وضع داكن
23-04-2024
Logo
الخطبة : 0626 - الرزق من حيث الترتيب الإلهي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر. وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الرّزق :

 أيها الأخوة الكرام: لعل أكثر شيء يقلق الإنسان بعد سلامة وجوده رزقه، وقد ورد في الأثر القدسي:

((عبدي خلقت لك السموات والأرض، ولم أعي بخلقهن أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين؟ لي عليك فريضة، ولك عليّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك ))

[ورد في الأثر]

 قضية الرزق تغطيها آيات كثيرة، وأحاديث عديدة، من هذه الآيات قوله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ﴾

[ سورة الجن 16-17]

 فالاستقامة أحد أكبر أسباب زيادة الرزق، آية أخرى:

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[سورة الأعراف: 96]

 آية ثالثة يقاس عليها:

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾

[ سورة المائدة: 66]

 آية رابعة:

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً﴾

[ سورة نوح: 10-18 ]

 آية خامسة:

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾

[ سورة طه: 132]

 و صلة الرحم تزيد في الرزق، هذه توجيهات إلهية، وتوجيهات نبوية.

 

تطبيق توجيهات النبي في عصور الإسلام :

 قد يسأل سائل: هل طبقت هذه التوجيهات في عصر من عصور الإسلام ؟ إذا كانت قد طُبقت فهل قطفت ثمارها ؟.. هذا محور خطبة اليوم، هذه التوجيهات طُبقت وقطفت ثمارها كاملةً، فإذا كان بعض الناس يؤمنون بالوقائع العملية أكثر من إيمانهم بالمبادئ النظرية، فإننا نسوق هنا بعض الأمثلة الحية التي سجلها التاريخ، لانتصار منهج الله عز وجل على الفقر والخوف وتحقيق الرخاء والأمن لأهله، في ظل الحرية، وتحت راية العدل. العجيب أن هذا الرخاء، والأمن، وسعة العيش، فضلاً عن أنها وقعت فقد أخبر عنها النبي قبل وقوعها، وهذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، لقد عرفها النبي بوحي من ربه. طبيعة منهج الله الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام هدىً ورحمةً ونعمة، لا يمكن إلا أن يأتي بأطيب الثمرات، لابد من أن يأتي بأفضل النتائج، إذا أحسن الناس تطبيقه، والانتفاع بأحكامه ووصاياه. لقد بشر صلى الله عليه وسلم أمَّته بثمرة هذا المنهج القويم، من غنىً دافق، وأمن غامر، ورفاهية شاملة، حتى إن الصدقة لا تجد في حقبة طُبق فيه المنهج كاملاً من يستحقها، بل لا تجد من يقبلها وذلك حينما استقر منهج الله في الأرض، وتوطدت دعائمه في المجتمع.

بشارات النبي صلى الله عليه وسلم :

 روى الإمام البخاري في صحيحه عن عدي بن حاتم الطائي، أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم آتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل – أي قاطع طريق- وكان عدي بن حاتم قد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل في الإسلام، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم لحرصه الشديد على أصحابه أن تفت هذه الشكوى وتلك في عضده، وأن تُثبط همَّته، لما يرى من ضعف أهله وفقرهم، وعدم انتشار الأمن في الأرض، فقال: يا عدي، هل رأيت الحيرة ؟ - وهي بلد قديم في العراق يحكمه المناذرة- قال: لم أراها، وقد أُنبئت عنها، قال: إن طالت بك الحياة يا عدي لترين الظعينة- المرأة في الهودج، المرأة المسافرة- ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة، لا تخاف إلا الله.
 وفي رواية: يا عدي، إنه لا يأتي عليك قليل حتى تخرج العير إلى مكة، بغير خفير - من دون حراسة- قال عدي راوي الحديث: فقلت فيما بيني وبين نفسي: أين قطاع الطرق من طي الذين سعروا البلاد - أي أوقدوا فيها الفتن-؟ وأكمل النبي صلى الله عليه وسلم حديثه فقال: ولئن طالت بك الحياة يا عدي لتُفتحن كنوز كسرى، قال: كسرى بن هرمز؟ قال عليه الصلاة والسلام: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك الحياة، لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله، فلا يجد أحداً يقبله منه.. ولقد أسلم عدي، وحسن إسلامه، ورأى بنفسه ما بشره النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عدي: رأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى، ورأيت خروج الرجل و هو يحمل بملء كفه الذهب والفضة لا يجد من يأخذه.
 أيها الأخوة الكرام: بما أننا مؤمنون بكلام سيد الخلق، نعتقد أن الذي قاله النبي لعدي بن حاتم حق لا يداخله شك، ولا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
 أيها الأخوة الكرام: هذا ما حدث في حياة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، البشارة الثالثة.
 الأولى والثانية أدركها عدي بنفسه، لكن البشارة الثالثة، أن يملأ الرجل ملء كفيه من الذهب، يبحث عن إنسان يقبل هذا المال منه فلا يجده، هذا وقع في عهد سيدنا عمر بن عبد العزيز، الخليفة الراشد الخامس.
 وقد تتابعت الأحاديث النبوية بكثرة، تنبئ بالغنى الذي سيفيض على الأمة فيضاً، حتى ينعدم فيها من يستحق الصدقة، ومن يقبل الصدقة. ولا شك أن هذا الأمر له دلالته، وإيحاؤه، وأثره البالغ في دفع المسلمين إلى مطاردة الفقر أملاً في محوه والقضاء عليه، عن طريق تطبيق منهج الله في الأرض لا عن طريق استيراد نظريات من الشرق تارة ومن الغرب، واحدة تعمم الفقر، والثانية تزيد الفقير فقراً، والغني غنىً، ولكن عن طريق تطبيق منهج الله عز وجل.
 روى الإمام البخاري عن حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((تَصَدَّقُوا فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا يَقُولُ الرَّجُلُ لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالْأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا ))

[البخاري عن حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ]

 ويروي البخاري أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا أَرَبَ لِي ))

[متفق عليه عن أبي هريرة ]

 و عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ ثُمَّ لَا يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ..))

[متفق عليه عن أبي موسى ]

 هذه بشارات النبي وقد وقعت بحذافيرها في عهد سيدنا عمر بن عبد العزيز، أقول هذا للذين يعنيهم الواقع العملي ولا تعنيهم المبادئ النظرية.
ولم يطل الزمن كثيراً حتى أدرك المسلمون هذا الغنى، ولم يوجد في مجتمعهم من يستحق الصدقة.

 

الرخاء والغنى في ظلّ عدل الإسلام :

 و روى البيهقي في الدلائل عن عمر بن أسيد قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز، بقي في الخلافة ثلاثين شهراً، حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول:" اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله ".
 أيها الأخوة الكرام يقولون: لقد أغنى عمر الناس، والأصح أن نقول: لقد أغنى الإسلام الناس، لقد أغنى تطبيق هذا المنهج الإلهي الناس.
 قال البيهقي بعد رواية هذا الخبر: هذا الخبر فيه تصديق، لما روي من حديث عدي بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 قال يحيى بن سعيد: بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقيا، فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيها لهم، فلم نجد فقيراً، ولم نجد من يأخذها منا، فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، فاشتريت بها رقاباً فأعتقتها. ولم يكن هذا الرخاء في إفريقيا فحسب، بل في كل أقاليم الدولة الإسلامية.
روى أبو عبيد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن، وهو في العراق، أن أخرج للناس أعطياتهم- أي رواتبهم - فكتب إليه عبد الحميد: إني قد أخرجت للناس أعطياتهم، وقد بقي في بيت المال مال، أي فائض في الخزانة، فكتب إليه: انظر كل من أدان من غير سفه ولا سرف فاقض عنه - أي كل مدين استدان من غير سفه ولا سرف فاقض عنه- فكتب إليه: إني قد قضيت عنهم، وبقي في بيت المال مال، فكتب إليه: انظر كل بِكر أي عزب ليس له مال وشاء أن يتزوج وأصدق عنه - أي ادفع عنه المهر- فكتب إليه: أن فعلت هذا ثم كتب إليه رابعة: انظر من كانت عليه جزية- أي خراج- ضريبة زراعية فضعف عن أرضه، فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه، فإنا لا نريدهم لعام أو عامين.
 وهكذا بلغ الرخاء والغنى في ظل عدل الإسلام حدّاً استطاع معه كل ذي حق أن يحصل على حقه، بلا تظلم ولا شكوى ولا طلب، واستطاع كل دَين أن يجد في المال العام ما يوفي منه دينه، ويبرئ ذمته، واستطاع كل عزب أن يجد في بيت المال ما يتزوج به.
 بل إن هذا المال الفائض سوهم به في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسينه، بمعونة صغار المزارعين، من أصحاب الأرض، على زراعة أرضهم وتحسينها، وذلك بتسليفهم من خزانة الدولة، ما يقويهم على هذه المهمة، وقبل أن تعرف الدنيا مصارف التسليف الزراعي بمئات السنين.
 وقد بلغت سعة النعمة، وكثرة الطيبات، وتدفق الخيرات على الناس مبلغاً عظيماً، يكفينا في تصور مداه أن والي عمر بن عبد العزيز على البصرة كتب إليه يقول: إنه قد أصاب الناس من الخير خيراً حتى لقد خشيت أن يبطروا، فكتب إليه عمر: إن الله تبارك وتعالى حين أدخل أهل الجنة الجنة، وحين أدخل أهل النار النار، رضي من أهل الجنة قولهم:

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾

[ سورة الزمر: 74]

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ﴾

[ سورة الجن 16-17]

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[سورة الأعراف: 96]

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾

[ سورة المائدة: 66]

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً﴾

[ سورة نوح: 10-18 ]

 كما أن بعض الأقاليم التي سعدت بحكم الإسلام وعدله في عهد عمر بن الخطاب، أدركت حظاً عظيماً من الغنى الذي عمت بركته أهل هذه الأقاليم، فلم يجد معاذ بن جبل مبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، بعد سنواتٍ قليلة من حكم الإسلام، لم يجد واحداً يأخذ منه الزكاة، مما جعله يبعث بها إلى عاصمة الخلافة، وحاضرة الدولة في المدينة المنورة، ولندع أبا عبيدة يروي هذا الخبر عمن أسنده إليه، قال:" إن معاذ بن جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاذ فتح اليمن وحكمها، وأبو بكر أيضاً، ثم قدم على عمر بن الخطاب، فرده على ما كان عليه، أعاده إلى اليمن فبعث معاذ بن جبل بثلث الصدقة - صدقة الناس أي زكاة أموالهم- فأنكر عليه عمر أشدّ الإنكار، قال: يا معاذ لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس، فتردها على فقرائهم، فقال معاذ: والله ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه، فلما كان العام الثاني بعث إليه بنصف الصدقة فراجعه عمر بمثل ما راجعه قبل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث إليه بالزكاة كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه قبل ذلك، فقال معاذ: والله يا أمير المؤمنين ما وجدت أحداً يأخذ مني شيئاً ".
 أخبرني أخٌ كريم جاء من بعض البلاد الإسلامية إلى دمشق مصطافاً قال: لو أن رجلاً توفي، وله خمسة أولاد، وعنده محل تجاري، إن ضريبة التركات تأخذ نصف هذا المحل، فإذا أرادوا أن يبيعوا من أجل أن يسددوا هذه الضريبة، ضريبة نقل الملكية تستهلك النصف الآخر ماذا فعلت هذه الأسرة؟ مات الزوج وترك أيتاماً خمسة، فخسروا محلهم التجاري. أخبرني إنسان آخر أن في بعض البلاد الإسلامية تفكير لترتيب ضريبة على الزواج. كيف كان المسلمون حينما طبقوا منهج الله عز وجل، وكيف أصبحوا؟
 حتى قال بعض العلماء: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة.

 

عمل الاقتصاديين اليوم في بعض دول العالم المتقدمة :

 في أستراليا قبل عدة أعوام، تمّ إعدام عشرين مليون رأس غنم أعدمت بالرصاص، ودفنت تحت الأرض، للحفاظ على سعر اللحم المرتفع، بينما أمم تموت من الجوع، في شرق آسيا، وفي أفريقيا.
 ماذا يفعل الاقتصاديون اليوم في بعض بلدان العالم المتقدمة؟ يحرقون الإنتاج الزراعي، يضعون حوله أسواراً منيعة لئلا يباع، فيتلف، فإذا تسلل الزنوج ليأكلوا بعض الفاكهة، سممت الفاكهة في العام الثاني لئلا يأكلها أحد، ويبقى السعر مرتفعاً.. تمتلئ الأرض كما أخبر عليه الصلاة والسلام ظلماً وجوراً.. المشكلة الاقتصادية ليست مشكلة في المنهج الإسلامي، ما إن تطبق أحكام الدين تماماً، ما إن تؤدي زكاة مالك، ما إن تكسب الرزق الحلال، فالله سبحانه وتعالى يغنيك، وتنعم بالأمن، قال تعالى:

﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾

[سورة قريش: 1-4]

 أيها الأخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
* * *

 

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الدّم و خطره على الإنسان و الحيوان :

أيها الأخوة الكرام: قال تعالى:

﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة الأنعام: 145]

 ماذا يقول العلماء عن الدم؟.. يحمل الدم سموماً، ومركبات ضارة، ذلك لأنَّ إحدى وظائفه هي نقل فضلات الجسم وسمومه ليصار إلى طرحها، وأهم المواد التي يحويها الدم هي البولة وحمض البول، وهي المستقلبات النهائية الناتجة عن تقويض البروتينات، ويحمل الدم بعض السموم التي ينقلها من الأمعاء إلى الكبد بغية تعديلها، فإذا ما تناول الإنسان كميات من الدم فإن هذه المركبات تُمتص، ويرتفع مقدارها في الجسم، إضافة إلى المركبات التي تنتج عن هضم الدم ذاته، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البولة الدموية، وبالتالي إلى حدوث اعتلال دماغي، ينتهي بالسبات. هذا ما يقوله العلماء حول الدم !.حينما حرمه الله عز وجل حرمه لحكمة بالغة بالغة.. ويعتبر الدم وسطاً ملائماً جداً لنمو أنواع كثيرة من الجراثيم، استُفيد من هذه الخاصة في صنع مزارع الجراثيم من الدم، ولا يمكن أن يُعد الدم غذاءً، لذلك الذبيحة غير المزكاة لا يجوز أكلها، لأن دمها فيها.
 الذبيحة التي لم تُذبح وفق الشريعة الإسلامية لا يجوز أن تأكلها بحال والدم فيه كل هذه السموم، وهذه الفضلات، وهذه الأشياء المؤذية.
 شيء آخر: هذا الحكم الشرعي المأخوذ من هذه الآية الكريمة يجب أن يكون واضحاً في أذهان المسلمين إذا سافروا إلى بلاد الغرب، فالذبيحة التي لم تُذبح وفق الطريقة الإسلامية لا يجوز أكلها، أما إن لم يسمَ عليها، هناك رأي لبعض الفقهاء: سمِّ أنت عليها وكُلْ، ولا شيء عليك، أما إن لم تُذبح بطريقة الذبح الشرعي، بطريقة إخراج الدم كله إلى خارج الذبيحة، فهذا يؤذي الإنسان أشدّ الأذى، ويقع في معصية لله عز وجل.
 شيء آخر: يجب أن يعيد مربو الأنعام النظر في إطعام مواشيهم طحين الجيف، والدم المجفف، وما جنون البقر الذي كلف بعض البلاد ثلاثة وثلاثين مليار جنيه إسترليني إلا نتيجة ذلك، و كان لابد لهم من أن يحرقوا ثلاثة عشر مليون بقرة من أجل أن ينجو المجتمع من خطر مرض جنون البقر، وما هذا المرض الخطير عنا ببعيد، السبب أنهم أطعموا البقر طحين اللحم المجفف، طحين اللحم الميت، وأطعموه الدم، فيجب أن يُعاد النظر فيما نطعم به مواشينا، وأنعامنا، لأنَّ هذا خطر على صحتنا. وأحياناً منهج الله يجب أن يُطبق على الحيوان، فهذا الحيوان الذي أكل ما حرم الله أكله على الإنسان أصيب بالجنون، بل إن بعضهم قال: ما جنون البقر إلا من جنون البشر !..

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
 اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين.
 اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء. اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

تحميل النص

إخفاء الصور