وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة السجدة - تفسير الآية 21 فلسفة المُصيبة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، الآية الواحدة والعشرون من سورة السجدة وهي قوله تعالى:

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾

[ سورة السجدة ]

 الحقيقة أنَّ العذاب الذي يُصيب الإنسان في الدنيا له في الإسلام فلْسفة فلا أحَدَ يُنْكِر أنَّ عذابًا يقعُ بالإنسان، لكنَّ الفرق بين المؤمن وغير المؤمن في تفسير هذا العذاب، فللمصائِب تصَوُّرات وفلسفةٌ دقيقة في عقيدة المسلم، وهذه الآية تُشير إلى طرَفٍ مِن فلسفة المُصيبة فالعذاب الذي يُصيب المؤمن في الدنيا هو تَكْفيرٌ لِذُنوبِهِ، والعذاب الذي يُصيبُ الكافر في الدنيا رَدْعٌ له عن كُفْرِهِ، أو قصْمٌ له، والحقيقة أنَّ البشَر على ثلاثة أصْناف ؛ صِنْفٌ كافر، و صِنْف مؤمن، والأنبياء صِنْف ثالث، فمصائِبُ المؤمن مصائِب قصْمٍ، وردْعٍ، فالله سبحانه وتعالى إذا أنْزَل بالكافِر مُصيبةً ولم يُهْلِكْهُ بها، معنى ذلك أنَّه أعْطاهُ فرْصَةً ومُصيبة القصْم، حينما قال الله تعالى:

 

﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(36)﴾

 

[ سورة هود ]

 فحينما يعْلمُ الله عز وجل أنَّ هذا الكافر لن تزيدَهُ الحياةُ إلا كُفْرًا، ولن يزيدَهُ العُمْر إلا طُغْيانًا، عندئِذٍ يقْصِمهُ الله تعالى، أما حينما يعْلم الله عز وجل أنّ هذا الكافر يُمْكِنُ أن يرْتَدِع، حينها يُنْزِلُ به مُصيبَةً ولكن لا يقْصِمُهُ، بل يوقِعُ بِهِ أشَدَّ الألَم فلعلَّهُ يعود، فمصائِبُ الكفار مصائِب قصْمٍ، أو رَدْعٍ، أما المؤمنون فَمَصائِبُهم مِن نوعٍ آخر، قال تعالى:

 

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ(155)﴾

 

[ سورة البقرة ]

 أما الكافر، فقد قال تعالى:

 

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44)﴾

 

[ سورة الأنعام ]

 هذا هو القصْم، يُعْطيه الله الدنيا كما يشْتهي، أبواب كُلِّ شيء ثمَّ يقْصِمُهُ مرَّةً واحِدَة، وأحيانًا يرْدَعُهُ ردْعًا شديدًا، ومعنى يرْدَعُهُ أن يُعْطيهِ فُرْصَةً لِيَعود إلى الله، أما المؤمن فكما قال تعالى:

 

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ(155)﴾

 

[ سورة البقرة ]

 عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ:

 

(( مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ تُزَفْزِفِينَ قَالَتِ الْحُمَّى لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا فَقَالَ لَا تَسُبِّي الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ))

 

[ رواه مسلم ]

 وَعزَّتي وجلالي لا أقبضُ عبدي المؤمن وأنا أُحِبّ أن أرْحَمَهُ إلا ابْتَلَيْتُه بِكُلّ سيِّئةٍ كان عملها سُقْمًا في جسَدِهِ وإقْتارًا في رِزْقِهِ، أو مصيبَةً في ماله أو ولدَهِ حتَّى أبْلغَ منه مثل الذَّر، فإن بقِيَ عليه شيء شدَّدْتُ عليه بِسَكرات الموت حتَّى يلقاني كيَوْمَ ولدَتْهُ أُمُّه، فالمؤمن المصائب له للتَّطْهير، ولِكَي تَدْفعَهُ إلى الله بِسُرْعة، فَيُمْكِنُ أن تَجِدَهُ مستقيمًا، ولكنَّ سرْعَتَهُ إلى الله تعالى بطيئَة فتأتيهِ المصيبة لِتَدْفَعَهُ إلى باب الله تعالى دَفْعًا، ومُسْتقيمٌ وينطلِق فيُريدُ الله تعالى أن يُعْطِيَهُ أجْرًا مُضاعفًا، فيَرْفَعُهُ بِهذه المُصيبة، فمصائِب المؤمن تَطْهير ودَفعٌ ورفْعٌ لذلك قال: ما مِن عثَرةٍ ولا اخْتِلاجِ عِرْق، ولا خَدْش عودٍ، إلا بِما قدَّمَت أيديكم، وما يعْفو الله أكثر، قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(30)﴾

 

[ سورة الشورى ]

 وقال تعالى:

 

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)﴾

 

(سورة النِّساء)

 الكَون مُسَخَّرٌ تسْخيرين ؛ تسْخير تعريف، وتَسْخير تَكريم، فالأوّل يقتضي أن تُؤمن، والثاني يقتضي أن تشْكر، فإن آمَنْت وشَكَرْتَ ماذا يفعل الله تعالى بِعذابِك ؟‍! فالإنسان إذا آمَنَ وشَكَر فقد حقَّق المُراد الذي مِن أجلِهِ خُلِق.
هذه الآية تُشير إلى فلسفَةِ العذاب.
 من هنا قال الإمام عليّ رضي الله عنه: يا بنيّ، ما خيرٌ بعده النار بِخَيْر، وما شرٌّ بعده الجنَّة بِشَرّ ! وكلَّ نعيمٍ دون الجنَّة مَحْقور، وكلّ بلاءٍ دون النار عافِيَة ! فالإنسان إذا وصَلَ إلى القبْر طاهِرًا ومُعافًى مِن كلّ ذَنْب فقد ملَكَ الآخرة، فالعِبْرة لا أن ترى إنسانًا صحيحًا، وينتظِرُه عذابٌ في جهنَّم إلى أبد الآبدين، فالعِبْرة أن يَصِل الإنسان إلى القبر وقد غفر الله له ذُنوبَهُ، فَمِن هذا المنطلق تُصبِحُ المصيبة للمؤمن رحْمة، رُبَّما أعْطاكَ فَمَنَعَك، وربَّما منَعَك فأعْطاكَ، وقد يكون المنْع عَيْنَ العَطاء، قال تعالى:

 

﴿وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(216)﴾

 

[ سورة البقرة ]

فالإنسان إذا قرأ هذه الآية وعاشَها لا ينْدَمُ على ما فات، ولا يَخْشى على ما هو آت، قال تعالى:

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(51)﴾

[ سورة التوبة ]

 المؤمن أيُّها الإخوة يعيشُ في راحَةٍ نفْسِيَّة وثقَة بالله عز وجل، وفي طمأنينة ما لو وُزِّع على أهل بلدٍ لكفاهم، فهذه الآية وهي قوله تعالى:

 

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾

 

[ سورة السجدة ]

 فالمرض عذابٌ أدْنى، ومجموعة أمراض هي مِن العذاب الأدنى فشَل كَلَوي، وسرطان بالدَّم، ودسَّم مَعْطوم بالقلب، مهما كان المرض وبيلاً إذا قيسَ بِعَذاب النار فَهُوَ أدنى، ومهما كان الفقْر مُدقِعًا إذا قيسَ بِعَذاب النار فَهُو أدنى، ومهما كان الخوف شديدًا فإذا قيسَ بِعَذاب الله فَهُوَ أدْنى فالله تعالى سمَّى هذا العذاب أدنى بالنِّسبة لِعَذاب الآخرة، فإذا يسَّر الله للإنسان عِلاجات حكيمة، وعاد بِها إلى الله ووصَل إلى القبْر طاهِرًا وتائِبًا فهذا مِن أسْعَدِ الناس، أما الذي يَحْيى قَوِيًّا وغَنِيًّا، يموتُ عاصِيًّا فَهذا أشْقى الناس، والعِبرة بالخواتيم، وإذا أحبَّ الله عبْدَهُ ابْتَلاه، أما إذا أبْغضَهُ حينها يُخْرِجُهُ مِن مُعالَجَتِهِ، فإذا ابتلاه وصبَر اجْتباه، فإن شَكَر اِقْتناه، والإمام عليٌّ كرَّم الله وَجْههُ يقول: الرِّضا بِمَكروه القضاء أرْفَعُ درجات اليقين ! وصَدِّقوني أيها الإخوة أنَّ الإنسان إذا جاءَتْهُ مُصيبة وهو يعْلم أنَّها مِن الله تعالى، ويقول: يا ربّ لك الحمْد فقد نجَحَ، وهذا أفْضَل ألف مرَّة مِن الذي لم تأِتِه المصيبة وكفَر.
 أيها الإخوة، قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ(166)﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 قال:

 

﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(11)﴾

 

[ سورة التغابن ]

 يهْدِ قلبَهُ إلى حِكْمتها، الآن عندنا موضوع ثانٍ ؛ أنت أبٌ، وعندك ابنٌ أخطأ خطأً كبيرًا ورأيْتَ أنَّهُ مِن الحِكْمة أن تُؤَدِّبهُ فضَرَبْتَهُ وهو يصيحُ بين يدَيْك ؛ هل تبْقى ساكِتًا ؟ أم ماذا ينبغي أن تقول وأنت تُؤدِّبُهُ ؟ ينبغي أن تذْكر له ذَنْبَهُ، لأنَّ إن لم تذْكر له ذَنْبه فما أدَّبْتَهُ، لأنَّه لا يعْلم لماذا ضَرَبْتَهُ، فَمِن لوازِمِ التَّرْبيَة أن تُذَكِّر المُعاقَب بِذَنْبِهِ، طيِّب الله عز وجل لمَّا يُعاقِب الإنسان ؛ كيف يُذَكِّرُه بالذَّنْب ؟ أحدُ هذه الوسائل أن يُلقي الله تعالى في روعِهِ أنَّ هذا الذَّنْب مِن أجل كذا ؛ جاء زبون لِمَعمل فطلب ستَّة قِطَع فقط، والمعمل لا يبيع إلا بالجُمْلة فرفضَ صاحب المعْمَل بيْعَهُ بِكِبَرٍ ؛ فأدَّبَهُ الله تعالى بِأَن حرم عليه الزَّبائن قرابَة شَهْر ! فلم يعرف صاحب المعمل السَّبب ! فألقى الله تعالى في روعِهِ ؛ لماذا طَرَدْتَ فلانًا ؟؟ فأوَّل شيء أن يُلقي الله تعالى في روعِكَ الذَّنْب، وأنَّ هذا مِن أجل هذا، أحدهم أمضى حياته كلَّها بالمرض ففي أحد المرات كأنَّه عاتب الله تعالى: فأُلْهِمَ أنَّه يا عبدي لولا هذا المرض لما كنت في هذا الحال مِن الطاعة ! فأحَدُ الوسائل التي يُعلِمُ بهال الله عبْدهُ حينما يبْتليهِ بِمُصيبة يُلقي في روعهِ ويُسَمُّون هذا وَحْي إلهام قال تعالى:

 

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾

 

[ سورة القصص ]

 قال تعالى:

 

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(11)﴾

 

(سورة التغابن )

 أي إلى علَّة هذا الذنب.
 أيُّها الإخوة الأكارم، أتمنَّى عليكم و أتمنَّى على نفسي إذا أصابت الإنسانَ مصيبةٌ أن لا يبقى ساكتا، بل لا بدَّ له أن يبحث، لماذا أُصِبتُ بهذه المصيبة ؟ و أحيانا يهتدي إلى سبب وجيه ويرى عدالة الله عز وجل وأحيانا طبيعة المصيبة تشير إلى سببها، مثل أن تمنعه زوجته دفع الزكاة، فوقع لسيارته حادث وأخذها للمصلِّح، ودفع أجرة التصليح نفس المبلغ الذي لم يخرجه للزكاة، أنت بخلتَ بدفع الزكاة فأُصيبتْ سيارتك بعطب فدفعتَ المال بلا طائل، و المتكبِّر يهينه الله و المسرف يفقره الله، و أحيانا المصيبة تكون من جنس الذنب، فإمَّا أن يلقي الله في رُوعِك أنَّ هذه من أجل كذا، وإمَّا أن يأتي المُصابُ من جنس الذنب فتعلم أنَّه من أجل كذا، ما أصابك من شيء، من عثرة ولا اختلاج عِرق و لا خدش عود إلاَّ ما قدَّمت أيديكم وما يعفو الله أكثر، و لابدَّ أن تناجي الله عز وجل وتقول: يا ربِّ أنا راضٍ بقضائك و لكن أحبُّ أن أعرف السبب حتَّى لا أعود إليه مرَّةً ثانية أنت عندما تبحث عن سبب المصيبة فلستَ تعترض على الله، و لكنْ حتىَّ لا تقع في ذاك السبب مرَّةً ثانية لأنَّه مَن وقع في حفرةٍ مرَّتين فهو غبيٌّ، و ليس العار أن تخطِئ ولكنَّ العار أن تبقى مخطئًا، فالمصائب لها حِكم، فللكفار ردعٌ و قصم وللمؤمنين تطهير و رفع و دفع، أمَّا الأنبياء فكما قال عليه الصلاة والسلام:
 عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:

(( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ))

[ رواه الترمذي ]

 أنت عندك سيارة قوَّةُ محرِّكها ستَّةٌ وسبعون حصانًا، و هذه القوَّة لا تبدو في طريق سهل و لا في انحدار،وإنَّما تبدو في الصعود، فأحيانًا تأتي المصائب للأنبياء حتَّى تكشف حقيقة نبوَّتهم ومحبَّتهم لله عز وجل
 قبل أن آتي إليكم كنتُ أطالع في السيرة قصة رجل من الأعراب آمن مع رسول الله و دخل معه غزوة وانتصر النبي الكريم مع أصحابه ووُزِّعت الغنائم، قال:

 

(( ما هذا ؟ قال له: غنائم، قال: ما على هذا اتبعْتُك، إنما اتبعتُك على الذبح، فأكبَرهُ النبي عليه الصلاة والسلام، وفي غزوة قادمة جاءه سهمٌ فأرْدَاه قتيلاً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: آتوني به، قال: أَهُوَهو، قالوا: هوهو يا رسول الله، فبكى النبي عليه الصلاة والسلام ثمَّ قال: اللهمَّ إنّي أشهد أنَّه قاتل في سبيلك فالإنسان أحيانا يقدِّم عملاً عظيما، فبلغتْ درجة محبَّته لله عز وجل لا يريد إلاَّ الاِمتحان، فامتحنه الله ومات شهيدا، فالمصيبة للكافر ردع و قصم وللمؤمن تكفير و دفع ورفع وللأنبياء كشف فقط، الواحد من عامة الناس أو من المؤمنين إذا أسأت له إساءةً بالغة يتمنَّى أن يُقطِّعك إرْبًا إربًا، و قد أساءوا للنبي عليه الصلاة و السلام في الطائف و كذَّبوه و سخروا منه، فجاءه جبريل عليه السلام فقال له: يا محمد، أمرني ربِّي أن أكون طَوْع إرادتك، ولو شِئتَ لأطبَقتُ عليهم الجبلين، قال عَبْد ُاللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))

 

[ رواه البخاري ]

 بإمكانه أن يقضَي عليهم كلِّيًّا و يُبِيدَهم عن آخرهم، هذه هي مصائب الأنبياء.

 

تحميل النص

إخفاء الصور