وضع داكن
28-03-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 11 - الصحابي ثمامة بن آثال
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الأستاذ جمال: فضيلة الشيخ، الصحابي الجليل الذي نحب أن نستمع عنه الشيء الجديد والكثير سيدنا ثمامة بن أثال، من هو هذا الصحابي الجليل ؟
 الأستاذ راتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أستاذ جمال، سيدنا ثمامة بن أُثال ملكٌ من ملوك العرب، ففي السنة السادسة للهجرة، عزم النبي صلوات الله سلامه عليه أن يوسِّع نطاق دعوته إلى الله، كتب ثمانية كتبٍ إلى ملوك العرب والعجم، وبعث بها إليهم يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكان في جملة من كاتبهم ثمامة بن آثالٍ الحنفي، ولا غرو فثمامة قيلٌ من أقيال العرب في الجاهيلية.
الأستاذ جمال: ما معنى قيل ؟
 الأستاذ راتب: القيل أي الملك، يعني إذا قال نفِّذ كلامه، وسيدٌ من سادات بني حنيفة المرموقين، ملكٌ من ملوك اليمامة الذين لا يعصى لهم أمر، تلقَّى ثمامة رسالة النبي عليه الصلاة والسلام بالزراية والإعراض، وأخذته العزة بالإثم، فأصم أذنيه عن سماع دعوة الحق والخير، ثم إنه ركبه شيطانه فأغراه بقتل النبي عليه الصلاة والسلام ووأد دعودته معه، فدأب يتحين الفرص للقضاء على النبي حتى أصاب منه غرةً، وكادت تتم الجريمة الشنعاء لولا أن أحد أعمام ثمامة ثناه عن عزمه في آخر لحظةٍ فنجَّى الله نبيه من شره.
الأستاذ جمال: ذكرت أستاذ راتب كلمة غِرة.
 أ.راتب: الغرة الغفلة، لكن ثمامة إذا كان قد كفَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يكف عن أصحابه، حيث جعل يتربَّص بهم، حتى ظفر بعددٍ منهم وقتلهم شرَّ قتله، فأهدر النبي عليه الصلاة والسلام دمه وأعلن ذلك في أصحابه، ولم يمض على ذلك طويل وقتٍ حتى عزم ثمامة بن أُثال على أداء العمرة، فانطلق من أرض اليمامة مولياً وجهه شطر مكة، وهو يمني نفسه بالطواف حول الكعبة والذبح لأصنامها.
أ.جمال: يبدو لهذا تحدي كبير، وهذا بالإضافة إلى العداوة التي يكنُّها في قتل النبي.
 الأستاذ راتب: عدوٌ مجرم من أعداء النبي، لكن سوف يتضح بعد قليل أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحوِّل أعداءه إلى أصحابه، وبينما كان ثمامة في بعض طريقه قريباً من المدينة، نزلت به نازلةٌ لم تقع له في حسبان، ذلك أن سريةً من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تجوس خلال الديار، تجوس خلال الديار أي تدور وتتنقَّل، خوفاً من أن يطرق المدينة طارق، أو يريدها معتدٍ بشر، ذلك أن سريةً من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تجوس خلال الديار، خوفاً من أن يطرق المدينة طارقٌ، أو يريدها معتدٍ بشر، فأسرت السرية ثمامة وهي لا تعرفه، وأتت به إلى المدينة، وشدته إلى ساريةٍ من سواري المسجد، منتظرةً أن يقف النبي الكريم بنفسه على شأن الأسير، وأن يأمر فيه بأمره، ولما خرج النبي عليه الصلاة والسلام إلى المسجد وهم بالدخول فيه رأى ثمامة مربوطاً في السارية، فقال لأصحابه: أتدرون من أخذتم ؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هذا ثمامة بن أُثال الحنفي فأحسنوا أساره، هذه أخلاق الأنبياء، ثم رجع عليه الصلاة والسلام إلى أهله وقال: إجمعوا ما عندكم من طعامٍ وابعثوا به إلى ثمامة بن أُثال، ثم أمر بناقته أن تحلّب له، ثم رجع عليه الصلاة والسلام إلى أهله وقال: إجمعوا ما عندكم من طعامٍ وابعثوا به إلى ثمامة بن أُثال، ثم أمر بناقته أن تحلّب له في الغدو والرواح، وأن يقدم إليه لبنها، وقد تمَّ ذلك كلُّه قبل أن يلقاه النبي عليه الصلاة والسلام أو يكلّمه، طبعاً هذه حكمةٌ بالغة من النبي عليه الصلاة والسلام.
الأستاذ جمال: ومقابلةٌ الإساءة بالإحسان.
 الأستاذ راتب: أُمرت كما قال عليه الصلاة والسلام أن أصل من قطعني وأن أعفو من ظلمني وأن أعطي من حرمني، ثم أن النبي عليه الصلاة والسلام أقبل على ثمامة يريد أن يستدرجه إلى الإسلام، وقال: ما عندك يا ثمامة ؟ فقال: عندي يا محمد خير، فإن تقتل تقتل ذا دم، أي من يستحق القتل، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعطى منه ما شئت، فتركه النبي عليه الصلاة والسلام يومين على حاله، يؤتى له بالطعام والشراب ويحمل إليه لبن الناقة، ثم جاءه فقال: ما عندك يا ثمامة ؟ فقال: ليس عندي إلا ما قلت لك من قبل، فإن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعطى منه ما شئت، فتركه النبي عليه الصلاة والسلام حتى إذا كان في اليوم التالي قال: ما عندك يا ثمامة ؟ قال: عندي ما قلت لك، فإن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال أعطيتك منه ما تشاء.
الأستاذ جمال: أستاذ راتب النابلسي ماذا حدث بعد ذلك ؟.
 الأستاذ راتب: الذي حدث أستاذ جمال، أن النبي عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات العفو إلتفت إلى أصحابه وقال: أطلقوا ثمامة، ففكوا وثاقه وأطلقوه، وغادر ثمامة مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، ومضى حتى إذا بلغ نخلاً في حواشي المدينة، أي في أطراف المدينة، قريباً من البقيع فيه ماءٌ، أناخ راحلته عنده، وتطهر من مائه فأحسن طهوره، ثم عاد أدراجه إلى المسجد، فما إن بلغه حتى وقف على ملأٍ من المسلمين وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، ثم اتجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد دقق أستاذ جمال في هذا القول، يا محمد والله ما كان على ظهر الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك، وقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلِّها إليَّ، والله ما كان دينٌ أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدين كلُّه إلي، ووالله ما كان بلدٌ أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلِّها إلي.
 الأستاذ جمال: أستاذ راتب لاحظ معي لو سمحت هناك سبب لهذا الموقف من ثمامة بن أُثال، السبب الإحسان سماحة النبي والإحسان...
الأستاذ راتب: نعم الإحسان والعفو " يادود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ".
ثم أردف قائلاً: لقد كنت أصبت في أصحابك دماً، فما الذي توجبه علي ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا تثريب عليك يا ثمامة فإن الإسلام يجبُّ ما قبله، وبشَّره بالخير الذي كتبه الله له بإسلامه، فانبسطت أسارير ثمامة وقال: والله لأصيبن من المشركين أضعاف ما أصبت من أصحابك، ولأضعن نفسي وسيفي ومن معي في في نصرتك ونصرة دينك، ثم قال: يا رسول الله إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى أن أفعل ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إمضي لأداء عمرتك ولكن على شرعة الله ورسوله، وعلّمه ما يقوم به من المناسك.
 شيءٌ عجيب حدث بعد ذلك، مضى ثمامة إلى غايته، حتى إذا بلغ بطن مكة وقف يجلجل بصوته العالي قائلاً: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، فكان ثمامة أول مسلمٍ على الإطلاق دخل مكة ملبياً، فلما سمعت قريش صوت التلبية، هبت مغضبةً مذعورةً، واستلت السيوف من أغمادها، وإتجهت نحو الصوت، لتبطش بهذا الذي اقتحم عليها عرينها، ولما أقبل القوم على ثمامة، رفع صوته بالتلبية تحدياً لهم، وهو ينظر إليهم بكبرياء، فهمَّ فتىً من فتيان قريش أن يرديه بسهمٍ، فأخذوا على يديه وقالوا: ويحك أتعلم من هذا ؟ إنه ثمامة بن أُثال ملك اليمامة، والله إن أصبتموه بسوء قطع عن الميرة وأماتنا جوعاً.
الأستاذ جمال: ما معنى الميرة ؟
 الأستاذ راتب: القمح، ثم أقبل القوم على ثمامة بعد أن أعادوا السيوف إلى أغمادها وقالوا: ما بك يا ثمامة، أصبوت وتركت دينك ودين آبائك ؟ فقال: ما صبوت، ولكنني إتبعت خير دينٍ، إتبعت دين محمد.
 الأستاذ جمال: أستاذ راتب النابلسي الشيء بالشيء يذكر، ومعلوماتنا أن هذا الصحابي الجليل ثمامة بن أُثال ضرب على مكة نوعاً من الحصار الاقتصادي، ماذا نضيف في هذا المجال.
 الأستاذ راتب: ثمامة كان ملك اليمامة، وكان قمح مكة من عنده، لذلك أقسم ثمامة برب هذا البيت إنه لا يصل إلى مكة بعد عودته إلى اليمامة حبةٌ من قمحها، أو شيءٌ من خيراتها، حتى يتبعوا محمداً عن آخرهم، إعتمر ثمامة بن أُثال على مرأة من قريش كما أمره النبي صلوات النبي عليه وسلامه أن يعتمر، وذبح تقرُّباً لله عزَّ وجل، لا للأنصاب ولا للأصنام، ومضى إلى بلاده، فأمر قومه أن يحبسوا الميرة عن قريش، فصدعوا بأمره واستجابوا له، وحبسوا خيراتهم عن أهل مكة.
 وأخذا الحصار الذي فرضه ثمامة على قريش يشتد شيئاً فشيئاً، فأرتفعت الأسعار، وفشى الجوع في الناس، واشتد علهم الكرب، حتى خافوا على أنفسهم وأبنائهم من أن يهلكوا جوعاً، عند ذلك كتبوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام يقولون: إن عهدنا بك أنك تصل الرحم وتحضُّ على ذلك، وها أنت قد قطعت أرحامنا، فقتلت الآباء بالسيف، وأمت الأبناء بالجوع، وإن ثمامة بن أُثال قد قطع عنا ميرتنا وأضر بنا، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يبعث إلينا بما نحتاج إليه فافعل، فكتب عليه الصلاة والسلام إلى ثمامة بأن يطلق لهم ميرتهم فأطلقها.
الأستاذ جمال: وهنا موقف جديد ومتجدد للنبي الأعظم عليه الصلاة والسلام في سماحة نفسه وكرم أخلاقه.
الأستاذ راتب: لأنه قال: إنما أنا رحمةٌ مهداة
 الأستاذ جمال: جزاكم الله كل خير فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية جامعة دمشق، وخطيب جامع النابلسي بدمشق، والمدرس الديني في مساجد دمشق، نشكركم على هذا الحديث الشيِّق الذي تابعناه مع حضراتكم أيها الأعزاء، أهلاً ومرحباً فضيلة الشيخ، ولنا لقاء إن شاء الله.

تحميل النص

إخفاء الصور