وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 9 - سورة العنكبوت - تفسير الآيتان 68 - 69 ، الافتراء على الله كفر..
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، الآية الثامنة والسِّتون والتي تليها، وهما آخر آيَتَين من سورة العنكبوت، والآية الأولى وهي قوله تعالى:

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)﴾

[ سورة العنكبوت ]

 مَنْ اسْتِفهام، وأظْلم اسم تفضيل أيْ ليس في الأرض كُلِّها إنسان أشَدُّ ظلمًا لنفسِهِ ولِمَن حوله مِمَّن افْترى على الله كذِبًا ! تَكَلَّم عن الله ما لا يعْلم، فلو نظَر إلى إنسان مُرْتَكِب معْصِيَة وقال له: إنَّ الله غفور رحيم ! فهذه كلمة حق ولكن أُريد بِها باطل فالله عز وجل يقول في قرآنه الكريم:

 

﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(110)﴾

 

(سورة النحل )

 رآهُ مقيمًا على المعْصِيَة فقال له: إنَّ الله غفور رحيم !! افْترى على الله كذِبًا، والله عز وجل يقول:

 

﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49)﴾

 

[ سورة الحجر ]

 وقال تعالى:

 

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133)﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 وقال تعالى:

 

﴿قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53)﴾

 

[ سورة الزمر ]

 لذلك ليس في الأرض كُلِّها - هذا معنى الآية الدقيق - مِن آدَمَ إلى يوم القيامة إنسانٌ أشَدُّ ظُلْمًا لِنَفْسِهِ ولِمَن حوله مِمَّن يفْتري على الله كذِبًا فإذا قال لك أحدهم: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلَّم لأهْل الكبائر من أُمَّتي ! ماذا نفْعَل بِهذه الآية الكريمة:

 

﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ(19)﴾

 

[ سورة الزمر ]

 وماذا نفْعَلُ بالحديث الصحيح الذي قال عليه الصلاة والسلام فيه: أمَّتي أمتِّي فيقال:
 عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ حَتَّى عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي فَأَقُولُ أَصْحَابِي فَيَقُولُ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ))

 

[ رواه البخاري ]

 وماذا تفعل بِقَوْل النبي عليه الصلاة والسلام لاِبنته فاطمة:

((يا فاطمة أنْقذي نفْسَكِ من النار فأنا لا أُغني عنك من الله شيئًا، لا يأتيني الناس بأعْمالهم وتأتوني بِأنْسابِكم ؛ مَنْ يبطئ بهِ عَمَله لم يُسْرِع به نسَبُهُ.))

 أيها الإخوة، قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(33)﴾

 

[ سورة الأعراف ]

 فهذه الآية ذَكَرت أنواع المعاصي، وآخرهم أن تقول على الله ما لا تعْلم لأنَّك إن تَكَلَّمْتَ عن الله ما لا تعلَم ضَلَّلْتَ العِباد، فالمُرابي على معْصِيَتِهِ، والمُنْحرِف أقامَ على انْحِرافه، وآكل المال الحرام بقِيَ على حاله، لذلك قيل: ابن عمر ! دينَكَ دينَكَ، لَحمُكَ ودَمُك، خُذْ عن الذين اسْتَقاموا ولا تأخُذ عن الذين مالوا، فمهما أعْطَيْتَ معلوماتٍ دقيقة وحَلَّلْتَ، وتبحَّرْتَ وأتَيْتَ بِنُصوص دقيقة، وقصص رائِعَة، إنْ لم تَحْمِل إخوانَكَ على طاعة الله فَكُلّ هذه المَعْلومات لا قيمة لها ؛ لأنَّ الدِّين اِلْتِزام، وإذا حَمَلَ الإنسان أخاهُ على طاعة الله والاسْتِقامة على أمْرِهِ، فَهُوَ حينما يسْتقيم تنعَقِدُ مع الله الصِّلَة، ترى مُسْلِمين بِأعْدادٍ خيالِيَّة، مليار ومائتان مليون !! كلمتهم ليْسَتْ العُليا، والآية صريحة:

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(55) ﴾

 

[ سورة النور ]

 فنحن نريد أن نُنَقِّي العَقائِد من الأوهام والزَّيْغ، هناك آلاف العقائِد يعْتَنِقُها الناس وهِيَ هجينة على الدِّين، والدِّين منها بَرَاء، وهذه العَقائِدُ تُشِلُّهم، وهو يَعْتَقِدُ أنَّ الله عز وجل خلَقَ الكافر كافِرًا، وسيَضَعُهُ في جهنَّم إلى الأبَد ! وهكذا قدَّر الله عليَّ ! عقيدَةُ الجَبْر تَشُلُّ قِوى الإنسانِ تَمامًا، أما الصحيح أنَّ الإنسان مُخَيَّر، ولأنَّهُ مُخَيَّر فَهُوَ مُحاسَب ولأنَّهُ مُخَيَّر هناك ثواب وعِقاب، وجنَّة ونار، ولأنَّهُ مُخَيَّر أنْزَلَ الله الكتاب، ولأنَّهُ مُخَيَّر أنْزَل الله الرُّسُل، أما لو كان مَجْبورًا لكان كُلُّ شيءٍ فَعَلَهُ الله عز وجل لا معنى له، وقد ذَكَرْتُ لكم ذلك للعِلْم أنَّ أعْظَم معْصِيَةٍ على الإطلاق أن تقول على الله ما لا تعْلم، لذا راجِعْ نفْسَكَ؛ كُلّ قضِيَّة مُمْكِن أن تُحرِّف السُّلوك فاسأل عنها، لأنَّنا لو فرضْنا أنَّ واحِدًا اعْتَقَدَ أنَّهُ بيْننا وبين الشَّمْس مائة مليون كيلومتر والمسافة الحقيقيَّة مائة وستّ وخمسون مليون، فلا يحدث شيئًا، وكذا إن اعْتَقَدَ أنَّ الأرضَ مُسَطَّحة، وهي كُرَوِيَّة، فَهُناك أشياء ولو أخْطأتَ فيها، فَهِيَ لا تُقَدِّم ولا تؤَخِّر، أما إن أخْطأتَ في الله، ظَنَنْتَ أنَّهُ لا يُحاسِب فإذا هو تعالى يُحاسِب، فَمَثلاً لو أنَّ طالبًا اتَّكَل على صديقهِ بِدَعْوى أنَّه إن أعْطاه مبلغًا يأتي له بالأسْئِلَة ثمّ ارْتاحَ وما درسَ، وفي النِّهاية خاب أمله، فالطالب يُمْكِن أن يعْتَقِد ألف افتراض خطأ، فهذه العقيدة مُدَمِّرة ؛ قد يقولون لك: الحرارة اليوم خمس وثلاثون والحقيقة أنَّها أربعون، فهذه لا إشْكال فيها، فأيُّ خطأ بِمَوْضوعات كثيرة لا يُقَدِّم ولا يؤخِّر، أما إن اعْتَقَدَ أنَّ الأستاذ سَيُعْطيه الأسئلةَ وبِناءً على هذا ما درسَ ؛ فهنا المُشْكِلة، فالله تعالى قال:

 

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 شيء غير صحيح وكلامٌ ما قالهُ تعالى، فالعَوَّام تَجِدُهم يَعْتقِدون عقائِد فاسِدَة ولا أصْل لها ولو اعْتَقَدَها الصَّحابة لما خرجوا من مكَّة أما لمَّا اعْتقَدوا العقيدة الصحيحة تَحَرَّكوا وتألَّقوا، وفتَحوا، والله سبحانه وتعالى رفَعَ شأنهم قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 فالآن عندنا حالة ثانِيَة، التَّكذيب بالحق لما يأتيك، نحن عندنا حالتين؛ إمَّا أن تخلق نُصوص لا أصْل لها، وتدَّعي نُصوص لا أصل لها، وإما أن تردَّ العقائِد التي جاءَتْكَ، والمُشْكِلة أنَّ الإنسان مُقيم على انْحِرافات وعلى شَهَوات، فإمَّا أن يردَّ النُصوص الصحيحة، وإما أن يخْتلِقَ أفكارًا غير صحيحة، لذلك قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 النتيجة قوله تعالى:

 

﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ(32)﴾

 

[ سورة الزمر ]

 إذًا ما علاقة افْترى على الله كذبًا، أو كذَّبَ بالحق لمَّا جاءَهُ ؟ العلاقة أنَّ كلا العَمَلَيْن كُفْر، فقوله تعالى:

 

﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ(32)﴾

 

[ سورة الزمر ]

 أن تَفْتَرِيَ على الله كذبًا ؛ هذا كُفْر، وأن تَرُدَّ النُّصوص ؛ هذا كُفْر فبعض سَفَلة القوم يقولون لك: الخَمْر غير مُحَرَّمة !!! الله تعالى:

 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90)﴾

 

[ سورة المائدة ]

 فاجْتنِبوه ؛ يقول لك: لكنَّه لم يقُل: حُرِّمَت عليكم !! فما قولك: أنَّ كلمة فاجْتَنِبوه من أعلى درجات التَّحْريم ؟ فالاجْتِناب أبْلَغُ من التَّحْريم والاجْتِناب أن تُبقي مسافة كبيرة بينَكَ وبين المُحَرَّم، فهناك أشياء تَحتاج إلى هامِش أمان، قال تعالى:

 

﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ(32)﴾

 

[ سورة الزمر ]

 لذا علينا أن نُقيمَ جَرْدًا لأفكارِنا وتصَوُّراتنا، ومُعْتَقَداتنا، إذا كانت لدينا مُعْتقدات خِلاف السُّنة يجب أن نُعالِجَها.
 قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 جاهَدَ نفْسَهُ وهواه، وجاهد بِكتاب الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا(52)﴾

 

[ سورة الفرقان ]

 جاهَدوا فينا أَيْ تَعرَّفوا علينا، وبذَلوا وَقْتًا، فالذي معه دُكتوراه بالعلوم هل يُعْقَلَ أن يأخذ هذه الشَّهادة وهو نائِم ؟! أقل شَهادة تحتاج إلى دِراسة بكالوريا، والليسانس أكثر والدكتوراه أكثَر، قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 أيْ بَذَلوا جُهْدًا كبيرًا حتَّى تعرَّفوا علينا.
 قال تعالى:

 

﴿ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾

 قال تعالى:

 

 

﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى(13)﴾

 

[ سورة الكهف ]

 الإنسان لِمُجَرَّد أن يَطْلب الحق فالله عز وجل يأخُذ بِيَدِهِ، نحن عِندنا هِدايَة المصالِح، فالله تعالى أعْطاك عَيْنان، فإذا وَجَدْتَ حشَرَةً قاتِلَة تقتلها، وأعطاكَ سَمْعًا فإذا كنتَ نائِمًا بالبيتِ وسَمِعْتَ حركَةً، وأعْطاك شمّ، تشمّ بها الحريق، وأعْطاكَ لمْسًا وتوازُنا،وقَيْئا، فإذا أكَلْتَ شيئًا سامًّا تتقيَّأ، فالله عز وجل خَلَقَ في الإنسان خصائِص وغرائِز ؛ حِفاظًا على سلامتِهِ، لكنَّ هذه هِدايَة عامَّة، والحَيَوان كذلك فالحيَوان يتَّقي المطبَّات التي تُهْلِكُهُ، فأحيانًا نمْلة إذا وضعْتَ يدَكَ أمامها تُغَيِّرُ اتِّجاهها معنى هذا أنَّها أدْرَكَت العَقَبَة التي أمامها، فأوَّل هِداية هي الهِدايَة للمصالِح، والهِداية الثانية هي هِداية الوَحي ؛ جاء الوَحي على النبي عليه الصلاة والسلام والهِداية الثالثة هي هِدايَة التوفيق ؛ اُطْلب الحقيقة يُيَسِّرها الله لك ويَجْمَعُك مع أهل الحق ويُمَكِّنُكَ مِن إنفاق المال، ويدُلُّكَ عليه، قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 هذه الهِداية الثالثة، فنحن عندنا هِدايَة عامَّة، وهيَ هِدايَة المصالِح فمثلاً العنَب الناضِج كان لوْنُه أخْضَر، وأصْبح أصفر والبندورة الناضِجَة كانت خضْراء فأصْبَحَت حمراء، أعْطاكَ علامات فإذا كان الطِّفْل معه الْتِهاب أمْعاء ترتفِعُ حرارته، والحرارة دليل فالله جعل لِكُلِّ شيءٍ خلقَهُ دليلاً، وهذا هِدايَةُ مصالِح، فالإنسان في الحياة يجْلس دون أن يسْقط، والله تعالى جَعَلَهُ قنوات توازُن هناك ثلاثة قنوات بِدِماغِهِ، بالأُذن الداخِلِيَّة ؛ قنوات التَّوازن، عبارة عن أقْواص فيها سائل وأهْداب، فإذا مال الإنسان، يصعد السائل إلى الأهْداب فَيَتَوازن الإنسان، فلولا هذا الجِهاز لكان كلّ مَن ركِبَ الدراجة يقع ! فالله تعالى هداك للمصالِحة، وهي الهِدايَةُ الأولى.
 وهداك الله تعالى إليه بالوَحْي ؛ أنْزَلَ كتابًا على عَبْدِهِ، وأمرَ نبِيَّهُ أن يُشَرِّع لك، وأعْطاكَ عطاء العًْمة، فإذا أرَدْتَ الحق، هداك إليه، قال تعالى:

 

﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى(13)﴾

 

[ سورة الكهف ]

 وقال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 اللام لامُ التَّوكيد، والنون نونُ التَّوْكيد الثقيلة، ثلاثة توكيدات، قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 مَعِيَّةُ الله تعالى مَشْروطة، وإذا كان الله معك فَمَن عليك، وإذا كان عليك فَمَنْ معك، قال تعالى:

 

﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ(12)﴾

 

[ سورة المائدة ]

 فالآية أصْبَحت

 

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 ففي البيْت هناك مجموعَة معاصي، فإذا كنتَ صادِقًا فالله عز وجل يُعينُكَ على إزالتها، وتريد إنفاق المال في سبيل الله فإنْ أرَدْتَ هذا صادِقًا أعْطاكَ الله مالاً لِتُنْفِقَهُ، وتُريد أن تَهْدِيَ الناس، أطْلَقَ الله لِسانكَ، وتُريدُ أن تُرَبِّيَ بناتِك تربيَةً صالِحَة، فإن أرَدْتَ ذلك لانَ قلْبُكَ لها، فهذا هو قوله تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 ودائِمًا بآخِرِ السُّوَر تأتي الآياتُ تُلَخِّص السُّورة كُلَّها، وهاتين الآيتين من أدَقِّ الآيات، والإنسان إذا ردَّ الحق، وافْتَرى وظلمَ وردَّ الحق فهذا أظْلَم إنسان، وهو كُفْر، وبالمُقابل قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

تحميل النص

إخفاء الصور