وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 1170 - الناس في كسب المال أنواع ثلاث - لا يخافن العبد إلا ذنبه.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الناس في كسب المال ثلاثة أنواع :

1 ـ النوع الأول لا يرغب في جمع المال ولا ادخاره :

أيها الأخوة الكرام، لو تتبعت الأحكام الشرعية في مجملها لوجدت وقد تفاجأ أن تسعة أعشار الأحكام الشرعية متعلقة بشهوتين، شهوة الجنس وشهوة المال، لأن هاتين الشهوتين ألصق شيء بحياة الإنسان، لذلك الأحكام الشرعية في مجملها تدور حول هاتين الحاجتين، تسمية أخرى حول هاتين الحاجتين، ضبطاً وتصعيداً ورقياً، لذلك ورد أن الناس في كسب المال على ثلاثة أطباق، ثلاث زمر، ثلاثة أنواع، رجل شغله معاشه عن معاده، مشغول في الدنيا يصبح صباحاً وأكبر همه الدنيا:

((من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ))

[ الترمذي عن أنس]

من يتقي الله عز وجل لا خوف عليه مما سيأتي ولا يندم على ما مضى :

أيها الأخوة، ورجل شغله معاشه لمعاده فهو من المقتصدين، ورجل آخر سيأتي ذكره في الأثر التالي:

((تكون أمتي في الدنيا على ثلاثة أطباق: أما الطبق الأول فلا يرغبون في جمع المال، ولا ادخاره، ولا يسعون في اقتنائه، واحتكاره، إنما رضاهم من الدنيا ما سدّ جوعةً وستر عورة، ما بلغ بهم الآخرة، فأولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون))

[ورد في الأثر]

هذه الكلمات ترد في آيات كثيرة:

﴿ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[ سورة يونس ]

ولها معنى دقيقاً وعميقاً، فأنت حينما تتقي الله عز وجل لا خوف عليك فيما سيأتي، ولا تندم على ما مضى، من صفات الصديق رضي الله عنه أنه ما ندم على شيء فاته من الدنيا:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾

[ سورة التوبة : 51 ]

وهذه أكبر بشارة للمؤمنين، والذي يدقق في قواعد اللغة، الآية:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾

لنا غير علينا،

﴿ لَنَا ﴾

من خير، أي هذا المؤمن حينما اصطلح مع الله لن يجد في الدنيا إلا الخير، قال النبي عليه الصلاة والسلام:

((يا معاذ ما حقُّ العباد على الله إذا هم عبدوه؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: حقُّ العباد على الله: ألا يعذِّبهم ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن معاذ بن جبل ]

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

أي سنتك مطبقة في حياتهم، هذا مستحيل وألف ألف ألف مستحيل، بل قوله تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147]

كل شيء خلقه الله له وظيفتان؛ وظيفة نفعية ووظيفة إرشادية

هلال خير ورشد
كلكم يعلم أيها الأخوة، أن هذا الكون سخر لنا تسخيرين؛ تسخير تعريف وتسخير تكريم، يؤخذ هذا من حديث النبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى هلالاً قال:

(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))

[ رواه أبو داود عن قتادة ]

هلال خير ننتفع به في الدنيا، ويرشدنا إلى الله عز وجل، ولي تعليق لطيف، الهدف الأكبر من خلق هذه الآيات أن تعرف الله، ويأتي هدف آخر أن ننتفع بها في الدنيا، مثلاً لو قرأت كتاباً عن العسل، بكيت بكاءً شديداً لحكمة الله في هذه المادة، التي فيها شفاء للناس، ودخلك لا يسمح لك أن تلعق لعقة عسل واحدة، لأنك عرفت الله من هذا الكتيب الصغير عن العسل، وعرفت دقة صنعته، وعظمة بره، حققت الهدف الأكبر من خلق هذه المادة مع أنك لن تلعق لعقة عسل واحدة، والأغنياء الذين يغرقون في اقتناء أنواع العسل ـ وله أنواع كثيرة بحسب المراعي ويتفننون في اقتنائه وفي استخدامه ـ ولم يستفيدوا من أن هذا العسل آية دالة على عظمة الله، لم ينتفعوا به إطلاقاً، لذلك اعلم يقيناً أن كل شيء خلقه الله له وظيفتان؛ وظيفة نفعية، هذه الوظيفة النفعية برع بها الغرب أيما براعة، لا أعتقد في تاريخ البشرية أن شعوباً استمتعوا بالحياة الدنيا كاستمتاع هؤلاء، ولكنهم غفلوا عن الوظيفة الإرشادية إلى الله، أنا أقول لك: اجمع بينهما، كُلْ العسل لكن فكر بالذي خلق العسل، انتفع نفعاً مادياً، ونفعاً روحياً.

 

بطولة الإنسان أن ينتفع بما خلقه الله نفعين؛ نفعاً إرشادياً ونفعاً مادياً :

أما الطبق الأول فلا يرغبون في جمع المال، ولا ادخاره، ولا يسعون في اقتنائه، واحتكاره، إنما رضاهم من الدنيا ما سد جوعةً وستر عورة، ما بلغ بهم الآخرة، فأولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أحياناً تدخل إلى بيت، قريب بعيد توفي، ذهبت إلى التعزية، البيت يزيد ثمنه عن مئتي مليون، وهناك أثاث بخمسين مليوناً، تحف نادرة، أذواق عالية جداً، اجلس وتأمل، من اختار هذه التحف؟ المرحوم، من اختار هذا البلاط؟ المرحوم، من اختار هذه التزيينات؟ المرحوم، من اشترى هذا المنظر الجميل؟ المرحوم، أين المرحوم؟ تحت أطباق الثرى، لذلك البطولة أن ننتفع بما خلقه الله نفعين؛ نفعاً إرشادياً إلى الله، ونفعاً مادياً.

على الإنسان أن يكون قوياً إذا كانَ طريق القوةِ سالكاً وفق منهج الله :

المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف
قال: و أما الطبق الثاني: فيحبون جمع المال من أطيب سُبله، وصرفه في أحسن وجوهه، والله الذي لا إله إلا هو ولا أبالغ لو عشت مع غني مؤمن تشتهي أن تكون غنياً، من تواضعه، من إنفاقه المعتدل، من سخائه، من خدمته للناس، من الفرص التي لا تعد ولا تحصى التي فتحت أمامه.
بداية يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))

[مسلم عن أبي هريرة ]

لماذا؟ لأن فرص الأعمال الصالحة المتاحة للقوي ليست متاحة لملايين البشر، أنت غني بإمكانك أن تطعم الجياع، وأن تزوج الشباب، وأن ترعى الأرامل، وأن تؤسس مستوصفاً أو مستشفى، وأن تؤسس معهداً شرعياً يخرج الدعاة إلى الله، فرص العمل الصالح أمام الغني لا تعد ولا تحصى، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]

كن قوياً من أجل الآخرة، القوي من حيث المنصب بجرة قلم يحق حقاً ويبطل باطلاً، يقر معروفاً ويزيل منكراً، يقرب مخلصاً ناصحاً ويبعد فاجراً منافقاً، قرار واحد بتغريم من يعلن عن التدخين بخمسين ألفاً، لا يوجد ببلدنا الطيب أي إعلان عن التدخين، هل تنتبهون إلى هذا؟ أينما ذهبت في العالم الإعلانات عن الدخان لا تعد ولا تحصى، فالقوي بجرة قلم يحق حقاً ويبطل باطلاً، يؤكد معروفاً ويزيل منكراً، لذلك إذا كانَ طريق القوةِ سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، السبب؟ هذا الإنسان إذا شارف على الموت ماذا يقول؟ قد يقول أحدكم: الله أعلم، أنا أقول لكم ماذا يقول، يقول بالقرآن الكريم:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون: 99-100]

تصور طالباً ذهب إلى باريس، لينال دكتوراه في الطب، موعود في بلده بدنيا عريضة، ببيت في أرقى أحياء دمشق، وبيت بالمصيف، وبيت في الساحل، ومركبة فارهة من أعلى مستوى، لكن إن ذهب إلى هناك نقول: هذا الطالب علاقته بهذه المدينة العملاقة التي فيها مسارح، و دور سينما، وحدائق، ومعامل، وجامعات، ومدارس، وأسواق، علاقة هذا الطالب بهذه المدينة العملاقة شيء واحد، أن ينال الدكتوراه، نقول: نيل الدكتوراه في هذه المدينة علة وجوده، موجود في هذه المدينة فقط من أجل هذه الشهادة، فإذا كان هذا الهدف واضحاً تماماً، يستأجر بيتاً قريباً من الجامعة ليوفر الوقت والجهد والمال، يصاحب طالباً يتقن اللغة الفرنسية ليتعلم منه، يأكل أكلاً معتدلاً ليعينه على الدراسة، حينما يتضح الهدف تبرز الوسائل التي تخدم الهدف.

 

الإسلام بناء أخلاقي وقيمي :

أيها الأخوة الكرام، هذا الكلام ملخص الملخص، أقسم لي أخ في الله درس إدارة الأعمال في بلد بعيد، فلما سمع مني هذه الآية والله دمعت عيناه، قال: هذه الآية تلخص دراسة عشر سنوات بأمريكا، ما هذه الآية؟

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة الملك: 22 ]

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ ﴾

نظره إلى الأرض أي على شهوات الدنيا، أخلد إلى الأرض واتّبع هواه، نظره إلى المال فقط، إلى النساء، إلى المناصب:

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة الملك: 22 ]

هدفه واضح، والوسائل التي تحقق الهدف تقفز أمامه، هذا ملخص الملخص، أنت حينما تعلم لماذا أنت في الدنيا، من أجل شيء واحد هو عبادة الله بالمعنى الواسع، نحن إذا قلنا: عبادة يقفز إلى أذهاننا الصلاة والصوم والحج والزكاة، هذه عبادات شعائرية، هي أركان الإسلام، لكن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((بني الإسلام على خمس))

[ أخرجه البخاري وابن خزيمة عن عبد الله بن عمر ]

هل الخمس هي الإسلام؟ دعائم الإسلام، أركان الإسلام، أعمدة الإسلام، أساسات الإسلام، لكن الإسلام شيء آخر، الإسلام بناء أخلاقي، بناء مبدئي، بناء قيمي، هناك تفاصيل مذهلة، هذه التفاصيل تغطي حياة الإنسان بدءاً من أخص خصوصياته، من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية، إياك ثم إياك ثم إياك أن تتوهم أن الإسلام صلاة، وصوم، وحج، وزكاة، هذه دعائم، هذه أركان، الإسلام بناء أخلاقي، الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.

 

النوع الثاني من يجمع المال من أطيب سُبله ويصرفه في أحسن وجوهه :

أما الطبق الثاني فيحبون جمع المال من أطيب سُبله، وصرفه في أحسن وجوهه، يصلون به قرابتهم وأرحامهم، ويؤثرون به أخوانهم، ويواسون فيه فقراءهم، ولأن يعضَّ أحدهم على الحجارة أسهل عليه من أن يكتسب درهماً من غير حله، وأن يضعه في غير وجهه، وأن يمنعه من يستحقه، وأن يكون له خازناً إلى حين موته، فأولئك إن نوقشوا عَذّبوا، وإن عُفي عنهم سلموا.
لذلك ورد أنه ما من ميت إلا وترفرف روحه فوق النعش، وتقول للمشيعين: يا أهلي! يا ولدي! لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم ـ طبعاً الميت غير المؤمن ـ فأنفقته في حله، وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة عليّ.
لذلك قيل والكلام مؤثر جداً، أندم الناس يوم القيامة رجلٌ دخل ورثته بماله الجنة، ودخل هو بماله النار، لأنه جمع المال مما حلّ وحرم، وأنفقه في حله، وفي غير حله، فالهناء لكم أيها الورثة والتبعة عليه.
أي أنت إذا أردت الغنى لا مانع، لكن يقول الله عز وجل:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص: 77 ]

اجعل هذا الذي آتاك الله به ـ هو مال، هو علم، هو مكانة، هو جاه ـ هذا كله رزق، والدليل:

﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾

[ سورة الواقعة: 82 ]

الرزق ما يضاف إلى الذات، أنت إنسان، يضاف إليك الغنى رزق، العلم رزق، المكانة رزق، النسب رزق، أي شيء يضاف إليك هو رزق، وقد يكون هذا الرزق سلبياً كقوله تعالى:

﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾

[ سورة الواقعة: 82 ]

الشهوة أودعها الله فينا، هناك إنسان يستخدمها في المعاصي، يقارب امرأة لا تحل له، والمؤمن في الطاعات، الشهوات سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها، فهذا الطبق الأول وهذا الطبق الثاني.

 

النوع الثالث من يجمع المال مما حلَّ وحرم وينفقه في حله وفي غير حله :

قال وأما الطبق الثالث: فيحبون جمع المال مما حلَّ وحرم، وينفقونه في حله وفي غير حله، ويمنعونه من فُرض له:

﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾

، إن أنفقوه أَنفقوه إسرافاً، وإن أَمسكوه أَمْسَكوه بخلاً واحتكاراً، أولئك ملكت الدنيا أزمة قلوبهم، حتى أوردتهم النار بذنوبهم.
أطباق ثلاث، اعتقد يقيناً أن هذه الشهوات التي أودعها الله فيك ما أودعها فيك إلا لترقى بها إلى رب الأرض والسماوات، تصور الشهوة محرك، والعقل مقود، والشرع طريق معبد، بطولتك أن تندفع على هذا الطريق بالمحرك بشهوتك، وأن تقود ذاتك محافظاً على الطريق، والشرع هو الطريق، مثل دقيق شهوتك محرك، وعقلك مقود، والشرع هو الطريق، لذلك الإمام علي رضي الله عنه يقول:

((الدنيا حلالها حساب، وحرامها عذاب، وشبهتها عقاب))

[رواه الدار قطني والديلمي عن ابن عباس ]

شهوة المال شهوة حيادية :

أما الشهوة الأولى شهوة الرزق ـ المال ـ، هذه شهوة حيادية، سلم ترقى بها، أو دركات تهوي بها، وهذه الشهوة التي أودعها الله فينا، واسمع هذه القاعدة: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، بالتعبير الآخر بالدين لا يوجد حرمان أبداً، ما حرمك الله من شيء، أي شيء أودعه فيك جعل له قناة نظيفة تسري خلاله، أودع فيك الحاجة إلى الطعام والشراب، حفاظاً على وجودك كإنسان، كم نوع من الطعام مباح؟ وكم نوع من الشراب مباح؟ ما حرم عليك إلا لحم الخنزير وشرب الخمر فقط:

﴿ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 19]

الآن بحياتنا كم نوع عصير وشراب؟ والله بالآلاف، والخمر ممنوع، كم نوع من اللحوم مباح لنا؟ والله بالآلاف والخنزير ممنوع، فلذلك المباحات إذا قيست إليها المحرمات واحد بالمليون لا شيء، لكن لولا هذه المحرمات ما صحّ الامتحان، لا بدّ من مؤيد، لا بدّ من شيء محرم.

 

على كل إنسان أن يسعى لكسب رزقه :

المتواكل يسيء إلى الدين
أيها الأخوة:

(( إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا ))

[ الطبراني عن ابن عباس بسند صحيح ]

لك أن تسعى لكسب رزقك:

 

﴿ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾

[ سورة النبأ: 11]

﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾

[ سورة الأعراف: 10]

معنى معايش أي سبل للرزق، هذا الرغيف الذي تأكله على كم مرحلة مرّ؟ بدأً من فلاح زرع القمح، سقى القمح، سمد القمح، عالج آفات زراعية بالقمح، ثم حصد القمح، ثم غسل القمح، ثم جففه، ثم طحنه، ثم خبزه، أنت حينما تأكل رغيف الخبز صباحاً لا أبالغ هناك ألف إنسان ساهم بصنعه، حينما ترتدي قميصاً هذا القميص كم إنسان ساهم بصنعه؟ الله عز وجل سمح لك أن تتقن حاجة وأحاجك إلى مليار حاجة، فأنت مضطر إلى أن تعيش بين الناس، تحتاج إلى طعام، إلى شراب، إلى مركبة، إلى بيت، إلى أثاث، إلى أشياء لا تعد ولا تحصى، سمح الله لك أن تتقن حاجة تكسب منها رزقك، وأحاجك إلى مليار حاجة، تحتاج إلى زر لقميصك، هناك معامل وخبرات وتطويرات، الله عز وجل سمح لك أن تتقن شيئاً وأحاجك إلى مليون شيء، تحتاج إلى دفتر لابنك، الورق معامل وخبرات، تحتاج إلى محفظة لابنك، جلد ودباغة وتصميم، مليون خبرة فيها، أنت عد حاجاتك كل يوم، أنت تتقن حاجة، ولا أبالغ إذا قلت: إنك تحتاج إلى مليون حاجة، لذلك الله عز وجل أكرهنا أن نعيش معاً، لسنا مخيرين، لو أنك تسكن في رأس جبل كيف تعيش؟ تحتاج إلى خبز يعمل به ألف إنسان، تحتاج إلى ماء، هناك آبار، هناك محركات لاستخراج المياه، هناك تنقيب:
وفي الحديث الشريف :

(( إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا ))

[ الطبراني عن ابن عباس بسند صحيح ]

قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق" ويقول: "اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة".

 

على الإنسان أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء:

 

أخطر شيء أتمنى أن يكون واضحاً عندكم صفة المتواكل، عندما رأى سيدنا عمر أناساً في الحج يتكففون الناس، قال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبةً في الأرض ثم توكل على الله، بعبارة أخرى ونحن في أمس الحاجة إليها، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
إنسان عنده سفر يراجع مركبته مراجعة تامة، الأجهزة، العجلات، كل شيء، هذا الأخذ بالأسباب، ولأنه مؤمن يعتقد يقيناً مئة بالمئة أن المُسَلِّم هو الله، يقول: يا رب توكلت عليك، ما دمت قد أخذت بالأسباب الآن توكل على رب الأرباب، لذلك سيدنا عمر لما رأى جملاً أجرب، فسأل صاحبه: "يا أخا العرب ما تفعل به؟ قال: أدعو الله أن يشفيه، قال: يا أخي هلا جعلت مع الدعاء قطراناً".
اقبلوا مني هذه الكلمة أن تدعو الله من دون أن تأخذ بالأسباب هذا ذنب من الذنوب، هذا استهزاء بقوانين الله عز وجل، القوانين التي صممها الله للإنسان أعطاها للطبيب فإذا قال لك الطبيب: هذا الطعام يناسبك وأنت تعبد الله ينبغي أن تطيع الطبيب، هذا الذي يمثل قوانين الجسم، الله عز وجل أمرك أن تأخذ بالأسباب والأسباب أن تطبق هذه النصائح، فلذلك كلما ارتقى الإيمان تجد أن كل الخبراء الذين يشيرون عليك ينبغي أن تأخذ بخبرتهم، لأن الخبرة مأخوذة من قوانين الله عز وجل.
سيدنا عمر يقول: "استغن عن الناس تكن أصون لدينك، وأكرم لك عندهم".

كسب الرزق فرض بشرط أن يكون وفق الطرق المشروعة :

شيء آخر من الأحاديث الصحيحة:

(( إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله عباد الله تعالى، وأجملوا في الطلب، واستجملوا مهنكم، ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق على أن تطلبوه بمعصية فإن الله تعالى لا ينال ما عنده بمعصيته ))

[حديث صحيح بشواهده، ابن ماجه، وأبو نعيم في الحلية والحاكم وابن حبان عن جابر ]

الكسب يكون وفق الطرق المشروعة
كلام آخر، من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى، أثر قدسي آخر:

(( عبدي خلقت السماوات والأرض، ولم أعيَ بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين؟ لي عليك فريضة، ولك علي رزق، فإن خالفتني في فريضتي، لم أخالفك في رزقك .. وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك، فلأسلطن عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي وكنت عندي مذموماً ))

[ ورد في الأثر ]

إذاً أيها الأخوة، كسب الرزق فرض بعد الفريضة، لكن هذا الكسب وفق الطرق المشروعة كي يكون المال حلالاً، وإذا كان المال حلالاً واشتريت به طعاماً كان الطعام بوصف النبي عليه الصلاة والسلام طيباً، ما هو الطعام الطيب؟ ليس الطعام الغالي، ولا الطعام الذي فيه دسم من أعلى مستوى، أو بأعلى درجة مصنوع، لا، الطعام الطيب الذي اشتري بمال حلال، والله لي صديق ذهبت لزيارته في العيد فاستقبلني والده، عمره ست و تسعون سنة هكذا قال لي بالضبط: عمري ست وتسعون سنة، عملت البارحة فحصاً كاملاً للدم والبول فكان كله طبيعي، وأكمل حديثه، والله لا أعرف الحرام بحياتي ـ يقصد حرام المال و حرام النساء ـ قال لي: والله لا أعرف الحرام بحياتي.
عالم آخر بالشام عاش أيضاً ثمانية وتسعين عاماً، وكان منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، سئل: يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ قال: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.

 

الاستقامة أساس الدين :

أيها الأخوة الكرام، هناك أدلة وشواهد لا تعد ولا تحصى، والدليل:

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ رواه ابن ماجه وأحمد والدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

الخير، يا ترى خير مادي مادي، اجتماعي اجتماعي، نفسي نفسي، مكانة مكانة، راحة راحة، سعادة سعادة، أولاد أبرار أولاد أبرار، زوجة صالحة زوجة صالحة، أبداً:

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ رواه ابن ماجه وأحمد والدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

ممكن بصراحة أن أضغط الدين كله بكلمة واحدة، إنها الاستقامة، فإن ألغيت من الدين الاستقامة، أنت أمام تراث إسلامي، أمام عادات وتقاليد، أمام ثقافة إسلامية، الثقافة الإسلامية والعادات والتقاليد يتمتع بها مليار وخمسمئة مليون سابقاً، اليوم أحدث إحصاء للمسلمين مليار وثمانمئة مليون، وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، هناك خمس دول إسلامية محتلة الآن، لأنه لا يوجد استقامة، إذا ألغيت الاستقامة ألغيت الدين، بقي التراث، بقي الثقافة الإسلامية، العادات والتقاليد، الفلكلور الإسلامي، والله الذي لا إله إلا هو مع الأسف الشديد ذهب عدد من قراء القرآن الكريم من دمشق إلى باريس ليقرؤوا القرآن على أنه فلكلور شرقي، هذا الكتاب الذي هزّ أطراف الدنيا، هذا الكتاب لما طبقه الصحابة وصلت راياتهم إلى المشرقين، الشرق والغرب، إلى مشارف الصين وإلى مشارف باريس، لما تركوه وهان أمر الله عليهم هانوا على الله.

 

من يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه :

أيها الأخوة الكرام، موضوع الرزق موضوع كبير جداً، لكن من ملامحه أن شهوتين أودعهما الله في الإنسان؛ شهوة المال وشهوة الجنس، هاتان الشهوتان لهما قنوات نظيفة في الإسلام، قناة نظيفة مئة بالمئة، وهذه القنوات النظيفة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، هذه القنوات أن تتحرك وفق هذه الشهوات وفق منهج الله عز وجل، لذلك دقق بالآية:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

[سورة القصص: 50 ]

هناك معنى مخالفاً، الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه، اشتهى المال فعمل في عمل مشروع فربح، وأنفق على نفسه، وتزوج، وأنجب أولاداً، وسعد بهذا المال، اشتهى المرأة تزوج:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

[سورة القصص: 50 ]

المعنى المخالف، أي أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه، بالإسلام لا يوجد حرمان.
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، و سيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، و عمل لما بعد الموت، و العاجز من أتبع نفسه هواها، و تمنى على الله الأماني .

* * *

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه :

أيها الأخوة الكرام، أحياناً هناك أحاديث إيجازها شديد، كلمتان، لكن تنطوي على حقائق كبرى في الدين، من هذه الآثار النبوية: "لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه"، لا تخف من وحش، الوحش بيد الله:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود: 55-56 ]

إذا أنت أمام ـ لا سمح الله ولا قدر ـ خمسين وحشاً، وكل وحش أنت لقمة من لقمه فقط، لكن كل هذه الوحوش مربوطة بأزمة، بيد جهة رحيمة، عادلة، لطيفة، لا تخاف منها، تخاف من الذي يمسكها إذا أرخى حبل أحدها وصلت إليك:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾

[ سورة هود : 55-56 ]

الطغاة عصي بيد الله على الإنسان ألا يخاف منهم يل عليه أن يخاف من ذنبه :

الطغاة بالأرض عصي بيد الله لا تخف منهم خف من ذنبك
الآن دقق:

﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

=[ سورة هود: 56 ]

كل شيء بالأرض متحرك، أي الله مستقيم، بطولتك ألا تخاف من الوحش تخاف ممن يمسكه، عفواً هل يستطيع إنسان أن يحقد على عصا تلقى بها ضرباً؟ يكون مجنوناً، هو إذا أحب أن يحقد يحقد على من ضربه لا على العصا بالذات، الطغاة بالأرض عصي بيد الله:

(( أنا مالك الملوك، وملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشغلوا أنفسكم بالذكر والتضرع أكفكم ملوككم ))

[ أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء ]

أحداث غزة أقرب مثل إلينا، قتلوا ألفاً وخمسمئة طفل وامرأة، هل تصدقون أن نتائج هذه الحرب في العالم الإسلامي لا تصدق، جمعتنا، أذابتنا في بوتقة واحدة، القضية انتقلت، الجهاد أصبح شيئاً مشروعاً، صار هناك تبدل بالقيم والمفاهيم بالأرض، والله أنا أعتقد أن جيوشاً عديدة غيرت عقيدتها عقب هذه الحرب، عشرة آلاف وقفوا أمام رابع جيش في العالم، خطط ليوم واحد ولم يقدر أن ينهي الحرب إلا بعد تدخل غربي، بعد اثنين وعشرين يوماً أليس كذلك؟ عشرة آلاف معهم بنادق فقط يواجهون مدرعات، وصواريخ، وطائرات "f16" ولم يستطيعوا أن يحققوا هدفاً باثنين وعشرين يوماً، لا يوجد إلا الله عز وجل.
مرة ثانية أيها الأخوة الكرام، الطغاة عصي بيد الله لا تخف منهم خف من ذنبك، لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه.

 

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم أعطنا سؤلنا يا رب العالمين، واجعل جمعنا هذا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، اللهم وفق ولاة المسلمين لما تحب وترضى، واجمع بينهم على خير .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور