي الذي يقوم بزيارته الثانية لأستراليا، هذه المرة بدعوة من المجلس الإسلامي ولاية نيسافوس، والدكتور محمد راتب النابلسي حصل على ليسانس في آداب اللغة العربية وعلومها من جامعة دمشق، وماجستير في الآداب من جامعة ليون، ودكتوراه في التربية من جامعة ( Trainity college ) في ١٩٩٩/٦/١٨ بناء على إنجازاته وخبراته ومؤلفاته في مجال التربية، من مؤلفاته كتب نظرات في الإسلام، تأملات في الإسلام، كلمات مضيئة، ولقاءات مثمرة مع الشعراوي، الإسراء والمعراج، الهجرة، كتاب الله أكبر، موسوعة الأسماء الحسنى، ومضات في الإسلام، وتفسير سورة النور.... وشكراً للدكتور محمد راتب النابلسي.
 الأستاذ: أشكركم على هذا اللقاء الطيب.

 

تحميل النص

إخفاء الصور