وضع داكن
20-04-2024
Logo
رحلة استراليا 1 - المحاضرة : 15 - هموم الجالية الإسلامية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية

 الأخ الكريم الفاضل الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله و رعاه
 السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و بعد:
 فقد وصلتنا رسالتكم الميمونة، و كنا قبلها قد شرفنا بزيارتكم الكريمة لجاليتنا، وازداد شرفنا بحضوركم لمؤسستنا المتواضعة، و استقبلنا مساهماتكم العلمية الرائعة في إذاعة القرآن الكريم بكثير من الامتنان و الفرح. و أحسست و الأخوة معي بنداوة الإيمان الذي يرطب دوماً مشاعر الغرباء في مجتمع المهجر حين يتشرفون بعالم وافد في حجمكم يحمل بوعي هم الدعوة إلى الله ممزوجاً بالإخلاص، فيخفف عنهم مشقة المسير بين الغافلين و التائهين و هم يسبحون ضد تيار الشر المحمل بجراثيم المعصية و فقدان المناعة، فيقبضون على الجمر مع كل طلعة فجر و غروب شمس، لا ترتعش لهم بفضل الله يد رغم تبجح الإغراء و ضراوة الفتنة، و كأنهم برصيد إيمانهم ليسوا من هذا الزمان و لا هم فيه.
 أخي في الله الدكتور راتب...لا أدري بالتحديد لماذا أكتب إليك، لكن شعوراً قوياً يدفعني إلى الكتابة إليك بالذات، ربما لما شعرته فيكم من صفاء روحي امتزج بهدوء و خلق مع قدرة على الفرز و الغربلة في معرفة الأمور...؟ أو ربما لحاجتي الشديدة إلى من يشاركني هموم جالية مليئة بالأفراح و الأتراح، فيها ما يسر و يدعو للفخار، و فيها أيضاً ما يخجل و يثير قلق الشريف على اليوم و الغد، خصوصاً نحو عقيدة جيل يتعرض للدمج و الذوبان، رغم إيماني الشديد بأن لقدر الله مفاجآت، و أنه سبحانه غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون، لكني و الله أخاف، فالصحابة رضي الله عنهم لم يصلوا إلى هنا، وصلوا فقط إلى أندونيسيا كما تعلمون، و جاءت الهجرة هنا ببعض المسلمين لتتحقق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم ببلوغ هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار، لكن السؤال المفزع و المخيف يستحضر من عمق ذاكرة الماضي صورة القادمين الأول من الأجداد الأفغان وقد ذابوا مثلما يذوب الجليد تحت حرارة الماء المغلي، كما يستدعي على عجل نماذج من جيل الأبناء في الواقع المحسوس وقد انفرط عقدهم وضاعت ملامحهم وأضحوا كأنهم سياط يجلد بها ضمير كل غيور ويطرح ذات السؤال:
 من المسؤول عن ضياع هؤلاء ؟
 لذلك كان للخوف ما يبرره وللبكاء أحياناً ما يبرره.
 أستاذنا الدكتور راتب. أعرف أن مسؤولاتكم كبيرة، وأن وقتكم عامر بأعمال جسام، أدعو الله أن يعينكم عليها، غير أن العلم رحم بيننا، والرحم المقطوعة في بلاد المهجر تحتاج إلى من يصلها ولو بسؤال عن الحال، لذا أرجو عفرانك عما بدر مني، فقد أقحمتك -ولا أدري لماذا- في هموم أعلم أنك غني عنها، وبالتأكيد تحمل أضعافها بحكم حسكم الديني المرهف، ثم بحكم موقعكم كداعية، ولكم دعوت الله لكم على هذا الجهد الضخم، وأرجو الله تعالى أن يتقبله بيمينه وأن يجعله في ميزان حسناتكم، وكم كنت سعيداً بهذا الزاد الروحي والعقلي الذي زودنا به خلال رحلتكم المباركة، ولقد كنت شخصياً بحاجة ماسة إلى هذا الزاد كما تحتاجه جاليتنا على وجه العموم بين الحين والآخر، خاصةً أن هذا الزاد إنما هو ثمار طيبة ناضجة لعقل وقلب عرف الله تعالى في محراب العلم وقرر أن يهتف باسمه في كل درب، وأن يعلي رايته في كل موقع، جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فإذا أضفت إلى هذا الزاد عطر المحبة التي ربطت بين قلوبنا، وأريج الأخلاق التي لمسناها في شخصكم الكريم فإن الرحلة يفوح شذاها ليملأ بجانب آفاق القلوب والعقول آفاق النفس التواقة دائماً إلى الجمال والطهر انطلاقاً من معرفتها بربها الجميل الذي يحب الجمال وذلك جعلني والأخوة في الإذاعة والمؤسسة نلهج بالدعاء إلى الله أن يحفظ الله بلدكم من كل شر، وأن يعطر الله حياتكم بمحبته ويملأ قلوبكم رضاً يوم لقياه.
 الرجاء أن تذكروني عند ربكم بظهر الغيب في وقت السحر. وأرجو أن تتقبل من فضلك خالص تحيات الجميع وخاصةً الأخوة في المؤسسة الاسترالية للثقافة الإسلامية، وأسرة إذاعة القرآن الكريم، وكذا تحيات محبكم في الله.
 الدكتور إبراهيم أبو محمد
 مدير عام الإذاعة
 رئيس مجلس إدارة المؤسسة

إخفاء الصور