وضع داكن
29-03-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 13 - الصحابي ربيعة بن كعب
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

أ. جمال: أستاذ راتب

 اليوم الصحابي الجليل ربيعة بن كعب، شخصيةٌ فذَّة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، الذين كتبوا صفحاتٌ بيضاء تضاف إلى أعمالهم وسجلاتهم، ماذا نقول عن هذا الصحابي الجليل ربيعة بن كعب.
أ. راتب:

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أستاذ جمال خير ما نقول عن هذا الصحابي الجليل هو ما قاله عن نفسه هو، فقال ربيعة بن كعب: كنت فتىً حديث السن، لما أشرقت نفسي بنور الإيمان وامتلأ فؤادي بمعاني الإسلام، ولما إكتحلت عينايا بمرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول مرةٍ أحببته حباً ملك عليّ كل جارحةً من جوارحي، وأُولعت به ولعاً صرفني عن كل ما عداه، فقلت في نفسي ذات يوم: ويحك يا ربيعة لما لا تجرِّد نفسك لخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إعرض نفسك عليه، فإن رضي بك سعدت بقربه وفزت بحبه، وحظيت بخيري الدنيا والآخرة، ثم ما لبست أن عرضت نفسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجوته أن يقبلني في خدمته، فلم يخيِّب رجائي، ورضي بي أن أكون خادماً له، وصرت منذ ذلك اليوم ألزم للنبيّ الكريم من ظله، أسير معه أينما سار، وأدور في فلكه كيفما دار، فما رمى بطرفه مرةً نحوي، إلا مثُلتُ واقفاً بين يديه، وما تشوَّف ( أي تطلع ) لحاجةٍ من حاجاته، إلا وجدني مسرعاً في قضائها، وكنت أخدمه نهاره كله، فإذا انقضى النهار، وصلى العشاء الأخيرة، وآوى إلى بيته إهِمُّ بالإنصراف، لكني ما ألبثُ أن أقول في نفسي: إلى أين تمضي يا ربيعة ؟ فلعلها تعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجةٌ في الليل، فأجلس على بابه ولا أتحول عن عتبة بيته، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقطع ليله قائماً يُصلي، فربما سمعته يقرأ بفاتحة الكتاب، فما يزال يكررها هزيعاً من الليل، حتى أملَ فأتركه أو تغلبني عينايا فأنام.
أ0 جمال:

 كلمة هزيعاً أستاذ راتب ما معناها ؟
أ0 راتب:

الهزيع هو الشطر من الليل، ثلثه أو نصفه أو جُزءٌ منه.
 وربما سمعته يقول: سمع الله لمن حمدّ، فما يزال يرددها زمناً أطول من ترديده لفاتحة الكتاب، كان عليه الصلاة والسلام إذا صلى وحده أطال، أما إذا صلى بأصحابه كان أخف الناس صلاةً، وقد كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما صنع له أحدٌ معروفاً إلا أحب أن يُجازيه عليه بما هو أجلُّ منه، وقد أحب أن يُجازيني على خدمتي له فأقبل عليّ ذات يومٍ وقال:
" يا ربيعة بن كعب ". فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، فقال: " سلني شيئاً أُعطيه لك "، فرَّويت قليلاً ثم قلت: أمهلني يا رسول الله لأنظر فيما أطلبه منك ثم أُعلمك، فقال عليه الصلاة والسلام: "لابأس عليك ".
 طبعاً هذا موقف، وكنت يومئذٍ شاباً فقيراً لا أهل لي ولا مال ولا سكن، وإنما كنت آوي إلى صُفَّة المسجد مع أمثالي من فقراء المسلمين، (الصُفة مكان في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأوي إليه الفقراء الذين لا بيوت لهم ) وكان الناس يدعوننا بضيوف الإسلام، فإذا أتى أحدٌ من المسلمين بصدقةٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث بها كلها إلينا، وإذا أهدى له أحدٌ هديةً، أخذ منها شيئاً وجعل باقيها لنا، فحدثتني نفسي أن أطلب من رسول الله شيئاً من خير الدنيا، أغتني به من فقرٍ، وأغدو كالآخرين ذا مالٍ وزوجٍ وولد، لكني ما لبثت أن قلت: تباً لك ياربيعة بن كعب، إن الدنيا زائلة فانية، وإن لك فيها رزقاً كفله الله عزّ وجل فلا بد من أن يأتيك، والنبيّ عليه الصلاة والسلام في منزلةٍ عند ربه لا يُردُّ معها طلب، فاطلب منه أن يسأل الله لك من فضل الآخرة، فطابت نفسي لذلك واستراحت له، ثم جئت ُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
 " ما تقول يا ربيعة " ؟ فقلت يا رسول الله: أسألك أن تدعو لي الله تعالى أن يجعلني رفيقاً لك في الجنة، فقال: " من أوصاك بذلك ؟" فقلت: لا والله ما أوصاني به أحد، ولكنك حين قلت لي: سلني أُعطك، حدثتني نفسي أن أسألك شيئاً من خير الدنيا، ثم ما لبثت أن هُدِيت على إيثار الباقية على الفانية، فسألتك أن تدعو الله لي بأن أكون رفيقك في الجنة، فصمت النبيّ عليه الصلاة والسلام طويلاً ثم قال: " أو غير ذلك يا ربيعة " ؟ فقلت: كلا يا رسول الله، فما أعدل بما سألتك شيئاً، فقال: " إذاً أعني على نفسك بكثرة السجود ".
أ0 جمال:

أي دله على العمل.
أ. راتب:

 نعم، " يا فاطمة بنت محمد، يا عباس عمّ رسول الله، أنقذا نفسيكما من النار، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من يُبطيء به عمله لم يُسرع به نسبه ".
فجعلت أدأب في العبادة لأحظى بمرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، كما حظيت بخدمته وصحبته في الدنيا، ثم إنه لم يمض على ذلك وقتٌ طويل حتى ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
 " ألا تتزوج يا ربيعة ؟ " فقلت: ما أُحب أن يشغلني شيئٌ عن خدمتك يا رسول الله، ثم إني ليس عندي ما أمهُر به الزوجة، ولا ما أُقيم حياتها به، فسكت ثم رآني ثانيةً وقال: " ألا تتزوج يا ربيعة ؟ " فأجبته بمثل ما قلت له في المرة السابقة، لكني ما إن خلوت إلى نفسي حتى ندمت على ما كان مني، وقلت: ويحك يا ربيعة، والله إن النبيّ لأعلم منك بما يصلح في دينك ودنياك، وأعرف منك بما عندك، والله لأن دعاني النبيّ عليه الصلاة والسلام بعد هذه المرة إلى الزواج لأُجيبنَّه، ولم يمض على ذلك طويلُ وقتٍ حتى قال ليّ رسول الله: " ألا تتزوج يا ربيعة ؟ " فقلت: بلى يا رسول الله، ولكن من يزوجني وأنا كما تعلم ؟ فقال: " إنطلق إلى آل فلان وقل لهم: إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني فتاتكم فلانة".
 فأتيتهم على إستحياءٍ وقلت لهم: إن رسول الله أرسلني إليكم لتزوجوني فتاتكم فلانة، فقالوا: فلانة ؟ فقلت: نعم، فقالوا: مرحباً برسول الله، ومرحباً برسول رسول الله، والله لا يرجع رسول رسول الله إلا بحاجته، وعقدوا ليّ عليها، ( من دون تعقيدات ) فأتيت النبيّ عليه الصلاة والسلام وقلت: يا رسول الله لقد جِئت من عند خير بيتٍ، صدقوني ورحبوا بي وعقدوا ليّ على إبنتهم، فمن أين آتيهم بالمهر ؟ فاستدعى النبيّ بُريدة بن الخصيب، وكان سيداً من سادات قوم بني أسلم، وقال له: " يا بُريدة إجمع لربيعة وزن نواةٍ ذهباً "، فجمعوها لي فقال لي النبي الكريم: إذهب بهذا إليهم وقل لهم: هذا صداق إبنتكم، فأتيتهم ودفعته إليهم فقبلوه ورضوه وقالوا: كثيرٌ طيب، فأتيت النبيّ عليه الصلاة والسلام وقلت: ما رأيت قوماً قط أكرم منهم، فلقد رضوا ما أعطيتهم على قلَّته، وقالوا: كثيرٌ طيب.
أستاذ جمال

 ورد عن عائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ))

( رواه أحمد )

 أ0 جمال:

 وهذا السؤال يا أستاذ راتب النابلسي الذي أحببت أن أتوقف عنده، أي الزواج فيه البركة ؟
أ. راتب:

أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أقلهن مهراً وأَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً .
 فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت: ما رأيت قوماً قط أكرم منهم ف، لقد رضوا ما أعطيتهم على قلته، وقالوا: كثيرٌ طيب، فمن أين لي ما أُولمُ به يا رسول الله ؟ فقال النبيّ الكريم لبُريدة: "إجمعوا لربيعة ثمن كبشٍ "، فابتاعوا لي كبشاً عظيماً سميناً، فقال لي النبي الكريم: إذهب إلى عائشة وقل لها: " أن تدفع لك ما عندها من الشعير "، فأتيتها فقالت: إليك المكتل فيه سبع ءآصع شعيرٍ، لا والله ما عندنا طعامٌ غيره.
أ0 جمال:

 الآصُع، جمع صاع.
أ. راتب :

 نعم، فانطلقت بالكبش والشعير إلى أهل زوجتي فقالوا: أما الشعير فنحن نُعِدُّه، وأما الكبش فمر أصحابك أن يعدوه لك، فأخذت الكبش أنا وناسٌ من أسلم، فذبحناه وسلخناه وطبخناها، فأصبح عندنا خبزٌ ولحم، فأولمت ودعوت رسول الله عليه الصلاة والسلام فأجاب دعوتي.
أ. جمال:

 فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ماذا نستشف من هذه القصة لربيعة بن كعب؟
أ. راتب:

 لقد سعد ربيعة رضي الله عنه بخدمة رسول الله في الدنيا والآخرة، سعد به في الدنيا إذ كان قريباً منه، وسعد به في الآخرة إذ دعا الله أن يكون رفيقه في الجنة.
أ. جمال:

 أهلاً ومرحباً بفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية جامعة دمشق، والمدرس الديني في مساجد دمشق، وخطيب جامع النابلسي بدمشق، أهلاً بكم ومرحباً.

 

تحميل النص

إخفاء الصور