وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 24 - سورة التوبة - تفسير الآية 28 ، أوصاف المشركين تشير إلى أوصاف النفس.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


الإنسان الذي يبني مجده على أنقاض الآخرين إنسان نفسيته ملوثة :


 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع والعشرين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثامنة والعشرين، وهي قوله تعالى:

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(28)﴾

[ سورة التوبة ]

 أيها الإخوة الكرام، هذه الأوصاف التي وُصف بها المشركون قد تشير إلى أوصاف النفس، فالإنسان الذي يريد أن يبني مجده على أنقاض الآخرين، أو أن يبني حياته على موتهم، أو غناه على فقرهم، أو عزه على ذلهم، هذا إنسان نفسيته نجسة، أي ملوثة، ملوثة بالشهوات، فالإنسان له نفس، وله عقل، وله جسم، الجسم وعاء النفس، والعقل جهاز استشاري، لكن ذات الإنسان نفسه التي بين جنبه، والتي خاطبها الله -عز وجل-:

﴿  يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29)  وَادْخُلِي جَنَّتِي(30)﴾

[ سورة الفجر ]

﴿  وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8)﴾

[ سورة الشمس ]

 أي أنت أيها الإنسان ينبغي أن تعلم علم اليقين مقومات وجودك، نفسك ذاتك أي أنت، أنت الذي تسعد، وأنت الذي تشقى، أنت الذي ترقى، وأنت الذي تسقط، أنت الذي ترتفع عند الله، وأنت الذي تنخفض، أنت الذي تخلد في جنة لا يزول نعيمها، أو تشقى في نارٍ لا ينفد عذابها، هذا الجسم وعاء كالثياب الذي ترتديها، حينما يموت الإنسان تنفصل نفسه عن جسمه، والروح التي كانت تمده بالحياة تتوقف، عند الموت يتوقف الإمداد الإلهي، فتنفصل النفس عن الجسم، الجسم يفنى في التراب، في القبر، والنفس إما في جنةٍ يدوم نعيمها، أو في نارٍ لا ينفد عذابها.

 لذلك إذا خاطب الله الإنسان يقول: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾


الدنيا محدودة بأيام فهي صفر بالنسبة للآخرة :


 الآيات التي يخاطب الله بها نفس الإنسان هي الآيات التي يخاطب الله بها ذات الإنسان، هناك أشياء ملحَقة عند الموت تزول عنك، فالروح قوة الإمداد تتوقف، الجسم وعاء النفس ينفصل، أما هذه النفس تبقى خالدة إلى أبد الآبدين، إما في جنةٍ يدوم نعيمها، أو في نارٍ لا ينفد عذابها.

 إخواننا الكرام، يجب أن يعلم المؤمن علم اليقين ماذا يعني الأبد؟ الأبد لا نهائي، وكلمة لا نهاية مهما استطاع العقل البشري أن يستوعبها لا يستوعبها، واحد أمامه صفر عشرة، صفر آخر مئة، صفر ثالث ألف، صفر رابع عشرة آلاف، صفر خامس مئة ألف، صفر سادس مليون، صفر سابع عشرة ملايين، واحد على هذا الحائط وأصفار إلى الحائط الثاني، كم الرقم؟ واحد على هذا الحائط وأصفار إلى قمة جبل قاسيون، إلى حلب، إلى موسكو، إلى القطب، إلى القطب الجنوبي، كم هذا الرقم؟ واحد في الأرض وأصفار إلى الشمس، 156مليون كيلومتر، كل ميلي صفر، كم هذا الرقم؟! أيّ رقم مهما يكن فلكياً إذا نُسب إلى اللانهاية فهو صفر، واحد في الأرض وأصفار إلى الشمس إذا نسب هذا الرقم إلى اللانهاية أي وُضِع صورة وفي المخرج وضعت لانهاية فقيمة هذا الرقم صفر.

 فالدنيا لا شيء، لو كنت فيها أغنى الأغنياء، لو كنت فيها أقوى الأقوياء، مادامت الحياة في الدنيا محددة بأيام إذاً هي صفر، و قد ورد في الأثر إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ـ لأنه مؤقت ـ ولم يحزن لشقاء ـ لأنه مؤقت ـ قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي .


العاقل من أطاع الحي الذي لا يزول :


 إخواننا الكرام، من الضروري جداً أن تعلم ماذا يعني الأبد؟ ماذا يعني قوله تعالى:

﴿ رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)﴾

[ سورة الطلاق ]

 بالتعبير الرياضي المعاصر (أَبَدًا) يعني اللانهاية، أي رقم تتخيله في الدنيا، واحد في الأرض وأصفار إلى أبعد مجرة في الكون، صفر، تملك كما يملك بعض الشباب في أمريكا؟ بيلكيت يملك تسعين ملياراً دولار، لو كنت تملك تسعين مليار دولار، لو كنت تملك ثروات الأرض، لو استمتعت بكل شيء في الدنيا، لو عُمِّرت مليار سنة، أي رقم يُنسَب للانهاية فهو صفر، فأنت قبل أن تفكر في طاعة الله هل تعلم من تطيع؟ تطيع الحي الذي لا يزول، الباقي على الدوام، تطيع خالق الأكوان، تطيع من إليه المصير.

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[ سورة هود  ]

 يجب أن تعلم أنت مع من؟ 

أغبى إنسان من يقف في خندق معاد للحق لأن الحق هو الله عز وجل :

﴿ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4)﴾

[ سورة التحريم  ]

 حفصة وعائشة، امرأتان شابتان: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ ما معنى الآية؟ أيعقل من أجل امرأتين لهما رأي في موضوع ما ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾

 قال بعض علماء التفسير: من أجل أن يعلم الإنسان إذا أراد أن يقف في خندق آخر غير خندق الحق، أنت من تواجه؟.

 يعني بحياتنا اليومية، أنت مواطن، هناك مواطن له وظيفة كبيرة في الدولة، تعد للمليون قبل أن تخاصمه، لأنه مركبٌ في أعماقك أن الدولة كلها وراءه.

 فأنت حينما تفكر أن تقف في خندق آخر غير خندق الحق، أنت تواجه من؟ تواجه خالق السماوات والأرض ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ أنا لا أرى أغبى ممن يقف في خندق معاد للحق، الحق هو الله ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ .


البطل من عرف الله عز وجل و اتبع أوامره :


 أنت تخاصم إنساناً نداً لك، أما أن تخاصم خالق السماوات والأرض، أن تتحدى خالق السماوات والأرض، أن تعصي خالق السماوات والأرض جهاراً نهاراً، قلبك بيده، الشريان التاجي بيده، الدسامات بيده، عضلة القلب بيده، رئتاك بيده، سمعك، بصرك، حركتك، أكبر إنسان على وجه الأرض نقطة دم لا تُرَى بالعين، إذا تجمدت في أحد أوعية الدماغ، الإنسان يُصاب بالشلل، في مكان بالشلل، في مكان بالعمى، في مكان يفقد ذاكرته، ما هذا الإنسان؟ هذا الدماغ الذي فيه 140 مليار خلية سمراء لم تُعرَف وظيفتها بعد، هناك أوعية دموية بالغة الدقة قطرة دم كرأس الدبوس لا ترى في العين إن تجمدت أصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، أنت في قبضته، حياتك بيده، رزقك بيده، سعادتك بيده، شقاؤك بيده، أهلك بيده، أولادك بيده، من حولك بيده، من فوقك بيده، من تحتك بيده، مصيرك بيده، لذلك من هو البطل؟ الذي عرف الله ، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء .


الإيمان يقتضي أن تتوجه إلى الله وحده وأن تعبده وحده وأن تطيعه وحده :


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ إنسان ترك خالق السماوات والأرض واتجه لإنسان، أراد أن يرضيه، توهم أن هذا الإنسان ينفعه أو يضره، توهم أن هذا الإنسان يعليه أو يخفضه، توهم أن هذا الإنسان يعطيه أو يمنعه، أوهام كلها، أوهام شركية.

لذلك: "الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على جور، وأن تبغض على عدل" .

 الشرك حينما تتوهم أن مصيرك بيد فلان، هذا شرك أكبر، أو أن حياتك بيده، موتك بيده، أن تعلو في الأرض بيده.

﴿  وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ(106)﴾

[ سورة يوسف ]

 ملخص ملخص الملخص: لو ضغطت الدين كله بكلمة واحدة: ليس إلا الله، حقيقة وحيدة، بيدها كل شيء، إليها مصير كل شيء، فإذا عرفتها عرفت كل شيء، وإن ابتعدت عنها ابتعدت عن كل شيء.

 لذلك الدين ليس فيه حالة وسط، الإيمان يقتضي أن تتوجه إلى الله وحده، وأن تعبده وحده، وأن تطيعه وحده، وأن ترضى بقضائه وحده، وأن تتوكل عليه وحده، وأن تسعد بقربه وحده، هذا الدين، والإنسان يسعد بقدر ما يوحد، ويشقى يقدر ما يقع في الشرك الخفي.

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقولُ إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن أعمالاً لغير الله وشهوة خفية ))

[ الطبراني عن شداد ]

 راقب نفسك، أنت حينما تفكر أن ترضي زيداً، لأن زيداً قوي، وقد يخصك بوظيفة وقعت في الشرك الخفي، وحينما تفكر أن تزور عبيداً لمصلحة تتوهمها، وقعت في الشرك الخفي، أمرك جملةً وتفصيلاً بيد الله، رزقك بيد الله، سعادتك بيد الله، زواجك بيد الله، أولادك بيد الله، من هم فوقك بيد الله، من هم تحتك بيد الله، نجاحك في العمل بيد الله، هذا هو التوحيد، التوحيد: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ .


من أطاع مخلوقاً و عصى خالقاً فقد خسر الدنيا و الآخرة :


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ أنا لئلا تقع في وهم كبير ليس بالعالم الإسلامي كله إنسان يجرؤ أن يعبد بوذا، نحن ليس عندنا في عالمنا الإسلامي شرك جلي، لكن المسلمين وقعوا في شركٍ خفي، والخفي أخطر، الشرك الجلي نادر غير موجود، أما الشرك الخفي فمنتشر بعدد كبير جداً، وكل إنسان يطيع مخلوقاً ويعصي خالقه وقع في الشرك، وحينما تضغط عليك زوجتك من أجل عمل لا يرضي الله، وتستجيب لها، فأنت لا تقول في الصلاة الله أكبر، ولو رددتها بلسانك ألف مرة، لأنك توهمت أن إرضاء الزوجة في معصية الله أكبر عندك من إرضاء الله، حينما ترضي شريكك الذي استورد بضاعة محرمة بأرباح طائلة، حينما تقبل بهذا الاستيراد لبضاعة محرمة وأرباحها طائلة، وأنت قمت للصلاة وقلت: الله أكبر، أنت ما قلت الله أكبر، رأيت هذا المبلغ الحرام الذي سيأتيك من هذه الصفقة أكبر عندك من طاعة الله، كلام دقيق وخطير، أنت حينما ترضي مخلوقاً في معصية الله، ما قلت الله أكبر ولا مرة، ولو رددتها بلسانك ألف مرة، ترداد الكلمات لا يقدم ولا يؤخر، أصبحت جزءاً من عاداتنا وتقاليدنا، بالعيد الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، شيء جميل، لكن هذا الذي يرتكب معصية إرضاء لفلان، ما قالها ولا مرة، لأنه رأى أن إرضاء فلان أكبر عنده من إرضاء الله، هذا ملخص الملخص.

 فيا أيها الإخوة، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ﴾ هؤلاء تعلقوا بما سوى الله، تعلقوا بأشخاص أقوياء، أو تعلقوا بأشخاص أغنياء، أو تعلقوا بأشخاص توهموا أن الخير عندهم -خير الدنيا طبعاً- أطاعوهم في معصية، هؤلاء ما كبروا، ولا وحدوا، ولا قالوا الله أكبر ولا مرة ولو رددوها بألسنتهم ألف مرة. 


على كل إنسان أن يبتعد عن المشركين لأنهم لا يقيمون وزناً لله :


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجسٌ﴾ معنى نجس؛ هناك تعبير دقيق جداً تقول: هذا الشيء نجس، معنى نجس: أي أصابته نجاسة، لكن جوهره طاهر، لكن لحقت به نجاسة، وأنت إذا غسلته سبع مرات إحداهن بالتراب يطهر، فالشيء النجس يطهر، أما عين النجاسة هل تطهر؟ على هذا الثوب نجاسة مغلظة، هذه النجاسة هل تطهر؟ هي عين النجاسة لا تطهر، فالله -عز وجل- لم يقل إنما المشركون نجسون قال: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ هم عين النجاسة، أي البعد عن الله يستلزم اللؤم أحياناً، الحقد، أن تأكل ما ليس لك، أن تستعلي على خلق الله، أنت حينما تبتعد عن الله، وتؤله شخصاً من بني البشر تعبده من دون الله، من لوازم الشرك أن تعتدي على الآخرين.

أيها الإخوة ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ طبعاً هذه الآية لها منطوق ولها مفهوم، المفهوم: لا تقم علاقة حميمة مع مشرك، لا تقم معه شراكة اندماجية، هناك علاقات حميمة منها الزواج، منها الشراكة، فإقامة علاقة حميمة مع مشرك تقع معه في متاهات كثيرة، هو لا يرى الله -عز وجل-، يرى عبد الله، يرى زيداً أو عبيداً، لا يرى أن الرزق يجب أن يكون وفق منهج الله، يقول: هذه الصفقة فيها ربح طائل، تغتني إلى نهاية الحياة، ولا يعبأ كثيراً بأنها صفقة مشروعة أو غير مشروعة، فالعلاقة مع إنسان مشرك، لا يقيم وزناً للدين، لا يقيم وزناً لطاعة الله، لا يعبأ بمنهج الله، علاقة متعبة كثيراً.

 لذلك: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ بالمعنى العام إن زوّجته هناك مشكلة، يدعو رفاقه إلى البيت، وزوجته شابة في ريعان الشباب، وجميلة، وأصدقاؤه شباب ملؤوا أعينهم من محاسنها، ابحث بموضوع الخيانة الزوجية بحثاً علمياً، تجد أن تسعين بالمئة من الخيانة الزوجية سببها الاختلاط، يقول لك: روح رياضية.

 أذكر أول خطبة ألقيتها في هذا المسجد كانت عام أربعة و سبعين و تسعمئة و ألف، في صحن المسجد، تقدم مني رجل في الخامسة و الخمسين أو في الستين، وصار يبكي، فآلمني بكاؤه، وسألته عن سبب بكائه؟ قال لي: زوجتي تخونني، قلت له: مع من؟ قال لي: مع جارنا، قلت له: كيف تعرفت عليه؟ قال لي: مرة زارنا الجار، فطلبت منها أن تجلس معنا لأنها تجلس بمفردها، فجلست معه، يبدو أن الجار قد استلطفها فأدار حواراً معها، هو جار بنفس الطابق، العلاقات نمت بينه وبينها، انتهى الأمر إلى خيانتها، قلت له: أنت لو حضرت درس علم واحد، وعلمت من هذا الدرس أن الاختلاط حرام ما وقعت في هذا المطب الكبير. 


ما من مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله :  


إخواننا الكرام، أكاد أقول كلاماً قطعياً ما من مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان.

 مرة زارني أخ كريم عُيّن مدير سجن في عدرا، قدم لي كتاباً هدية، قرأت الكتاب تأثرت به كثيراً، ذكر فيه ثلاثاً و ستين حالة عنده في السجن، ثلاث و ستون جريمة، حلل هذه الجرائم تحليلاً إسلامياً كل جريمة سببها مخالفة كبيرة لمنهج الله.

 مرة جلست جلسة مع أخ، قال لي: أنا قاض جنائي، رحبت به، فقال لي: كنت تلميذك سابقاً، فقلت له: أهلاً وسهلاً، قال لي: قبل أيام أصدرت حكماً في جريمة، طبعاً سهرة لشباب رجال، دخلت الزوجة وقدمت الضيافة، يبدو أنها بارعة الجمال، فأحد الأصدقاء طرق البيت ليلاً، ودخل إلى غرفة الزوج وذبحه -تمّ إعدامه قبل فترة- ثم زنى بامرأته، وقال لها: أنا خدرته، فلما خرج من البيت، ذهبت إلى الغرفة الثانية لترى زوجها فوجدته مقسوماً إلى قطعتين، رأسه قطعة، و جسده قطعة أخرى، قال لي: هذا تمّ إعدامه، أي لولا أن هذه الزوجة دخلت لتقديم الضيافة لما كان هناك جريمة.

 لو تتبعت أي مشكلة كبيرة جداً لوجدت أنها بسبب خروج عن منهج الله، وبسبب التفلت، والتعري، وإظهار المفاتن، وروح رياضية، ومثل أخي، لا، ليس مثل أخيك، هذا كلام شيطاني مرفوض، لو تتبعت الجرائم الجنسية، أو الخيانات الزوجية، ولا أبالغ أن خمسة و تسعين بالمئة منها بسبب الاختلاط، اختلاط مع التعري طبعاً، مع التكشف.

 فلذلك ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ﴾ المشرك خضع لتقاليد وعادات ما أنزل الله بها من سلطان، أنا مع العادات والتقاليد إذا كانت موافقة لمنهج الله، ولست معها إطلاقاً إذا خالفت منهج الله.

 إذاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾


ما من مخالفة لمنهج الله عز وجل إلا بسبب الجهل :


 إخواننا الكرام، مرة ثانية: أريد أن أؤكد هذه الحقيقة ما من مشكلة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب مخالفة لمنهج الله، وما من مخالفة لمنهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، عندنا أعداء تقليديون مثلاً الصهيونية، الاستعمار، وهناك قائمة طويلة عريضة، أقول لكم: العدو الأول لنا جميعاً هو الجهل، لأن الجاهل يفعل في نفسه بسبب جهله ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، ولو درست الأمور دراسة متأنية علمية لرأيت أنه ما من مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب مخالفة لمنهج الله، وما من مخالفة لمنهج الله إلا بسب الجهل، أنت حينما تأتي إلى مجلس علم، القضية أبعد من أن تكون درساً ممتعاً، والدنيا شتاء، والليل طويل، الأمر أبعد من هكذا بكثير، هذا الدرس مصيري أي يمكن أن يقع الإنسان في خطأ كبير بسبب جهله، وهذا الخطأ سبب دماره، هناك أشياء مصيرية، وأشياء غير مصيرية، فالإنسان أحياناً يخالف القانون هناك غرامة يدفعها، لكن أحياناً يرتكب جريمة قتل لم يعد الأمر موضوع غرامة، صار إعدام، فهذا العمل مصيري، أي هذا العمل أنهى حياتك، فهناك أعمال بسبب الجهل قد تسبب دمار إنسان، قد تسبب إفلاسه، قد تسبب انهيار بيته، فأنت حينما تحضر مجلس علم لتعرف منهج الله، هذا الكتاب تعليمات الصانع، أنت أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة بالغة التعقيد التي هي أنت صانع حكيم، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة، فقراءة التعليمات حفاظاً على سلامتك وعلى سعادتك، صدق ولا أبالغ، أنت حينما تتعلم كتاب الله وسنة رسوله تكون في طريق سلامتك وسعادتك.


منهج الله عز وجل ليس حداً لحرية الإنسان إنما هو ضمان لسلامته :


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ عقيدتهم نفعية فقط، عقيدتهم متعلقة بالدنيا فقط، عقيدتهم تسمح لهم بالنفاق، تسمح لهم بالمعاصي والآثام، عقيدتهم تقيم للشهوة المقام الأول، عقيدتهم تقيم للانحراف إن نتج عنه مكسب مادي مقبول، مقبول الانحراف، مقبول التعاون على معصية، مقبول كل شيء مادام يحقق ربحاً كبيراً.

 لذلك لا أقول هذا من ميزات أهل الدنيا، أحياناً الطرف الآخر البعيد عن الله -عز وجل- مناورته واسعة جداً لأنه لا يوجد عنده شيء حرام، والله سمعت بالعالم الغربي البعيد عنا، أن بعض الشركات حتى يأخذ صاحبها الوكالة يقدم لهم زوجته ليأخذ الوكالة، لا يوجد قيود، المؤمن مقيد بمليون قيد، مقيد بمنهج الله، بالحلال والحرام، هذه القيود، -دققوا- ليست حداً لحريتكم أبداً، ولكنها ضمان لسلامتكم.

 تريد أن أقيم لك مثلاً صارخاً؟ تمشي أنت في الطريق في مكان جميل، بساتين، عصافير، الوقت ربيع، الأشجار كلها مزهرة، و هناك لوحة مكتوب عليها: ممنوع التجاوز تحت حقل ألغام، بربك هل ترى هذه اللوحة حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك؟ في اللحظة التي تعلم بها علم اليقين أن هذه اللوحة ضمان لسلامتك فأنت فقيه ورب الكعبة، وفي أية لحطة تتوهم فيها أن هذه اللوحة حدٌ لحريتك فأنت لا تعرف شيئاً.

أوامر الدين ليست حداً لحريتك بل هي ضمان لسلامتك، كم خيانة زوجية سببها الاختلاط؟ تكون زوجة صالحة وجيدة، وعندك أولاد منها، تحبها وتحبك، عندما صار هناك اختلاط دخل الشيطان، صار هناك إغراءات، وعدها بحياة غير هذه الحياة، اتجهت إليه، تشاكست معك طلقتها التحقت به، أنت السبب، أنت المذنب الأول، فأي معصية تُرتكب في البيت لها ما وراءها، أي معصية ترتكب مع الشريك لها ما وراءها، أي معصية ترتكب في تربية الأولاد لها ما وراءها، لذلك من أراد إنفاذ أمر فليتدبر عاقبته. 


من ترك شيئاً لله عوضه الله عنه أضعافاً مضاعفة :


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ يعني عقيدته، تصرفاته، مبادئه، قيمه، حالاته، أحواله، كلها بعيدة عن الطهر، والعفاف، والنقاء.

﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ أي فقراً ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أنت حينما تدع شيئاً لله الله جل جلاله سيعوضك عنه أضعافاً مضاعفة.

(( إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه. ))

[ مسند الإمام أحمد ]

 لا تقلق، أي شيء محرم اركله بقدمك ولا تفكر بالميزات المادية التي فاتتك، فاتتك معصية الله، والله -عز وجل- يراك كيف آثرت طاعته على مبلغ كبير، لذلك الحديث أتمنى أن يكون محفوظاً عندكم: (إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه) .

والحمد لله رب العالمين

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور