وضع داكن
23-04-2024
Logo
صور من حياة التابعين - الندوة : 24 - التابعي محمد بن واسع الأزدي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أيها الإخوة و الأخوات السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، أهلاً بكم و مرحباً مع بداية هذه الحلقة الجديدة من صور من حياة الصحابة و التابعين ، اليوم يسعدنا أن نستضيف فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق يا مرحباً فضيلة الشيخ السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته أستاذ جمال.
فضيلة الشيخ مالك بن دينار قال كلمات جميلة و رائعة بحق شيخ الزهاد في عصره سيدنا محمد بن واسع الأزدي تابعي جليل ، الحديث بدايته عند حضرتكم تفضلوا.
 هذا الإمام الجليل التابعي محمد بن واسع الأزدي قال عنه مالك بن دينار للأمراء قراء و للأغنياء قراء و إن محمداً بن واسع لمن قراء الرحمن ، هذا ملقب عند جمهور الناس بزين الفقهاء ، و ملقب أيضاً بعابد البصرة ، هو تلميذ الصحابي الجليل أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، كان لهذا التابعي الجليل محمد بن واسع الأزدي مقام كبير في الجهاد على الرغم من ضعف بنيته و تقدم سنه ، ألم يقل الله عز وجل حينما أمر المؤمنين أن يجاهدوا قال:

﴿ انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً﴾

[ سورة التوبة: الآية 41]

 إن كنت خفيفاً شاباً أو ثقيلاً هرماً ، و سيدنا أبو أيوب الأنصاري كان يغزو بلاد الروم في الثمانين من عمره و قبره في استنبول ، في القسطنطينية سابقاً ، و كان شاب هو أسامة بن زيد لا تزيد سنه عن سبعة عشر عاماً كان قائداً لجيش المسلمين ، و في جيشه عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب عظمة الإسلام أنه يستوعب كل الأعمار.
هناك حديث للنبي الأعظم فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ، حديث للنبي عليه الصلاة و السلام:

 

(( المرء بأصغريه قلبه و لسانه ))

 دخل مرة على سيدنا عمر بن عبد العزيز وفد المهنئين ، تقدمهم غلام صغير فانزعج منه و قال: أيها الغلام اجلس و ليقم من هو أكبر منك سناً ، فقال هذا الغلام الذي لا تزيد سنه عن عشرة أعوام أصلح الله الأمير ، المرء بأصغريه قلبه و لسانه ، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً و قلباً حافظاً فقد استحق الكلام ، و لو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس ، المرء بأصغريه قلبه و لسانه ، و قالوا: العالم شيخ و لو كان حدثاً ، و الجاهل حدث و لو كان شيخاً.
إذاً مقدمة جميلة و رائعة و نتابع في رحاب الشخصية الإسلامية الفذة التي نحن الآن بصددها سيدنا محمد بن واسع الأزدي هذا التابعي الجليل.
 كان له مقام كبير في الجهاد على الرغم من ضعف بنيته و تقدم سنه ، فلقد كان جند المسلمين يستروحون بنور الإيمان الذي يتهلل من وجهه السمح ، و ينشطون لحرارة الذكر التي تشع من لسانه العذب ، و يطمئنون إلى دعواته المستجابة في لحظات الشدة و الكرب ، و كان من شأنه إذا أنشب قائد الجيش القتال أن ينادي يا خيل الله اركبي ، يا خيل الله اركبي فلا يكاد جند المسلمين يسمعون نداءه حتى يهبوا إلى لقاء عدوهم كما تهب الأسود المستنفرة ، و يقبل على ساحة الوغى إقبال الظماء على الماء البرود في اليوم القائظ ، و في معركة من تلك المعارك الطاحنة الضروس برز من صفوف الأعداء فارس لم تقع العين على أجسم منه جسامة ، و لا أشد منه قوة ، و لا أوفى جرأة ، و لا أمضى عزماً ، و طفق يصول و يجول بين الصفوف حتى نحى المسلمين عن مواقعهم ، و بعث الخشية و الهيبة في قلوبهم ، ثم جعل يدعوهم إلى المبارزة متحدياً مستكبراً و يلح في الدعاء فما كان من محمد بن واسع الأزدي صاحب هذه الحلقة إلا أن همّ أن يبرز له ، عند ذلك دبت الحمية في نفوس فرسان المسلمين و أقبل على الشيخ واحد منهم و أقسم عليه ألا يفعل و سأله بأن يترك له ذلك ، فأبرّ الشيخ قسمه و دعا له بالنصر و التأييد ، أقبل كل من الفارسين على عدوه إقبال المنون و تواصلا مصاولة أسدين خادرين فتعلقت بهما عيون الجند و قلوبهم من كل مكان و استمرا ساعة يتصاولان و يتجاولان حتى أخذ الجهد منهما كل مأخذ ثم اختلفا أي تناوبا ضربتين بسيفيهما على رأسيهما في لحظة واحدة فثبت سيف التركي في حديد بيضة الفارس المسلم و نزل سيف المسلم على جبين الفارس التركي فشطر رأسه شطرين و فلق هامته فلقتين ثم عاد الفارس المنتصر إلى صفوف المسلمين في منظر لم تشهد العين مثله قط، فسيف في يده يقطر دماً و سيف مثبت في خوذة يتلمع تحت أشعة الشمس فاستقبله المسلمون بالتهليل و التكبير و التحميد و نظر يزيد بن المهلب إلى ائتلاق السيفين و البيضة و السلاح على الرجل فقال لله أبوه من فارس ، أي رجل هذا ؟ فقيل له إنه رجل باركته دعوات محمد بن واسع الأزدي و المؤمن مستجاب الدعوة و الدعاء سلاح المؤمن ، بل إن الله عز وجل يقول:

 

 

﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾

 

[ سورة الفرقان: الآية 77]

 و الدعاء هو العبادة ، لكن مرة حللت هذه الآية قلت أنت في الدنيا تدعو من ؟ تدعو من أنت مؤمن بوجوده ، ثم تدعو من يسمعك إذا دعوته ، ثم تدعو من هو قادر على تلبية حاجتك ثم تدعو من يحبك و يحب أن يلبي حاجتك ، فأنت لمجرد أن تدعو الله عز وجل أنت مؤمن بوجود الله و بسمعه ، مؤمن بقوته ، مؤمن برحمته ، لذلك الدعاء هو العبادة و مخها أيضاً ، و من لا يدعوني أغضب عليه ، و إن الله يحب من عبده:

 

(( عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ ))

 

[ الترمذي ]

 و إن الله يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها ، و إن الله يحب من عبده أن يسأله ملح طعامه ، نحن مقصرون في الدعاء و الناس بين رجلين رجل يستخف بالدعاء و لا يعبأ به فهو بعيد عن الله ، و رجل آخر يظن أنه إذا دعا و لم يأخذ بالأسباب يستجاب له ، فالحقيقة أنه لابد أن تأخذ الأسباب و كأنها كل شيء و أن تدعو إلى الله عز وجل و كأن الدعاء هو كل شيء ، هذا الموقف المتوازن الذي يحتاجه المسلمون:

 

(( عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ ؟ قَالَ: اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ ))

 

[ الترمذي ]

 أي ناقته ، و كأن السلوك القويم طريق على يمينه واد سحيق ، و على يساره واد سحيق ، فأنت إن أخذت بالأسباب و اعتمدت عليها وحدها فقد أشركت ، و إن لم تأخذ بها فقد عصيت ، و هذا درس يحتاجه المسلمون اليوم ، يقول النبي عليه الصلاة و السلام:

 

((عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.......قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ))

 

[ أبو داود ، أحمد ]

 أي أن نستسلم ، أن نقول هذا قدرنا ، ماذا نفعل ؟ لا حيلة بيدينا ، عليك بالكيس أي عليك بالتدبير ، لا تقل حسبي الله و نعم الوكيل إلا إذا قهرت ، مادام هناك أسباب ينبغي أن تأخذ بها.
إذاً نعود للحديث فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ، نعود للحديث عن محمد بن واسع الأزدي.
 بعد مصرع هذا البطل الصنديد انقلب ميزان القوة بعد هذا المصرع الوبيل فسرى الجزع و الهلع في نفوس المشركين سان النار في الهشيم و اضطرمت نيران النخوة و العزة في صدور المسلمين فأقبلوا على أعداء الله إقبال السيل و أحاطوا بهم إحاطة الغل بالعنق و قطعوا عنهم الماء و الميرة فلم يجد ملكهم بداً من المصالحة ، فبعث إلى يزيد يعرض عليه الصلح ، و يعلن استعداده لتسليمه ما في يده من البلاد بكل ما فيها و من فيها على أن يؤمنه على نفسه و ماله و أهل بيته ، فقبل يزيد مصالحته ، و اشترط عليه أن يقدم له سبعمئة ألف درهم مقسطة ، و أن ينقده أربعمئة ألف معجلة و أن يقدم له أربعمئة دابة محملة زعفراناً و أن يسوق له أربعمئة رجل في يد كل واحد منهم جام من الفضة ، و الجام هو الكأس و على رأسه برنص من الخز و على البرنص طيلسان من القطيفة و سَرَقَةٌ من الحرير لتلبسها نساء الجند ، السرقة أي شقة من الحرير و لما وضعت المعارك أوزارها قال يزيد بن المهلب لخازنه: أحصِ لنا الغنائم حتى نعطي كل ذي حق حقه ، فحاول الخازن و من معه أن يحصوها فعجزوا عن ذلك ، فقسمت الغنائم بين الجند قسمة قائمة على التسامح ، و قد وجد المسلمون في هذه الغنائم تاجاً مصوغاً من خالص الذهب محلى بالدر و الجوهر ، مزخرفاً بروائع النقوش ، فتطاولت نحوه الرقاب و تسمرت على لآلئه العيون ، فأخذه يزيد بيده و رفعه حتى يراه من لم يستطيع رؤيته من الجند ثم قال: أترون أنَّ أحداً يزهد في هذا التاج ؟ فقالوا: أصلح الله الأمير و من ذا الذي يزهد به ، فقال: سترون أنه مازال في أمة محمد صلى الله عليه و سلم من يزهد به ، و بملء الأرض من مثله ، ثم التفت إلى حاجبه و قال التمس لنا محمد بن واسع الأزدي صاحب هذا اللقاء اليوم ، فانطلق الحاجب يبحث عنه في كل جهة فألفاه قد انتحى مكاناً قصياً عن الناس و انتصب قائماً يتوسل و يدعو و يبتهل و يستغفر فأقبل عليه و قال: إن الأمير يدعوك للقائه و يسألك أن تمضي إليه الساعة ، فمضى مع الحاجب حتى إذا صار عند الأمير حيَّ و جلس قريباً منه ، فرد الأمير التحية بأحسن منها.
 لنا إن شاء الله غداً متابعة حول هذه الشخصية الإسلامية الرائعة ، أهلاً و مرحباً بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية بجامعة دمشق ، و خطيب جامع سيدنا عبد الغني النابلسي في دمشق ، و أيضاً الخطيب في مساجد دمشق و ما حول دمشق ، أهلاً بكم فضيلة الشيخ

تحميل النص

إخفاء الصور