وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : سورة الهمزة - شرح السورة كاملة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 السورة الثانِيَّة، ربنا سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) ﴾

[ الهمزة: 1-9 ]

 قالوا: هذا الوَيْل الهلاك والشقاء والخسارة، وقالوا: واد في جَهَنَّم ؛ من أشَدِّ أوْدِيَتِها عذاباً، هذا وعيدٌ من الله عز وجل، والوعيد يُؤخذ على الذي يوعِدُ، لأنَّه إنْ قال لك إنسانٌ سأُريك فخوفك بمقدار قدرته ؛ قال:

زعم الفَرَزْدق أنْ سَيَقْتُل مَرْبعاً  أبْشِر بِطُول سلامةٍ يا مَرْبَعُ

 الكلام يُؤخذ على قائِلِهِ لا على نَصِّهِ، قائِلُ هذا الكلام ربُّ العالمين يقول للكافر: وَيْلٌ، أيْ الشقاءُ والهلاك، وكُلُّ أنواع البلاء سوف ينْتظر هذا الإنسان، أيُّ إنسان ؟ ويل لِكُلِّ همزةٍ لُمَزة، الهُمَزَة كأنْ تقول فُلان ضُحَكَة أيْ يضْحك على الناس، فإن قُلْتَ: فلانٌ ضُحْكَةٌ يعني يضْحَكُ عليه الناس ووجْهُ فُعَلة أو فُعْلَة من صِيَغ المُبالغة ؛ كثيراً ما يضْحك على الناس ويسْخَرُ منهِم، وإنْ قُلْتَ: ضُحْكَة أيْ كثيراً ما يفْعَلُ أفْعالاً شنيعة تُسَبِّبُ أنْ يضْحك عليه الناس، فُعَلَة يكون الضَّحِكُ منه، أما فُعْلَة يكون الضَّحِكُ عليه، الآن هُمَزَة هو الذي يعيب الناس ؛ يعيبُ عليهم بيوتَهُم، ولِباسهم، ودَخْلَهُم، كم يُعْطونك بالشَّهْر ؟ فإذا قال: ألف، يقول له: وهل هذه تكْفيك ‍‍!! لأنَّ دخْلَهُ هو كبير ؛ فاحْتَقَرَ هذا الدَّخْل، إذا الإنسان يعْرف الله عز وجل وراضٍ بِرَبِّه تكْفيه هذه الألف ؛ ويل لِكُلِّ همزةٍ لُمَزة.
 قال العلماء في الفرق بين الهُمَزَة واللُّمَزَة ؛ أقْوالٌ كثيرةٌ أشْهَرُها: أنَّ الهُمَزَة هو القتات؛ الذي يوقِعُ بين الناس، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما روي عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَذَا يُبَلِّغُ الْأُمَرَاءَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّاسِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ قَالَ سُفْيَانُ وَالْقَتَّاتُ النَّمَّامُ ))

 وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

 

[ رواه الترمذي ]

 

 وقالوا: اللُّمَزَة هو العَياب الذي يعيبُ على الناس اسْتِعْلاءً بِما عِنْدهُ، وقالوا: الهُمَزَة هو الذي يطْعَنُ في الوَجْه بِوَقاحة، واللُّمَزَة هو الذي يطْعن في الغَيْبَة، وقالوا: الهُمَزَة الذي يسْتَخْدِمُ العَيْب يعيبُ الناس بِلَفْظِه، واللُّمَزَة يعيبُ الناس بِحَرَكَتِه، يُقَلِّدُهم ويجْوي أنفه عنهم، وقالوا: الهُمَزَة هو العَيْب، واللُّمَزَة وسيلَتُهُ فهذا الذي عيبُ على الناس حاجاتِهِم ؛ دَخْلَهُم أشْكالهم، أسْخَرُ شيءٍ أنْ يسْخر إنْسانٌ من شَكْلِ إنسان ؛ هذا خَلْقُ الله عز وجل ؛ هل هو الذي خلق نفْسَهُ، هذا سوءُ أدَبٍ مع الله، رُبَّ أشْعَثَ أغْبر ذي طمْرَيْن لو أقْسَمَ على الله لأبَرَّه ؛ الأحْنف بن قَيْس كان قصير القامة أسْمر اللَّون، مائل الذَّقن، غائِر العَيْنَين، ناتئ الجَبهتين، ضَيِّق الكَتِف قالوا:
ليس شيءٌ من قُبْح المنظر إلا وهو آخذٌ منه بِنَصيب.
 وكان مع ذلك سَيِّد قَوْمِه، إذا غَضِب غَضِبَ لِغَضْبَتِهِ مئة سَيْفٍ لا يسْألونه فيما غَضِبَ، الإنسانُ يُقاسُ بِعِلْمِه وعملِهِ وأخْلاقه ؛ هذا هو مِقْياسُ الرجل فهذا العَياب يعيبُ على الناس أشْكالهم و ألْوانهم وأحْجامهم وبَيْتَهُم وأثاثهم ويل لِكُلِّ همزةٍ لُمَزة ؛ هناك سَبَب، ما هو الذي يدْعو هذا المعيب إلى أنْ يعيب الناس ؟! يسْتَعْلي عليهم لأنه صاحبُ مالٍ وغَنِى قال تعالى:

﴿ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) ﴾

[ الهمزة: الآية 2 ]

 جَمْعُ المال غير كسْبِ الرِّزْق، قد يكسب الإنسانُ رزْقاً وهذا عملٌ طَيِّبب وهو أحد أنواع العِبادة لكنَّ الإنسان أحْياناً يتجاوز الحدَّ المعْقول إلى جمْع الجمْع، عندئِذٍ يُصْبح البخل ؛ جمع مالاً وعَدَّدَهُ معنى عدَّدَهُ أيْ أعَدَّهُ لِشَيْخوختِهِ ؛ صاحب دار سينما اشْتغل طول حياته في جمْع المال، وجاءَهُ مرضٌ خبيث ؛ له ابن أُخت وكان تلميذي ؛ صار يبْكي بُكاءً مُرًّا ويقول: أعْدَدْتُ هذا المال لِخريف عُمري و هأنذا أموت ولم أسْتَفِد من عُمُري ؛ قال: الذي جمع مالاً وعَدَّدَهُ، من معاني عَدَّده أعَدَّهُ لِشَيْخوختِه، وأعَدَّهُ لِمَلَذاته وافْتَخَر به أنا عندي كذا وكذا قال تعالى عن قارون:

﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ(78) ﴾

[ القصص: الآية 78 ]

 وعَدَّهُ كلَّ يوم، غلق الباب وفتح الصندوق وعَدَّدَ الذهب... وأمعن النظر فيها ثمَّ أغلق الصندوق ؛ هذا شأنُ البخلاء الذي جمع مالاً وعدَّدَه إما أنَّهُ أعَدَّهُ لِشَيْخوختِه، أو حَسَبَهُ كلّ يوم، كي يبْعَثَ في نفْسه الطمأنينة ؛ أنا غَنِيّ وأنا عندي مالٌ لا تأكله النيران، الذي جمع مالاً وعَدَّدَه، هذا يَحْسَبُ أنَّ ماله أخْلده ؛ الدراهِم مراهم

إذا كنت في حاجةٍ مُرْسِلاً  فأرْسِل حريصاً ولا توصِهِ

 وهذا الحريص هو الدِّرْهم، يقول لك: الدرهم يَحُلُّ لك كل شيء، عنده المال كلّ شيء، يحْسَبُ أنَّ ماله أخْلده ؛ من معاني أخْلده أنَّهُ لن يموت ومادام غَنِياً فلن يموت !!، ومن معانيها الأخرى أنَّ المال يُطيلُ العُمر، لا تظهر عليه علائم الشيخوخة ؛ أكلٌ وشُرْبٌ وراحة ووسائِل حديثة وسيارة، يحْسَبُ أنَّ ماله أخْلده.
 هذا المال لا بد أنْ تتْرُكَهُ وأن يتْرُكَكَ، لابد من أنْ يفْتَرِق عنك، حتى أنَّ بعض علماء اللغة قال: ماله ؛ أيْ ليس له، ما نافِيَة فهو ليس له، ولأنه ليس لك إلا ما أكَلْتَ، يقول أحد الأعراب وهي قِصَّة مُتَرْجَمَة كان يقْطع الصحْراء على ناقَةٍ عليها زاده وطعامه، وبعد مُدَّةٍ نفد طعامه وشرابه وأيقن بالهلاك فأبصر عن بُعْدٍ شجرةً فأشْرق في نفسه نورٌ من الأمل، وهُرع إلى الشجرة فإذا إلى جانبها بِرْكَة ماء، فَشَرِبَ منها حتى ارْتوى ثمَّ تولى إلى الظِلّ وحالَتْ منه الْتِفافة فإذا بِجانِبِ الماء كيس، فَسُرَّ به سُروراً عظيماً وهو يَحْسَبُ أنَّ فيه خُبْزاً ولما فتح الكيس وصاح يا لَلْأسف ! لم يجد فيه إلا لآلىء ؛ كان على وَشَكِ الموت فهو يريد خبزاً لا لآلىء ؛ الشيء الثمين هو الطعام والشراب مادامت الصحة طَيِّبَة وعندك قوتُ يَوْمِك فأنت في أكبر الغِنى، إذا الإنسان معه مئات الملايين و أصيب بهبوط مُفاجِىء في وظائِف الكِلْيَتَين ؛ ما العِلاج ؟ العلاج غسيل الكِلْيَتَين، كل أسبوع مَرَّتَيْن وإلا يموت، الحل الثاني زرْع كِلْيَتَين تحتاج آلاف الليرات ! يحْسب أنَّ ماله أْخلده، ربنا عز وجل يقول كلاَّ أداة ردْعٍ وزجْر ؛ إنَّ المال لن يُخْلِدَك في الدنيا، وظِلٌّ زائِل، وعارِيَةٌ مُسْتَرَدَّة، قال تعالى:

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37) ﴾

[ الحاقة: الآية 29-37 ]

 فلذلك الإنسان إذا ظنَّ أنَّ المال هو كُلُّ شيء فقد وقع في ضلال مُبين قال تعالى:

﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) ﴾

[ الهمزة: الآية 3-4 ]

 تأمَّلْ كلمة لَيُنْبَذَنَّ؛ أحياناً الإنسان يرمي علبةً فارغةً أو باحتقار و بغير خجل، أمَّا إذا كان في جيبِه شيء ثمين فإنه يخاف عليه الشيء السخيف في الطريق تدوسه و لا تُبالي، كغلاف علبة سيجارة مثلاً اُنظُرْ إلى النبذ ؛ استعلى على الناس و احتقرهم فاحتقره الله عز وجل هذه بتلك ؛ همزة لمزة، عيَّار لمَّاز، مُستعلٍ مُتكبِّرٌ ؛ كلاَّ ليُنبَذَنَّ، كلامٌ بليغٌ كلاَّ لينبذَنَّ، ليتَهُ يُنبَذُ وكفى، لكن ينبذ في الحطمة، الحطمة نار تُحطِّمُه تحطيماً ؛ تحطِّم كبرياءه، وما أدراك ما الحطمة نار الله، أُضيفتْ النار إلى الله، إذا قلتَ نار زيدٍ فهي نار معروفة ضئيلة، نار الفُرنِ ألفٌ وخمس مئة درجة، لكن قال نار الله، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام دعا على أبي جهل و قال: " أكله كلبٌ من كلاب الله " ما كلاب الله ؟ قالوا السَّبُع، لما النبي الكريم نسبَ الكلبَ إلى الله، معناه أن الكلب غيرُ عادي كلبٌ مُخِيف، نار الله المُوقدة التي تطَّلِع على الأفئدة، تحرق الجِلدَ والعضلات و تحرقُ العظام إلى أن تصل إلى القلب الذي هو مناط التكليف مناط الخير، مناط الشر هو الذي ينوي السوء، وينوي الباطل، وهو الذي يُوقِع بين الناس، قلب غير سليم، نار الله الموقدة التي تطَّلِع على الأفئدة إنها عليهم مُؤْصدة.
 أيها الإخوة الأكارم، قال تعالى:

﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)﴾

[ الهمزة: الآية 6-7 ]

 هو الذي يوقع بين الناس قلبٌ غيرُ سليم.
 ثمَّ قال تعالى:

﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) ﴾

[ الهمزة: الآية 8 ]

 في بعض التفاسير مُسَلَّطة، أحياناً هناك نارٌ كثيفة جداً بِشَكْل حُزْمة، فهذه مُخيفة، تراها فيها اِنْدِفاع.
 ثمَّ قال تعالى:

﴿ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) ﴾

[ الهمزة: الآية 9 ]

 أيْ مُرَبَّطون، ومُكَبَّلون، فلا يسْتطيعون أن يفْلتوا منها، فمعنى قوله تعالى:" في عمدٍ مُمَدَّة أيْ أنَّهُم مُحاطون بها، ولن يسْتطيعوا الخُروج منها، قال تعالى:

﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) ﴾

[ الهمزة: الآية 8 ]

 أيْ مُسَلَّطَة، وهم مُرَبوطون ومُقَيَّدون:

﴿ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) ﴾

[ الهمزة: الآية 9 ]

 ويلٌ لِكُلِّ هُمَزة لُمَزة، والله هذه السُّوَرُ القصيرة ينْخلعُ القلب لها، نحن نقْرؤُها كثيراً، قالتْ له إنَّها قصيرة، فقال لها: يا عائِشَة، لقد قُلْتِ كلاماً لو مُزِجَ بِمِياه البحْر لَأفْسَدَتْهُ اُنظر إلى كلام الناس الآن، يُفَنِّدون الإنسان بِلَوْنه وطوله و شكله ! ماذا تفْعَلُ أنت ؟! هل أنت مُراقب؟ قال تعالى:

﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) ﴾

[ الهمزة: الآية 1-2 ]

 كأنَّ الله سبحانه وتعالى في هذه السورة يتحَدَّثُ عن قيمةٍ كُبْرى من قِيَم الدنيا، وهي المال، فالدراهِم كالمراهم ! كذا يُقال، الإنسان بِأُروبا قيمتهُ بِقيمَة دراهمه في البنك، الناس يقولون: إذا لم يكن معك قِرْش فأنت لا تُساوي قِرْشاً ! قِيَمُ الدنيا هذه يجبُ أنْ تُحَطَّم ! سلْمانُ منا أهل البيت ونِعْم العبدُ صُهَيْب لو لم يخَفِ الله لم يعْصِهِ، ورُبَّ أشْعَثَ أغْبر ذي طِمْرين، مدْفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبَرَّه، وأهْلاً بِمَن خَبَّرَني جبريل بِقَدومه ! قال أوَمِثْلي ؟! فقال: نعم يا أخي، خامِلٌ في الأرض عَلَمٌ في السماء، لا تنْظر إلى الدَّخْل، وأنَّك لا تمْلِكُ بيْتاً، فقد تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلَّم وهو لا يمْلِكُ إلا سبْعَةَ دراهم، قبل أنْ يأتيهِ النَّزْعُ الأخير قال: ما ظنُّ محمّد بِرَبِّه، إنْ ماتَ وهو عنده هذه الدراهِم؟ أنْفِقُوها، الآن تجد الواحد فينا يموت ويتْرك مالاً لا يُعَدّ ! فالإنسان لما يموت تُرَفْرِفُ روحُهُ فوق النَّعْش، تُخاطبُ أهْله فتقول: يا أهْلي يا ولدي، لا تلْعَبَنَّ بِكم الدنيا كما لَعِبَتْ بي، جَمَعْتُ المال مما حلَّ وحرم، فأنْفَقْتُهُ في حِلِّهِ وفي غير حِلِّهِ فالهناءُ لكم والتَّبِعَةُ علي، فقال عليه الصلاة والسلام: ما من أحدً إلا وَمَلَكُ الموت يقف في بيْتِهِ خمْس مرات، فإذا رأى أنَّ العبْد انْقَضى أجَلُهُ وانْقَطَعَ رِزْقُه، ألْقى عليه غَمَّ الموت فَغَشِيَتْهُ سَكَراتُهُ، فَمِن أهْل البيت الضاربة وجْهَهَا، ومن أهْل البيت الصارخة بِوَيْلها، يقول هذا الملك: فيمَ الجَزَع ؟! ومِمَ الفزَع ؟ ما أذْهَبْتُ لِواحِدٍ منكم رِزْقاً، ولا قَرَّبْتُ له أجَلاً، وإنَّ لي فيكم لَعَوْدَة والعَوْدة، حتى لا أُبْقي منكم أحَداً، فوالدي نفسُ محمد بِيَده لو يرَوْنَ مكانه ويسْمعون كلامه لَذَهِلوا عن مَيِّتِهم، ولَبَكوا على أنْفسهم، فهذه السُّوَر الصغيرة يجب أن نعْقِلَها، وأن نفْهَمَها، أبْعادُها خطيرة، ومراميها بعيدة ودقيقة، قيمة المال، سورة اليوم هي عن قيمة المال، يا عائِشَة إذا أردْت اللُّحوق بي لِيَكْفِكِ من الدنيا كَزادِ الراكب، ولا تسْتخلقي ثوْباً حتى ترْقَعيه، وإياك ومُخالطة الأغْنياء، إذا دخلتَ على الغَنِيّ تجد حالك لا تمْلك شيئاً من الدنيا ! يقول لك هذه الثُّرَيَّة ثمنها ثلاثون ألف ليرة منذ ثلاثين سنة! أما الآن فلا ثمَنَ لها طبعاً لا بد أن تفهموا أيها الإخوة أنَّنا نقصد بالأغنياء غير المؤمنين، أما المؤمن الغنيّ فتشْتهي أن تكون مثله، فليس الفقير الصابر بِأصبر من الغنيِّ الشاكر فَحَبَّذا المال أصون به عِرْضي، وأتَقَرَّبُ به إلى ربِّي، فالمؤمن الغنيّ سَموح ويَحُلُّ مشاكل الناس.
 تعليق صغير على هذه السورة، الله تعالى قال:

﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) ﴾

[ الهمزة: الآية 1 ]

 فالله سبحانه وتعالى يَتَوَعَّدُ هؤلاء، فَلَو أجْرَيْنا مُوازنة بين أن يتَوَعَّدَ إنسانٌ إنساناً ؛ إذا قال لك إنسان سوف ترى ما سَأفْعَلُ بك، وجاءَكَ الوعيد من الله هل يسْتوِيان ؟! إذا قالها الإنسان كان هناك لدينا ثلاث احْتِمالات: الاحتمال الأول: هو اِحتِمال أنْ لا يعيش هذا الإنسان، قد لا يسْتطيعُ هذا الذي تَوَعَّدَك أنْ يعيش لهذا الوقت الذي تَوَعَدَّكَ فيه.
 والاحتمال الثاني: قد يعيش لِهذا الوقْت ولا يمْلكُ القوَّة يفْقِدُها.
 والاحتمال الثالث: قد يبْقى حياً قَوِياً ولَكِنَّكَ أقْوى منه، فَيَتَوَقَّف ! لكن إذا تَوَعَّدَك الله سبحانه وتعالى، فهُوَ حيٌّ قَوِيٌّ قاهِر، حيٌّ على الدوام وقاهِر على الدوام، وقوِيٌّ على الدوام، ووعيدُهُ حقّ ولا محالةَ واقِع، فالإنسان إذا تَلَقى التَّهْديد فإنَّهُ يَزِنُ هذا التهْديد بالإنسان المُهَدِّد، أما الله خالق الكون.
 النقْطة الثانِيَة: أنَّ الله سبحانه وتعالى لما قال:

﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) ﴾

[ الهمزة: الآية 6-9 ]

 بالإضافة إلى شِدَّتِها، أيْ أنَّ لا أحد في الكون يسْتطيع إطْفاءَها ولا أنْ يُنَجِّيَكَها، فهذا إذا كان بين الناس ويقول لك أحدهم لا أستطيع أنْ أتَدَخَّل

لِقُوَّة فُلان، فَكْيف بِقُوَّةِ الله ! فالله تعالى قال:

﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) ﴾

[ الهمزة: الآية 6-9 ]

 أرجو أنْ تكون هذه السورة في قُلوبكم وفي أذْهانِكُم دائِماً، لأنَّ الإنسان إذا خاف اسْتقام، وإذا عَرَفَ الله تعالى اسْتقام، وإذا عرف أبْعاد هذه

السُّوَر هذا كلام الله سبحانه وتعالى.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور