وضع داكن
27-04-2024
Logo
أمهات المؤمنين : عائشة بنت أبي بكر 1 - خطبتها من النبي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

إليكم حديث السيدة خولة بنت حكيم وهي تحدثنا عن خطبة السيدة عائشة للنبي :

أيها الأخوة الكرام, مع الدرس العاشر من دروس سيَر الصحابيِّات الجليلات رضوان الله عليهن أجمعين، ومع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع الزوجة الثالثة، وهي من أحب الزوجات إلى قلبه الشريف؛ إنها السيدة عائشة رضي الله عنها .
أيها الأخوة الكرام, مر بنا من قبل أن خولة بنت حكيم، اقترحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن يتزوَّج عائشة بنت أبي بكر، إن فَعَلَ هذا, تمتَّنت هذه الصلة بينه وبين أحب الخلق إليه؛ إنه سيدنا الصديق رضي الله عنه .
والحقيقة: أن الزواج يقرِّب، الزواج أحد أكبر وسائل التقارب بين الأسر، لأن علاقة النسب، وعلاقة الزواج، هي من أقدس العلاقات على الإطلاق, قال تعالى:

﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾

[سورة النساء الآية: 21]

﴿ميثاقاً غليظاً﴾

قالوا: هذا الميثاق الغليظ هو عقد الزواج الذي هو أقدس عقدٍ على الإطلاق.
الآن: ندع الحديث للسيدة خولة بنت حكيم تحدثنا عن هذه الخطبة.
تقول:

(دخلت بيت أبي بكر, فوجدت أم رومان، -أي أم عائشة- فقلت لها: ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ فقالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخطب له عائشة .
-فأقول لكم بصراحة: إذا سخَّر الله إنساناً ليكون شفيعاً بين زوجين، يدخل على قلب الأسرتين كل السرور، ففرحة من أفراح الدنيا الكبيرة أن الله سبحانه وتعالى سخَّر لابنتك شاباً مؤمناً، الشاب المؤمن إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها، من نِعَم الله الكبرى أن يمنحك الله زوجاً لابنتك من ذوي الخلق، من ذوي الحسب، من ذوي التديُّن الصحيح، هذه نعمةٌ كبرى .
لذلك كل من يُسهم في التوفيق بين زوجين، أو يسهم في إنشاء زواجٍ ميمون، مبارك ، إسلامي، له عند الله أجرٌ كبير, قال عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا))

[أخرجه البخاري في الصحيح]

فهذه الأسرة التي تقوم على التفاهم، والمودة، وإنجاب الأولاد، وتربية الأولاد, الذين يُرجى أن يكونوا الأولاد عناصر طيِّبة في المجتمع، كل هذا المشروع الضخم، في صحيفة من سعى بزواج الزوج بالزوجة .
مرة حدثني أخ فقال: نحن الآن خمسة وثمانون شخصاً، أساسهم زوج وزوجة، طبعاً أنجبوا أولاداً، وزوَّجوا أولادهم، كما أنجبوا بنات، وزوجوا بناتهم، الأولاد والبنات، وأولاد الأولاد، وأولاد البنات، وأصهار بنات الأولاد، وأصهار بنات البنات، عددهم خمسة وثمانون شخصاً, إذا كانت أسرةٌ صالحةٌ، أب راقٍ، تربية عالية، انضباط، التزام، النساء كلهن محجَّبات ، الأصهار كلهم ديِّنون, فمن بصحيفته كل هذا الخير؟ الذي كان له شفاعة حسنة بهذا الزواج, من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

((من أفضل الشفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح))

لا تقل كما يقول الشياطين: امش بجنازة ولا تمش بزواج .
ورد بالأثر: أنه من مشى بتزويج رجلٍ بامرأةٍ, كان له بكل كلمةٍ قالها، وبكل خطوةٍ خطاها, عبادة سنةٍ قام ليلها، وصام نهارها, لا تزهد أن تكون شفيعاً بين زوجين، لا تزهد أن تسعى لإقناع زوجٍ بشابةٍ مؤمنة، لا تزهد أن تسعى بإقناع شابةٍ مؤمنةٍ بزوجٍ طاهر، لا تقل: ليس لي علاقة، الأفضل لي ألا أتدخل, هذا كلام الشيطان .

((الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ, وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ, خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ, وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

الحياة دار ابتلاء، اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله- .
قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخطب له عائشة, فقالت: وَدِدْتُ, -والله شيء جميل، سيد الخلق، فإذا الإنسان جاءه صهر دكتور، يظل يعيدها مليون مرة، صهرنا دكتور, خير إن شاء الله، صهرنا مهندس، صهرنا عنده معمل، انظر إلى الأب والأم إذا زوَّجوا ابنتهم من شخص مهم, فهذا شيء جدير بالتنويه والاهتمام، لا يفتؤون يتحدثون عن شهاداته، وعن علمه، وعن أخلاقه، وعن مستقبله المرتقب, إذاً: شيء كبير جداً أن يكون النبي صهراً لهذه الأسرة .
لذلك العلماء قالوا: طالب العلم كفؤٌ لأي فتاة, طالب العلم يعرف ما له وما عليه- .
قالت: وددت، انتظري أبا بكرٍ فإنه آتٍ, وجاء أبو بكر، فقلت له: يا أبا بكر, ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟ أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخطب له عائشة , -تصوروا ماذا قال؟- قال الصديق رضي الله عنه: وهل تصلح له؟ -رأى مقامه أكبر بكثير من أن تكون عائشة الصغيرة زوجته، إنما هي بنت أخيه- .
فرجعت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقلت له ما قال أبو بكر, فقال عليه الصلاة والسلام:

((ارْجِعِي إِلَيْهِ فَقُولِي لَهُ: أَنَا أَخُوكَ وَأَنْتَ أَخِي فِي الإِسْلامِ, وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي فَرَجَعَتْ))

[أخرجه أحمد في مسنده]

فأتيت أبا بكرٍ فذكرت له ذلك، -فبرزت مشكلة ترفع مقام سيدنا الصديق للأوج- قال : انتظريني حتى أرجع .
قالت أم رومان توضِّح الموقف لخولة: إن المطعم بن عدي كان قد ذكر عائشة على ابنه زبير، ولا والله ما وعد أبو بكرٍ شيئاً قط فأخلف .
ذكر المطعم بن عدي أنه يرغب في أن يزوِّج ابنه زبير من عائشة، -سيدنا الصديق ما أقر ولا نفى، ولكن سكوته شبه وعد، فلا يقدر أن يبت في الأمر، للوفاء بالوعد، الزبير بن المُطعم بن عدي هل يوزن مع رسول الله؟ الوفاء والعهد هو الدين، فأنا أتصور أن سيدنا الصديق كاد يتمزَّق إن فاتته فرصة زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة، أو لم يخطر في باله أبداً أن يخطب النبي عليه الصلاة والسلام ابنته عائشة, طبعاً كل أب إذا جاءه شاب جيد, وأعلن عن رغبته, فمن الممكن أن ترحب وبالترحيب يصير شبه وعد، لا يستطيع أن يقول: نعم للنبي, حتى يُنهي هذه المشكلة- فذهب من توِّه إلى المطعم بن عدي .
دخل أبو بكر على مطعم وعنده امرأته أم زبير، وكانت مشركةً، فقالت العجوز: يا بن أبي قحافة, لعلنا إن زوَّجنا ابننا من ابنتك, أن تصبئه وتدخله في دينك الذي أنت عليه .
-نحن عندنا مشكلة معك، نخاف أن نزوِّج ابننا من ابنتك, فتصبئه معك وتدخله في دينك، هذا كلام الزوجة, سيدنا الصديق لم يرد عليها إطلاقاً- بل التفت إلى زوجها المُطعم فقال: ما تقول هذه؟ هل حقاً تخاف إن زوَّجت ابنك ابنتي أن يدخل معي في الإسلام؟ فقال: إنها تقول كذلك, -أي أيدها، ووافقها، واعتمد قولها- .
فخرج أبو بكرٍ رضي الله عنه, وقد شعر بارتياحٍ لما أحلَّه الله من وعده، وعاد إلى بيته فقال لخولة: ادعِي لي رسول الله .
-يبدو أن هناك تقليداً في الحياة العربية أن الخاطب لا بد من أن يأتي إلى بيت المخطوبة هكذا، انظر إلى الموقف الأخلاقي:

((لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ, وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ))

[أخرجه أحمد عن أنس بن مالك في مسنده]

أنا قرأت عن الصحابيِّات الجليلات كثيراً، لكن لفت نظري إحدى الصحابيات، عندها خمسة أولاد، وقد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم، أيَّة امرأةٍ أتيح لها أن تكون أم المؤمنين فترفض؟ أية امرأةٍ يمكن أن تكون السيدة الأولى في المجتمع فترفض؟ .
قالت: يا رسول الله, عندي أولادٌ خمسة, أخاف إن رعيتُ مصالحهم أن أقصر في حقك ، وأخاف إن رعيتُك أن أقصِّر في حقِّهم، فأنا لا بدَّ ظالمة واعتذرت, فقال عليه الصلاة والسلام:

((يرحمك الله, إن خير نساء, ركبن أعجاز الإبل, صالح نساء قريش, أحناه على ولد في صغر, وأرعاه على بعل بذات يد))

[أخرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس في مسنده]

ما هذه المواقف؟ فسيدة يتاح لها أن تكون السيدة الأولى، يتاح لها أن تكون أم المؤمنين ، يتاح لها أن تكون زوجة رسول الله، فتحتار لا بد من أن أظلم زوجي أو أولادي، فأرادت أن ترعى أولادها، وقد فوَّتت حظها من أن تكون أمّ المؤمنين، هذه الجنة لمثل هؤلاء.
امرأة في الطريق رأت عالماً أزهرياً, قالت له: يا سيدي, أيحق للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقول عنا: ناقصات عقلٍ ودين؟ هذا العالم الأزهري فطن, قال لها: والله ما له حق ، لكن هذا الكلام ليس لكُنَّ، هذا الكلام للصحابيات, أما أنتن فلا عقل ولا دين .
شيء لا يصدَّق: لأنها رعت أولادها تنازع رسول الله دخول الجنة، لذلك أنا حينما أرى أماً تهتم بأولادها؛ بطعامهم، بصحتهم، بلباسهم، بترتيب غرفتهم، بمراعاة حاجتهم، بمراقبتهم، بالعناية بأخلاقهم, إلى أن يصبحوا شباباً من الدرجة الأولى، هذه أم في أعلى المقامات، لذلك الإسلام فيه صلاة, وحج, وصوم, وزكاة، وتكاليف كثيرة، لكن أعلى شيء في الإسلام ذروة سنام الإسلام، يعني أن أعلى نقطة في سنام الإسلام: الجهاد، يقول عليه الصلاة والسلام:

((انصرفي أيتها المرأة, وأعلمي من وراءك من النساء, أن حسن تبعل إحداكن لزوجها, وطلبها مرضاته, واتباعها موافقته, يعدل ذلك كله))

أي الجهاد في سبيل الله .
لا أعتقد أن امرأةً من بين ألف امرأةٍ تعي هذا الحديث، والنبي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحيٌ يوحى، وها أنا أضرب مثلاً ولا أعرف:
لو أن امرأةٍ, ثابرت على قيام الليل، وصلَّت ما شاء لها أن تصلي، وقرأت القرآن، واستغفرت، وذكرت الله، وفي الساعة السادسة صباحاً تعبت، فألقت رأسها على الوسادة لتنام، وأولادها ينبغي أن يستيقظوا بعد قليل، وأن يأكلوا، وأن يرتدوا ثيابهم، فأهملتهم, وقالت لهم: قوموا وحدكم، كلوا واشربوا, واذهبوا إلى مدارسكم، فأنا بالمقياس الديني الحقيقي أنّ هذه امرأةٌ ما عبدت ربها؛ لأنها أهملت أولادها .
ولو استيقظت قبل شروق الشمس بنصف ساعة، وصلت الفجر، واهتمت بأولادها، فهيَّأت لهم الطعام، وراقبت ارتداءهم ثيابهم، وراقبت أعمالهم، وأرسلتهم إلى المدرسة، وبعدها ألقت رأسها على الوسادة, فإنها عند الله أفضل ألف مرة من هذه التي عبدت وأهملت .
كل إنسان يعبد الله فيما أقامه، شيء خطير أقوله: كل إنسان ينبغي أن يعبد الله فيما أقامه، أقام هذه المرأة زوجةً, فأعلى عبادةً لها, أن ترعى حق زوجها وأولادها، أقامك غنياً, أرقى عبادةً لك أن تنفق هذا المال في سبيل الحق، أقامك قوياً, أقوى عبادةٍ لك, أن تنصف المظلوم، أقامك أميراً, عليك أن تعدل، أقامك عالماً, عليك أن تُلقي العلم بسخاء من دون تردد، كل إنسان ينبغي أن يعبد الله فيما أقامه الله .
فلو فرضنا مدير ناحية, يقوم الليل, ويذكر, ويقرأ القرآن، وأهمل عمله، لكان أولى له أن يسهر, ليحل مشكلات الناس، وأن ينصف بينهم، ويتابع قضاياهم، فهناك سارق، وهناك إنسان منحرف، وتلك عصابة فساد، إذا تتبَّع مهام عمله وأدَّاها على خير ما يكون، فهو يعبد الله، فيجب أن تعبد الله فيما أقامك .
يجب أن تعبده في الظرف الذي وضعك فيه؛ عندك ضيف، عبادة الله أن تُكرم هذا الضيف، تهيئ له منامه، طعامه، شرابه، الأب مريض؛ عبادة الله أن تمرِّض أباك، أن ترعاه، عندك ابن يحضّر للامتحان؛ عبادة الله أن تعتني بابنك أثناء الامتحان، عندك زوجة مريضة، يجب أن تعبد الله فيما أقامك, وفي الظرف الذي وضعك فيه، فأنت بذلك أديت المهمة على ما ينبغي- .
فقال لخولة: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضت خولة إلى الرسول الكريم فدعته، فجاء بيت صديقه أبي بكر، فأنكحه عائشة, وهي يومئذٍ بنت ست سنين أو سبع, -طبعاً لم يقع زواج لكن جرى عقد- وكان صداقها خمسمئة درهم .
ولا يذكر التاريخ عنها إذ ذاك, إلا أنها خطبت لزبير بن مطعم، وأبوها أبو بكر بن قحافة، وأمها أم رومان بنت عمير بن عامر من بني الحارث بن غنم بن كنان .

 

إليكم النسب الذي كانت تحويه السيدة عائشة :

قال: (عُرفَ قومُ عائشة، وهم بنو تميم بالكرم، والشجاعة، والأمانة، وسداد الرأي، كما كانوا مضرب المثل في البر بنسائهم، والترفُّق بهن، وحسن معاملتهن) .
فهناك أسر عريقة, عندهم الزوجة مكرمة, الكنة شابة مكرمة، تعامل كبنت من بنات الأسرة، وهناك أسر خسيسة, تقسو في معاملة زوجة ابنها قسوةً لا حدود لها، وكأنها خادمة، وكأنها إنسانة أجيرة، فالإنسان كلما ارتقى، كلما ارتقت معاملته .
وهذه كلمة حق أقولها لكم: في الإسلام مقياس لو طبَّقه الناس لما وجدت أية مشكلة, عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، عامل زوجة ابنك، كما تحب أن تعامل ابنتك, هذا مقياس ، لا يخيب أبداً، أنا أذكر طرفة لكنها واقعة:
امرأة اشترى ابنها آلة كهربائية مريحة لزوجته، وهو يسكن مع أمه، فأقامت عليه النكير، أقامت الدنيا على رأسه، لماذا هذا الإسراف؟ لا يحق لهذه المرأة هذه الغسالة، وفي اليوم نفسه, اشترى صهرها لزوجته غسالة مشابهة، أثنت عليه: الله يرضى على فلان، ريّح لي ابنتي, أرأيتم إلى هذا التناقض؟ لو أن الإنسان خرج عارياً, وهذا أمر بشعٌ جداً، والله أهون من أن يتناقض كلامه وسلوكه .
مرة كنت في محل تجاري, شاب في الصف الثامن, بائع أقمشة، فحمله صاحب المحل أثواباّ؛ أول ثوب، وثاني ثوب، وثالث ثوب، ورابع ثوب, حتى لم يستطع الحمل، قال له : لا أقدر, قاله له: أنت شاب, فلا تقل لا أقدر, وبالوقت نفسه, حمل ابنه ثوباً واحداً, فقال له: احترس على ظهرك, أرأيت إلى هذه العنصرية, فقد خاف على ظهر ابنه من ثوب واحد، أما الأجير حمله ما علمتم .
وها أنذا أقول لكم هذه الكلمة: لن تكون مؤمناً إلا إذا عاملت الغريب كما تعامل ابنك، ولن تكون مؤمناً إلا إذا عاملت زوجة ابنك كما تعامل ابنتك, هذا هو الإيمان، أما تلك التفرقة فهي مرذولة حقاً، العالم الآن سيخرج من جلده من الأقوياء الذين يكيلون بمكيالين، تجد عندهم تساهلاً ما بعده تساهل، وقسوة ما بعدها قسوة, فأبشع شيء في الإنسان التناقض، والتناقض لا يحتمل, ولكنها شريعة الغاب .
سيدنا الصديق رضي الله عنه صدِّيق، والصديقية المرتبة التي تلي النبوة، رتبة الأنبياء أعلى شيء, رسول ، نبي ، ثم صديق، ولي, مؤمن، مسلم، ثم هناك خط أحمر، ثم يتلوه هلاك، إن سيد الأنبياء والمرسلين رسول الله، رسول، أولو العزم، رسل من غير أولي العزم، أنبياء، صديقون، أولياء، مؤمنون، مسلمون، هذه المراتب في الإسلام .
قالوا: سيدنا الصديق له شهرةٌ ذائعة في دماثة الخُلق، وحسن العشرة، وقد أجمع مؤرخو الإسلام على أنه كان أنسب قريشٍ لقريش، وأعلم الناس بها، وبما كان فيها من خيرٍ وشر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلقٍ معروف، يأتيه رجال قومه, ويحكّمونه في أمورهم لعلمه، وخبرته، وحسن مجالسته، ومن نعم الله الكُبرى عليك أن يكون الذين حولك على شاكلتك

أن يكون الذين يجالسونك يجانسونك, وأكبر عقاب يعاقب به الإنسان, أن يعيش بين أناسٍ دونه بكثير، هو في واد, وهم في واد، هو في مستوى، وهم في مستوى آخر.
أخواننا الكرام, لقد درسنا سيرة سيدنا الصديق في هذا المسجد، فشيء جميـل أن تتصوروا عظمة هذا الإنسان في تواضعه، أدبه، شوقه إلى الله، ورعه، يقول عليه الصلاة والسلام:

((ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة إلا أخي أبا بكر))

((ما نفعني مالٌ قط ما نفعني مال أبي بكر, قيل: فبكى أبو بكر, قال: يا رسول الله, وهل أنا ومالي إلا لك؟))

فإذا أردت أن تكون مؤمناً من الطراز الأول, اجعل هذا الصحابي الجليل قدوةً لك, كان يحلب الشياه لجيرانه، فلما تسلَّم الخلافة, ظن الجيران أنه لن يتابع هذه الخدمة، طُرق الباب، افتحي يا بنيتي, من الطارق؟ قالت لأمها: جاء حالب الشاة, بعد أن تسلَّم الخلافة .
سيدنا الصديق يمشي على قدميه, وهو خليفة المسلمين، وسيدنا أسامة بن زيد، عمره سبعة عشر عاماً, يركب الناقة، قال:

((والله يا خليفة رسول الله, لتركبن أو لأنزلن, قال: والله لا ركبتُ ولا نزلتَ، وما عليَّ أن تُغبّر قدماي ساعةً في سبيل الله))

خاتمة القول :

أيها الأخوة, إن شاء الله سنتابع سيرة هذه الصحابية الجليلة، التي هي من أذكى نساء النبي، وقد روت عن رسول الله ألفي حديث، لو كانت رجلاً, لكانت من كبار العلماء، عالمةً، فقيهةً، راوية للحديث، وكانت من أحبِّ الزوجات إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه السيدة المصون أيضاً, قدوةٌ لكل امرأةٍ, تطمح أن تكون ذات شأنٍ عند الله عز وجل .
الحديث عن زوجات النبي حديث ممتع، لأنه يتناول كمال النساء، والإنسان يشعر بسعادة, حينما يستمع إلى مواقف كاملة، ويشعر بالأسى والحزن, حينما يرى الإنسان يهبط, الخسة، والدناءة، والخيانة الزوجية، والتطاول على الزوج، وإهمال الأولاد، والبذاءة في اللسان، والقسوة في الكلام، والزينة لغير الزوج، وإهمال الزوج، فهذا واقع النساء، في الطرقات جميلة, لكن البيوت جحيم، الطرقات كل شيء فيها، أما السلف الصالح الطرقات خاوية, ولا شيء فيها مما يفسد الأخلاق إطلاقاً، أما البيوت فكانت جنَّات، الآن أصبحت البيوت جحيماً، لأن هذه المرأة التي تبرز مفاتنها, تعتدي على من في الطريق, وتسيء إلى علاقة الزوج بزوجته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور