وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : سورة العاديات - تفسير الآية:1 - 8، تهديد ووعيد لجحود الإنسان وإعراضه
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الآية التالية تبين أن الإنسان إن لم يقابل نعم الله بالشكر والطاعة فقد خسر خسراناً مبيناً:

 أيها الأخوة الكرام، سورة اليوم هي سورة العاديات.

﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً*فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً *فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً*فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً*إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ *وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ*وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ* أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ* وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ* إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ﴾

 هذه السورة من جزء عم أو من الأجزاء الأخيرة التي تقرع مسامع الإنسان حول آيات الله العظيمة، وتبين أن الإنسان إن لم يقابل هذه النعم بالشكر والطاعة فقد خسر خسراناً مبيناً، هذه الواو واو القسم، والله سبحانه وتعالى يقسم ولا يقسم، في آيات كثيرة يقول الله عز وجل:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: 75ـ76]

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ*وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴾

[سورة الحاقة: 38-39]

 وفي مرات أخرى يقسم قال تعالى:

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 1-2]

المعنى الأول للعاديات هو الخيل :

 المفسرون وقعوا في حيرة لماذا أقسم هنا ولم يقسم هنا؟ الحقيقة قد ذكرتها لكم من قبل أن الله سبحانه وتعالى إذا نسب هذا الشيء إلينا يقسم بها لأنها عظيمة بالنسبة إلينا، وإذا نسبها إليه لا يقسم لأنه هو خالقها وهو المحيط بها، فما الكون كله في جنب ذات الله سبحانه وتعالى كن فيكون، مهما بدا لنا الكون غير محدود فالكون محدود في النهاية والله عز وجل محيط به، فربنا عز وجل يلفت نظرنا إلى مجموعة آيات، أكثر المفسرين قالوا: إن هذه الآيات تتعلق بالخيل، قال تعالى:

﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً*فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً ﴾

 كيف تعدو؟ وكيف يخرج منها صوت خاص بها أثناء جريها الشديد؟

﴿ فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً ﴾

 فإذا سارت هذه الخيل على صخر رأيت الشرر يخرج من تحت حوافرها.

﴿ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً ﴾

 قد تغير هذه الخيل على القوم الأعداء صبحاً.

 

﴿ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً ﴾

 قد تهيج الغبار من وراء الخيل.

مجموعة هذه الآيات بهذا السياق آية من آيات الله عز وجل :

 قال تعالى:

﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾

 أي تدخل إلى ساحة المعركة وتحقق النصر، الحقيقة مجموعة هذه الآيات بهذا السياق آية من آيات الله عز وجل، قال عليه الصلاة والسلام:

((الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة))

[عبد الله بن مسعود مسند أبي يعلى الموصلي]

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 8 ]

 من آيات الله عز وجل الدالة على عظمته هذا الحيوان الذي سخره الله لنا نركبه، ونعدو به، وننتقل عليه من مكان إلى آخر، ونحارب عليه، وننشر الدعوة عن طريقه، ونفتح البلاد ونحن على ظهور الخيل هذا معنى، ولكن الله عز وجل كلامه كلام معجز بمعنى أن القرآن الكريم حمال أوجه، والقرآن الكريم ليس ملكاً لأحد، وهناك تفسير آخر لهذه الآيات يعطي معنىً متعلقاً بالآيات الكونية.
 فالعاديات جمع مفردها عادية، والعادية الشيء الذي يركض ويسرع بالجري وهي هنا السحابة، السحاب الذي تثيره الرياح والرياح آية من آيات الله العظمى.
 الهواء مبدئياً، هذا الهواء الذي نستنشقه والذي ينقل الحرارة، هذا الهواء الذي ينقل البرودة، هذا الهواء الذي ينقل الصوت والذي يحقق التوازن عن طريق الضغط الجوي، هذا الهواء الذي يعد وسطاً مرناً في الأرض، هذا الهواء الذي ينقل الضوء، إذا تحرك صار رياحاً، من حرك الهواء؟ هناك الرياح الشرقية وهناك الرياح الغربية وهناك الرياح الشمالية وهناك الرياح الباردة تأتينا من الشرق وهناك الرياح المثقلة ببخار الماء تأتينا من الغرب وهناك الرياح التي تلطف الجو وهناك الرياح التي تبعث في النفس الانتعاش، هذه الرياح التي تعدو ألم يقل الله عز وجل:

﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل: 88]

العاديات لها معنى آخر هي تلك الرياح التي يسوقها الله عز وجل :

 العاديات لها معنى آخر تلك الرياح التي يسوقها الله عز وجل، أحياناً تتوقف الرياح ساعات معدودات فتحس أن أنفاسنا ضاقت وأن الجو لا يحتمل وأن الإنسان يكاد يضجر يكاد تضيق به الأرض بما رحبت، فإذا تحرك الهواء بعث النسيم العليل، إذا زادت حركته صار ريحاً فإذا زاد صار رياحاً ثم صار عاصفةً ثم صار زعازع ثم صار أعاصير. الله عز وجل ضرب لنا من آياته العظمى الرياح التي تعدو في الهواء وتسرع في جريها لماذا تعدو؟ إنها تسوق السحاب، هذا البخار الذي ارتفع من البحر إلى الجو بفعل أشعة الشمس المسلطة على مياه البحر بخرت هذه المياه وجعلتها سحباً، جاءت الرياح وساقتها إلى البلاد العطشى، ساقتها إلى البلاد التي هي في أمسّ الحاجة إلى الأمطار، هذا السحاب أثارته الرياح حتى أوصلته إلى المكان المناسب، الله عز وجل في آيات أخرى يقول:

﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً﴾

[ سورة الروم: 48 ]

﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

[ سورة الأعراف: 57 ]

 أي هذه آية كبرى وآية عظمى، الله عز وجل يحرك الهواء، إذا حرك الهواء صار رياحاً، هذا الهواء الذي يتحرك يسوق أمامه السحاب، هذا السحاب يسوقه الله عز وجل إلى بلد ميت وينقلب إلى أمطار، تهطل الأمطار، ينبت الزرع، يأكل الناس والحيوان، تستمر الحياة هذه آية كبرى من آيات الله عز وجل.

معنى المعصرات :

 العاديات ضبحاً هذه الرياح الشديدة إذا تحركت وعدت وكان لحركتها صوت معروف، دوي الرياح، الله عز وجل جعل هذه السحب ذات كهربائيات، سحب شحنتها الكهربائية موجبة وسحب شحنتها الكهربائية سالبة، وحينما تحتك هذه السحب المتباينة تنعقد الأمطار بعملية معقدة جداً، نحن هنا نبسط الأمور لنفهمها، كالمدرس الذي يعطي مثلاً واضحاً لكن على حساب الحقيقة العلمية، يقول مثلاً: الأمطار تشبه إبريقاً من الشاي ملأته ماءً ووضعته على موقد فغلى الماء، تأتي بكأسٍ باردٍ وتضعه في طرف الإبريق، ينقلب هذا البخار المتصاعد من الإبريق إلى قطرات من الماء، هذا هو المطر.
 هذا معقول وواضح ولكنه تبسيط مخل للحقيقة، هذه السحب تكون حارة ثم تنتقل إلى مكان بارد تنكمش، حينما تنكمش تنعقد ذرات المطر على مادة كيميائية كبريتية بثها الله عز وجل في سماء المطر، لكل طبقة في الجو وظيفة، وفي الجو طبقة وظيفتها أن تنعقد السحب أمطاراً، لذلك الله عز وجل قال:

﴿ وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً ﴾

[ سورة عم: 14 ]

 معنى المعصرات أي انكماش السحب بفعل مرورها في الأماكن الباردة، هذا الانكماش يعقد حبات المطر، فالذي درسه العلماء عن الأمطار شيء واسع جداً ودقيق جداً، لا يحتمل هذا المجال التفصيلات العلمية حول هطول الأمطار، ولكنك إذا شربت كأساً من الماء أو تناولت قطعة من الفاكهة يجب أن تعلم علم اليقين أن الكون كله ساهم في هذا الكأس من الماء.

قدرة الله عز وجل في الكون :

 الشمس حجمها معروف مليون وثلاثمئة مرة زيادة عن حجم الأرض، هذا حجمها وأما حرارتها ستة آلاف درجة على سطحها وعشرون مليون درجة في باطنها، وكلمة عشرون مليون درجة يعني لو ألقيت الأرض كلها في الشمس بجبالها وصحاريها وبحارها ومحيطاتها وكتل الثلج في قطبيها، لو ألقيت الأرض كلها في الشمس لتبخرت في ثانية واحدة. معنى عشرون مليون درجة أنك إذا ألقيت الحديد في الشمس لرأيته بخاراً، من منكم سمع أن للحديد بخار؟ نظرياً هناك بخار للحديد، كل عنصر الله عز وجل خلقه ينتقل من مرحلة إلى مرحلة إلى مرحلة، أن يكون صلباً مرحلة، إذا رفعت الحرارة حينما ترفع الحرارة ذرات الحديد تتباعد عن بعضها، فإذا تباعدت أصبحت مرنة، إذا تباعدت أكثر أصبح سائلاً، إذا تباعدت أكثر أصبح غازاً، لذلك الأجسام لها ثلاث حالات، حالة الصلابة وحالة الميوعة وحالة الوضع الغازي، وبين هذه الحالات حالات ثانوية، الحرارة لها علاقة بابتعاد الذرات بعضها عن بعض، لذلك أحياناً الضغط يشابه التبريد، إذا ضغطنا الهواء يصبح سائلاً، هذا الغاز الذي تشعلونه في البيت اسمه غازاً، لو رججت هذه الاسطوانة لشعرت أن فيها سائلاً، كيف صار سائلاً؟ هذا الغاز حينما ضغطته صار سائلاً، لو ضغطته أكثر لصار قطعاً جسماً صلباً.
 الحديد لو سخنته لصار سائلاً، بالعكس لو سخنته أكثر لصار غازاً، لو رفعت الضغط عن الأجسام لغلت وأصبحت سائلاً، هذا موضوع فيزيائي معقد، هذه الذرات التي خلق الله عز وجل منها العناصر لها قوانين بالغة في التعقيد، الحرارة تؤثر في حركتها فالحرارة تباعدها عن بعضها. الشمس حرارتها عشرون مليون درجة، وهذه الشمس عمرها خمسة آلاف مليون سنة، وتقدير العلماء أنها سوف تبقى متقدة إلى خمسة آلاف مليون سنة قادمة هذا عطاؤنا، هذه قدرة الله عز وجل، لو ألقيت الأرض في الشمس لتبخرت في ثانية واحدة، بيننا وبين الشمس مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر يقطعها الضوء في ثماني دقائق.
 ما قولك أن نجماً في السماء اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما. برج العقرب معروف يظهر في الربيع على شكل عقرب بداخله يوجد كوكب متألق جداً وأحمر اسمه قلب العقرب هذا النجم يتسع إلى الشمس والأرض مع المسافة بينهما، إذا شربت كأس ماء يجب أن تعلم أن الشمس لها نصيب في صنعه، الشمس سلطها الله عز وجل على مياه البحار فتبخرت وأصبح بخار الماء في الجو وجاءت الرياح فساقت بخار الماء وجعلته سحباً الله عز وجل قال:

﴿ وَالْعَادِيَاتِ ﴾

 لم يقل والعادية ضبحاً، والعاديات لأن الرياح أنواع، يوجد رياح باردة، ورياح مثقلة ببخار الماء، ورياح جافة، ورياح خفيفة، ويوجد نسيم وهواء، وهناك ريح، ورياح وأعاصير وزعازع، وهناك أنواع منوعة في حركتها واتجاهها، ويوجد جنوبية وشمالية وشرقية وغربية، وفي رياح موسمية ورياح مدارية ورياح دائمة ورياح ثابتة أنواع منوعة.

القرآن حمَّال أوجه وهو ليس ملك أحد :

 قال تعالى:

﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحَاً ﴾

 هذه الرياح التي تسوق بخار الماء وتجعله سحباً كثيفة، إذا الإنسان نظر إلى السماء ورأى السحب هل يرى أن يد الله عز وجل وحدها تصنعها، وأنها إنما تسوق هذه السحب من أجل أن نشرب كأس الماء، وأن نأكل الخضراوات والفواكه والمزروعات، وأن نحيا نحن وأنعامنا. الله عز وجل قال: هذا الرعد والبرق، الرعد صوت البرق حينما تنظر إلى السماء في الشتاء وترى السماء ملبدة بالغيوم، والغيوم متحركة، وبعدئذ ترى برقاً يلمع، وبعد البرق تسمع هزيم الرعد، ما هذا الذي حصل؟ سحب مشحونة بشحنة إيجابية وسحب مشحونة كهربائياً بشحنة سالبة، من احتكاك هذه السحب تنعقد الأمطار هذه:

﴿ فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً ﴾

 هذا الذي تراه في السماء واضح، وهذا التفسير لا يمنع التفسير الأول أن تقول أن العاديات هي الخيـل، فإذا سارت على الصخر انعقد الشرر من تحت حوافرها، القرآن حمال أوجه، والقرآن ذو وجوه، القرآن ليس ملك أحد.

﴿ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً ﴾

 فإذا انعقدت هذه السحب أمطاراً على الأراضي العطشى فأنبت الله بها النبات لنأكله، وأنبت للحيوان نباتاً تأكله، واستمرت الحياة، ولولا هذه السحب وتلك الشمس التي سلطها الله على البحار، ولولا أن من خصائص الماء التبخر، ولولا أن من خصائص الهواء أن يحمل الماء، ولولا أن الرياح من فوائدها أنها تسوق السحب، ولولا أن هذه السحب منوعة في شحنتها، ولولا احتكاك السحب بعضها ببعض لما انعقدت الأمطار، وإذا انعقدت الأمطار هطلت على البلاد العطشى.
 بلدنا دمشق معدل أمطارها السنوي معدل يسير؛ مئة وخمسين ملم، ربنا سبحانه وتعالى في مطلع الشتاء ساق السحاب وهطلت أمطار على مستوى القطر، في هطول واحد زادت كمية المطر عن مئة ملم، أي ثلثي أمطار الموسم في وسط سوريا، كانت الأمطار مخيفة انتهت إلى فيضانات، ودمرت مدينتين وسط سوريا، الله عز وجل حينما يسمح للأمطار أن تهطل وحينما تنهمر السماء بماء المطر لا يعلم إلا الله مقدارها.

المطر قد بني على قوانين علمية بالغة الدقة لكن مفتاح التشغيل بيد الله عز وجل:

 الإنسان أحياناً حينما يفكر تفكيراً بعيداً عن الله عز وجل يقول لك: يحصل تبدلات في الشرق الأوسط بسبب هناك تصحر وهناك خط المطر ينتقل من مكان إلى آخر كلما توقع الإنسان شيئاً جاءت الأحداث فخيبت ظنه وأكدت أن الأمطار بيد الله عز وجل.
 الله عز وجل ثبت أشياء وحرك أشياء، دوران الأرض حول نفسها ثابت، لا يوجد إنسان يقلق لعدم شروق الشمس، ودورة الأرض حول نفسها ثابتة، وإشراق الشمس ثابت، هناك أشياء ثبتها الله عز وجل لماذا؟ من أجل أن نرتاح ويكون النظام ثابتاً، وصار في تقويم وأشهر وأسابيع وسنوات، الله عز وجل لحكمة بالغة ثبت هذه الأشياء وثبت أشياء كثيرة، تأخذ بذرة بطيخ وتزرعها تنبت بطيخاً.
 لكن إذا زرعت البطيخ وأنبت خياراً هذه مشكلة، الله عز وجل ثبت قوانين البذور وثبت دورة الأرض حول نفسها، وثبت دورتها حول الشمس، إلا أن المطر جعلها بيده. مثلاً سيارة من أحدث طراز بالغة التعقيد لكن مفتاح التشغيل بيد صاحبها، كل هذه الأجهزة معطلة إلى أن يضع المفتاح في مكانه ويحرك كلها تعمل. والمطر قد بني على قوانين علمية بالغة الدقة لكن مفتاح التشغيل بيد الله عز وجل، لذلك كان دعاء الاستسقاء قال تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[ سورة الأعراف 96 ]

﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة الجن: 16-17 ]

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾

[ سورة المائدة: 66 ]

﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾

[ سورة سبأ: 17 ]

قيمة الاستغفار :

 يقولون مياه الفرات قليلة قال تعالى:

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾

[ سورة نوح: 10-12 ]

 دخل رجل إلى الحسن البصري وقال له: يا إمام إن زوجتي لا تنجب أولاداً، فقال له: استغفر الله، دخل عليه أناس آخرون قالوا: يا إمام إن السماء لا تمطر، فقال: استغفروا الله، دخل عليه أناس يشكون الفقر، فقال لهم: استغفروا الله، فقال أحد الحاضرين: عجبنا لك يا إمام كلما جاءك رجل تقول له، استغفر الله، فقال له: اقرأ قوله تعالى:

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾

[ سورة نوح: 10-12 ]

إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر ما لله عندك :

 يا رب ما مقامي عندك؟ كأن الله عز وجل يقول لك: يا عبدي ما مقامي عندك؟ هل تنتهي إذا نهيتك؟ هل تأتمر إذا أمرتك؟ هل تحافظ على الصلاة؟ هل تخشى أن تقع في الحرام؟ هل تحرر دخلك من الشبهات؟ إذا أردت أن تنظر مقامك فانظر فيما أقامك.

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء: 70 ]

 إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر ما لله عندك، فهذه السحب التي ساقتها الرياح المنوعة وهذه السحب المنوعة بشحنتها حينما انعقدت أمطاراً صبت على الأرض العطشى صباً، فالمغيرات وهطول الأمطار شيء واضح كالصبح، لكن الناس حينما بعدوا عن الله عز وجل قالوا: منخفض جوي متمركز فوق قبرص ومنخفض آخر معاكس. عندما الإنسان ترك الله عز وجل وتكلم بالمنخفضات هذه المنخفضات لم تغنه من الله شيئاً. المؤمن يرى أن الله عز وجل ساق هذه السحب وساق هذه الأمطار.

﴿ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً*َ فأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً ﴾

 الأمطار حينما تهطل ما هي إلا أشهر أو أسابيع حتى ترى الأرض مخضرة، اهتزت وربت، انظر إلى الربيع سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه أراد أن يصف مصر إلى سيدنا عمر، قرأت هذا الوصف في كلمات بليغة قال: يا أمير المؤمنين مصر طولها مسيرة شهر، وعرضها عشر، يخطها نهر ميمون الغدوات مبارك الروحات، فإذا هي يا أمير المؤمنين عنبرة سوداء، أرض خصبة، إذا هي درة بيضاء فيضان النيل، ثم هي زبرجدة خضراء فتعالى الله الفعال لما يشاء. وصف بليغ طولها وعرضها ونهرها وثلاث أحوال فيها، من حالة الجفاف إلى حالة الفيضان إلى حالة خروج النبات.

عالَم البذور عالَمٌ لا ينتهي يمثل كرم الله عز وجل :

 ألقِ نظرة على مكان في الربيع؛ الأرض كلها خضراء، الأرض كلها أزهار، سبحان الله كيف جعل الأزهار على طرف الطريق، من ألقى البذور في هذا المكان بالذات؟ إذا خطط طريقاً في بستان بعد سنة أو سنتين ينبت على أطراف الطريق أنواع من الأزهار من أجل أن تؤنس المار، من أجل أن تدعوه ليسبح الواحد القهار. فهذه المياه المباركة تثير البذور، هذه البذور سماها الله نقعاً، والنقع هو الغبار، وكل شيء يوقع في الماء يسمى نقعاً، وهذه الأرض المحتوية على بذور وحينما تهطل الأمطار في سوريا انطلق في السيارة من مدينة إلى أخرى، دع الأراضي الزراعية جانباً، الأراضي غير المزروعة من أين نبت الحشيش؟ من ألقى بذوره في الأرض؟

﴿ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾

 في كل مكان ألقى الله بذوراً، أنا أذكر في بعض السنوات من دمشق إلى حمص كان الطريق كله أخضر اللون، هذا الطريق أرض قاحلة، حينما جاءت الأمطار غزيرة جداً أنبتت الحشيش، هذا الحشيش أين بذره؟ بذره مدفون في الأرض، فهذه الأمطار الغزيرة المباركة حركت هذه البذور، وعالم البذور عالم لا ينتهي، عالم يمثل كرم الله عز وجل، لو أن الله عز وجل خلق الأرض وخلق عليها مليار ملْيار طن بندورة ووضعت في طريقة تحفظ من التلف وجاء البشر وتوالدوا وأكلوا، فلما انتهت هذه الكمية ماتوا جوعاً، الطريقة المثلى التي تجعل الإنسان يأكل مادام حياً هي طريق البذور. نبات البطيخ يحمل سبع عشرة بطيخة من بذرة واحدة. ومن نصف غرام بذر بندورة ينتج نصف طن بندورة، هذا عطاؤنا.

لولا الماء لما نبت الزرع ووظيفته أنه وسيط :

 الخضار كلها لها بذور، إذا دفنتها في الأرض ورويتها بالماء نقعت به فتحرك الرشيم، الرشيم كائن حي له مواصفات لحياته يحيا من عشر إلى ثماني وثلاثين، هذا الرشيم موجود في البذرة والبذرة هي غذاء للرشيم، إذا نقعته في الماء انتعش وأثير وبدأ ينمو مستهلكاً المواد النشوية في البذرة؛ ماذا يفعل؟ ينبت له سويق وينبت له جذير، لكن سرعة الجذير أسرع من السويق من أجل أن يتمكن من امتصاص المواد الغذائية في التربة، فإذا نبت السويق ونبت الجذير، والجذير انتهى بأشعار ماصة، والأشعار الماصة انتهت بقلنسوة ذرة صغيرة، وهذه الذرة تأخذ حاجتها من التراب قد تأخذ البوتاس، قد تأخذ الكبريت، قد تأخذ الحديد، من علم هذه الشعرة التي لا ترى بالعين أن تأخذ سبع ميكرونات حديد، ثمانية فوسفور، وأربعة كلس، من علمها أن تأخذ النسب الضرورية محلولة بالماء، ولولا الماء لما نبت الزرع، والماء وظيفته أنه وسيط، لذلك الله عز وجل قال:

﴿ َأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾

 الماء مهمته أنه تحل به جميع المواد في التربة، يأتي الجذير ويأخذ من هذا الماء الذي حلت به المواد حاجته، أنت تزرع هذه التفاحة وتراها في الموسم القادم أزهرت ثم عقدت ثمراً صغيراً، مثل حبة المسبحة، ومن ثم كبرت، ومن ثم أصبحت تفاحة كبيرة لها لون شهي لون أصفر بخد أحمر، فيها طعم حلو، وفيها حديد، وفيها فوسفور، قوامها يتناسب مع الأسنان، ليس قاسياً وليس هشاً، ولها قشرة ذات حجم مناسب، ورائحة مناسبة، وطعم مناسب، ونكهة مناسبة، وطريقة حفظ مناسبة، القشر تعليب إلهي، ويبقى شهرين على الشجرة وفي الثلاجات أربعة أشهر تقريباً بفضل هذا القشر، من فعل هذا؟ الله سبحانه وتعالى حينما صب الماء على هذه الأرض وحلت في الماء مواد التربة وجاء الجذير بتوجيه من الله سبحانه وتعالى وامتص المواد المناسبة. ضربت مثلاً: أحضر ثمرة تفاح وأجاص ودراق ومشمش وكرز وتوت وعنب، لا تستطيع أن تقول هذه تفاح طعمتها تفاح اشرح طعم التفاح لا تستطيع، من ذاق عرف، اشرح طعم المشمش تقول ثمر حلو والتفاح حلو والتوت حلو والتين حلو والإجاص حلو والدراق حلو والعنب حلو والتمر حلو، هل تستطيع أن تشرح لنا كتابة الفرق بين طعم التفاح وطعم الإجاص؟ من وضع هذه النسب الدقيقة جداً؟ من أعطى هذه الفاكهة نكهتها؟ من أعطاها شكلها ولونها وحجمها ووقت قطافها؟ من أعطاها طبيعة تخزينها؟

على الإنسان أن يعرف المنعم ليشكره :

 قال بعض العلماء: لو أن هذه الأوامر أردنا أن نكتبها كتابة لصار عندنا مجموعة تضاهي الموسوعات العلمية الكبرى، الموسوعات الآن ثلاثون مجلداً توضع على رف بعرض الغرفة، وكل مجلد ثمانية آلاف صفحة ورق رقيق وحرف صغير. لو أن هذه المحفظة وما فيها من أوامر أردنا أن نكتبها كتابة لضاهت الموسوعات العلمية الكبرى، الهواء ينقل الصوت وينقل الحرارة، المكيف ينقل الهواء بارداً والمدفئة تنقل الهواء ساخناً، والهواء ينقل الصوت وينقل الضوء، الغرفة مضيئة وليس فيها شمس، الهواء يحقق ضغطاً على الإنسان ويعمل توازناً، إذا صعد إنسان في الجو يخرج الدم من آذانه لأنه ارتفع الضغط عنه، والطائرة التي ترتفع في الهواء آلاف الأقدام تضغط ثماني أضعاف حجمها من الهواء وهي على الأرض، وهذه الآية:

﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً*فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً *فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً*فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً*إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾

 ومع كل هذا الإكرام الإنسان جاحد لكل هذه النعم، عليك أن تعرف المنعم لتشكره، أن تعرف أن الله سبحانه وتعالى خلق لك هذه النعم الشمس والقمر والأرض وما فيها والبحار والرياح والسحب وهذه المستودعات من المياه والينابيع والأنهار والأمطار المنصبة والثلوج والنباتات أنواع منوعة وأشجار زينة وأشجار مظلات وفي نباتات حدودية ونباتات للخشب، منها زان وحور وسنديان وسويد وبلوط هذه كلها نباتات من أجل الخشب إلى جانب النباتات المثمرة.
 هناك حكمة بالغة الذي يملك بستاناً ينبت الكرز يقطفه ويبيعه، ثم ينبت المشمش يقطفه ويبيعه، ثم ينبت الدراق يقطفه ويبيعه، ثم ينبت الإجاص، وهناك برنامج فيه برمجة لو أن الله سبحانه وتعالى أنبتها في وقت واحد لتعذر على الفلاح أن يقطفها. من جعل النضج في تسلسل؟ هذه يد كريمة وعليمة، ومع هذا:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾

 تطعم الكلب رغيف خبز يحرك ذنبه شكراً لك، إذا أطعمت هرة تمسحت برجليك شكراً لك، وهذا الإنسان يجلس على المائدة يأكل ما لذ وطاب ويقول: دفعت ثمن هذه المائدة مبلغاً كبيراً، أحمق، لو أن الله ما خلق هذه المواد أنت الذي تملك ورقاً لا قيمة له.

الله عز وجل خلق الأنعام وذللها لنا :

 الذي يسير في الصحراء ركب ناقة وضل به الطريق، ونفد زاده، ونضب ماؤه، وكاد يموت عطشاً وجوعاً، وحينما اشتد به الجوع وأخذ منه كل مأخذ ويئس من النجاة وأيقن بالموت وضاقت نفسه وجعل يبكي، ألفى عن بعد شجرةً فاشرق في نفسه نور من الأمل، هرع نحو الشجرة فرأى إلى جانبها بركة ماء فشرب منها حتى ارتوى، ثم تولى إلى الظل وحانت منه التفاتة، فرأى إلى جانب البركة كيساً مملوءً وهو على وشك الموت جوعاً، فسر به سروراً عظيماً وهو يحسب أن فيه خبزاً، ولكن يا للأسف لقد فتح الكيس فلم يجد إلا لآليء فقال: وا أسفاه هذه لآليء. أي ما قيمة اللآليء إذا حرمت الطعام والشراب، في بريطانيا يهودي ثري ريتشارد، كان يقرض الحكومة البريطانية، مستودعات الذهب عنده كبيرة جداً، ومرة دخل إلى مستودع من مستودعاته وبقدرة قادر ولحكمة حكيم انغلق الباب وراءه، والباب محكم الإغلاق، صاح لا أحد يسمعه، عاش يومين ثم مات، قبل أن يموت جرح أصبعه وكتب على الحائط: أغنى رجل في العالم يموت جوعاً، مات في قلب سبائك الذهب، ما قيمة الذهب إن لم يكن هناك كأس ماء أو قليل من الطعام؟ وعندما يقول الإنسان:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ*وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ*َلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾

[ سورة يس: 71-73]

 الأنعام خلقها لكم وذللناها لكم، انظر الغنمة ما أودعها، ولم يضع الله سبحانه فيها أخلاق الذئب أو أخلاق الضبع أو أخلاق الخنزير.

يجحد الإنسان نعمة الله سبحانه وتعالى مع كل الفضل و الإكرام :

 قال تعالى:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾

 مع كل هذا يجحد الإنسان نعمة الله سبحانه وتعالى، مع كل هذا الفضل ومع كل هذا الإكرام والنعم المتعددة الإنسان يجحد نعم الله سبحانه وتعالى ولا يرى فضل الله، مع كل هذا لا يصلي ولا يقرأ القرآن لا يغض بصره عن محارم الله، لا يقول: هذا حلال وهذا حرام:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾

 كأن الله سبحانه وتعالى يعجب كيف يجحد هذا الإنسان الفضل؟

 

تعصي الإله وأنت تظهر حبــه  ذاك لعمـــــري في المقال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعـــته  إن المحـــــب لمن يحب يطيع
أيا غافلاً تبدي الإساءة والجهل  متى تشكر المولى على كل ما أولى
عليك أياديه الكرام وأنت لا تراها  كأن العيناء حولـــــة أو عميا
لأنت كمزكوم حوى المسك جيبه  ولكنه المحروم ماشمــــه أصلا
* * *

 

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُود* وإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴾

 شهيد لها معنيان؛ أي هذه الآيات واضحة، من منكم لم ير المطر، لم يحس بالرياح، لم ير البحر والسحاب، لم ير الينابيع والأنهار، لم ير هذه الأشجار والنباتات؟ هذا فضل الله سبحانه وتعالى:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُود* وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴾

 هذه النعم بادية للعيان، هذه النعم يراها كل إنسان لا تخفى على أحد، ألم يرَ الإنسان أنا خلقناها له؟!!

بعض نعم الله سبحانه على عباده :

 نِعَم الله تراها كل يوم صباحاً، مثلاً بيض مسلوق وهذا الموضوع موضوع للتفكر قائم بحد ذاته، هل فكرت بالدجاج وكيف أنتجت هذه البيضة التي هي غذاء كامل؟ والدليل أنها تصبح فرخاً، والفرخ له جهاز عظمي وأجهزة كاملة، حيوان كامل مكمل من هذه البيضة، إذاً هي غذاء كامل، في البيضة ثمانية عشر فيتاميناً، وثمانية عشر شبه معدن، ومئتا نوع من أنواع المواد، البيضة تدرس عاماً دراسياً في كلية الزراعة، موضوع الدواجن موضوع معقد جداً، ويوجد على الطاولة كأس حليب، هل فكرت الحليب من أين جاء؟ واللبن قال تعالى:

﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ ﴾

[سورة النحل: 66]

 هل فكرت أن وليدة البقرة تحتاج إلى كيلو من الحليب وهي تعطي ثلاثين كيلو من الحليب، معنى هذا أن الحليب لك، وموضوع بجانب الحليب كأس من الشاي، الشاي نبات من خلقه؟ وتضع ملعقة سكر، من خلق الشوندر؟ رغيف خبز كان قمحاً، صمم القمح على أنه غذاء كامل، زيتون إذا فكرت صباحاً في طعامك تذوب محبة لله عز وجل، تأتي الظهر هناك نوع آخر من الأطعمة كله يدل على عظمة الله وأن عليك أن تشكر هذه النعم السابغة.

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾

 ألم تر النعم؟ جاء ولدك وقال لك: بابا، كان نقطة من ماء مهين صار طفلاً يتكلم ويضحك يداعبك أحياناً ويقلدك أحياناً، وجعله الله سبحانه وتعالى في البيت مثل الملك يبعث البهجة في كل أفراد الأسرة هذه مودة من الله، لو جعل شخصيته مثل الكبار لا يتكلم، يحقد ويتكبر على والديه عندها لا يطاق الطفل، من الذي يربيه؟ تأتي الظهر وترى زوجتك جالسة قال تعالى:

 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

 

[سورة الروم: 21]

 ترى البيت نظيفاً مرتباً الطعام جاهز:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾

كلمة (إنه على ذلك لشهيد) لها معنيان :

 عندك غرفة تنام فيها، وغرفة جلوس، حمام، مطبخ، تملك مفتاح بيت:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾

 تريد أن تزور مريضاً تأخذ معك باقة ورد من خلقها؟ اللون الأحمر في الزهور أجمل لون في الأرض يبعث في النفس البهجة، ضع وروداً اصطناعية لا تؤثر بك، أعطوا الحمار وردة فأكلها، الحمار الذي أعطاه إياها، هذه للإنسان وليست للحمار.

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُود* وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴾

 هذه النعم يشهدها تحت سمعه وبصره، يعيشها كل يوم صباحاً وظهراً.

﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾

 هذه الآية لها معنيان، وكلمة (إنه على ذلك لشهيد) أيضاً لها معنيان، المعنى الأول أن هذه الآيات تحت سمعه وبصره يشهدها، المعنى الثاني أنه يشهد على نفسه أنه جحود وإنه على ذلك الجحود لشهيد، لا يصلي يكذب ويغش الناس، يتكبر ويسبب للناس متاعب كثيرة ويستعلي على الناس، وإنه على جحوده لشديد، أول معنى شهيد لهذه النعم والمعنى الثاني شهيد على جحوده.

﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾

الفرق بين الرزق والكسب :

 الإنسان أحياناً يحب مصلحته، هنا الخير والمال قال تعالى:

﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ ﴾

[ سورة البقرة: 180]

 يحب المال، أحياناً في مجلس علم ينام أما عندما يعد خمسمئات لا ينام يمسكها خوفاً من أن تكون اثنتين.

﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾

 عند وجود المال والبيع والشراء ينسى أن يأكل:

﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾

 مع أن المال في خدمته، والإنسان من جهله صار في خدمة المال، صار عبداً للمال، والعلماء فرقوا بين الرزق والكسب، الرزق المستهلكات أما الكسب ما عندك من أموال هذه ليست لك، عندما يدفن الإنسان في التراب كفنه من الخام الأسمر لأن الأبيض غالي الثمن وعليه قليل من القطن:

﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾

الخير لها معنيان المال أو المصلحة :

 الإنسان يحب المال مع أنه قد يكون سبب شقائه، قد يكون فيه طغيانه، قد يطغى في المال وقد يشقى في المال. لذلك الميت حينما يموت ترفرف روحه فوق النعش تقول: يا أهلي يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حل وحرم، وأنفقته في حله وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة علي.

(( أن عبدي أعطيتك مال فماذا صنعت فيه ؟ يقول : يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، فيقول الله له : ألم تعلم بأني الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ـ يسأل عبد آخر ـ أعطيتك مالاً فماذا صنعت في ؟ يقول : يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين ، لثقتي بأنك خير حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين ، فيقول الله له : أنا الحافظ لأولادك من بعدك ))

[ ورد في الأثر ]

﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾

 المعنى الآخر للخير أنه يحب مصلحته، يحب السلامة، يحب النجاة، يحب كل شيء ممتع في الدنيا، انطلاقاً من هذا الحب لو أن الإنسان أحب نفسه لأطاع الله سبحانه وتعالى، لأن الخير كله في طاعة الله سبحانه وتعالى، والسعادة كلها في طاعة الله، والطمأنينة كلها في طاعة الله، والفوز كله في طاعة الله، والفلاح كله في طاعة الله، والنجاح، فإذا أحببت نفسك وكنت مفرطاً في حب ذاتك استقم على أمر الله.
 لكن الإنسان يتوهم أن المال هو كل شيء، المال شيء والنبي الكريم قال:

(( خذ من الدنيا ما شئت ، وخذ بقدرها هَمّا ))

[ رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

(( فإنه من أخذ منها فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر ))

[ أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس ]

الإنسان يحب المال وقد يطغى بالمال :

 الإنسان يحب المال وقد يكون حتفه في المال، يحب المال وقد يكون شقاؤه في المال، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، يجوز أن تكره ضيق الدخل.

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 216]

 قد تكون بالدخل المحدود مؤمناً فإذا زاد الدخل فسقت وخرجت عن أمر الله وعصيت الله سبحانه وتعالى واستعليت على الخلق. هذا الذي جمع المال الحلال وأنفقه في الحلال يقال: قفوه واسألوه هل تاه بماله على عباد الله؟ هل قال جيرانه: يا رب لقد أغنيته بين أظهرنا فقصر في حقنا؟ قال عليه الصلاة والسلام: وما زال يسأل ويسأل تركته يسأل ولم تنتهِ الأسئلة. الإنسان لا يتمنى قال تعالى:

﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

[ سورة النساء: 32]

 لعل الخير كله في الدخل المحدود، لعل الخير كله في هذه الحياة المتواضعة، بهذا البيت، بهذه الزوجة، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، الإنسان يحب المال وقد يطغى بالمال لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلا غِنَىً مُطْغِياً... ))

[الترمذي عن أبي هريرة ]

 ماذا قال قارون؟ قال الله تعالى:

﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ*فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ*وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ *فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ ﴾

[سورة القصص:78-81]

الله سبحانه وتعالى ترك الأعمال ووصل إلى النوايا :

 معظم الناس يتحدثون عن بيت كبير لفلان فيقولون: ما هذا البيت؟ هذا القول كأنك قلت: يا ليت لي مثله، الإنسان يتمنى فضل الله، يتمنى رضاء الله، يتمنى طاعة الله قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب: 71]

 قال تعالى:

 

﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ*أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ*وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴾

 أفلا يعلم هذا الذي يحب المال إذا بعثر ما في القبور، وخرج الناس لرب العالمين بعثوا؛ كل أعمالهم مسجلة عليهم، ومسجل عليهم نواياهم، والنوايا أبلغ لأنها مبعث العمل، والعمل أساسه النية، والإنسان يفكر بشيء ثم ينطلق إلى العمل، الله سبحانه وتعالى ترك الأعمال ووصل إلى النوايا.

﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ*وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ* إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ﴾

المقطع الأخير مقطع تهديد ووعيد :

 قال الله سبحانه وتعالى:

﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾

[سورة الإسراء:17]

 خبرة الله سبحانه وتعالى بنوايا الإنسان يوم القيامة تكفيه حساباً دقيقاً، لذلك الإنسان في الآخرة يود لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، ولو أن له ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به، ولكن لا يقبل منهم شفاعة ولا يؤخذ منهم عدل. هذا اليوم الرهيب؛ يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم يعطي كل ذي حق حقه، لمثل هذا اليوم فلنعمل، قال تعالى:

﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾

[ سورة الصافات: 61]

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 26 ]

 لذلك هذه السورة إن شئتم أن تفهموها على أنها الخيل وما يتبعها هذا فهم صحيح ومعظم التفاسير جاءت بذلك، وإن شئتم أن تفهموها على أنها آيات كونية متعلقة بالرياح والسحاب والمطر وإنبات المزروعات، وهذه النعم التي لا تحصى التي أنعم الله بها علينا، والإنسان بعد كل هذا كنود، يحب المال، يعرض عن الله عز وجل، والمقطع الأخير مقطع تهديد ووعيد، قال تعالى:

﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ*وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ*إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ﴾

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور