وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة السجدة - تفسير الآية 22 أكبر ظلم ظلم الإنسان لنفسه.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية الثانية والعشرون من سورة السجدة وهي قوله تعالى:

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)﴾

[ سورة السَّجدة ]

 أيُّها الإخوة الكرام، ألاَ تثير هذه الآية تساؤلاتٍ كثيرة، و من أظلم "مَن " هنا استفهامية , "أظلم " اسم تفضيل، أي، ليس في الأرض كلِّها إنسانٌ أشدُّ ظلما لنفسه و لغيره.

 

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)﴾

 

[ سورة السَّجدة ]

 الله جلَّ جلاله له آيات كونية وله آيات تكوينية وله آيات قرآنية، و الآيات جمعُ آيةٍ، وهي العلامة الدالَّةُ على عظمته والله تعالى لا تدركه الأبصار، ولكنَّ كلَّ شيء حولك يشير إليه، لا تدركه الأبصار ولكنَّه في كلِّ شيء آيةٌ تدلُّ على أنَّه الواحد ؛ له آيات كونية كالمجرَّات والشمس والقمر والليل والنهار، طعامك وشرابك والنبات و الحيوان و الجبال والبحار والأنهار والينابيع، خَلْقَك عضلاتك و عظامك و دماغك، والأعين والسمع والبصر والقلب والرئتين، كلُّ ما في الكون يدلُّ عليه و على وجوده ووحدانيته وكماله هذه الآيات الكونية، وهناك الآيات التكوينية ؛ أفعاله، أحيانًا يُغَيِّر العبادُ خلق الله، فيكون ثمَّة ردعٌ من الله، والله تعالى خلق المرأة و الرجلَ وجاء الإنسانُ و تعامل مع الذكَر، فانتشر مرضُ الإيدز، أرأيتم إلى هذه الآيات، كل يوم فيه آية وهي من أفعاله، الإيدز أكبر آية دالَّة على عظمته، فكلُّ من خالف الفطرة فسوف يدفع الثمن باهظا، وكلُّ مَن غيَّر خلق الله، إنْ في الحيوان وإنْ في النبات فإنَّه يدفع الثمن باهضًا.
 أيُّها الإخوة الكرام، قال تعالى:

 

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(53)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 آيات مستمِرَّة تصوَّروا أنَّ خمسة وثلاثين صناعيا من الدرجة الأولى يموتون في حادث طائرة، لأنَّ الله أقوى، ومهما رأيتَ جهة قويَّةً فهو أقوى الشمس والقمر والنجوم وخلق الإنسان، هذه آياته الكونية، مرض الإيدز وجنون البقر، تفحُّم القمح والزلازل والبراكين وشُحُّ الأمطار في جهة والسيول من جهة ثانية، هذه من آياته التكوينية، وهذا الكتاب آياته القرآنية، ذكرتُ مرَّة أنَّ مجرَّةً تبعد عنَّا ثلاثمائة بليون سنة ضوئية و ذكرنا أنَّ بشبكية العين مائة وثلاثون مليون عُصيَّة ومخروط وذكرنا أنَّ العصب البصري فيه تسعمائة ألف عصب و ذكرنا أنَّ في الدماغ مائة و أربعين مليار خلية سمراء لم تُعرَف وظيفتُها بعد و ذكرنا أنَّ في الغُدَّة النخامية اثني عشر مفرزًا هرمونيًّا و الغدَّة ملكة الغدد ووزنها نصف غرام،

 

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)﴾

 

[ سورة السَّجدة ]

 ذكَّرناه بآياته الكونية، فما بالى، وآياته القرآنيَّة فما بالى، فقوله: ومَن أظلم ؛ أيْ ليس في الأرض كلِّها إنسانٌ أشَدُّ ظُلْمًا لِنَفسِهِ ولغَيْرِهِ مِمَّن ذُكِّر بآيات ربِّه ثمّ أعْرَض عنها، بِرَبِّكم ما معنى قوله تعالى:

 

﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)﴾

 

[ سورة السَّجدة ]

 أيْ مِن هؤلاء الذين ذُكِّروا بآيات ربِّهم ثمَّ أعْرضوا عنها ؛ هؤلاء هم المُجرمون، فهَل يُسَمَّى الإنسان مُجْرِمًا إن أعرض عن ذِكْر الله تعالى ؟ هكذا سَمَّاه الله، والإنسان إذا ذُكِّر بآيات الله ولم يعْبأ ولم يُعَظِّم ولم يخْشَ الله، فسَوف يتحرَّك إلى الشّهوات، وله قِوى انْدِفاعِيَّة كبيرة جدًّا حُبّ المال والنِّساء، والعُلُو في الأرض، فَمِن دون روادِع، ومن دون مكابِح، ومن دون إيمان وخوف من الله، فَمِن لوازِم الغفْلة عن الله تعالى، وعدم الاكْتِراث بآيات الله وبالتالي عدم الاكْتِراث بِوُجود الله تعالى، سوف ينْحَرِف الإنسان لأنّ أساس الإنسان الحركة، وليس السُّكون، فالطاوِلة أساسها السُّكون لأنَّها مُعْدمة من الشَّهوات، فهِيَ لا تشْتهي أُخْتَها، ولا تأكل ولا تشْرب ولا تتزاوَج، أما كلّ مَخْلوق فيه شَهَوات فَهُوَ حركي، فالشَّهْوة تسْتلزم الحركة يلزمه مال، ولا يهمه كيف جمعَه من حلال أو من حرام، فمادام هناك شهوة فهناك حركة ومادام هناك حركة بغير منهج فهناك ظلم وجريمة، قال تعالى:

 

﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)﴾

 

[ سورة السَّجدة ]

 و قد سمعتُ قبل أسابيع أنهم أعدموا سبعة أخذوا صائغًا وقتلوه هو وابنه وصهره ودفنوهم وأخذوا ثلاثة عشر كيلو ذهبًا، هم بشر لهم شهوات مستعرة وما عندهم منهج وفيه غفلة عن الله، فهناك كسب للأموال غير مشروع، إذا غششْتَ الناس في البضاعة أو احتكرتها وقعتَ في المعصية.
 فيا أيُّها الإخوة، الآية خطيرة جدًّا، و الإنسان إذا ذُكِّر بآيات الله الكونية أو التكوينية أو القرآنية فاتَّعظ وعرف أنَّ لهذا الكون خالقًا ولهذا الكون مربِّيّا و مسَيِّرًا و أنَّه على كلِّ شيء قدير وأنَّه سميع بصير و أنَّه يعلم السِّرَّ و أخفى وأنَّه سيُحاسِب في الآخرة فينضبط الإنسان، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)﴾

 

[ سورة السَّجدة ]

 فأيُّ إنسان ذُكِّر بآيات ربه ثم أعرض عنها ينقلب إلى مجرم في حقِّ نفسه إذْ ضيَّع الآخرة من أجل الدنيا، ضيَّع الأبد مِن أجل سنوات يقضيها في الهموم والتعب، ولم يعبأ بمرضاة الله سقط من عين الله من أجل الدنيا:
 فحينئذٍ لا خِيارَ لنا، فإمَّا أن نؤمن بالله من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية و نؤمن بمنهجه و نطبِّقه، وإمَّا سوف نتحرَّك حسب ما تملي غرائزُنا و شهواتنا، والحركة بدافع الغريزة فيها معها عُدوان، فإذا نظر الإنسان إلى امرأة لا تحلُّ أو أقام علاقة مع امرأة لا تحلُّ له، أليس هذا عدوانًا، و إن أخذ شيئًا ليس له أليس هذا عدوانًا فاستعار الشهوات والحركة بدافع الشهوة ؛ مِن لوازمها الجريمة سواء كانت مخفَّفة كالجريمة المدنية أو جريمة جنائية وفي الحالين فهي جريمة، فالذي يغشُّ الناس مجرم، والذي يضع الإنسان في العناية المٍشدَّدة عشرين يومًا و هو يحتاجها ليوم مجرمٌ، والدفع لذلك المال و قد نُشِر مرة في جريدة عن طبيب عمل عملية جراحية فورية لا حاجة فيها بمبلغ ضخم فهو مجرم ولو كان مثقَّفًا ثقافة عالية، فمادام هناك شهوات مستعرة وحركة بدافع الشهوة حدثت جرائم، إمَّا مُخفَّفة لا نشعر بها نحن، أو جريمة واضحة كالقتل، أمَّا فالكلُّ مجرم، و مرة قال لي طبيب: جاءتني امرأةٌ مع زوجها مريضة بالسرطان، فانفردتُ بالزوج وقلتُ له: أنتَ مجرم، قال: ولِمَ ؟ قلتُ لأن السرطان في أوَّله يُمكن أن يُعالج، وأنت تاركٌ زوجتك إلى هذه الدرجة، فالسرطان في أوَّله يكون كَحَبَّة العدس ثمَّ يتطور ويكبر إلى حجم حبَّة الحمص وأدْنى طبيب بالسَّنة الأولى يَكْشِفُه ‍ و يتعالَج بالأشِعَّة أو الاسْتِئصال، و ذاك الطبيب يعالجها منذ سنتين بالمسكِّنات وهو يعلم أنَّه سرطان و ما عنده العملية، ومات ذاك الطبيب بنفس المرض و انتقم الله منه،

 

﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)﴾

 

[ سورة السَّجدة ]

 و لا تستكبر كلمة مجرم فهناك ملايين من المجرمين، انكشف منهم القليل، أمَّا البقية فكلُّ انحراف عن منهج الله فهو جريمة، فبالحدِّ الأدنى ففي حقِّ نفسك، وهذا العمل حجبك عن الله، وصار الإنسان ملعونًا واللعن هو الطرد من رحمة الله و الإبعاد عنه و هو عقوبة كبيرة جدًّ، لعنهم الله والملائكة والناس أجمعون، لذلك الآية:

 

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)﴾

 

[ سورة السَّجدة ]

 والانتقام في الدنيا قبل الآخرة،، فكلَّما كبُر عقل الإنسان كلما استقام أكثر، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(1)﴾

 

[ سورة المجادلة ]

 وقال تعالى:

 

﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)﴾

 

[ سورة الفجر ]

 و أحيانا تدخل صالة مراقبة تلفزيونيًا، هل تستطيع أن تسرق؟ فإذا كنتَ مع إنسان يرقبك تنضبط معه فكيف مع الله الذي قال:

﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1)﴾

[ سورة الأحزاب ]

 أيُّها الإخوة، الآية دقيقة جدًّ:

 

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)﴾

 

[ سورة السَّجدة ]

 و مع ذلك أنَّ كلَّ إنسان ذكِّر بآيات الله ثم أعرض عن هذه الآيات و تحرَّك وفق شهواته وغرائزه لا بد أن يعتديَ عن الآخرين وأن يعتديَ على نفسه التي بين جنبيه، فهذا سمَّاه الله مجرما، قال تعالى:

 

﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)﴾

 

[ سورة السَّجدة ]

تحميل النص

إخفاء الصور