وضع داكن
23-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 104 - لماذا الشمائل وما علاقتنا بها؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الإنسان ممتحن في كل دقيقة من حياته :

 أيها الأخوة الكرام، من حين إلى آخر يحتاج الأخ الكريم أن يقف على حكمة طرح بعض الموضوعات، فقد يسأل سائل لماذا الشمائل؟ إنها شمائل النبي عليه الصلاة والسلام،وما علاقتنا بهذا الموضوع؟ الجواب الدقيق أن هذا الإنسان كائن متحرك، ما الذي يحركه؟ حاجات أودعها الله فيه، أودع فيك حاجة إلى الطعام والشارب، صدق ولا أبالغ لولا هذه الحاجة ما رأيت على وجه الأرض شيئاً، لا جامعات، ولا طرق، ولا جسور، ولا معامل، الإنسان كائن لا يأكل ولا يشرب ما من داعٍ لأن يتحرك، لولا هذه الحاجة إلى الطعام والشراب، ما رأيت على وجه الأرض لا جامعة، ولا مدرسة، ولا معملاً، ولا جسراً ولا صناعة، ولا زراعة، ولا تجارة، ولا إنشاء مطار، ولا ميناء، كل الحركة التي تراها بعينك أساسها أن هناك حاجة إلى الطعام والشراب، أودعها الله في الإنسان، هذه الحاجة حجمها صغير لكن حكمتها كبيرة، حجمها صغير، أنت تشبع برغيف خبز وشيء من الإدام، لكن الحكمة الكبيرة أنك حينما احتجت إلى هذا الطعام لا بد من أن تعمل، وحينما تعمل تمتحن، وحينما تعمل تكون مع المستقيمين أو مع المنحرفين، تكون مع الصادقين أو مع الكاذبين، تكون مع الناصحين أو مع الغشاشين، شئت أم أبيت، أنت كائن لا بدّ من أن تمتحن في الدنيا، كيف تمتحن؟ مكنك من صنع مادة غذائية، بإمكانك أن تضيف مادة تجعل لون هذه البضاعة أبيض، فيرتفع سعرها، لكن هذه المادة مسرطنة، فأنت حينما لا تعبأ بصحة المسلمين ولا بصحة الناس ولكن تهتم بالربح فأنت امتحنت ولم تنجح، أقسم لكم بالله ما من دقيقة تمر عليك إلا وأنت ممتحن فيها، بدءاًً من بيتك، بدءاًً من فراش الزوجية وانتهاءً بالعلاقات الدولية.

الابتعاد عن حالات الغش التي لا تعد و لا تحصى :

 هناك حالات من الغش لا تكشف أبداً، وهذا الغش يرفع السعر بنسب عالية جداً وتأتي الأرباح طائلة، مثل أضربه؛ عندك مزرعة عنب - أنا أتكلم عن أرقام حقيقية لأخ أعرفه- ضمانها أربعمئة ألف، لكن الأربعمئة ألف يحتاجون إلى دواء ممنوع استيراده يدخل تهريباً، يمنع الدبابير من أن تصل إلى هذه الأعناب، و من دون هذا الدواء ثلاثون بالمئة يؤكل من العنب من قِبل الدبابير، انظر إلى هذا الاختيار ما أصعبه، لكن هذا الدواء مسرطن إذا إنسان أكل العنب قبل ستة أشهر من قطافه احتمال السرطان قائم، ودواء اسمه جهازي معنى جهازي أي هذا الدواء ليس رشاً يوضع مع السقي أي يدخل إلى تركيب الفاكهة من الداخل، لو غسلته مئة مرة المادة المسرطنة ضمن الفاكهة، ضمن لبها، يمتحن الإنسان.
 أنت تلاحظ أحياناً خضاراً كبيرة وقاسية ولونها زاهٍ، هذه سعرها مرة ونصف زيادة، كبيرة وقاسية ولونها زاه بسبب هرمونات مسرطنة، هذه الهرمونات ممنوعة دولياً، ممنوع استيرادها، وبلدنا الطيب أي صيدلية زراعية تضبط وعندها هذا الدواء تغلق نهائياً، وتسحب منها الرخصة، يأتي مواطن همه الربح لا يهمه صحة المواطنين، يهمه الربح، فلذلك أنت ممتحن بكل ساعة، بكل دقيقة، إما أن تنحاز إلى الحق، إلى الصالح العام، إلى خدمة المسلمين، إلى تقديم شيء نافع لهم، أو إلى تنحاز إلى شيء آخر.
 مرة أعلمني أخ عنده فرن، قال لي: هناك مادة لا بدّ منها توضع بالعجين، ثمن الكيلو يقدر بخمسين ألفاً، و هناك بديل له يعطي نفس المفعول لكنه مسرطن، هذا امتحان ليس سهلاً، يدفع خمسين ألفاً عداً ونقداً، طبعاً نصف كيلو يكفي لمدة شهر، أو تدفعهم خمسة آلاف، لكن قدمت خبزاً مسرطناً، ممنوعاً استيراده، وأي صيدلية زراعية يضبط فيها هذا تغلق فوراً، وتسحب منها الرخصة، فالمجتمع بحاجة إلى الدين.

لا يمكن أن تقوم الحياة من دون إيمان :

 أقول لكم كلمة والله مؤلمة، نسب السرطان مرتفعة عشرة أمثال، قبل عشرين سنة، كل مئة إنسان يصاب إنسان واحد، الآن خمسة عشر إنساناً أو عشرين إنساناً، أنا قبل عشرين أو ثلاثين سنة، كل سنتين أو ثلاث أو أربع أسمع أن إنساناً معه سرطان، الآن والله لا يمضي أسبوع إلا و أسمع أن إنساناً معه سرطان ممن يلوذ بنا، سرطان بالأمعاء، بالرئتين، بالمعدة، بالدم، لأن موادنا كلها فيها غش، والدولة والله تقوم بواجبها تماماً، والله أي دواء، أو أي فاكهة، أو أي دواء زراعي مسرطن ممنوع استيراده، لكن ألا تريد مواطناً صالحاً؟ المشكلة بالبنية التحتية، المشكلة لا بالقوانين ولا بالدولة، أنا لا أدافع عن الدولة، لكن بهذا الموضوع أقصى عقوبة تقع على من يفعل هذا، مثلاً إنسان ذهب إلى بيروت، أحضر معه كيساً صغيراً وضعه في جيبه، وهنا حلّه بالماء وباعه بسعر عال أرباحه بالمئة مئة، مهما تكن القوانين جيدة إذا لم يكن هناك مواطن يخاف من الله مشكلتنا لا تحل.
أي إذا إنسان مصاب بالتهاب الكبد الوبائي، هذا مرض قاتل، الكبد له عدة أمراض، أحد الأمراض التهاب الكبد الوبائي، هذا المرض قاتل مميت، إذا دخل إلى الحمام وخرج ولم يغسل يديه، وعجن العجين، ينقل هذا المرض لثلاثمئة إنسان، تأخذ رغيف خبز يا ترى هذا العامل في الليل دخل إلى الحمام هل غسل يديه؟ وإذا أظافره طويلة أصعب، نقل المرض إلى العجين، والجرثوم لا يموت بالحرارة، تفاجأ أن السرطان ازداد عشرة أضعاف، المشكلة لا يمكن أن تقوم الحياة من دون إيمان، وبقدر ما يكون الإنسان قوياً لا يستطيع أن يراقب كل شيء، القوي مراقبته محدودة، قانون السير، إنسان تجاوز الإشارة الحمراء لكن لا يوجد شرطي، القانون الوضعي مربوط بإنسان إذا غاب الإنسان لا يوجد شيء، يقول لك: أوربا.
 في يوم من الأيام انقطعت في نيويورك الكهرباء ليلة واحدة، تمّ في هذه الليلة مئتا ألف سرقة بكلفة ثلاثين ملياراً، فكل الضبط بأمريكا وأوربا ضبط إلكتروني إن لم يكن هناك كهرباء لا يوجد دين، أنا أقول لهم: استقامتكم إلكترونية ليس لها علاقة بالدين إطلاقاً، تجد سوقاً كبيراً فيه بضائع بمئات المليارات، وله خمسة منافذ، هذه البضاعة عليها إشارة إن لم يدفع الثمن تصدر صوتاً عند الخروج من المول، والأبواب تغلق فجأة، تجد بهذا السوق عشرة آلاف إنسان، و خمسة مخارج فقط، وكل مخرج إنسان إن لم تدفع تفضح، الكل يدفعون لا لأنهم مستقيمون إطلاقاً، لأن هناك ضبطاً إلكترونياً، لذلك الاستقامة الآن تكون إذا كان هناك أجهزة جيدة، فإن كانت الأجهزة سيئة جداً فالاستقامة معدومة.

تفاقم المشاكل إن لم يكن هناك خوف من الله عز وجل :

 الذي أريد أن أقوله لكم: الحياة فيها مغريات وفيها مكاسب، وقد تكون كبيرة جداً، عندما تنحرف ماذا أقول لك؟ إنسان بحاجة إلى دسام، وهو مخدر تخديراً كاملاً لعشر ساعات، مفتوح صدره، مفتوح قلبه، بحاجة إلى دسام، وهناك دسام صيني بثلاثين ألفاً، و دسام جيد جداً ثمنه يقدر بخمسة وستين ألفاً، إذا وضع الطبيب لهذا المريض دساماً صينياً، وكتب بالفاتورة أمريكي، من يكشف هذا؟ ليس هناك قوة تكشف هذا، بعدما انتهى التخدير بعشر ساعات، خيط الجرح تماماً، المريض هل عنده إمكانية ليكشف هذا؟ هناك حالات بحاجة ماسة إلى الدين، بحاجة ماسة إلى أن تخاف من الله، سأضرب لكم مثلاً بسيطاً قلته ألف مرة يمثل حقيقة الدين، سيدنا ابن عمر امتحن راعياً، قال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها؟ قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها ماتت، أو أكلها الذئب؟ قال: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله؟
أخواننا الكرام، سامحوني، عندما تقول أين الله؟ أنت أكبر ديِّن، عندما لا تستخدم مادة مسرطنة، تمتنع أن تضيف مادة مبيضة لكنها مؤذية، تمتنع أن تغش البضاعة، والله معلوماتي عن الغش لا تصدق، تُرافق بعد الناس عن الله، بحركة بسيطة يضاعف ربحه، ولا يعبأ بالناس، ترى المستشفيات تغص بالمرضى، نسب الأمراض مرتفعة جداً، أنت مصمم تصميماً معيناً، أكثر الطعام والشراب فيه مواد كيماوية، مرة أقرأ محتويات شراب مشهور جداً في العالم، أمريكي، ليس فيه أي مادة طبيعية، مجموعة مواد كيماوية فقط، ليس لها علاقة بالغذاء إطلاقاً، تأخذ عصير ليمون، عصير فريز، كلها فواكه شهية من مواد كيماوية.

الحياة في شتى مجالاتها لا تصلح إلا بالدين :

 هناك تقدم علمي مذهل الآن، يمكن أن تأتي بمادة من اليابان كالسمن البلدي تماماً مبرغلة، لونها سكري، وطعمها كطعم السمن البلدي، هذه الكمية الضخمة تذهب مباشرة إلى المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، ترجع سمناً عربياً حليبي اللون، تذهب كمية من السمن المستورد -سمن نباتي عادي جداً- بمواصفات مصطنعة بأعلى مستوى، تشعر أنه سمن نباتي من الحليب الصافي، يرجع السمن على أساس أنه سمن بلدي وهو سمن نباتي من نوع سيئ لكن فيه تقنية عالية جداً، انظر إلى هذه الحياة، لا تصلح إلا بالدين.
 التعليم؛ مرة قال وزير تربية: أقصى ما نملك من سلطة على المدرس أن نجعله يدخل الصف الساعة الثامنة فقط، هو بالصف درس أم لم يدرس، اكتبوا هذا الدرس خمس مرات هذا جزاء و ليس درساً، وجلس يدرس لأن عنده فحصاً بالجامعة، اكتبوا هذا الدرس، يحتاج الطالب ساعة لينتهي، خمسون دقيقة ذهبت بالكتابة، هذا عمل عضلي لا يفعل شيئاً، أقول لكم: عندما نبتعد عن الدين تصبح الحياة مخيفة، كل مكان لغم، كل مكان خطر، كل مكان فيه خطر لأنه لا يوجد دين، لا يمكن أن تصلح الحياة من دون دين، والحديث طويل، لو فرضنا طبيباً -وهذه مهنة راقية- ذهبت لعنده قال لك: تحتاج إلى اثني عشر تحليلاً، أنت بحاجة إلى تحليل واحد، والأحد عشر لست بحاجة لهم، و لكن هناك اتفاق مع محلل، الأحد عشر العينات تلقى بالمهملات وتوضع نسب طبيعية، والأول يكون تحليلاً حقيقياً والفرق بين الطبيب والمحلل، لا يخطر في بالك شيء، طبيب محترم، دارس في جامعة، معه شهادة عليا، قال لك: أريد اثني عشر تحليلاً، أنا عندي شك بنوع الدم، هناك تسمم بالدم، لا يصلح الطب من دون إيمان بالله، ولا الهندسة، ولا طب الأسنان، ولا أي حرفة، ولا التعليم، لا يُعلّم، يقول لك: المعاش لا يكفي أنا أعمل على قدر المعاش، من الضحية؟ الطفل، لأن أستاذه لم يعلّمه شيئاً، بين أن تكتب، وتحضر الدرس، وتشرحه، وتعطي تمارين شفهية، ووظيفة كتابية، فيحبك الطلاب، و بين درس لا يوجد منه فائدة إطلاقاً، هناك فرق كبير.

حياة الإنسان لا تتألق إلا بالإيمان و الخوف من الله عز وجل :

 أنا الذي أراه أنه لا يمكن للحياة أن تستقيم إلا بالدين، ضبط الإنسان للإنسان شبه مستحيل، أنت مثلاً في فرن، و مصاب بمرض الكبد الوبائي، في الساعة الثالثة والنصف ليلاً، الكل نائمون، دخلت إلى الحمام، ولم تغسل يديك، وعجنت، تنقل المرض إلى ثلاثمئة إنسان، لأن مرضك قاتل، بالدين تخاف أن تغلط، تخاف أن تأكل قرشاً حراماً، تخاف أن تؤذي إنساناً، تخاف أن تنقل مرضاً لإنسان، هذا الدين، ليس الدين وردة أريد أن أضعها على صدري أتزين بها، لا ليس هذا، الدين روحك، إما هناك روح أو لا يوجد روح، ميت، الدين صلتك بالله عز وجل، تجد المؤمن -سبحان الله!- كله خير، لا يؤذي أحداً، هناك قصص بالصناعات الغذائية، أوضح مثل أنت مستورد سمن ينتهي بعد سنتين، لم تباع وانتهى مفعولهم، أنا كنت أظن بحسب معلوماتي المحدودة، إذا مادة غذائية انتهى تاريخ صلاحيتها لا تضر، لكن لا تنفع، فوجدت أنها تضر لأنها تتفكك بنيتها، والتفكك ينتج مواد سامة، يأتي معمل صناعات غذائية بسكويت مثلاً، يريد سمناً فيأخذ السمن المنتهي مفعوله، هذا أرخص بثلاثين بالمئة يأخذه ويضعه، عندما يوضع السمن المنتهي المفعول مع الطحين هنا ليس هناك مشكلة، لا يوجد رقابة، أخذ سمناً للاستهلاك وليس للبيع، والله عندي أخ أظنه صالحاً ولا أزكي على الله أحداً عنده معمل بسكويت، يقول لي: والله يأخذ الطفل من أبيه عشر ليرات لا من أجل أن أطعمه بسكويت فيها مادة مسرطنة، أو مادة دسمة منتهية المفعول، يقول لي: أضع أفضل أنواع الزبدة، أفضل أنواع الطحين، حتى يرضى الله عني، تجد أن حياتنا بالإيمان تألقت كلها، أي الإيمان ليس شيئاً يلزمك أو لا يلزمك، من دون إيمان حياتنا لا تستقيم، والله لو كان هناك وقتاً كنت سأقول لكم مئة قصة، بكل الصناعات كيف يتم الغش بها، وأرباح طائلة لا تظهر أبداً، وإذا ظهرت يأخذ الموظف بعض النقود ويغض بصره، هذه واقعة.

من عاش تقياً عاش قوياً :

 فلذلك أيها الأخوة، تتمسك بالدين تتمسك بالجنة، الإنسان يموت ولم يعمل شيئاً، لم يؤذِ أحداً، لم يبنِ مجده على أنقاض الناس، لم يبنِ حياته على إمراضهم، لم يبنِ غناه على فقرهم، ماذا أقول؟ إنسان تسبب بسجن إنسان، مرة طفل سألني سؤالاً خارج الجامع، قلت له ادخل إلى الدرس، قال: لا أستطيع، قلت: لمَ؟ قال: أنا نجس، لا يحق لي أن أدخل، خير يا بني ما قصتك؟ قال: أنا محروم من أبي بسبب أنه في السجن، والدتي وضعتني في مصلحة، صاحب المحل فعل بي الفاحشة ومشيت، منذ ست وعشرين سنة، معنى ذلك الذي تسبب بحجز حرية فلان ولم يفعل شيئاً ماذا فعل أولاده؟ فسدوا، شيء مخيف أقسم لكم بالله، لو تعرفون كيف الله سوف يحاسبنا يوم القيامة:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر الآيات :92-93 ]

 أحياناً مثلاً موظف تموين، طلب رقماً فأعطوه إياه، كتب ضبطاً، و هناك ضبط ينتهي بالسجن لمدة شهرين، المشكلة كبيرة يهمه مصلحته، هذا الذي تسجنه ليس مجرماً، هو إنسان محترم لكن لم يعطك مالاً، فدخل السجن شهرين، إذاً هناك مشكلة، أنا معي أمثلة كثيرة جداً، لكن أعتقد أنك تأتي إلى الجامع لا لأن الدرس ممتع، لا ، ليس هذا الموضوع، هذا الدرس تعرف به دينك، تعرف دينك بحيث لا تغلط مع الله عز وجل، وإذا أخطأ الإنسان مع الله سيدمر لأن الله كبير:

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

[سورة البروج:12]

 إنسان جار صديقي، عمره ستون سنة، عنده خمس بنات زوجهم، لم يعد عنده أحد، هو وزوجته في البيت، عنده عادة أنه يركب الباص من المزة إلى طريق الصالحية، بأيام الصيف، النساء بأبهى زينة، بلا أكمام، كل مفاتنهم ظاهرة، يمشي من بوابة الصالحية إلى الجسر، يذهب ويرجع لا يفعل شيئاً فقط يمتع عينيه بجمال النساء، صار معه مرض اسمه ارتخاء الجفون، كيف يشاهد؟ يمسك يده فإذا ترك يده ينزل الجفن، هذا مرض ليس له حل، اشكروا الله يا أخوان، غض بصرك، كن صادقاً، كن أميناً، زرت والد صديقي، قال لي: ابني ليس هنا تفضل أستاذ فدخلت، من حديث لحديث، قال: عمري ست وتسعون سنة، عملنا البارحة تحليلات كاملة كله طبيعي، قال لي: والله لم آكل قرشاً حراماً بحياتي، وقال لي كلمة ثانية من نوع ثان، ولا أعرف الحرام أي حرام النساء.
 أحد علماء دمشق الشيخ السفرجلاني، عاش ثمانية و تسعين عاماً، عندما يُسأل يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.

 

المؤمن يعامل الناس كلهم بالإحسان :

 والله مرة سألت طبيب أسنان قلت له: ألا يوجد عندك مريض كبير في السن أسنانه بفمه؟ قال لي: أبي، عمره أربع وثمانون سنة، ثم قال: أبي يعمل معلماً في الصناعة، لم يشرب كأس شاي بحياته في المدرسة، لأن كأس الشاي يُغلى على سخان كهرباء وهذا ليس ماله بل مال الدولة، هذا الكأس حرام، إنسان لم يشرب كأس شاي لمدة ثلاثين سنة بمدرسة لأن الكهرباء للدولة، وهو لم يدفع ثمن الكهرباء دفع ثمن الشاي فقط، معقول لا يوجد عنده سن منخور؟ أنا أتكلم مع الشباب، استقم والله لك مستقبل جميل وأنا مسؤول، أنا أعتمد على الله:

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 18 ]

 أحد أخواننا عنده محل بطريق الصالحية يبيع كلفاً نسائية، يغض بصره، ومستقيم تماماً، مرة عنده زبونتان أو ثلاث دخل موظف التموين، يريد أن يكتب له ضبطاً، قالت له إحداهن: ألم تجد إلا هذا لتكتب له ضبطاً؟ هذا أسعاره رخيصة، فاستحى و لم يكتب شيئاً، أنت لماذا لا تكون إنساناً راقياً مستقيماً تخدم الناس؟ والله تأتيك الدنيا وهي راغمة، والله تأتي الدنيا إليك لو غيرك سعى لها ليلاً نهاراً لا يلحق بك، تأتيك الدنيا وهي راغمة، بأي حرفة تحب، الصناعة، التجارة، الوظيفة، التدريس، الهندسة، الطب، فكر أن تخدم الناس، فكر أن تخدم أي إنسان، أنا علمت بالجامعة ثلاثين سنة، عندي طلاب ما مرة سألته أنت من أين؟ طالب عندي فقط، لا من أين أنت؟ ولا من أي محافظة؟ أنت مؤمن تعامل الناس بالإحسان كلهم، معاملة خاصة لواحد من جهة دون جهة هذا موقف غير أخلاقي.

 

الدين ليس بالمظاهر إطلاقاً الدين استقامة :

 فيا أخوان اسمحوا لي بهذه الكلمة، الدين ليس بالمظاهر إطلاقاً، أنت شاب تلبس قميصاً وبنطالاً، ليس لك أي مظهر ديني، لكنك مستقيم، أنت عند الله كبير ومكرم، وإنسان على قدر كبير من الفصاحة، و له مظهر يأخذ العقل، وليس مستقيماً، لم نستفد شيئاً، مرة حدثني إنسان عن رئيس جامعة إسلامية ببلد عربي، ومن أشهر الجامعات، معه دكتوراه، وله مئة مؤلف، جاءت صحفية إيطالية لعنده بثياب متفلتة، لم تزاح عينه عن مفاتنها، وعنده آذن أمّي غض بصره عنها، قلت: يا رب رئيس جامعة إسلامية، له مئتا مؤلف، معه دكتوراه، ينظر هكذا، والآذن أمي غض بصره! ذلك المؤمن، ذلك العالم وهذا الجاهل، كفى بك علماً بالله أن تطيعه، وكفاك به جهلاً أن تعصيه، أي إنسان يعصي الله جاهل ولو معه دكتوراه بالشريعة، وأي إنسان يطيع الله عالم، أنا هذا رأيي، لا تعقدوها كثيراً، الله لا يريد فلسفة، يريد استقامة، يريد يداً نظيفة، يريد إتقاناً بالعمل، يقول لك: جزاك الله خيراً على هذه الصنعة، تجد طاولة سعرها مرتفع، إنسان باع طقم كنبات فاشتراه إنسان دعا أصدقاءه جلسوا عليه فهبط بهم، ركض لعنده، قال له: لأنكم جلستم عليه، ما هذا الكلام؟ الغش صار بكل شيء، تظنه خشباً فيكون نشارة، كل شيء يغش، وله مظهر راق جداً ويحلف لك أن هذه البضاعة أصلية.
 مرة كنت في سوق القماش، طبعاً بعدما انتهى الدوام، أعرف صديقاً لي، عنده قماش نسائي، وهناك شريط ذهبي كتب عليه صنع في فرنسا، يضعه على القماش ويكويه، تأتي زبونة، يريها قماشاً صنع في تايوان، تقول له: أريد أحسن من هذا، يأتيها بنفس القماش و لكن مكتوب عليه صنع في فرنسا، وهي مسكينة لا تعرف، في لبنان أكثر الأحذية صنع في إيطالية وهي صناعة لبنان، هذا شيء يضحك.

الدين سهل جداً لكن يحتاج إلى استقامة :

 أيها الأخوة الكرام، لا أريد أن أعقد عليكم، الدين سهل جداً لكن يحتاج إلى استقامة، لا يحتاج فلسفة ولا تبحراً، أخي اختلف العلماء في كذا، ماذا تريد أنت من هذا الخلاف؟ طبق الدين ببساطة من دون خلافات العلماء، طبق واستقم فقط وتأخذ كل ثمار الدين، هذا الدين لا يتحمل خطأ، الهاتف موجود لكن لا يوجد خط، هاتف ثمنه مليون ليرة لكن لا يوجد صوت يساوي فرنك، الصوت صلة بالله، إن لم يكن هناك صوت فلا يوجد صلة، أنا أقول لك: مستحيل أن تغلط وتتصل بالله، لا يسمح الله عز وجل لك أن تغش الناس وتبكي في الصلاة، تحلف يميناً كاذباً في البيع وتبكي بالصلاة، لا تبكي أبداً.
 أضرب مثلاً للتجار؛ جاءت زبونة مثلاً وأنت بائع أقمشة، الزبونة جميلة وثيابها كلها فاضحة، درت معها حديثاً لطيفاً، ومزحت معها عدداً من المزح، وأثنيت على جمالها، أذّن العشاء تفضل وصلِّ، تستطيع أن تصلي أربع ركعات لكن هل تستطيع أن تعقد مع الله صلة؟ افهم الدين بهذا الشكل، افهم الدين استقامة، غض بصر، أن تعطي حق الآخرين، هناك إنسان يفهم الدين فهماً آخر.

في الاتحاد قوة و في التفرق ضعف :

 تعجبه الشفاعة جداً:

(( شفاعتي لأهل الكبائر مِنّ أمَّتي ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن أنس بن مالك ]

 والله شيء جميل! اذهب و اعمل عدداً من الكبائر حتى تكسب الشفاعة، هناك نصوص النبي عليه الصلاة والسلام ما أراد هذا المعنى إطلاقاً، أنا أريد الدين الذي جاء به الله، الدين الصحيح الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، دين الصحابة الذين فتحوا العالم، ألا نستحي بحالنا و نحن مليار وثمانمئة مليون؟ خمس دول إسلامية محتلة، ألا نستحي بحالنا مليار وثمانمئة مليون ليست كلمتنا هي العليا؟ تصور مليار وثمانمئة مليون لو كان كل واحد ينطق باسمهم جميعاً هؤلاء كانوا سيهزون أركان الدنيا، الاتحاد الأوربي عبارة عن ثلاث وعشرين دولة، لهم وزير خارجية واحد، ينطق باسم هذا الاتحاد إنسان واحد، كل سنة يُنتخب هذا الإنسان من دولة، اقتصادهم واحد، لا حدود بينهم، كنا في أوربا دعانا أخ إلى بيته كنا في سويسرا، وبيته في إيطاليا، فلما أخذنا من المحل إلى بيته، قلت له: أين الحدود بين سويسرا وإيطاليا؟ قال: والله لا يوجد حدود، قال: هنا، انظر هناك خط عبارة عن حجارة سوداء على الزفت، لكن لا يوجد لوحة أبداً، تدور أوربا كلها كأنها بلد واحد، كنا في فرنسا أخذني تلميذ من تلامذتي مساءً قال: هنا ألمانيا، أنا بحسب ثقافتي في بلادنا حدود، و أمن عام، وهويات، و بطاقة تكتبها، وبطاقة ثانية يأخذونها منك، وبطاقة ثالثة في الدولة الثانية، وبطاقة رابعة، وتبقى ساعتين، معقول ثلاث وعشرون دولة لا يوجد حدّ أبداً وأمم وشعوب ولغات وحروب سابقة؟ ونحن أمة واحدة، تاريخ واحد، آلام واحدة، آمال واحدة، لغة واحدة، دين واحدة، وبين دولتين تحتاج إلى ساعتين على الحدود؟

 

بطولة المؤمن ألا يدع الباطل ينفرد في الساحة :

 أيها الأخوة الكرام، القضية مصيرية، أنا سوف أقول لكم كلمة؛ الباطل قديم، أينما تذهب هناك باطل لكن البطولة ألا ينفرد الباطل في الساحة، لا يبقى وحده، الحق يتنامى وإذا تنامى يضيق على الباطل، جامع واحد، شاب مستقيم، هذا واحد بألف، وألف واحد غير جيد بأف، هذا الدين لا يوجد معه لعبة، هذا دين الله عز وجل، هذا الذي يراقبك لا تستطيع أن تكذب عليه، مثلاً أنت جالس بغرفتك و أنت في الظلام، وفي جانب غرفتك الجارة خرجت إلى الشرفة تلبس ثياباً شفافة، لا يوجد إنسان بالأرض يكشفك، كشفت كل مفاتنها، المؤمن يغض بصره، تشعر أن الله معك أينما ذهبت، عندك شيء يمنعك أن تغلط، هذه عظمة المؤمن.

(( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ مختصر تفسير ابن كثير ]

 والله الواحد المستقيم منكم يصبح بألف رجل، قول إنسان موصول بالله، مستقيم يؤثر بألف، وقول ألف إنسان غير مستقيمين لا يقنعوك، ألف متكلم وواحد مستمع لا يستفيد، نحن لا نريد كماً.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور