وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 08 - سورة المائدة - تفسير الآية 6 ، أحكام الوضوء والتيمم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

المؤمن بينه وبين الله عقد إيماني :

 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثامن من دروس سورة المائدة ومع الآية السادسة وهي قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

 أيها الأخوة الكرام، في العالم اليوم ثلاثمئة مليون إنسان مريض بمجموعة أمراض تحت عنوان: أمراض القذارة، العالم الإسلامي يعد تجاه هذا المرض، أو تجاه هذه الأمراض حزاماً أخضر بسبب الوضوء والغسل، ثلاثمئة مليون إنسان مصاب بمجموعة أمراض تحت عنوان: أمراض القذارة، العالم الإسلامي بسبب فرائض الغسل والوضوء والمبالغة في النظافة يعد حزاماً أخضر تجاه هذه الأمراض، فالله عز وجل يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 أي مؤمن يستمع إلى هذه الآية أو إلى مثيلاتها ينبغي أن يعلم علم اليقين أنه معني بهذا الخطاب، لأن بينه وبين الله عقداً إيمانياً آمن بالله، آمن بكتابه، آمن بالملائكة، آمن بأنبيائه ورسله، آمن باليوم الآخر، آمن بالقدر بخيره وشره من الله تعالى، إذاً بدأ يتلقى عن الله.

العقل هو أداة معرفة الله من أجل أن نؤمن ثم يأتي دور النقل والتلقي :

 العملية أيها الأخوة: تؤمن فتتلقى، تستخدم عقلك وهو أداة معرفة الله من أجل أن تؤمن، فإذا آمنت جاء دور النقل، دور التلقي، فأي آية في القرآن الكريم تبتدئ بقوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 أي يا من آمنت بوجودي، يا من آمنت بوحدانيتي، يا من آمنت بكمالي، يا من آمنت بعلمي، يا من آمنت برحمتي، يا آمنت بحكمتي، يا من آمنت أنك مخلوق للجنة، افعل كذا:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 علامة إيمان المؤمن أنه إذا قرأ قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 يشعر بكل خلية في جسمه، وبكل قطرة في دمه أنه معني بهذا الخطاب:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾

 أي إذا أردتم أن تصلُّوا، وهي كقوله تعالى:

﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة النحل: 98]

الصلاة لقاء مع الله فيجب على الإنسان أن يكون طاهراً ومتجملاً :

 إن أردت أن تقرأ القرآن، هذه حالة دقيقة:

﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة النحل: 98]

 أي إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله، إن أردت أن تصلي فافعل كذا وكذا، لذلك القاعدة الأصولية: "ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض "، الوضوء فرض، لأن الصلاة وهي فرض لا تتم إلا به، وما لا يتم الواجب به فهو واجب، وما لا تتم السنة به فهو سنة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾

 لأن الصلاة لقاء مع الله، فينبغي أن تكون طاهراً، بل ينبغي أن تكون متجملاً، وقد ذكرت في درس سابق أن قوله تعالى من بعض معانيه الإشارية:

﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾

[سورة الأعراف:31]

 فضلاً عن الطهارة والنظافة والتطيب والتجمل ينبغي أن يكون معك عمل صالح تضعه بين يديك في هذا اللقاء مع الله.

 

ينبغي على الإنسان أن يتوضأ

 سواء أكان طاهراً أم محدثاً :

 

 قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾

 لا بد من بعض التفصيلات، قال فريق من العلماء: هذا لفظ عام في كل قيام إلى الصلاة، هذا أول اتجاه في فهم هذه الآية، أنه ينبغي أن تتوضأ، سواء أكنت طاهراً أم محدثاً:

﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾

 هناك أثر آخر، أن ابن سيرين يقول: كان الخلفاء الراشدون يتوضؤون لكل صلاة، وقال بعضهم: الخطاب موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: المراد بالآية الوضوء لكل صلاة طلباً للفضل، أي أفضل شيء أن تتوضأ لكل صلاة، وحملوا هذا الأمر على الندب لا على الوجوب، مندوب أن تتوضأ لكل صلاة، أنا أعطيكم آراء العلماء نحو هذه الآية، وكان كثير من الصحابة الكرام منهم ابن عمر يتوضؤون لكل صلاة طلباً للفضل.
وكان عليه الصلاة والسلام لأنه المشرع يفعل ذلك، إلى أن جمع يوم الفتح بين الصلوات الخمس بوضوء واحد، لأنه مشرع رحمةً بأمته، لك أن تأخذ بسنة النبي، ولك أن تتوضأ لكل صلاة من باب زيادة الفضل، ومن باب الندب لا من باب الوجوب.
 وقال بعض العلماء: إذا قمتم إلى الصلاة من النوم فيجب أن تتوضؤوا، قولاً واحداً، إذا قمتم إلى الصلاة من النوم، من المضاجع، لكن جمهور العلماء يقول: معنى الآية: إذا قمتم إلى الصلاة محْدَثين لستم على وضوء، وإذا قمتم بمعنى: أردتم الصلاة، كقوله تعالى:

﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة النحل: 98]

 أي إن أردت أن تقرأ القرآن، إذاً النبي عليه الصلاة والسلام، وهو المشرع صلى خمس صلوات يوم الفتح بوضوء واحد، هذه هي السنة، إن أردت الفضل على أن الأمر ندب وليس أمراً فلك أن تتوضأ لكل صلاة، إذا كنت في أيام الصيف، وفي مكان جميل، والمياه غزيرة، وأنت في حالة شعور بالحر، وتوضأت وأنت متوضئ فلا مشكلة، أما إذا كنت في أيام البرد، أو في وضع صعب، لك أن تأخذ بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، كان يتوضأ لكل صلاة، وصلى خمس صلوات بوضوء واحد، هذه وتلك.

 

ذكر الله في الوضوء أربعة أعضاء :

 الموضوع الثاني في هذه الآيات:

﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾

 ذكر الله في الوضوء أربعة أعضاء، الوجه؛ وفرضه الغسل من شحمة الأذن إلى شحمة الأذن، ومن منبت الشعر إلى الذقن، هذا هو الوجه، والوجه يغسل غسلاً، فلو قلنا لإنسان: اغسل لنا هذا الكأس، فذهب، ووضعها تحت الصنبور، وجاء بها، هل هذا هو الغسل؟! أما أن يعالجها بيديه أو بشيء آخر مرةً ومرةً وَمرةً حتى تغدو نظيفة، فالنبي عليه الصلاة والسلام فهِم من قول الله عز وجل:

﴿ فَاغْسِلُوا ﴾

 أن تغسل مرة أولى وثانية وثالثة، أول مرة يصب عليها الماء، والمرة الثانية تدلِك، والمرة الثالثة يصب عليها الماء كي يزول الماء الذي استخدم في دلكِها وغسلها:

﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾

 ذكر الله تعالى أربعة أعضاء، الوجه؛ وفرضه الغسل، واليدين كذلك، قبل أن تستخدم اليدين لغسل الوجه، لا بد من أن تغسل اليدين، أرأيت إلى الترتيب الذي فهمه النبي عليه الصلاة والسلام، هذا الماء الذي تتوضأ به هل يجوز أن تتوضأ به، رجل أعلن إسلامه في مصر، والتحق بمسجد ليتعلم الفقه، أبقاه الشيخ الذي يعلمه الفقه ستة أشهر في أحكام المياه فخرج من جلده، وكاد يعود عن هذا الدين، إلى أن التقى بعالم أوتي الحكمة، قال له: الماء الذي تشربه توضأ منه.

 

اتفق جمهور العلماء على أن الوضوء لا بدّ له من نية :

 حينما تمضمض النبي عليه الصلاة والسلام هذه المضمضة فضلاً عن أنها تطهير للفم، الماء الذي لا تستسيغ أن تضعه في فمك إياك أن تتوضأ منه.
 ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام حينما استنشق الماء الذي يتوضأ به معنى ذلك فضلاً عن تنظيف الأنف، الماء الذي لا تستطيع أن تشم رائحته إياك أن تتوضأ منه، أي أن المضمضة والاستنشاق والاستنثار فضلاً عن تطهير وتنظيف الفم من بقايا الطعام، والأنف من بقايا التنفس، ينبغي أن تعلم أن حكمة المضمضة والاستنشاق أن الماء الذي لا تستطيع أن تضعه في فمك، ولا تستطيع أن تضعه في أنفك إياك أن تتوضأ منه. فذكر الوجه وفرضه الغسل، واليدين كذلك، والرأس وفرضه المسح اتفاقاً:

﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾

 واختلف بالرجلين، لم يذكر سوى هذه الأعضاء الأربعة، إذاً هذه فرائض الغسل، وفيما سوى ذلك سنن وآداب ومستحبات.
 أيها الأخوة، رأى جمهور العلماء على أن الوضوء لا بد له من نية، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 وفسر بعضهم قوله تعالى:

﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾

[ سورة الإسراء: 84 ]

 أي على نيته، وقيمة عمله من قيمة نيته، فالوضوء يحتاج إلى نية على رأي جمهور العلماء، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

 فالنية أصل كل عمل، وكتوضيح؛ لو وضعنا على الطريق ليرة ذهبية، ووقف مصور، فجاء إنسان، والتقط هذه الليرة، ووضعها في جيبه، فصوره المصور صورة متحركة ملونة، ثم وضعنا ليرة ثانية على الرصيف، ووقف مصور، رآها إنسان آخر، التقطها، ووضعها في جيبه، وصوره المصور، عرضنا الصورتين، الصورتان متشابهتان تمام التشابه، إلا أن الأول نوى أن يبحث عن صاحبها، والثاني نوى أن يأكلها، أي أن يأخذها، العمل في صورته مشابه للآخر تماماً، ولكن في حقيقته واحد يعلو، والثاني يسقط:

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ))

[ متفق عليه عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]

الوضوء ليس عبادة مقصودة لذاتها

 بل هو أداة لعبادة كبرى وهي الصلاة :

 

 بعض العلماء قال: الوضوء لا يحتاج إلى نية، لماذا؟ قال: لا تجب النية إلا في الفروض المقصودة لذاتها، الوضوء ليس فرضاً مقصود بذاته، ليس هناك إنسان يتوضأ ويجلس، ويقول: الحمد لله أدينا ما علينا، الوضوء تعقبه صلاة، فالوضوء ليس مقصوداً لذاته، بل مقصود كوسيلة إلى الصلاة.
 الإمام الشافعي وتابعه في ذلك أبو حنيفة: أن العبادة التي ليست مقصودة لذاتها لا تحتاج إلى نية، النية للعبادة المقصودة لذاتها.
 إذاً الوضوء شرط لصحة الصلاة، كملمح لطيف التكبير شرط أو ركن، الركن يؤدى، وتنتقل إلى ركن آخر، الوقوف ركن، والركوع ركن، والسجود ركن، الركن تنتقل به إلى ركن آخر، أما الشرط فيدوم طوال الصلاة، فاستقبال القبلة ينبغي أن يستمر طول الصلاة، والطهارة من الحدث ينبغي أن تستمر طول الصلاة، هل تكبيرة الإحرام ركن أم شرط؟ قال بعضهم: شرط، لأنه ينبغي أن تستحضر عظمة الله طول الصلاة، أما الذي قال: هي ركن، الركن ينقضي، القصد من كلمة الله أكبر أنك في الصلاة، وهذا أكبر عمل من أي شيء آخر، أكبر من إنهاء الحسابات، أكبر من لقائك مع زيد أو عبيد، الله أكبر تركت الدنيا كلها، وانغمست في صلة مع الله عز وجل، والدليل على أن الوضوء لا يحتاج إلى نية أنه من لا صلاة له لا يحتاج الوضوء، لو أن امرأة في أيام العذر تسقط عنها الصلاة هل يجب عليها الوضوء؟ لا، إذاً الوضوء ليس عبادة مقصودة لذاتها، بل هو أداة لعبادة كبرى، هي الصلاة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا ﴾

 المرفق داخل في الغسل، أما (إلى) فتفيد انتهاء الغاية، المرفق دخل أم لم يدخل، قال قوم: لا يدخل المرفق، لكن بعضهم قال: ما بعد (إلى) إذا كان من جنس ما قبلها يدخل، أي هنا من الرسغ إلى المرفق يد، وما بعد المرفق يد، من الرسغ إلى المرفق لحم وجلد وعضلات، وما بعد المرفق جلد وعضلات ولحم، إذا كان ما بعد (إلى) نوع ما قبلها فالمرفق داخل.

 

النبي عليه الصلاة والسلام حينما توضأ أدار الماء على مرفقيه :

 لكن ما قيمة هذه المناقشة المنطقية إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أدار الماء على مرفقيه، قضية حاسمة، فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما توضأ أدار الماء على مرفقيه. فعن جابر:

((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه))

[الجامع الصغير عن جابر]

 ما فهم أحد مقطع المسألة إلا القاضي أبو محمد، حيث قال: إن قوله إلى المرافق حد للمتروك من اليدين لا للمغسول فيهما، إذاً المرافق تدخل في الغسل:

 

﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾

 باء للإلصاق، أمسكت بيده، وهناك معنى لطيف استنبطه العلماء حينما قالوا في شرح قوله تعالى:

﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾

[ سورة النساء: 36 ]

 ينبغي أن يكون إحسانك إلى والديك بذاتك مباشرة، لا أن تقول لواحد: اذهب إلى أبي وأعطه هذه الحاجة، أو خذه إلى نزهة، لا، ينبغي أن تباشر الإحسان إلى الوالدين بذاتك، ينبغي أن يكون إحسانك ملاصقاً لوالديك، إحسانك أن تقوم أنت بالذات بهذا الإحسان.

 

في القرآن من التوجيهات والآداب ما لا يصدقه العقل :

 هناك استنباطات أيها الأخوة مذهلة، استنبط بعض العلماء أن قوله تعالى:

﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾

[ سورة هود: 43 ]

 عن سيدنا نوح، حينما أراد الله أن يغرق ابنه الذي أبى أن يؤمن بالله عز وجل، وأن يركب معه في السفينة، قال:

﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ* قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ﴾

[ سورة هود: 43 ]

 أيها الأخوة، حينما أراد الله إغراقه جاءت موجة حالت بينه وبين أبيه، فالله عز وجل رحمة بالأب لم يغرق ابنه تحت مرأى عينه، ماذا نستنبط؟ هذه التي استشهدت قبل أيام في حيفا، قتل أخوها أمامها، وأمام أبيه وأمه، وقد رجا الأب أن يأخذوه، لا، لا بد من أن تقتله أمام أمه وأبيه وأخته، أرأيتم إلى أدب القرآن الكريم! ما الذي حدث أن هذه الفتاة لم تر للحياة طعماً حتى فعلت ما فعلت، فلو أننا تأدبنا بأدب القرآن لكنا في حال غير هذا الحال.
 طائرة تحمل ثمانية وثلاثين عالماً كبيراً، تدربوا على أحدث الأسلحة، وركبوا جميعاً في طائرة واحدة، وقد أسقطت الطائرة.

﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ﴾

[سورة يوسف: 67]

 لو قرأت القرآن بدقة وعناية لوجدت فيه من التوجيهات والآداب ما لا يصدقه العقل.

 

الدقة في اللغة العربية تتجلى بشكل رائع في القرآن الكريم :

 طبعاً:

﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾

 الوجه من الرأس، فهل ينبغي أن تمسح وجهك بالماء، لأن آية مستقلة خصت الوجه بالغسل، إذاً من الرأس على الوجه، أي سطح الشعر:

﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾

 المسح لفظ مشترك، أما الرأس فهو عبارة عن الجملة التي يعلمها الناس ضرورة، ومنها الوجه، فلما ذكر الله عز وجل الوجه في الوضوء، وعين الوجه للغسل بقي باقيه للمسح، فمسح الرأس أي مسح الشعر، ومسح ربع الرأس يجزئ، والباء للإلصاق، ينبغي أن تلصق يدك المبللة بربع رأسك، فهذا مما يتم تأدية هذه الفرائض في الوضوء:

﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾

 لو أن الآية: وامسحوا برءوسكم وأرجلِكم لكان المعنى أن الأرجل تمسح مسحاً، ولكن:

﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾

 (أَرْجُلَكُمْ) تابعة:

﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾

 دقة اللغة العربية شيء رائع، مثلاً قال تعالى:

﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى ﴾

[سورة التوبة: 40 ]

 الآن هناك واو حرف عطف، لو أن القارئ قرأ: وكلمةَ الله هي العليا فالمعنى فاسد، أي كانت سفلى فأصبحت عليا، لا:

﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾

 دائماً، هذه جملة استئنافية.

 

الفرض في الرجلين الغسل دون المسح :

 أيها الأخوة:

﴿ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾

 أي اغسلوا أرجلكم، فالفرض في الرجلين الغسل دون المسح، وهذا مذهب الجمهور، والكافة من العلماء، وهو ثابت في فعل النبي صلى الله عليه وسلم، واللازم من قوله في بعض أحاديثه الشريفة، وقد رأى قوماً يتوضؤون، وأعقابهم تلوح، فنادى بأعلى صوته:

((وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النّارِ))

[متفق عليه عن عبد الله بن عمرو]

 أسبغوا الوضوء، فغسل الرجلين أجمع عليه جمهور العلماء، بل العلماء كافة، لأن هذا الحديث وهو في الصحاح، رواه الإمام بخاري ومسلم، ولازم هذا الحديث أن غسل الرجلين فرض في الوضوء:

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ﴾

 أي بالاغتسال بالماء طبعاً، هذه العبارة لمن؟

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ﴾

 هذا الحكم لواجد الماء، تسكن في بيت وفيه ماء، فلا بد من أن تغتسل إذا كنت جنباً، أما الجنب عادم الماء فله أن يتيمم، هناك حكم لجنب واجد الماء، وهناك لجنب فاقد الماء.

 

كيفية التيمم وحالات تشريعه :

 قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى ﴾

 لا تستطيع أن تتوضأ:

 

 

﴿ أَوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾

 لا تجد الماء في السفر:

﴿ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ ﴾

 أي جاء من مكان منخفض قضى فيه حاجته:

﴿ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ ﴾

 كناية عن جماعهن:

﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ﴾

 تضرب الصعيد الطيب الطاهر بيديك، وتمسح به وجهك ومرفقيك، هذا هو التيمم.

 

يجوز التيمم إن لم تجد الماء أو إن كان الماء يؤذيك :

 قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى ﴾

 أي الماء يؤذيكم:

﴿ أَوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾

 الماء مفقود، أو انتقض وضوؤكم وأنتم في سفر، أو مرضى، أي إذا كنتم مرضى أو على سفر، وأحدثتم حدثاً أصغر أو حدثاً أكبر:

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾

 الحالة الأولى الماء يؤذيك، والحالة الثانية الماء لا تجده، وأصابك حدث أصغر، أي جئت من مكان منخفض بعد قضاء الحاجة:

﴿ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ ﴾

 كناية عن الجماع:

﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

لا يجب الإسراع بالفتوى فإن لم نعلم فعلينا بسؤال أهل العلم :

 أيها الأخوة، أذكر لكم حادثة وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أن صحابياً أصابته جنابة في سفر فسأل فقيل له: اغتسل، ويبدو أن الوقت كان بارداً جداً، فاغتسل فمات، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الخلق في لطفه وفي رحمته قال: قتلوه قتلهم الله، هلا سألوا إذ لم يعلموا، ونص هذا الحديث عَنْ جَابِرٍ قَالَ:

((خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ شَكَّ مُوسَى عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ))

[أبو داود عن جابر]

 لا تسرع بالفتوى، إن لم تعلم فاسأل أهل العلم.

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43 ]

 قال:

((قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ))

 لا أذكر ما إذا كان الجو بارداً جداً، أو جرحه بليغاً، فلما اغتسل أصاب الجرح التهاب فمات، فلما علم النبي ذلك قال:

((قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ))

 إن كنت واثقاً من الحكم الشرعي فقل، وإلا فسأل:

﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾

  هم أهل الوحيين الكتاب والسنة:

﴿ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾

  الحقيقة أن الذين يحملون أنفسهم ما لا يطيقون هؤلاء ليسوا على حق، فقد كان عليه الصلاة والسلام في جهاد في أيام رمضان، وكان الحر شديداً، فأمسك بإناء، وأفطر، ورفع الإناء أمام كل أصحابه، ثم علم أن بعض أصحابه لم يفطر، فماذا قال؟ قال: أولئك العصاة، وفي الحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ))

[أبو داود عن ابن عمر]

 لا تكن متعنتاً، لا تكن متشدداً، لا تزايد على رسول الله e، فالنبي شرب، وأفطر، فلما علم أن أناساً لم يفطروا قال: أولئك العصاة، لكن مرة أخرى أفطر النبي، ولم يرفع الإناء، هكذا، وكأنه أمر أصحابه أن يفطروا أفطر، بعض الأصحاب المتقدمين بالسن أفطروا، وبعض الأصحاب الشباب لم يفطروا، فالذين أفطروا وجاء وقت الطعام أعدوا الطعام لأخوانهم الصائمين، وجهدوا في إعداد الطعام، فسر النبي عليه الصلاة والسلام، فماذا قال؟ قال: ذهب المفطرون بكل الأجر.

 

لا تكن متعنتاً ولا متشدداً ولا تزايد على رسول الله e :

 مرةً دعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى وليمة ومعه أحد الصحابة، فلما دعي إلى الطعام قال: إني صائم يا رسول الله، قال: أخوك دعاك، وتكلف لك، وتقول: إني صائم! أفطر وصم يوماً مكانه. هناك أناس متشددون يزايدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ))

[ أحمد عَنِ ابْنِ عُمَر]

 لذلك في بعض المذاهب القصر واجب، عند الأحناف واجب، ما دمت في سفر ولو نزهة يجب أن تقصر، لأن الله أرادك أن تخفف من الركعات في السفر، صل الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، فالله عز وجل حينما سمح لك أن تقصر ينبغي أن تقصر، إن سمح لك أن تتم ينبغي أن تتم، هذه آية الوضوء أيها الأخوة أعيدها على أسماعكم في نهاية هذا الدرس بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور