- السيرة / ٠2سيرة الصحابيات الجليلات / ٠2بنات النبي الكريم
- /
- ٠4السيدة فاطمة الزهراء
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
إليكم الحديث عن السيدة فاطمة الزهراء من حيث: نسبها, زواجها, أولادها, مكانتها عند أبيها :
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس السابع والعشرين من سير الصحابيات الجليلات رضوان الله تعالى عنهن أجمعين، ومع بنات النبي صلى الله عليه وسلم، ومع الابنة الرابعة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها .
هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمُّها خديجة أمُّ المؤمنين، كانت أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت سيدة النساء في زمنها، وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنه كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع، والسيدة فاطمة رضي الله عنها إحدى هؤلاء الأربع، وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ))
ولدت قبل البعثة بقليل، تزوجها الإمام علي كرم الله وجهه في ذي القعدة من سنة اثنتين بعد وقعة بدر، لها من الأولاد الحسن، والحسين، والمحسن، وأم كلثوم، وزينب، أبناء علي بن أبي طالب، وكان عليه الصلاة والسلام يحبها، ويكرمها، ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت رضي الله عنها صابرة، دينة، خيرة، قانعة، شاكرة لله عز وجل، وقد غضب لها النبي عليه الصلاة والسلام, لما بلغه أن أبا الحسن هم ولم يفعل بما رآه سائغاً من خطبة بنت أبي جهل.
فَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ:
((إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ, فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ, فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ, وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ, فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ, يَقُولُ:
أَمَّا بَعْدُ, أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي, وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي, وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا, وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ, فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ))
فترك علي رضي الله عنه الخطبة رعاية لها .
الحديث عن السيدة فاطمة يطول، حديث مسعد، فهي سيدة عصرها, هي إحدى أربع نساء كملن في العالمين، والمرأة إذا كملت شيء لا يوصف، المرأة إذا كملت تكون قرة عين لمن حولها .
إليكم بعض الأحاديث التي وردت عن النبي بشأن مكانة السيدة فاطمة بنت النبي
أيها الأخوة, صح في السيرة، وفي سير أعلام النبلاء, وسنن الترمذي, عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾
فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ, فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ, وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي, فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا, قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ, وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ))
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ لِعَليٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ:
((أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ, وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُمْ))
والحقيقة من كرامة النبي عند الله؛ أن جعل له أهل بيت أطهار، ومن كرامة النبي عند الله أن الله اختاره، واختار له أصحابه، ومن كرامة المؤمن الآن؛ أن يكون حوله مؤمنون على شاكلته، يعرفون قدره، يعرفون علمه، يعرفون خلقه، يعرفون ورعه، يعرفون محبته لله عز وجل، إذا أحاطك الله بمن يقدرك، ويعرف قيمتك, فهذه نعمة من نعم الله الكبرى، وأكبر عقاب يُعاقب به الإنسان, أن يكون الذي معه مناقضاً له، أن يكون الزوج صالحاً, والمرأة سيئة، وأن تكون الزوجة صالحة, وزوجها يعصي الله عز وجل, أكبر عقاب تُعاقب به أن تكون أنت في واد، ومن حولك في واد آخر، فمن تكريم الله لك أن يجعل الذين حولك على شاكلتك، وكلما ارتقى الإنسان, يكرمه الله بأن يقيض له كرماء صالحين، وما أخلص عبد لله عز وجل إلا جعل قلوب المؤمنين, تهفو إليه بالمودة والرحمة .
ترى الأخوة المؤمنين بينهم اللطف، والمودة، والاحترام المتبادل، والزيارات، والبذل ، والتضحية، وترى أسرًا في المحاكم, والخصومات، والشتائم, والسباب، والبغضاء، والشحناء، هؤلاء بهائم، أما الإنسان فهو مخلوق راق جداً .
نزع أحد الصحابة عن النبي ريشة عن ردائه، فرفع النبي يديه إلى السماء, وقال:
((اللهم أكرم من نزعها))
وكانت تعظم عنده النعمة مهما دقت .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ, إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ))
وعَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ, قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَمَّتِي عَلَى عَائِشَةَ فَسُئِلَتْ:
((أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: فَاطِمَةُ, فَقِيلَ: مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَتْ: زَوْجُهَا، إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا))
هل شاركت فاطمة معاناة أبيها أثناء نشر دعوته بين أبناء قومه, وماذا قال علماء السيرة عنها؟
أيها الأخوة, السيدة فاطمة الزهراء كانت واحدة زمانها، وعظيمة دهرها، لما تهيأ لها من الكثير من مشاهد النبوة والوحي، فقد صحبت أباها من نعومة أظفارها إلى أن فارقها النبي صلى الله عليه وسلم, يوم التحق بالرفيق الأعلى، على مدى ربع قرن .
أيها الأخوة, فقد كانت مع النبي، وشهدت كل أحداث الدعوة، شهدت معاناة النبي في مكة، شهدت الهجرة، شهدت الغزوات، كل المعاناة التي عاناها النبي كانت إلى جانبه، كانت معه، كانت ترى بعينيها تطور البعثة من حال إلى حال، لذلك كانت رضي الله عنها شديدة الحزن على أبيها عليه الصلاة والسلام، فهي لم تعرفه إلا نبياً مرسلاً من عند الله تعالى، وهي دون الرابعة من عمرها، فلم تكد تعي على الدنيا إلا ويملأ سمعها أحداث تبليغ الدعوة ونشرها، وبثها بين جموع قريش، لازمت النبي، وشهدت كل شيء، شاركته في كل شيء، عانت كل شيء، لذلك قال علماء السيرة: كانت أشد عزماً من أخواتها، وأكثر وعياً لما جرى, ويجري من أحداث, واكبت دعوة التوحيد والإيمان .
أيها الأخوة الكرام، لهذا احتلت فاطمة الزهراء تلك المكانة العظيمة، ليس عند أبيها فحسب، بل عند جميع المؤمنين والمؤمنات .
أيها الأخوة, ذكر هذه السيدة الجليلة, يعطر المجالس، الكمال رائع في المرأة الوفية، المرأة المحبة، المرأة خفيفة المؤنة، كثيرة البركة، المرأة التي تسعى لإسعاد زوجها، المرأة التي ترضى من زوجها كل قليل، المرأة التي تحب الله، هذه امرأة كما يقول بعضهم: أندر من الكبريت الأحمر .
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام لم يزوجها إلا لرجل كفء لها، والكفاءة في الزواج مهمة جداً، أحياناً فتاة تحفظ كتاب الله ,فلا ينبغي أن تُزوج لشاب شارد, لا يعرف قيمة دينها، ولا قيمة ورعها، آباء كثيرون تزل أقدامهم حين لا يزوجون بناتهم لمن كان كفئًا لهن .
فهذه السيدة رضي الله عنها لها من البلاء في الإسلام ما كان لها، ولها من التضحية في سبيل الله ما كان لها، ولها من معايشة الدعوة الإسلامية من بدايتها مثل ما لها .
من كان زوجها؟ ربيب النبي عليه الصلاة والسلام الذي رباه، وحامل لوائه، وناصره على أعدائه، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا غرابة أن الله تعالى يباهي جميع خلقه بفاطمة ابنة حبيبه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بما حباها من تلك الخصال والصفاء .
الأحاديث التي وردت عن النبي بشأن إكرامه لفاطمة وأنها أكثر الناس شبهاً به :
ورد في الترمذي في سننه من كتاب الفضائل عَنْ حُذَيْفَةَ, قَالَ:
((سَأَلَتْنِي أُمِّي مَتَى عَهْدُكَ (تَعْنِي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؟ فَقُلْتُ: مَا لِي بِهِ عَهْدٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَنَالَتْ مِنِّي, فَقُلْتُ لَهَا: دَعِينِي آتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأُصَلِّيَ مَعَهُ الْمَغْرِبَ, وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي وَلَكِ, فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ, فَصَلَّى حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ, ثُمَّ انْفَتَلَ فَتَبِعْتُهُ فَسَمِعَ صَوْتِي, فَقَالَ: مَنْ هَذَا، حُذَيْفَةُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ, قَالَ: مَا حَاجَتُكَ, غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلِأُمِّكَ؟ قَالَ: إِنَّ هَذَا مَلَكٌ, لَمْ يَنْزِلْ الْأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ, اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ, وَيُبَشِّرَنِي بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ, وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ))
من هو الإنسان العظيم؟ الذي له عند الله مكان عظيم, قال تعالى:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾
إن كان لك عند الله مقعد صدق، فهذه هي الجنة، وهذا هو الفوز العظيم، وهذا هو الفلاح، وهذا هو النجاح، وهذا هو التفوق، وهذه هي السعادة، أن تكون لك حظوة عند الله .
وفي الحديث الصحيح عند الترمذي, عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ))
قال كتاب السيرة فيما نُقل:
((إن هذه السيدة الجليلة كانت كثيرة الشبه بأبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم))
يعني أكثر بناته شبهاً به السيدة فاطمة رضي الله عنها .
وعَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ, عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا, أَنَّهَا قَالَتْ:
((مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا, وَقَالَ الْحَسَنُ حَدِيثًا وَكَلَامًا, وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَسَنُ السَّمْتَ وَالْهَدْيَ وَالدَّلَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهَا, كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا))
بربكم أنتم آباء، أحياناً تأتيكم بناتكم زائرات، تدخل البنت أهلاً أبي، الأب جالس مرتاح ولا يتحرك:
((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ))
طبقوا هذا:
((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا))
الحياة كلها مودة، أجمل ما في الحياة المودة والحب، والاحترام المتبادل، والوفاء، والتضحية، فالإنسان حين يعيش حياة الود، حياة الحب، حياة الكرم، هذا إنسان سعيد .
مرة رأى أخ بيتاً مناسباً, فقال: ممكن أن نرى البيت يا أستاذ، قلت: لا مانع، فذهبنا نرى البيت, دخلنا إلى غرفة, وجدنا صبيًا في الخامسة عشر مضطجعًا على قفاه، ورجل فوق رجل, يشاهد مسلسلا، ولم يتحرك، ولم يغير مجلسه، ولم ينظر إلينا، هذه التربية، هذه تربية المسلسلات .
أما تربية سيد الأنام:
((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا))
لقد كان لفاطمة رضي الله عنها, ولزوجها علي كرم الله وجهه, وابنيها الحسن والحسين مكانة عظيمة .
ففي سنن الترمذي, عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ, فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ, وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي, فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ, وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا, قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ, وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ))
أخواننا الكرام، صدقوا أن الله جل جلاله إذا حباك بأهل صالحين، أهل أعفة، أتقياء، أنقياء, فهذه نعمة لا تعدلها نعمة .
أنا أقول لكم: كثير هم الرجال الذين يكفرون نعمة الزوجة الصالحة، زوجة عفيفة، قنوعة، تخدم زوجها، يبحث عن بعض الأخطاء، ويكبرها، وينشئ مشكلة، هذا إنسان جاهل، وكثيرات هن الزوجات اللواتي حباهن الله بأزواج صالحين، مستقيمين، تبحث عن بعض نقاط الضعف فتكبرها، المرأة أحياناً تكفر بنعمة الزوج، والزوجة أحياناً يكفر بنعمة الزوجة الصالحة، فهناك زوج صالح، وهناك زوجة صالحة .
مرة ملِك من ملوك قرطبة, وهو ابن عباد، كان يمشي في حديقته، فرأى بركة ماء، وقد هبت الريح على صفحة الماء, فجعلت منها كالزرد، فقال:
نسج الريح على الماء زرد ............................
ولم يستطع أن يكمل البيت، وكانت وراءه جارية، قالت له:
.......................... يا له درعاً منيــعاً لو جمد
فأُعجِب بهذه الجارية، وتزوجها، وجعلها السيدة الأولى، وأكرمها إكراماً ما بعده إكرام ، اشتهت مرةً حياة الفقر، كيف كانت تدوس في الطين؟ فطلبت منه أن تعيش يوماً واحدًا حياتها السابقة، فجاء بالمسك، والعنبر، وماء الورد, فجبلها وجعلها طيناً، وقال: دوسي فيه, هذا هو الطين, ثم جاء ابن تاشفين من شمال أفريقيا, قضى على ملوك طوائف، وأودعه في السجن، وافتقر، فكانت هذه الجارية زوجته, تقول له مرةً: لم أر منك خيراً قط، قال لها: ولا يوم الطين؟ فاستحيت .
لماذا ذكر السيدة فاطمة يملأ القلوب سعادة؟ من وفائها، من تواضعها, من حرصها على سعادة زوجها، من حرصها على راحته، من حرصها على عدم الضغط عليه .
الآن تضغط الزوجة، تضغط حتى يأكل زوجها الحرام، ويسرق حتى يخلص من شكواها .
قال رجل لامرأته: لقد هلكت من كثرة شكواك وهمومك، فقالت له: إذًا: يوم أشكو به, ويوم أريحك، فكانت في يوم راحته, تقول له: غدا أوجع رأسك، فالإنسان بكماله، فالإنسان بأخلاقه، الإنسان بمحبته .
الآن: كم من إنسان تموت زوجته، إذا فكر في الزواج, قامت بناته عليه بالنكير، السيدة فاطمة لما توفيت أمها السيدة خديجة, رأت أن أباها بحاجة إلى زوجة، فلما تزوج فرحت ، وكانت أكبر معين .
تقول البنت: نحن نخدمك، هم لا يفهمون، الإنسان بحاجة إلى امرأة، وليس إلى بنت، هناك خصوصيات للإنسان لا تحلها البنت، فلذلك البنت الوفية لا تقف حجر عثرة أمام زواج والدها إذا كان بحاجة إلى زوجة .
كيف كانت علاقة السيدة فاطمة مع زوجات أبيها ؟
لما تقدمت خولة بنت الحكيم, تخطب للنبي صلى الله عليه وسلم لتزوجه, لم تكن لفاطمة وأخوتها من معارضة، بل كن جميعاً راغبات راضيات عن زواج أبيهن، الذي أضناه الحزن على فراق أمهن خديجة، ولما جاءت خولة, قالت:
((أفلا أخطب عليك؟ قال صلى الله عليه وسلم: بلى، ثم قال: فإنكن معشر النساء أرفق بذلك))
خطبت خولة عليه سودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، فتزوجهما، فبنى بسودة بمكة، ثم بعائشة بالمدينة .
الآن في التعبير الدارج بنت الحماة مخيفة، حماية ثانية، السيدة فاطمة كانت من أرفق النساء بزوجات أبيها، إذا العلاقة طيبة بين البنت وزوجة والدها، هذا شيء مثالي .
فعاشت فاطمة مع زوجتي أبيها بكل حب وحسن عشرة، بل كان يزيد في سرورها رؤية أبيها سعيداً في زواجه هذا .
الآن بنت الزوج دائماً ضد خالتها، امرأة أبيها، ضدها على طول مهما فعلت، فكانت فاطمة رضي الله عنها تتظافر مع عائشة في الأمور التي كانت تراها فيها محقة, وهي أكبر عون لزوجة أبيها .
أعرف أن زوجة الأب لا يحبها أولاد الأب، أحد أخواننا ذكره الله بخير, قال: لي خالة, إذا ذكرتُ اسمها ثلاث مرات, أبكي من محبتي لها، عاملتنا معاملة أحن من أمنا .
لمَ هذه القاعدة الثابتة: أن امرأة الأب ضد أولاد زوجها؟ الإيمان يصنع المعجزات، فإذا كانت المرأة مؤمنة, فلا تعامل أولاد زوجها إلا كأولادها، فالسيدة فاطمة لم تكن كبقية النساء بهذه العداوة الثابتة مع زوجة أبيها، بل على العكس، كانت تتعاون مع السيدة عائشة إن كانت محقة في تعاونها.
أما موقفها من أزواج أبيها, فقد كانت أكثر انسجاماً، واحتراماً، وتوقيراً، ولا شك أنها في ذلك تقوم بواجبها تجاه حق أبيها .
إذا كان الأب متزوجًا، وكل يوم عنده مشكلة لا يرتاح، أما عنده ابنته من زوجته السابقة في البيت فلا مشكلة، فيه انسجام، فيه مودة، وفيه تعاون, كل يوم حياة لا تُطاق، فالقاعدة الأساسية: ما الذي يسعد أباها؟ أن يدخل البيت مرتاحًا، فما كانت تختلق مشكلة إطلاقاً، بل كانت أكبر معوان لزوجات أبيها .
موقفها دائماً كان توقير زوجاته، والإحسان إليهن، والتأدب معهن، ولم يكن منها رضي الله عنها أي تصرف يثير غضب إحداهن، فقد كانت أكبر تعقلاً لما يحصل لبنات جنسها.
سمعت من يومين قصة امرأة لا تنجب، وزوجها جيد جداً، وهو متألم بعدم إنجابها، ويتمنى الولد، ولكن بمحبته لها, فهو ساكت، خرجت وخطبت له، وفاجأته بزوجة جيدة، هي خطبتها، قال: والله عشنا معاً أكثر من خمسة عشر عامًا، لم تحدث مشكلة في البيت, عقل راجح، زوج وفيّ، زوج جيد، فالحياة إذا بنيت على الإيمان شيء رائع .
امرأة صالحة جداً، تزوجها رجل، قال لها: بزماني كنت أفكر في الزواج من امرأة، ثم تركت الزواج منها، قالت لي: إذا تزوجتني, أسلم وأتزوج، وأحفظ القرآن، فلما علمت زوجته الدينة أن هذه المرأة إذا تزوجها تسلم، وتتحجب، وتحفظ القرآن, قالت: بالله عليك تزوجها اليوم ، وجاء بها إلى البيت .
المرأة إذا كان دينها أصليًا, إذا كان دينها نابعاً منها، ليس ضغطاً، ليس قهراً، إذا كان دينها نابعاً منها, تفعل المعجزات، تفعل الأعاجيب, لأنها رأت أن هذه المرأة إذا تزوجها زوجها, دخلت بالإسلام، وتحجبت، وحفظت كتاب الله، هذا كسب كبير جداً .
إليكم بيان خطبتها وزواجها بشكل تفصيلي :
سيدنا علي لم يكن ليتقدم لخطبة فاطمة من أبيها إلا على وجل شديد لما يعلم ما لها من المكانة العظيمة عنده صلى الله عليه وسلم، وما لها من الحب الكبير في نفسه الشريفة، فكان يتحين الفرص المواتية ليتقدم إليه بهذا الطلب الغالي، وطال انتظار علي سنين عددًا، حتى إذا خامره الرجاء في تحقيق رغبته بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة، أمسك أيضاً ، لأنه لا يملك مهرها, فقير، وليس في يده مال، ثم زاد إحجامه, حينما بلغه أن الصحابيين الجليلين خطباها .
سيدنا أبو بكر خطبها، سيدنا عمر خطبها، هو فقير, لا يملك نقيرًا ولا قطميرًا، إلا أنه ابن عمها، وحين شعر الصحابة برغبة علي في خطبة فاطمة, شجعه على مراده بعض أصحاب رسول الله، وأخذ يزيده في الترغيب بما له من قرابة النسب، ومنزلة أبويه من قلبه الشريف، أبوه أبو طالب، وأمه فاطمة بنت أسد، وكانت أول هاشمية تلد هاشمي، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم حين كفله عمه أبو طالب أماً بعد أمه .
يوجد مداخلات، قرابة شديدة، مكانة عالية، فوقف علياً رضي الله عنه ملياً يفكر، هو بحق أجدر الناس بفاطمة بنت رسول الله، إنه كان قد تربى، وعاش في حجر النبي، ولم يفارقه ، فزاد هذا في أمله، فتشجع, وطلب من النبي فاطمة .
قال:
((فما راعه إلا أن التفت إليه صلى الله عليه وسلم, وسأله مترفقاً, هل عندك شيء ؟ -يعني هل عندك مهر لفاطمة؟- فأجابه علي كرم الله وجهه: لا, يا رسول الله، فذكره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أصاب يوم بدر درعاً, فقال له: فأين درعك التي أعطيتك يوم كذا؟ فأجاب علي رضي الله عنه: هي عندي يا رسول الله، قال له: فأعطها درعك -هذا المهر، لا غيره، ليس خاتم ثمنه ثمانمائة ألف, إنه درع فقط .
لذلك عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مؤنَةً))
الآن ماذا ستلبسونها؟ شرط، الذهب وألماس, وشهر العسل في فنيسيا, هكذا طلبات الناس، بيت معين، مساحة معينة، بشارع معين، شهر عسل بمكان معين .
قال: ثم بيعت الدرع بأربعمائة وسبعين درهماً، فجهزت بها عروسه، وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم زواج علي على ابنته فاطمة رضي الله عنهما، وأسكنها صلى الله عليه وسلم قريباً من بيته- .
وقال صلى الله عليه وسلم لعلي قبل ليلة الزفاف: لا تحدث شيئاً حتى تلقاني, فدعا بإناء, فتوضأ منه، ثم أفرغه على فاطمة وعلي، وقال: اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما))
أيها الأخوة, وتم زواجهما على بركة الله تعالى، وكان عمر العروس فاطمة يوم زواجها من علي بن أبي طالب ثمانية عشر عاماً، وكان علي زوجها ستة وعشرين عاماً، فكانا قريبين من أحلام أمثالهما، غير أنهما كانا منصرفين إلى ما هو أسمى من كل ذلك، إنهما تابعا السير في سبيل نشر الدعوة .
ما العمل الذي كانت تقوم به فاطمة حينما يكون زوجها غائباً عن البيت, وكيف كانت تستقبله حينما يأتي إليها ؟
فهذا علي رضي الله عنه ينصرف مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته، وهذه فاطمة تستمر في نهجها بين نسوة الأنصار، والمهاجرين، وفتياتهم، تبث فيهم روح الدعوة الإسلامية المنفتحة، الممتدة في ربوع الحجاز، وكان زوجها علي بن أبي طالب لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً .
الآن إذا تأخر الرجل قليلاً في السهرة, يُقام النكير على هذا الشيخ, الذي شغل زوجها قليلاً, ما أروع امرأة في مستوى زوجها! ما أروع امرأة في مستوى الدعوة! ما أروع امرأة تحمل هموم المسلمين! ما أروع امرأة تعرف قيمة زوجها! .
كان زوجها علي بن أبي طالب لا يفارق رسول الله أبداً, إلا ما كان في غزوة تبوك حين استخلفه في المدينة، فعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ:
((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ, وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا, فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي))
وكان رضي الله عنه, كلما رجع إلى بيته من غزوة غزاها, أو سرية قادها, وجد زوجته بانتظاره .
أحياناً يأتي الزوج متعبًا، العمل شاق، والعمل خارج البيت متعب، هموم، ضغوط، مشكلات، فهي تأتي تستقبله باللؤم، بالتقريع، بالضغط الداخلي، ماذا يحصل لهذا الزوج؟ ضغط من الداخل، وضغط من الخارج, أما المرأة الصالحة فتنسي زوجها هموم العمل، تنسيه ضغوط الحياة، تستقبله، تؤنسه، تحترمه .
عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
((مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ, فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ, حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ, قَالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً, فَأَكَلَ وَشَرِبَ, فَقَالَ: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ, فَوَقَعَ بِهَا, فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا, قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ, أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ, فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ, أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لَا, قَالَتْ: فَاحْتَسِبْ ابْنَكَ, قَالَ: فَغَضِبَ, وَقَالَ: تَرَكْتِنِي, حَتَّى تَلَطَّخْتُ, ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي, فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا, قَالَ: فَحَمَلَتْ, قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ, وَهِيَ مَعَهُ, وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ, لَا يَطْرُقُهَا طُرُوقًا, فَدَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ, فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ, فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ, وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ, إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ, وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ, وَقَدْ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى, قَالَ: تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ, مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ, انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا, قَالَ: وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا, فَوَلَدَتْ غُلَامًا, فَقَالَتْ لِي أُمِّي: يَا أَنَسُ, لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ, حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ, فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ, فَلَمَّا رَآنِي, قَالَ: لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ, قُلْتُ: نَعَمْ, فَوَضَعَ الْمِيسَمَ, قَالَ: وَجِئْتُ بِهِ, فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ, وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ, فَلَاكَهَا فِي فِيهِ, حَتَّى ذَابَتْ, ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِيه الصَّبِيِّ, فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا, قَالَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ, قَالَ: فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ))
امرأة ترعى حق زوجها، تخفف عنه آلام الحياة، آلام العمل، الحياة فيها ضغوط شديدة .
أخواننا الكرام, نسب الأمراض تزيد، نسب الأورام تزيد، نسب أمراض الدم, والقلب ، والأوعية, تنزل إلى الثلاثين، والخمسة وعشرين من شدة الضغوط، أنا أستمع إلى بعض القصص، ضغط من الخارج، وضغط من الداخل .
كان إذا عاد من غزوة غزاها أو سرية قادها, عاد إلى بيته, وجد زوجته بانتظاره, قد هيأت له أسباب الراحة، لتخفف عنه بعض ما وجدوا من عناء السفر والغربة عنها .
هل عاشت السيدة فاطمة حياة المتنعمات عند زوجها, وما هو أثاث بيتها ؟
قال: لم تكن حياة فاطمة في بيت زوجها مترفة، ولا ناعمة، شأنها في ذلك, شأن حياتها عند أبيها قبل زواجها، حياة خشنة، والحياة الناعمة لا تصنع الرجال، ولا تصنع البطلات.
سيدنا علي, حينا شُغل بالجهاد مع رسول الله, شُغل عن جمع المال، والاتجار به، لو سخر وقته في التجارة لصار مليونيرًا، قدرات عند الإنسان عالية، هو صرفها في معرفة الله، وفي نشر الحق .
التاجر أحياناً من الصباح, وحتى منتصف الليل, يفكر في التجارة, سوف يتابع أموره ويربح، أما إنسان آخر, جاهد نفسه وهواه، طلب العلم، هذا كله يحتاج إلى وقت .
فانصرف هذا الصحابي الجليل, ابن عم النبي, إلى نصرة صلى الله عليه وسلم، ونشر التوحيد بين الناشئين، فشغله ذلك عن سبيل الثراء, الذي كان أشراف قريش, قد وجهوا شبابهم إليه، فلا عجب إن رأينا هذا الصحابي الجليل, لا يملك مهراً لزوجته سوى درعه، وحال سيدنا علي قبل الزواج, لم يكن خافياً على السيدة فاطمة، الآن إذا خطب إنسان، وليس معه شيء، طولب بكل شيء، طيب لماذا قبلتم؟ .
فكان حال سيدنا علي واضحًا للسيدة فاطمة، وكانت تعلم أن علياً لم يكن ثرياً، فلذلك لم تفاجأ بالجهاز التي جُهزت به، كان مؤلفاً من خميلة ووسادة, حُشيت ليفاً، وإناء وسقاءين .
الآن تريد غرفة النوم كذا، الجلوس كذا، الثريات كريستال، طلبات مهرها عجيبة, وتلك الصحابية خميلة ووسادة, حُشيت ليفاً، وإناء وسقاءين، وشيء من العطر، وهي في هذا راضية كل الرضا، لأن هذا الزواج كان برضا أبيها، لذلك كانت فاطمة سعيدة كل السعادة في بيت زوجها علي رضي الله عنه على ما كانت عليه من شظف العيش .
من روائع هذا النبي :
اسمعوا هذه الحادثة، كان علي رضي الله عنه, كلما عاد إلى بيته, يرى فاطمة متعبة راضية, فيساعدها في بعض أعمال البيت القاسية في كل وقت, مكنته الظروف من ذلك، حيث كان غير قادر على أن يستأجر لها خادماً، أو أن يشتري لها أمة, تقوم عنها بأعباء البيت، فكان هو يخفف عنها بعض عناء البيت .
فجاء عليٌّ مرةً فرآها، وهي تسقي من البئر, حتى اشتكت صدرها، فقال رضي الله عنه:
((قد جاء الله بسبي، فاذهبي إلى رسول الله فاستخدمي، -أي ائتي بخادمة- .
فقالت: وأنا والله قد طحنت, حتى مَجَلَتْ يداي, فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما جاء بك أي بنية؟ استحييت, قالت: جئت لأسلم عليك، واستحييت أن أسأله، ورجعت فأتيناه جميعاً .
جاءت بسيدنا علي، فذكر علي حالها، -أن ابنتكم يا سيدي متعبة العمل شاق، جسمها ضعيف، فهل من خادمة؟- فقال صلى الله عليه وسلم: لا والله لا أعطيكما, وأدع أهل الصفة, تتلوى بطونهم، ولا أجد ما أنفق عليهم))
النبي عد المؤمنين أسرة واحدة، ما أعطى ابنته خادمة، وهناك فقراء, يتلوون من الجوع .
والحديث في صحيح البخاري, عَنْ عَلِيٍّ:
((أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَام, أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى, وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ, فَلَمْ تُصَادِفْهُ, فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ, فَلَمَّا جَاءَ, أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ, قَالَ: فَجَاءَنَا, وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا, فَذَهَبْنَا نَقُومُ, فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا, فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا, حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي, فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا, إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا, أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا؟ فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ, فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ))
وفي رواية أحمد:
(( فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا تَرَكْتُهَا بَعْدَمَا سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ رَجُلٌ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟))
أرأيتم إلى النبوة؟ المؤمنون أسرة واحدة .
وفي درس آخر إن شاء الله, نتابع الحديث عن السيدة الجليلة رضي الله عنها وأرضاها، فهي سيدة نساء أهل الجنة، وهي من أربع نساء, كملن ولم يكمل غيرهن .