وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة العنكبوت - تفسير الآية 45 ، الصلاة عماد الدين ..
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، الآية الخامسة والأربعون من سورة العنكبوت وهي قوله تعالى:

﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(45)﴾

[سورة العنكبوت]

 الحقيقة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام عماد الدِّين وكلمة عماد تعني العمود الذي في وسط الخيمة، فالخَيْمة خَيْمة ما دام فيها هذا العمود، فإذا نُزِل أصْبَحَتْ قِماشًا، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:

((الصلاة عماد الدِّين من أقامها فقد أقام الدِّين ))

 هَدَمَها أيْ ترَكَها والحقيقة الدقيقة جدًا أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:

((الصلاة عماد الدِّين ))

 أراد من الصلاة أن تكون اتِّصالاً حقيقيًّا، لا أداءً شعائِرِيًّا وفرق كبير بين الطُّقوس وبين العبادات، فالعِبادات مُعَلَّلة بِمَصالِحِ الخَلْق، والعبادات أفعال لها ثِمار يانِعَة، والطُّقوس حركات وأقوال لا معنى لها، فحينما تَخَلَّفَ المسلمون، كان تَخَلُّفُهم بِسَبب تَرْك الصَّلاة لا ترْكِها كَأداء بل ترْكِ حقيقتِها، قال تعالى:

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(169)﴾

 

[سورة الأعراف]

 ترْكُ الصلاة أنْ لا تُؤَدِّيَها، ولكن تضْييعُ الصَّلاة أن تفْقِدَ جَوْهَرَها ومَدْلولها، وقد ورد في الحديث القدسي:

 

(( ليس كُلّ مَن يُصَلِّي يُصَلِّي إنَّما أتقبَّل الصلاة مِمَّن تواضَعَ لِعَظَمَتي، كفَّ شَهواتِهِ عن محارِمي، ولم يُصِرَّ على مَعْصِيَتي، وأطْعَمَ الجائِعَ وكسى العُرْيان، ورَحِمَ المُصاب وآوَى الغريب ؛ كُلُّ ذلك لي ؛ وعِزَّتي وجلالي إنَّ نورَ وَجْهه لأضْوَءُ عندي من نور الشَّمْس، على أنْ أجْعَلَ له الجهالةَ حِلْمًا، والظُّلْمَةَ نورًا يَدْعوني فأُلَبِّيه، ويسْألني فأُعْطيه، ويُقْسِمُ عليَّ فأبَرُّه، أكلأه بِقُرْبي وأسْتحْفِظُهُ ملائِكتي، مثلُهُ عندي كمثل الفرْدوس، لا يُمَسُّ ثمرها ولا يتغيَّر حالُها ‍!))

 مكارِمُ الأخلاق الأصيلة والحقيقيَّة مَخْزونة عند الله تعالى، فإذا أحبَّ الله عبْدًا منَحَهُ خُلُقًا حسنًا، كيف يَمْنَحُهُ هذا الخُلُق الحسَن ؟ مِن خِلال الصَّلاة، فالصَّلاة اتِّصال، ومن خِلال هذا الاتِّصال تُشْتَقُّ هذه المكارِم وتُشْتَقُّ هذه الكملات.
 أيها الإخوة، هناك أحاديث كثيرة جدًا عن الصلاة، مِن أبْرزِها:

 

((الصلاة طَهور ))

 فإذا أردْتُم أن تتعاملوا مع الصلاة تعامُلاً إيجابيًا حقيقيًّا وواعِيًّا وهادِفًا وجادًّا، فالصلاة طَهور، إنَّكَ إن اتَّصَلْتَ بالله عز وجل فَكُلّ أمراض النَّفس يجب أن تُزاحَ عنك ؛ كِبْر، فالكِبْر لا يجْتَمِعُ مع الصَّلاة، والشِّرك، والاعْتِداد بالنَّفس، وإيذاء الآخرين قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

 

[سورة العنكبوت]

 فهِيَ تنْهى حينما تتَّصِل بالله تَسْمو هذه النَّفس وتَطْهر، فإذا طَهُرَتْ أصْبَحَت هذه العلاقات كُلُّها إيجابيَّة، فلذلك أوَّل حديث:

 

((الصلاة طهور ))

 والحديث الثاني عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

(( الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ))

 

[رواه مسلم]

 فالله نور السماوات والأرض فإن اتَّصَلْتَ به منَحَكَ بعض نورِهِ، ماذا يفْعَلُ هذا النور؟ يُريكَ الحقَّ حقًا والباطِل باطِلاً، فالذي يفْعَلُ المعاصي والآثام ؛ ماذا يرى ؟ يرى أنَّ لذَّتَهُ وكَسْبَهُ في هذه المَعْصِيَة، فهو إذًا أعْمى، لذا أكْبَرُ ثِمار الصَّلاة أنَّها تمْنَحُ قَلْبَكَ نورًا ؛ ترى به الخَيْر خيْرًا والشرَّ شرًّا، ومِن أدْعِيَة النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم أرِنَا الحق حقًّا والباطل، فالذي يَمْلِكُ رؤْية صحيحة معناه أنَّهُ سَعِدَ في الدنيا والآخرة، الشيء الخطير جدًا أنَّ الذي يخطئ والذي يَعْصي والذي يأكل أموال الناس بالباطِل ويَعْتدي على أعْراض الناس، والذي يعيش لِوَقْتِهِ وينسى آخرته فهذا إنسانٌ قلْبُهُ أعْمى، قال تعالى:

﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(46)﴾

[سورة الحج]

 فالصَّلاة فضْلاً عن أنَّها تُطَهِّر القلب من الأدْران، فَهِيَ تُلقي في القلب نورًا تُري لك الحقَّ حقًّا والباطِل باطِلاً.
الحديث الثالث ؛ ميزان ! فَالصلاة ميزان، ومَن وفَّى اسْتَوفى، فالذي عمل المعاصي، لو جرَّب أن يتوضَّأ ويُصَلِّي فإنَّه يجدُ سدًّا، ميزان دقيق لاسْتِقامَتِك، أدنى إساءة وأدْنى عُدْوانٍ يحْجُبكَ عن الله عز وجل والصلاة هي الميزان، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((الصلاة ميزان ))

 ومن وفَّى الاسْتِقامة حقَّها اسْتوفى من الصلاة ثَمَراتِها.
 الحديث الرابع ؛ ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها، يقول الله جل جلاله:

 

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا(43)﴾

 

(سورة النساء)

 هذه الآية نسْتفيد منها فائِدَة كبيرة، وهي أنْ لا نقْرَبَ الصلاة حتَّى نعْلم ما نقول، فهذا الذي لا يشْرب الخَمْر، ولكن إنْ صلَّى فلا يعْلَمُ ما قاله في الصَّلاة ! فهذا لَهُ حُكْمُ السَّكْران، قال تعالى:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا(43)﴾

[سورة النساء]

 فالإنسان إن لم يعْلم ما يقوله في الصلاة، معنى هذه الصلاة ليست كما أرادها الله عز وجل و الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(("ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها ))

 الحديث السادس:

(( الصلاة معراج المؤمن ))

 بها تعرج إلى الله، يعني أنّ الله عزّ وجلّ ليس له مكان، هو مُنزَّهٌ عن المكان، وهو معك أينما كنت، كيف تصل إلى الله بهذه الصلاة ؟ الصلاة معراج المؤمن سألني أحدهم: كيف أخشع في الصلاة ؟ قلتُ له: اُدخل على شخص قويّ له مكانة، لاحظْ نفسك ؛ تجلس أمامه بأدَبٍ وتنْصرف إليه، فلو أنَّ على الطاوِلَة جريدة ؛ هل تقرؤُها ؟ لا، ولو أنَّ على الطاولة سُبْحَة ؛ هل تُمْسِكُها بيَدِك ؟ لا، فكيفَ بِكَ إذا كنت بين يَدَي الله تعالى فلذلك الصلاة خُشوع، قال تعالى:

 

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 قال بعض المُفَسِّرين: ليس الخُشوع في الصلاة مِن فضائِلِها، بل مِن فرائِضِها، وأوَّل ما يُسأل الإنسان يوم القيامة عن صلاتِهِ فإنْ صَحَّتْ صحَّ عملُه، وإن لم تَصِحَّ ساءَ عَمَلُه، ولمَّا وعدَ الله الذين آمنوا أن يسْتَخْلِفَهم في الأرض كما قال تعالى:

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(55)﴾

 

[سورة النور]

 شَرْط أن يَعْبُدوه، لماذا أَجَاب الله عن حالةٍ نعيشها نحن ؟ قال تعالى:

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(169)﴾

 

[سورة الأعراف]

 لذلك الصلاة غير المَقْبولة ورَدَ بالحديث أنَّها تُلفّ ويُضْرب بها وَجه المُصلِّي، وتقول الصلاة ضيَّعَك الله تعالى كما ضَيَّعْتني، فالله تعالى ما قال تركوا الصلاة، ولكن قال: خلفَ مِن بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة ‍فَهَؤُلاء يُصَلُّون ولكنَّ صلاتهم لا تُقَدِّم ولا تؤَخِّر، ولا مَضْمون لها، والإنسان يسْتحيل أن يُدَقِّق في لسانه وسمْعه وبصَرَهِ، وفي دَخْله وفي بيتِهِ وأهْلِهِ، يُدَقِّق إلى أن يصِل إلى الاسْتِقامة التامَّة، فَيَسْتَحيل بعد هذه الاسْتِقامة إلا وأن يقْطِف ثِمارها اتّصالاً بالله، قال تعالى:

 

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81)﴾

 

[ سورة الأنعام ]

 فالمرَض الأوَّل الآن في العالم هو القَلَق والخوف، حتَّى أنَّني سألْتُ طبيبَ قلبٍ وقلتُ له: ما رأيُكَ بِهذه المَقولة فقال: هي صحيحة فقلتُ له: هناك أمراض قلبٍ وبيلة سَبَبُها الخَوف مِن أمراض القلب فالخَوف أحْيانًا يُسَبِّب مرضًا، وسمَّاها العلماء الشِّدَّة النَّفْسِيَّة، وهذه الشِّدَّة وراء جلّ الأمراض، فالإنسان المُتَّصِل بالله يُلْقي الله في قلبِهِ الأمْن وقد قال تعالى:

 

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81)﴾

 

[ سورة الأنعام ]

 أصبَحَ لدينا عِدَّة أحاديث، أما هذه الآية:

 

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

 

[سورة العنكبوت]

 لِمَ لمْ يَقُل الله تعالى: وصَلِّ ؟ هنا اخْتلف المعنى ؛ لأنَّني إذا قلتَ لك: هذا أقام البناء، أي بنى هذا أبناء بِطُرق سليمة ووِفْق الأسس المعروفة مِن حفْر وإقامة أساس وضبْط وإنشاء هَيْكل، فَهُناك عَمَلِّيات مُتتابِعَة إلى أن تقول: أقَمْتُ البناء، فهذا الذي يأكل الحرام، ثمَّ يُصَلِّي فإنَّ صَلاته لا تسْمن وتغني مِن جوع،، فالانحِرافات والمعاصي ؛ هذه كُلُّها تَحْجُبه عن الله تعالى، وإذا حَجَبَتْهُ عن الله انْقَلَبَتْ هذه الصَّلاة إلى طُقوس ! لذلك المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى قال تعالى:

 

﴿ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا(142)﴾

 

[ سورة النساء ]

 سبب الكسَل في الصَّلاة أنَّ الإنسان مَحْجوب عن الله تعالى، فما لم يتُبْ توبةً نَصوحة لا يستطيع أن يحْجُب هذه الحُجُب.
فقد يكون الإنسان في الامْتِحان مُوَفَّر له كلّ شيء وحتَّى الدَّواء، إلا أنَّك لسْتَ دارِس ! فهذا الذي يُصَلِّي الفجْر ثمَّ يذهب إلى المحلّ ويتبادل الحديث مع النِّساء ولا يغضّ بصَرَهُ ثمَّ يأتي الظهر فيذْهب للصَّلاة، فل يسْتطيع أن يتَّصِل بالله تعالى ؟ مَحْجوبٌ هذا، لذا إقامة الصَّلاة ليس وَقت الصَّلاة ولكن قبل الصَّلاة، أقام الصَّلاة أيْ بنى نفْسه بِناءً صحيحًا بحيث إذا وقفَ بين يَدَي الله عز وجل يرى الطَّريق سالِكًا، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

 

[سورة العنكبوت]

 الدِّقَّة في هذا أنَّ النُّظم الوَضْعِيَّة قائِمَة على الرَّدْع، أما عظمة الأديان قائِمَة على الوازِع، وشتَّان بين الرَّدْع والواَزِع والمُتَّصل بالله لا يستطيع أن يأكل دِرْهَمًا حرامًا، حدَّثني أخ يلفّ محَرِّكات، قال لي: يأتيني مَن يريد أن يصلِحَ مُحَرِّكه فإذا فتَحْت المحرِّك أجد فقط وصْلة تحتاج إلى لِحام، فأُلْحِمها، وآخذ منه خمسة آلاف ! ولمَّا اصْطَلَحْتُ مع الله تعالى أقول له: خمس وعشرون ليرة ! الإنسان لمَّا يتوب إلى الله تعالى يسْتقيم بِمُعامَلَتهِ، لذلك كما قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

 

[سورة العنكبوت]

 الصَّلاة أساسها الوازع الداخِلي، أما القوانين أساسها الرَّدْع الخارِجي، ففي أمريكا انْقطَعَت الكهرباء في نيويورك ففي هذه اللَّحظة ارْتُكِبت مائتي جريمة سرقة ! لأنَّ النِّظام يقوم على الرَّدع، فالشُّرطة تضع الرادار وهم يكتَشِفون ما يُشَوِّش على الرادار، والشرطة تضع جِهاز يكشف الجهاز المُشَوّش، وهكذا عَمَلِيَّة صِراع بين عَقْلين !
 قال تعالى:

 

﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

 

[سورة العنكبوت]

 هذه الآية لها معاني كثيرة، قالوا: ذِكْر الله أكْبَر مَا فيها، قالوا: أنت بالصَّلاة تذْكُر الله، ولكنَّ ذِكْر الله لك أكبر من ذِكْرِكَ له، فالله تعالى إذا ذَكَرك أسْعد، وحَفِظَك ووفَّقَك وأعانَكَ وصانَكَ، والحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:

 

(( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))

 

[ رواه البخاري ]

 قال تعالى:

 

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِي(152)﴾

 

[ سورة البقرة ]

 تذكرُهُ أنت خاشِعًا وسائِلاً وعابِدًا، وهو تعالى يذكُرك مُؤَيِّدًا وحافِظًا، قال تعالى:

 

﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(45)﴾

 

[سورة العنكبوت]

 لماذا تُقْبِلُ عليه ؟ لأنَّه يعْلم ما تصْنَع، وإنَّما الأعمال بالنِّيات، فكل دلو يدلو بإنائهِ، والفرق بالنِّيَّة، فهذا المُصَلِّي لأنَّه يعلم الله ما يصْنع يُقْبِلُ عليه.
 فالآية اليوم من سورة العنكبوت:

 

﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(45)﴾

 

[سورة العنكبوت]

تحميل النص

إخفاء الصور