وضع داكن
27-04-2024
Logo
بنات النبي : سيرة السيدة فاطمة الزهراء 2 - القسم الثاني - مكانة زوجها علي بن أبي طالب عند النبي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

ماذا نستنبط من هذه الحادثة ؟

1- تقديم المصالح العامة على مصلحة الإنسان الخاصة :

 أيها الأخوة الكرام, مع سير الصحابيات الجليلات رضوان الله تعالى عليهن، ومع بنات النبي صلى الله عليه وسلَّم، ولا زلنا مع ابنته فاطمة الزهراء .
 أيها الأخوة, وصلنا في الدرس الماضي من سيرة هذه البنت المباركة التي هي سيدة النساء بنص كلام النبي عليه الصلاة والسلام، أنها اشتكت من أعمال البيت الشاقة، فذهبت إلى أبيها تطلب منه خادمةً .
 فَعَنْ عَلِيٌّ:

((أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَام, أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى, وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ, فَلَمْ تُصَادِفْهُ, فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ, فَلَمَّا جَاءَ, أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ, قَالَ: فَجَاءَنَا, وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا, فَذَهَبْنَا نَقُومُ, فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا, فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا, حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي, فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا, إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا, أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا؟ فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ, فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ))

[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]

 وفي رواية أحمد في المسند, عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا زَوَّجَهُ فَاطِمَةَ, بَعَثَ مَعَهُ بِخَمِيلَةٍ, وَوِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ, حَشْوُهَا لِيفٌ وَرَحَيَيْنِ وَسِقَاءٍ وَجَرَّتَيْنِ, فَقَالَ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ذَاتَ يَوْمٍ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى لَقَدْ اشْتَكَيْتُ صَدْرِي, قَالَ: وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ أَبَاكِ بِسَبْيٍ, فَاذْهَبِي فَاسْتَخْدِمِيهِ, فَقَالَتْ: وَأَنَا وَاللَّهِ قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ, فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكِ أَيْ بُنَيَّةُ؟ قَالَتْ: جِئْتُ لَأُسَلِّمَ عَلَيْكَ, وَاسْتَحْيَت أَنْ تَسْأَلَهُ, وَرَجَعَتْ, فَقَالَ: مَا فَعَلْتِ؟ قَالَتْ: اسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ, فَأَتَيْنَاهُ جَمِيعًا, فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَاللَّهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى اشْتَكَيْتُ صَدْرِي, وَقَالَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ, وَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِسَبْيٍ وَسَعَةٍ فَأَخْدِمْنَا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمَا, وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ, تَطْوَ بُطُونُهُمْ, لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ, وَلَكِنِّي أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ فَرَجَعَا, فَأَتَاهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَدْ دَخَلَا فِي قَطِيفَتِهِمَا, إِذَا غَطَّيا رُؤوسَهُمَا, تَكَشَّفَتْ أَقْدَامُهُمَا, وَإِذَا غَطَّيَا أَقْدَامَهُمَا, تَكَشَّفَتْ رُؤوسُهُمَا فَثَارَا, فَقَالَ: مَكَانَكُمَا, ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمَا بِخَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَانِي؟ قَالَا: بَلَى, فَقَالَ كَلِمَاتٌ عَلَّمَنِيهِنَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام, فَقَالَ: تُسَبِّحَانِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا, وَتَحْمَدَانِ عَشْرًا, وَتُكَبِّرَانِ عَشْرًا, وَإِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا؛ فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ, قَالَ: فَوَ اللَّهِ مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ, فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ, فَقَالَ: قَاتَلَكُمْ اللَّهُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ, نَعَمْ, وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ))

 أيها الأخوة, ذكرت هذا بالتفصيل في نهاية الدرس الماضي، أما التعليق؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام علَّم أمته أن تُقدَّم مصالح العامة على نفع الخاصَّة، هذا درسٌ بليغ:

((وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمَا, وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ, تَطْوَ بُطُونُهُمْ, لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ))

 أي أنه جعل المسلمين جميعاً أسرةً واحدة، ولو طُبِّق هذه المبدأ في حياة المسلمين, لكانوا في حالٍ آخر:

((والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن؛ من بات شبعان, وجاره إلى جانبه جائعٌ, وهو يعلم))

 فابنته حبيبة قلبه، أقرب الفتيات إليه، طلبت خادمةً، وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، ونبيُّ هذه الأمة ورسولها، وبإمكانه أن يعطيها عشر خادمات، قال:

((وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمَا, وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ, تَطْوَ بُطُونُهُمْ, لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ))

 فحينما نتعامل مع بعضنا بعضاً بهذا العطف، وهذه الموضوعية، وهذا التراحم, يرضى الله عنا .

2- من الطرق الأخرى التي يستطيع الإنسان أن يحصل عليها إذا عجز على الحصول على دخل

 شيءٌ آخر من هذه القصة: أنّ الإنسان إذا لم يقدر أن يصل إلى مستوى معاشي مرتفع، فالأبواب الأخرى مفتَّحةٌ على مصاريعها؛ أبواب طلب العلم، أبواب نيل رضوان الله عزَّ وجل، أبواب نشر الحق، هذا متاع لكل مؤمن، أي إذا ما أتيح لك أن تمتلك مركبة، ما أتيح لك أن تسكن بيتًا فخمًا، ما أتيح لك أن ترتقي إلى منصبٍ رفيع، هذه حظوظ الدنيا، لكن حظوظ الآخرة مبذولةٌ لكل مؤمن، يقول عليه الصلاة والسلام:

((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))

[أخرجه البخاري عن عثمان في الصحيح]

 شأنك عند الله لا بمساحة بيتك، ولا بموقع بيتك، ولا بنوع مركبتك، ولا بمستوى وظيفتك، ولا بدخلك، شأنك عند الله بقدر ما تعرفه، وبقدر ما تعمل من خلال هذه المعرفة، وهذا متاحٌ لكل مؤمن .

 

من الأمثلة على الاستنباط الأول :

 الاستنباط الأول: أن المؤمن عليه أن يؤثر مصلحة المسلمين العامة على مصلحته الخاصة، هذا بادئ ذي بدء .
 سيدنا عمر رأى إبلاً سمينة, فقال:

((لمن هذه الإبل؟ قالوا: هي لابنك عبد الله, فغضب وقال: آتوني به، فلما جاءه, قال: لمن هذه الإبل؟ قال: هي لي، اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن، قال, ويقول الناس: ارعوا هذه الإبل، فهي لابن أمير المؤمنين، اسقوا هذه الإبل، فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين، بع هذه الإبل، وخذ رأس مالك، وردَّ الباقي لبيت مال المسلمين))

 سيدنا عمر بن عبد العزيز, رأى في إصبع ابنه خاتماً ثميناً, فقال:

((بع هذا الخاتم, وأطعم بثمنه ألف جائع، واتخذ خاتماً من حديد، واكتب عليه: رحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده))

 هكذا. فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يؤثر ابنته حبيبة قلبه على فقراء المسلمين، المسلمون جميعاً أسرةٌ واحدة .

 

الشرح الأوسع للاستنباط الثاني :

 الاستنباط الثاني المهم جداً: إذا كانت أبواب الدنيا مغلقة في وجهك، إنسان ما أتيح له أن يشتري بيتًا، ما أتيح له أن يرتقي إلى منصب رفيع، ما أتيح له أن يقتني مركبةً، إلا أن أعمال الآخرة متاحةٌ لكل مؤمن، بإمكانك أن تصل إلى أعلى درجة, وأنت فقير، وأنت في أقل وظيفة، وفي أقل دخل، وفي أصغر بيت .
 فالإنسان إذا ذكر الله، وأخلص قلبه لله، وتعلَّم القرآن، وعلَّم القرآن, ارتقى إلى أعلى درجات الجنان، فإذا فاتك شيءٌ من الدنيا, فلا تنس نصيبك من الآخرة، فإنّ نصيب الآخرة موفور ، ومتاحٌ لكل المؤمنين، وفضل الله يسع لكل عبادة، لكن الدنيا كما قال تعالى:

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾

[سورة الإسراء الآية: 18]

 لحكمةٍ أرادها الله، والله عزَّ وجل علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما لم يكن لو كان, كيف كان يكون, فأنت على الدخل المعتدل الذي يكفيك، إنسان جيد جداً، أنت لا تعلم كيف يكون حالك على دخلٍ آخر, أنت لا تعلم لكن الله يعلم، فليس في الإمكان أبدع مما كان، أنت في وظيفةٍ دنيا جيدٌ جداً، أنت لا تعلم كيف يكون حالك لو كنت في وظيفةٌ عُليا؟ اجعل هذا الكلام شعاراً لك: ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني .
 ليس معنى هذا أن تقعد، أبداً، ليس معنى هذا أن تتكاسل، أبداً، أما حينما تبذل كل طاقتك، وكل وقتك، وكل جهدك، وتصل بك هذا الجهد إلى هذا المكان، هذا الذي اختاره الله لي، وهذا خيرٌ لي من كل شيء، أما أن تقعد، وأن ترتاح، وأن تتكاسل، وأن تبقي نفسك جاهلاً، ولا تعمل, وتقول: هذا الذي اختاره الله لي, لا .
 أنا ذكرت سابقاً: هناك ما يسمى بفقر الكسل، فقر الكسل مذموم، وهناك ما يسمى: بفقر القدر، فقر القدر صاحبه معذور، إنسان معه مشكلة في جسمه، معه عاهة, تقعده عن طلب الرزق ، هذا فقر القدر، وفي فقر الإنفاق، الإنسان الذي يسعى للآخرة جهده ينفق مالاً كثيراً في سبيل الله ، فلا يبدو أنه غني لكثرة إنفاقه، وفي غنى الكفاية، وفي غنى البطر، غنى البطر مذموم، عدَّه النبي أحد المصائب:

((بَادِرُوا بالأَعْمَالِ سَبْعًا؛ هَلْ تَنْتَظِرُونَ إلا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا؟))

[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة في سننه]

 غنى البطر: هو الغنى الذي يحمل صاحبه على المعصية، اغتنى فجأةً، أراد أن يذهب إلى بلاد الله الواسعة، ذهب إلى بلاد الله الواسعة، أراد أن يرى فيها كل شيء؛ دخل إلى ملاهيها، وإلى نواديها الليلية، وإلى علبها السوداء، وإلى مجتمعاتها المنحطَّة، معه مال بإمكانه أن يفعل به ما يشاء، هذا الغنى يعدُّ أكبر مصيبةٍ للإنسان، إذا كان عندك ما يغطِّي نفقاتك, فهذه نعمةٌ ما بعدها نعمة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام:

((اللهمَّ من أحبني فاجعل رزقه كفافاً))

 فإذا قال لي أحد الأخوة الكرام: مستورة، أقول له: أصابتك دعوة النبي، لأنه يحبك، لم يشغلك بهذا المال، أحياناً تكون أنت عبداً للمال، تكون خادماً له، ويكون المال سببَ هلاكِ الإنسان أحياناً، قد يقتله بعض الناس من أجل ماله، قد يتآمر عليه أولاده، وأقرب الناس إليه من أجل ماله، وقد يفعلون فيه الأعاجيب من أجل ماله، المال قد يكون نقمة .
 فقر الإنفاق: قال أحد أصحاب النبي للنبي:

((والله إني أحبك، قال: انظر ما تقول, قال: والله إني أحبك, قال : انظر ما تقول, قال: والله إني أحبك، قال: إذا كنت صادقاً فيما تقول, للفقر اٌقرب إليك من شرك نعليك))

 أي فقرٍ هذا؟ فقر الإنفاق:

(( يا أبا بكر, ماذا أبقيت لنفسك؟ قال: الله ورسوله))

 هذا وسام شرف، أن يكون معك مال وتنفقه، أعرف طبيبًا رحمه الله، أقام في أحد الأقبية في ريف دمشق، لكنه خدم الناس خدمة تفوق حدَّ الخيال، كل شيء يملكه, أنفقه في سبيل الله، ما أبقى لنفسه شيئاً، صار معه مرض، فقال أحد زملائه لأهل هذه البلدة الطيبة: لو أن العملية تكلِّف ستة ملايين تدفعونها, أقسموا بالله ليدفعنَّها، لكن المرض كان ميؤوسًا منه، كل شيء يملكه قدَّمه؛ هذا يلزمه مئة فأعطاه مئة، هذا يلزمه بيتٌ فأعطاه بيتًا، هذا يلزمه زواج فزوَّجه، فلما توفي ، ما عرف الناس قدره إلا بعد الوفاة.
 أي إذا فاتك من الدنيا شيء, فلا تنس نصيبك من الآخرة، وحظوظ الآخرة مبذولةٌ لكل الناس، لكل المؤمنين، وقيمتك عند الله بعلمك وعملك, قال تعالى:

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

[سورة الأحقاف الآية: 19]

﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾

[سورة المجادلة الآية: 11]

كيف كانت تستقبل فاطمة زوجها علي حينما يأتي إلى البيت ؟

 فكانت هذه السيدة الجليلة راضية بما قدَّر الله لها، وهذه السيدة الجليلة, كانت ترى عائشة تستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، كلَّما عاد إلى بيته المتواضع، بالابتسامة الحلوة، واللقاء الجميل، أرأيت المؤمنة؟ يكون زوجها فقير، فتستقبله بالرضا والابتسامة، وتقبل منه دخله القليل، وبيته الصغير، وأثاثه الخشن، وتستقبله فرحةً مطمئنةً، تدخل إلى قلبه السرور، هذه المؤمنة، أما غير المؤمنة إن لم ينفِّذ لها طلباتها، والعياذ بالله، تصبح زوجةٍ لئيمة، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((أعظم النساء بركةً أقلهنَّ مؤنةً))

 فحينما ترى السيدة عائشة تستقبل النبي في حجرتها المتواضعة، كان إذا صلَّى قيام الليل أزاحت رجليها, ليتمكَّن من السجود، أي أن غرفتها لا تتسع لنومها وصلاة النبي .
 الآن البيت تكون مساحته أربعمئة متر، وهي منبوذة، تطلب أحياناً طلبات خياليَّة، فإن لم يُنفَّذ, تقابله بأسوأ مقابلة, وهناك غرفةٍ لا تتسع لصلاته ونومها، وكانت تستقبله باشة، هاشة، مبتسمة، ضاحكة، مؤنسة، مسلِّية.
 فهذه السيدة فاطمة, كانت إذا علمت بقدوم زوجها عليِّ كرَّم الله وجهه, تهيَّأت لاستقباله ، الآن الزوجة غير المؤمنة أجمل ما فيها تبديه لغير زوجها، وأبشع ما عندها تبديه لزوجها؛ كلامها القاسي، هيأتها المتبذِّلة المهملة لزوجها، أرخص ثوبٍ ترتديه لزوجها، أكره ثوبٍ ترتديه لزوجها، فإذا كان عندها استقبال، أو عندها زيارة أو شيء، بدت وكأنها ملكة جمال، هذه المرأة التي لا تعرف الله .
 انظر السيدة فاطمة: كانت إذا علمت بقدوم زوجها علي, تهيأت لاستقباله بالابتسامة المشرقة، وبالدعابة اللطيفة، لتبرهن عما في قرارة نفسها بالرضا التام لما حباها الله تعالى، إذ جعلها بنت سيد المرسلين، وزوجة وليِّ المؤمنين .
فالزواج نعمة، عندها زوج لا ترضي زوجها، عندها زوج لا تحسن إلى زوجها، عندها زوج لا تدخل على قلب زوجها الفرح، دائماً تضغط عليه .
 والزوجة نعمة، فالذي عنده زوجة, دائماً يقسو عليها، ودائماً يضغط عليها، ويكلِّفها ما لا تطيق، ويستهزئ بها، هذه نعمة الزواج؛ نعمة الزوجة ونعمة الزوج، من أساء معاملة الطرف الآخر, فقد كفر هذه النعمة .

 

إليكم بعض الأحاديث التي وردت بشأن مكانة علي بن أبي طالب عند النبي :

 عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:

((بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا, وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ, فَمَضَى فِي السَّرِيَّةِ, فَأَصَابَ جَارِيَةً, فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ, وَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالُوا: إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَخْبَرْنَاهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ, وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ السَّفَرِ, بَدَؤوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ, ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى رِحَالِهِمْ, فَلَمَّا قَدِمَتْ السَّرِيَّةُ, سَلَّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَامَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَلَمْ تَرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ, صَنَعَ كَذَا وَكَذَا, فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ قَامَ الثَّانِي, فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ, فَأَعْرَضَ عَنْهُ, ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ, فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ, فَأَعْرَضَ عَنْهُ, ثُمَّ قَامَ الرَّابِعُ, فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا, فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ, فَقَالَ: مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي, وَأَنَا مِنْهُ, وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 كان صهره الحبيب:

((مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي, وَأَنَا مِنْهُ, وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

إليكم هذه السنة الربانية التي قضى الله بها في عباده مع مثال عليها :

 أيها الأخوة, عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ:

((إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ, اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ, فَلَا آذَنُ, ثُمَّ لَا آذَنُ, ثُمَّ لَا آذَنُ, إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي, وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ, فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي, يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا, وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا))

[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]

 لكن سنة الله في خلقه, أنه لا بدَّ من اضطراب العلاقة الزوجية، ليس هناك على وجه الأرض زوجان, إلا وينشأ بينهما جفوة، أو خصومة، أو نفور بعض الشيء، فقد روى ابن سعدٍ بإسناده عن عمرو بن سعيد قال:

((كان في عليٍ شدَّة على فاطمة, فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فانطلقت, وانطلق عليٌ في أثرها, فكلَّمته, فقال صلى الله عليه وسلَّم: أي بنيتي؛ اسمعي، واستمعي، وأعقلي، إنه لا إمرة لامرأةٍ, تأتي هوى زوجها, وهو ساكت .
-أي إذا كانت المرأة مطيعة لزوجها، فليس له الحق أن يشتد عليها، إن كانت تطيع زوجها وترضيه, فليس له الحق أن يشتد عليها- لذلك قال عليٌ: فكففت عما كنت أصنع, وقلت: والله لا آتي شيئاً تكرهينه أبداً))

 عاشت هذه السيدة الجليلة في بيت علي بن أبي طالب؛ معزَّزةً، مكرَّمةً، معظَّمةً، مبجَّلةً .
 إليكم ذرية فاطمة بنت النبي, والأحاديث التي وردت بشأن محبة النبي للحسن والحسين, وعلة تسمية بناتها على تسمية أخواتها زينب وأم كلثوم :
 طبعاً أول مولود أنجبته الحسن، لقد كان سرور النبي صلى الله عليه وسلَّم بأولاد فاطمة رضي الله عنها عظيماً جداً، فاق كل سرور، بل لعله فاق سرور الأبوين نفسيهما، وكان عليه الصلاة والسلام, يأمل من زواج فاطمة من علي هذه الذرِّية الطيبة .
 قال عليه الصلاة والسلام ليلة بنى عليٌ بفاطمة, معنى بنى: أي دخل بها:

((لا تحدث شيئاً حتى تلقاني، فدعا بماءٍ, فتوضَّأ منه, ثم أفرغ عليهما, وقال: اللهمَّ بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك في نسلهما))

 واستجاب الله عزَّ وجل دعاء رسوله الكريم، فرزق الزوجين المباركين ذريةً طيبةً مباركة، فما إن مضى أقل من عام على زفاف العروسين الكريمين، حتى احتفلت المدينة المنوَّرة بمقدم المولود المبارك الذي سمَّاه جده (الحسن)، وما أن أصبح عمر الحسن يقارب السنة حتى أردفته أمه بشقيقه الحسين، فكان في ذلك سرورٌ عظيمٌ من الجد الكريم، صار له أحفاد صلى الله عليه وسلَّم، الحسن والحسين، وقف الوالدان مدهوشين أمام ذلك السرور العارم من الجد الرسول عليه الصلاة والسلام .
 فكان عليه الصلاة والسلام يضمُّهما إلى صدره الشريف، يعانقهما، ويغمرهما بكل ما امتلأ به قلبه الطاهر الكبير من حبٍ وحنان، ويفيض عليهما من عاطفة الأبوَّة ما شاء الله أن يفيض.
 روى الإمام الترمذي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:

((طَرَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ, فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى شَيْءٍ, لَا أَدْرِي مَا هُوَ, فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ حَاجَتِي, قُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَكَشَفَهُ, فَإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَى وَرِكَيْهِ, فَقَالَ: هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِيَ, اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا, وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا))

 يحملهما على وركيه، على خصريه .
 وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ:

((سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ, وَكَانَ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ: ادْعِي لِيَ ابْنَيَّ فَيَشُمُّهُمَا, وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 وعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ, فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ, وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي, فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ, وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا, قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ, وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 أي وأنتِ معهم، هنا في نقطة دقيقة، أي أن أهل البيت جزءٌ من الدعوة، كيف؟ لو أن إنسانًا يدعو إلى الله, وأهل بيته, ليسوا كذلك، تنشأ مشكلة كبيرة، هذه المشكلة أنه إذا كانت هذه الدعوة صحيحة، لمَ لا تطبَّق على أهل بيتك؟ هذا سؤال، فإن كانت ليست واقعية, فلا معنى لهذه الدعوة، وإن كنت لا تستطيع أن تطبقها على أهل بيتك، عظ نفسك قبل أن تعظ الناس، هذه كل القصة، لذلك يعد أهل البيت جزءًا من الدعوة، فإن استقاموا استقامت الدعوة، هذا معنى قوله تعالى :

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 33]

 لا تستقيم الدعوة إلا بالانسجام، لا تستقيم الدعوة إلا أن يكون من حول هذا الذي يدعو على شاكلة من يدعو .
 سيدنا علي كان يسعد أيَّما سعادة, حينما يرى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم متعلِّقاً تعلُّقاً شديداً بالحسن والحسين، سرَّه أن تتصل حياة النبي الكريم بحياته هذا الاتصال الوثيق، وتتابعت الثمرات المباركات، وتلد الزهراء طفلتها الأولى في العام الخامس من الهجرة، فسمَّاها جدها صلى الله عليه وسلَّم زينب، إحياءً لذكرى خالتها الراحلة زينب, وبعد عامين من ولادة زينت، وضعت فاطمة رضي الله عنها الطفلة الثانية، التي اختار لها جدها اسم أم كلثوم، تطييباً لخاطر الخالة التي لم يقدِّر الله تعالى لها أن تنجب من زوجها عثمان, أم كلثوم لم تنجب من عثمان, فسمى ابنة فاطمة الثانية أم كلثوم, فصار الحسن, والحسين، وزينب, وأم كلثوم .
 لقد ملأت هذه الذرية الطاهرة قلب الجد الكريم بحنان الأبوة, الذي افتقده بوفاة أبنائه؛ إبراهيم, والقاسم, وعبد الله .
 فلحكمةٍ أرادها الله, لم يشأ الله أن يكون للنبي ذريَّة من الذكور، فمات ابنه إبراهيم، وابنه القاسم، وابنه عبد الله، وحفظ الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلَّم هذا القدر من السعادة الأبويَّة المتمثِّلة بحبه العميق لأولاد فاطمة، وعلى الأخص منهم؛ الحسن والحسين .

 

مشهد نستنبط منه العبر :

 إليكم هذا المشهد: يروي الإمام النسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ, قَالَ:

((خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ, وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا, فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ, ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى, فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا, قَالَ أَبِي: فَرَفَعْتُ رَأْسِي, وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ سَاجِدٌ, فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي, فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ, قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا, حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ, أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ, قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ, وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي, فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ, حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ))

[أخرجه النسائي في سننه]

 كنت في مسجد قبل يومين، فصلى طفل في الصف الأول، جاء إنسان بقسوةٍ ما بعدها قسوة, دفعه إلى صفٍ آخر، تألَّمت أشد الألم من هذا الموقف، النبي عليه الصلاة والسلام يحمل الحسن والحسين، ويدخل المسجد، ويضعهما أمامه, ويؤمُّ الناس .
 هكذا كانت رقَّة النبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا كان حب النبي، وهكذا كان رفق النبي بالصغار .
 أيها الأخوة, نحن الآن في أمس الحاجة إلى أن نربي الصغار، لأنهم المستقبل، إذا كان حاضر أمتنا لا يرضينا، فلا بأس من أن نسعى للمستقبل، بتربية أولادنا تربيةً إسلاميةً صحيحة، والطفل كما ورد أن:

((لاعب ولدك سبعاً, وأدِّبه سبعاً, وراقبه سبعاً, ثم اترك حبله على غاربه))

 من الواحد إلى السبعة ملاعبة، من السبعة إلى أربعة عشر تأديب، من أربعة عشر إلى الواحد والعشرين مراقبة، في الواحد والعشرين صار زميلك، صديقك، وانتهى الأمر .
 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ, وَإِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ))

[أخرجه النسائي في سننه]

 أي أن أعظم عمل على الإطلاق؛ أن تربي ابنك تربيةً صحيحة، ليكون خليفتك من بعدك، وحينما تربي ابنك تربيةً صحيحة, أنت لا تموت حينئذٍ، فكل أعمال ابنك في صحيفتك, قال تعالى:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾

[سورة الطور الآية: 21]

 لي قريب فجأةً, شعر بدنو أجله، جمَّع ثروةً طائلةً، ثروة كبيرة جداً في السبعينات، فقيمتها الآن عشرة أضعاف، أو عشرون ضعفًا، أو ثلاثون ضعفًا، وترك ولدين بعيدين عن الدين كلياً، قال كلمة: تركنا أثمن شيء، وهم الأولاد، لم نعتن بهم، وجمعنا شيئاً لا قيمة له، وهو المال .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور