وضع داكن
18-04-2024
Logo
رحلة استراليا 1 - المحاضرة : 11 - مواقف من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزنا اتبعاه، وأرنا الباطل باطلاً وارزنا اجتنابه، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة المؤمنون:
 أنا والله أشكر ترحيبكم، واهتمامكم ومحبتكم وحرصكم على حضور الدروس، والله لقيت من الترحيب والإكرام والحفاوة ما لا يوصف وأرجو الله أن أكون أهلاً لترحيبكم، أما والله البرنامج يفوق حد الخيال الغريب أعمى ولو بصير، لا أعرف المسافات كم، عندي درس المغرب وفي تعزية قال طيب، أنا بلغت الذين حولي، تحاسبوا الذين حولي أنا ليس لي علاقة.
 أذكر أنه أحد الأدباء الكبار له كلمة مناسبة الآن قال لي صديق كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينيه، كان خارجاً عن سلطان بطنه، فلا يشتهي مالا يجب ولا يكثر إذا وجد، وكان خارجاً عن سلطان الجهالة، فلا يتكلم بما لا يعلم، ولا يماري فيما علم، وكان أكثر دهره صامتاً، فإذا تكلم بز القائلين، وكان يرى ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جد الجد فهو الليث عادياً، وكان لا يدلي بحجة، إلا إذا رأى قاضياً فهماً وشهوداً عدولاً، الآن الشاهد، وكان لا يلوم أحداً فيما يكون العذر في مثله حتى يعلم ما اعتذاره، أنت واعد أخ لك وتأخر، ليش تأخر، ما له حق يتأخر، نام زيادة، طول بالأكل، عمل حمام، أنت افترضت أعذار ورفضتها، قد يكون ابنه انداس مثلاً، ابنه عند مشكلة خطيرة، فالإنسان ينبغي ألا يلوم إلا بعد سماع العذر، الشيء الثاني يقول عليه الصلاة والسلام:

((التمس لأخيك عذراً، ولو سبعين مرة.))

 وكلما زاد الحب بين المؤمنين ألتمس بعضنا لبعض أعذاراً، في عنا بالشام رجل من وجهاء الحي، إذا صلى خلف الإمام يفرض عليه أن يقرأ أقصر سورة، صلاة الفجر في نصف ساعة تقريباً، فرض وله مكانته وله صلة بالأوقاف، ضغط عليه، بعدين عملنا حل وسط يقرأ صفحة صفحة، الآن يحاسبه على الصفحة، آية ما انتهت الصفحة صفي كلمتين قرأت كلمتين زيادة، شخص ليس طبيعياً أبداً، فجاء واحد ذكي جداً بعد ما الصلاة انتهت استوقفه بالطريق بموضوع تجاري، وعرض له أشياء مغرية صفقة رابحة، ساعتين واقف، قال له ما بتحمل تقرأ آيتين زيادة على الصفحة، واقف على رجله ساعتين.
 مرة الحجاج دخل لدكان رأى صاحبها يصلي قاعداً، يبيع قدور ومحله عالي، قال له أريد ذلك القدر أعلى واحد، وضع السلم وطلع بنشاط، نزله، قال له ما هذا يلي بجانبه، طلع مرة ثانية، نزله، قال له الله يصلحك هذا يلي على اليسار، طالعوا أربع خمس مرات طالع نازل بنشاط، قام ضربه بعدين، تصلي قاعداً.
 أخوانا الكرام أترجاكم، إذا الإنسان مشي بلا ثياب، بشع والله أبشع من هذا أن يتناقض، امرأة ابنتها متزوجة وابنها متزوج ابنها متزوج عندها، فابنها أحضر غسالة أوتوماتيك لزوجته، أكل بهدلة، أن هذه مثل القردة تريد غسالة أوتوماتيك كمان، كلام ليس معقولاً، ومن غرائب الصدف باليوم نفسه جاء صهرها لابنتها بغسالة، الله يرضى على فلان ما خجلت تهاجم ابنها لأنه ريح زوجته، وتثني على صهرها لأنه ريح ابنتها.
 فالإنسان الذي يتناقض إذا يكيل بمكيالين يكون إنسان وحش، كنت مرة بمحل تجاري، صاحب المحل يبيع قماش، في عنده صانع، يعني شاب بالصف الثامن، وكان يوم عطلة ابنه معه، فحمل الصانع أول ثوب ثاني ثوب، ثالث ثوب، رابع ثوب ما عاد يتحمل قال له لم أعد أتحمل قال له شاب لا تزال، جاء ابنه حمل ثوب واحد بابا أتنبه ظهرك، سبحان الله وحش، مثلاً:
 رجل غني يضع لابنه دروس خاصة يريد ابنه طبيب، أيام يضع مليونين ليرة دروس خاصة، رياضيات وفيزياء وكيمياء، يأتي لعنده صانع فقير يتيم يطلب منه ساعة يغادر قبل الدوام ليدخل مدرسة خاصة لا يقبل، بس يتعلم يفقس، أريد أن أدعه جاهلاً، ابنك تريده طبيب تضع له مليون ليرة، أنا عما أضرب أمثلة كثيرة أنه التناقض والكيل بمكيالين أحد أمراض المجتمع الإسلامي، تكيل بمكيالين بكل شيء، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، إذا البنت تأخرت بالاستيقاظ مسكينة تعبانة، بتقول أمه عندها كنة بالبيت، إذا تأخرت بتقيم قيامتها، لماذا التساهل مع البنت ورحمة والتماس عذر، ومع الكنة في قسوة، فالإنسان لما يتناقض يكون سقط من عين الله، ولا أن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتتحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله.
 أخوانا الكرام: هل تصدقون أن النبي التف الناس حوله وأحبوه وفدوه بأرواحهم لأنه كان فصيحاً، لا، لأنه شرح للناس أحكام الدين، لا لأنه كان مثلاً الأعلى، لما قال وعلي جمع الحطب قال نكفيك ذلك قال أعلم أنكم تكفونني ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه، لما كان قائد جيش، ونبي هذه الأمة، ورسول هذه الأمة، وزعيم هذه الأمة وكان في رواحل قليلة والجنود كثيرون، كان في عنده ألف مقاتل و ثلاثمئة راحلة فقال كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، ركب اللهم صل الله، جاء دوره بالمشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً، قال:

((ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكما على الأجر))

 وزع الغنائم بحنين بحكمة بالغة، خص حديثي العهد بالإسلام تأليف لقلوبهم، جاءه سعد بن عباده زعيم الأنصار قال يا رسول الله: إني قومي وجدوا عليك في أنفسهم، بما وزعت من هذا الفيء قال: يا سعد أين أنت منهم ؟ قال: ما أنا إلا من قومي، قال: أجمع لي قومك، فجمع قومه، قام فيهم خطيباً قال: يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم، وجدةٌ وجدتموها عليّ في أنفسكم من أجل لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم والله يا أخوان هذه القصة أتلوها على الأخوة الكرام مئات المرات لا أرتوي منها، النبي لما قال هذا الكلام كان أقوى شخص في الجزيرة، هي بعد فتح مكة، دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، وفتح مكة وأنهى موضوع حنين، فقال لهم: أما إنكم لو قلتم فلصدقتم ولصدقتم به، أتيتنا مكذباً فصدقناك، مخذولاً فنصرناك، عائلاً فأغنيناك، يعني ذكرهم بفضلهم عليه، وهو في أقوى مركز، شوف الوفاء، ذكرهم بفضلهم عليه قال يا معشر الأنصار: ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي، ما قال فهديتكم هذا أدب مع الله، قال: هداكم الله بي، ألم تكونوا عائلة فأغناكم الله، ألم تكونوا أعداء فألف بين قلوبكم، ألم ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم، فبكوا حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا رضينا بالله قسماً وحظاً، علقت على هذه القصة فقلت كان الله في عون كتاب السيرة هذه القصة أين موضعها، مع رحلته، أم مع تواضعه، أم مع حكمته، أم مع وفائه، أم مع حسن قيادته، هذا هو كمال النبي.
 في رجل اسمه عمير بن وهب، وقع ابنه أسيراً في بدر، فجالس مع صفوان بن أمية، زعيم الشرك، قال له: والله يا صفوان لولا أطفال صغار أخشى عليهم العنت من بعدي، ولولا ديون ركبتني ما أطيق سدادها لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، صفوان غني، رآها فرصة نادرة قال يا عمير: أما ديونك فهي علي بلغت ما بلغت، وأما أولادك فهم أولادي ما أمتد بهم العمر، فذهب لما أردت، ضيق عليه، فهذا سقى سيفه سماً، وركب ناقته واتجه إلى المدينة، هو مغطى هناك لأن ابنه أسير وجاء ليفك الأسير، وصل المدينة، رآه عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ‏، قال: هذا عدو الله جاء يريد شراً، فكتفه بحمالة سيفه، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، النبي الكريم متخصص بقلب أعداءه إلى أصدقاء، وفي أخوان كثر عندهم خبرات عالية في قلب أصدقائهم أعداء، يكون صديق صار عدو، موقف أحمق، بكلمة قاسية، بتعليق قاسي، دخل عمير مكتف، فالنبي رقيق، قال يا عمر: أطلقه، أطلقه، قال: يا عمر أبتعد عنه، قال: أدنو مني يا عمير، قرب منه، قال: سلم علينا، قال: عمت صباحاً، قال: قل السلام عليكم، قال: هذا عهداً بالسلام قال: يا عمير ألم تقل لصفوان لولا ديون ركبتني لا أطيق سدادها، لولا أطفال أخشى عليهم العنت من بعدي، لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه قام وقف، قال: أشهد أنك رسول الله، لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلم أحد إلا الله وأنت رسول الله، وأسلم، صفوان يرقص من الفرح، يخرج يومياً إلى ظاهر مكة ليتلقى الركبان الخبر المسعد أنه قتل محمد، ما في خبر، ثم جاءه الخبر المؤلم أنه أسلم عمير.
 أحياناً يا أخوان يكون الإنسان حسود، وحقود، الحقد والحسد يسبب مرض وقد أشار الله إليه.

 

﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾

 

( سورة آل عمران: 119 ).

 هذه الشدة النفسية، الآن أكثر الأمراض القلب، المعدة، الأعصاب شدة نفسية، الشدة النفسية بالقرآن وارده.

 

﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾

 تقرأ السيرة تجد شيء لا يصدق من الكمال.
 أحد الصحابة اسمه حاطب بن بلتعة، هذا حاطب ارتكب خيانة عظمة، في كل الأنظمة، وفي كل الأطر، وفي كل الدول، وفي كل الحضارات، ما فعله حاطب يعد خيانة عظمة يستحق الإعدام، ماذا فعل حاطب ؟ أرسل كتاب إلى قريش، أعطاه لامرأة وضعته في عقاقة شعرها في الكتاب، من حاطب بن بلتعة إلى أهل مكة، إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، هذه خيانة، فجاءه الوحي، وأنبأه بهذا الكتاب، فتندب سيدنا علي وصحابي آخر كي يتبعاه هذه المرأة ويأخذا الكتاب منها وصلا إليها في مكان اسمه الروضة بين مكة والمدينة وأخذا منها الكتاب عنوة، وجاء به إلى النبي، استدع حاطب، تفضل، ما هذا يا حاطب ؟ سيدنا عمر كان حاد المزاج، قال يا رسول الله: دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال النبي الكريم: لا يا عمر، إنه شهد بدراً، دقق الآن، لم يهدر له عمله، قال له: ما حملك على ما فعلت ؟ قال: والله يا رسول الله ما كفرت ولا أرتدد، ولكني لصيق في قريش، لست من أصلابهم أنا لصيق بهم، وأنا موقن بنصر الله لك، أردت بهذا الكتاب أن أحمي أهلي ومالي عندهم، فغفر لي ذلك يا رسول الله، أما أخلاق النبوة فقال عليه الصلاة والسلام: إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً وتاب وقبلت توبته، وإمعاناً في رفع معنوياته كلفه بمهمة خطيرة أن يمثله أمام بعض الملوك، بعثه رسولاً، أنا الذي أراه أنه دققوا الآن، نحنا عنا قاعدة، ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، مثل واضح، الوضوء فرض فرض، لأن الصلاة فرض ولا تتم إلا به، قاعدة، الآن ربنا عز وجل قال:

 

 

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

 

( سورة الحشر: 7 ).

 كيف تنفذ هذه الآية قال لك أي شيءٍ أمرك به النبي يجب أن تأخذه هذه الآية لا تطبق إلا إذا عرفت ماذا آتاك النبي.

 

﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

 وهذا الشطر الثاني لا يطبق إلا إذا عرفت عن أي شيءٍ نهاك النبي استنبط العلماء أن معرفة سنة النبي القولية والعملية فرض عين على كل مسلم، يكون في بيت كل مسلم كتاب أحاديث صحيحة، وكتاب سيرة، ألهٌ يقول لك:

 

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

 يعني يجب أن تنفذ أمري، ما أمرك ؟ إذاً معرفة سنة النبي القولية فرض عين ومعرفة سنة العملية فرض عين، لأن الله قال:

 

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)﴾

 

( سورة الأحزاب: 21 )

 إذاً: حينما تقرأ سيرة النبي يجب أن تعلم علم اليقين أن هذه السيرة منهج، لما يكون في ورع كاذب، وزعبرة وتلبسة، ليست معقولة، يكون في وراء انحراف خطير، النبي كان واقعياً.
 فسيدنا عمر، جاءه ملك اسمه جبلة، أسلم، شخص مهم، أثناء طوافه حول الكعبة، جاء بدوي داس طرف إزاره، فانخلع رداءه من على كتفه، فلتفت إلى هذا البدوي وضربه ضربةً هشمت أنفه، فالبدوي اشتك إلى سيدنا عمر، في شاعر بالشام صاغ الحوار شعراً، فاستدعاه قال:
 أصحيح يا بن الأيهم ما ادعى هذا الفزاري الجـــريح
 فقال جبلة:
 لست ممن يكتم شيا أنا أدبت الفتى أدرت حقي بيدي
 قال له:
 أرضي الفتى لا بد من إرضائه مادام ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك.
 قال:
 كيف ذاك يا أمير هو سوقة وأنا عرش وتاج، كيف ترضى أن يخر النجم أرضا ؟
 قال له:
 نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
 قال:
 كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
 فقال:
 عنق المرتد بالسيف تحذ، عالم نبنيه كل صدع فيه بشبا السيف يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
 مرة سأل أحد ولاته، ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب امتحان، قال: أقطع يده، قال: فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عار.
 قال إن الله قد استخلفنا عن خلقه، لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفة، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرهم، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عمل، التمست في المعصية أعمالاً أشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
 سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمرٍ، جمع أهل وخاصته وقال: إني قد أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، ويم الله لأتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة بمكانه مني، فصارت القرابة من عمر مصيبة.
 سيدنا عمر تولى الخلافة فهاب الناس شدته، يعني أشاروا بهذه الشدة، فجمع أصحابه، وقال: كنت مع رسول الله، كنت خادمه و جلواذه وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي عني وهو عني راضي، الحمد لله على هذا كثيراً وأنا به أسعد، ثم توفي رسول الله فكنت مع أبي بكر خادمه وجلواذه وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، ثم آلت الأمور إلي، أيها الناس اعلموا أن هذه الشدة قد أضعفت، وإنما تكون على أهل البغي والعدوان، أما أهل التقوى والصلاح فسأضع خدي لهم عن الأرض ليطئوه بأقدامهم، أيها الناس: خصال خمس خذوني بهم، لكم علي ألا أخذ من أموالكم شيءٍ إلا بحق، ولكم علي ألا أنفق من هذه الأموال شيئاً إلا بحقه، دقة بالأخذ والأنفاق، ولكم علي أن أزيد عطياكم إن شاء الله تعالى، ارتفاع الرواتب بما يناسب المعيشة، ولكم علي ألا أجمركم في البعوث، يعني أرسلكم إلى بلاد بعيدة من دونهم تنشأ مشكلة وإذا غبتم في البعوث فأن أبو العيال حتى ترجعوا، هذا سيدنا عمر.
 يقال أنه امتحن والي ثاني قال له: هذا الوالي سأل سيدنا عمر قال: إن أناساً اغتصبوا مال ليس لهم، لست أقدر على استرجاعه منهم إلا أن أمسهم بالعذاب، فإن أذنت لي فعلت، أريد أن عذبهم ليعترفوا، فسأله ماذا أفعل ؟ قال سيدنا عمر: يا سبحان الله استئذاني في تعذيب بشر وهل أنا لك حصن من عذاب الله، وهل راضي عنك ينجيك من سخط الله، أقم عليهم البينة، فإن قامت فخذهم بالبينة، أول خط، فإن لم تقم فادعوهم إلى الإقرار، فإن أقروا فخذهم بإقرارهم، فإن لم يقروا فادعوهم إلى حلف اليمين، فإن حلفوا فأطلق سراحهم، ويم الله لأن يلقوا الله بخيانتهم أهون من أن ألقى الله بدمائهم، في قنوات ديمقراطية، في بينة، وفي إقرار، وفي حلف يمين.
 سيدنا عمر بن الخطاب، دققوا في هذه كتب لوالي بصرة كتاباً قال: وأما بعد فقد نمي إلي أنه قد صار لك هيئة حسنة في مسكنك ومركبك وملبسك ومطعمك ومشربك، يعني بيت وسيارة وثياب أجنبية غالية وأكل من مطاعم نفيس، ليست لعامة المسلمين، أحذر يا عبد الله أن تكون كالدابة مرت بوادي خصب فجعلت همها في السمن وفي السمن حتفها.
 أخوانا الكرام: هؤلاء كانوا أعلاماً لنا، وكانوا قدوة لنا، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي من بعدهم قوم يشهدون ولا يُستشهدون))

[ أخرجه الشيخان ]

 فالنبي شهد للقرون الثلاثة بالخيرية، يعني عهد أصحابه وعهد التابعين وعهد تابعين التابعين، وكل قصة نقرأها تعني شيئاً كثيراً.
 سيدنا الصديق كان يحلب شياه جيرانه، فلما صار خليفة، يعني ليس معقول أن تستمر هذه الخدمة، هكذا توقع الجيران، فأصابهم الحزن في صبيحة اليوم الأول منذ تسلمه الخلافة طرق باب جيرانه، الأم قالت يا بنية افتحي الباب، فتحت الباب، قالت من أتى ؟ قالت جاء حالب الشاة يا أماه، يلي يأتي كل يوم، جاء ليحلب الشياه وهو سيدنا الصديق، وهو خليفة رسول الله.
 هل هناك من سؤال أو مداخلة حول هذه المواقف المشرفة للنبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه.))

[ رواه أبو نصر عبد الكريم الشيرازي في فوائده، والديلمي في مسند الفردوس وابن النجار عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ‏ في تاريخه ]

 لو فرضنا أب قال لابنه حب رسول الله يا بني أو بتقول لك حب كيف يحبه، بحبه إذا أنت تليت له هذه المواقف المشرفة، تواضع النبي عليه الصلاة والسلام، رحمة النبي، كان يصلي الفجر بأصحابه وهو سن لنا أن نقرأ آيات طويلة في الفجر، فسمع طفلاً يبكي، فقرأ أقصر آية، وركع وسجد وسلم، سأله أصحابه، قال: سمعت طفلاً يبكي ينادي أمه ببكائه، فرحمت أمه، كان عليه الصلاة والسلام وفياً بعهده ففي صحابي أثناء الهجرة قبض عليه المشركون قال عهداً لكم إن أطلقتموني لن أقاتل،...... فضل الله عز وجل قال: أنت أرجع، ألم تعاهدهم ؟ يقول عليه الصلاة والسلام:

 

((إن حسن العهد من الإيمان))

 

[ أخرجه الحاكم في المستدرك عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها ]

 قال مرة:
 من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته وحرمت غيبته.
 بالمناسبة الضبط صفة عقلية، والعدالة صفة نفسية، العدالة أي عدالة تسقط أو تجرح، يعني إبريق بلور ينكسر أو ينشعر، إذا انشعر ذهب نصف قيمته، فالعدالة تسقط أو تجرح، تسقط إذا ظلمت الناس، أو كذبت عليهم، أو أخلفت وعدك معهم، لكن متى تجرح هنا الآن السؤال جمع الفقهاء ثلاث وثلاثين حالة تجرح بها العدالة: من مشى حافياً، من بال في الطريق، من أكل في الطريق، في عنا بالشام خطيب مسجد محترم، له ابن بالحضانة، قال مرة استيقظنا متأخرين عملنا سندويش وقالت أمه لابنها ماما كلها بالطريق هذه، قام وقف قال يا أمي قال عليه الصلاة والسلام: الأكل في الطريق دناءة، طفل صغير، ما في أجمل من طفل علمته أحكام الدين، فالأكل في الطريق يجرح العدالة، وأن تمشي حافياً يجرح العدالة، وأن تبول في الطريق تجرح عدالتك، الآن أن تتنزه في الطرقات، في غاديات ورائحات وكاسيات وعاريات يجرح العدالة الحديث عن النساء وعن جمالهن يجرح العدالة، تطفيف بتمرة يعني إذا كان بالميزان ناقص تمرة جرحت عدالتك، إذا وزنتم فأرجحوا، أكل لقمة من حرام، عنا في الشام بايع لبن مصفى يلحس إصبعه، كم ثمن الكيلو يكون ثمن المشمش خمسين ليرة يأكل أكبر مشمشة كم ثمن الكيلو، أكل لقمة من حرام تجرح العدالة، تطفيف بتمرة تجرح العدالة، الآن من أطلق لجرذ ونه العنان، من قاد مركبته بسرعة عالية جرحت عدالته، من قاد جرذ ون كلب مخيف خوف الأطفال فيه جرحت عدالته، من تحدث عن النساء، من على صياحه في البيت حتى سمعه من في الطريق جرحت عدالته، هذه كلها تجرح العدالة، المؤمن كامل، أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا، ويلهمنا الخير.

 

إخفاء الصور