وضع داكن
29-03-2024
Logo
الحلقة : 5 - الوقت وعاء العمل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 مستمعي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أحييكم في هذا اللقاء الجديد من برنامج : "الإسلام والحياة" ، يسرنا أن نلتقي اليوم مع فضيلة الدكتور الأستاذ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في جامعة دمشق كلية التربية ، والمدرس الديني في مساجد دمشق ، وخطيب جامع النابلسي ، أهلاً ومرحباً بكم أستاذ .
الدكتور راتب :
 بكم أستاذ عدنان .
المذيع :
 مما نسمعه عندما كنا صغاراً أن القمر أصبح فوق الجبل ، وباستطاعة من على أعلى الجبل أن يمسك بالقمر ، وإذا ما غاب نقول : اختفى القمر وراء الجبل . هنا الناظر يرى أن بعد القمر يساوي بعد رأس الجبل ، السبب أنه لا توجد أشياء تحدد هذه المسافة ، بأن تكون هناك علامات محددة للأمر ، نحن عندما ننظر إلى بُعْدٍ بعيد دون أن تكون مثلاً في شارع أعمدة كهرباء فلا نستطيع أن نقدر المسافة ، إنما نستطيع تقديرها بشكل أكبر عندما تكون هناك علامات في الطريق ، الوقت هكذا بالضبط ، نحن إن لم ننتج ضمن وقتنا فإنه يكون هباء منثوراً، وإن كان هناك علامات ومحطات أنتجنا فيها كما توجد أعمدة الطرقات ، أعمدة الإنارة في الطرقات تحدد هذا البعد المكاني فإن في الأعمار والأوقات ما يحدد وقتها من حيث الإنتاج ، أو أن تكون لا شيء فتبدو للناظر لا شيء على الإطلاق ، من هذا المنطلق يقول الصغير : على رأس الجبل كان القمر ، إذاً النتيجة بالأعمال التي يقدمها الإنسان ، ممكن أيضاً بعد أن شرحتم في الحلقة السابقة موضوع أهمية الزمن ، والقسم به من حيث قسم الله تعالى بالعصر وما إلى ذلك نتابع معكم هذا الموضوع .

آيات الله عز وجل وسائل معرفته :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 لو تصورنا إنساناً قابعاً في غرفة مظلمة إلى أمد طويل يختل توازنه ، فإن كان الوقت ليلاً ونهاراً ، صيفاً وشتاءً ، صبحاً ومساءً ، وربيعاً وخريفاً ، هذه المحطات محطة الفصول، ومحطة الليل والنهار تُشعر الإنسان بقيمة الوقت ، وقد ورد في القرآن الكريم :

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ﴾

[سورة الفرقان : 62 ]

 ويمكن هنا أن نتذكر أنه عقد مؤتمر للإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في عاصمة غربية ، وقد ألقي في هذا المؤتمر محاضرة خطيرة جداً تتعلق بالنظرية النسبية التي جاء بها أينشتاين ، والتي ملأ الدنيا بها صخباً وضجيجاً ، أستاذ عدنان في القرآن آية حار بها المفسرون، قال تعالى :

﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾

[سورة الحج : 47 ]

 الحقيقة أن العلماء قد حاروا في تفسير هذه الآية ، إلى أن اكتشف أخيراً وهذا من بديهيات العلم أن القمر يدور دورة حول الأرض كل شهر ، وهذا شيء ثابت ، لو أن طالباً من طلابنا في الصف العاشر أخذ نقطة من مركز الأرض إلى مركز القمر ووصل بينهما بخط !! هذا الخط بالحقيقة يساوي نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ، واضح جداً ، وبحساب بسيط إذا ضربنا الرقم باثنين يكون القطر ، نضرب بـ3,14 يكون المحيط ، إذاً أحد طلابنا الصغار قد يكتشف كم من الكيلومترات يقطع القمر حول الأرض كل شهر ، لو ضربنا هذا الرقم باثني عشر لعرفنا كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في عام ، لو ضربنا هذا الرقم بألف لعرفنا كم يقطع هذا القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام ، ولأن الله سبحانه وتعالى يخاطب أمة تعتمد السنة القمرية :

﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾

[سورة الحج : 47 ]

 نحن عرفنا كم يقطع القمر في ألف سنة من الكيلو مترات ، الآن لو قسمنا هذا الرقم الكبير على ثواني اليوم ، الآية تقول :

﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾

[سورة الحج : 47 ]

 لو قسمنا هذا الرقم الكبير الذي هو عدد الكيلو مترات التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام على ثواني اليوم لدهشنا ، الناتج هو سرعة الضوء في الدقيقة ، 299752كم/ ثا وكأن هذه النظرية العملاقة طويت في آية واحدة ، ذلك أن في القرآن آيات كما قال الإمام علي كرم الله وجهه : لما تفسر بعد .
 بعد اكتشاف هذه النظرية فسرت هذه الآية ، إنها سرعة الضوء ، شيء دقيق أن في القرآن الكريم ما يزيد عن ألف و ثلاثمئة آية تتحدث عن الكون ، وقد يسأل سائل ما الحكمة ؟ لأن هذه الآيات هي وسائل معرفة الله عز وجل ، الله جلّ جلاله لا تدركه الأبصار ، لكنه خلق الكون ليكون مظهراً لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، وقد أشار في القرآن الكريم إلى هذه الآيات لتكون موضوعات للتفكر ، أو رؤوس موضوعات للتفكر .

معجزات الأنبياء السابقين معجزات حسية وآنيَّة ومعجزة النبي مستمرة :

 إذاً :

﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾

[سورة الحج : 47 ]

 الشيء الذي يلفت النظر أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفسر هذه الآيات ، هذا ينقلنا إلى أن معجزات الأنبياء السابقين كانت معجزات حسية ، وآنيَّة ، كعود الثقاب تألقت مرة ثم انطفأت فأصبحت خبراً ، يصدقه من يصدقه ، ويكذبه من يكذبه ، أما نبينا عليه أتم الصلاة والتسليم فهو خاتم الأنبياء ، وليس بعده نبي :

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ : أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ من مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي . . .))

[مسلم عن عامر بن سعد ]

 إذاً النبي هو الذي سيغطي الزمن إلى نهايته ، إذاً لابد من معجزة تستمر معه ، لأن النبي حينما يأتي بمنهج فيه افعل ولا تفعل هذا المنهج يقيد الناس في التحرك وفق شهواتهم وأهوائهم ونزواتهم ، ورد فعل الناس الطبيعي أن يكذبوه :

﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً﴾

[سورة الرعد : 43 ]

 فكيف يشهد الله للنبي أنه رسوله ؟ عن طريق المعجزة ، معجزة النبي الكريم كانت عقلية وليست حسية ، معجزة مستمرة ، بل إن النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لو فسر هذه الآيات تفسيراً بسيطاً بحسب طبيعة البيئة التي عاشها وعاشها أصحابه لأنكرنا عليه ، ولو فسرها تفسيراً عميقاً لأنكروا عليه ، لحكمة بالغة بالغة تركت هذه الآيات كي يكتشف العلم في كل حقبة جانباً من عظمتها ، وهذا مصداق قوله تعالى :

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾

[سورة فصلت : 53 ]

المذيع :
 مصداق هذه الناحية موضوع المشرق والمغرب ثم المشرقين والمغربين ثم المشارق والمغارب ، كما تعلمون أن في القديم كان الإنسان العادي ينظر إلى مشرق الشمس ثم إلى مغربها ، لذلك هذا مستواه ، فالقسم يكون في المشرق والمغرب ، بعد ذلك تحول المشرق إلى مشرقين والمغرب إلى مغربين ، فالشمس حينما تشرق فهي مغرب لما سبقها ، كذلك المغرب ، ثم إن الشمس في كل رحلة زمنية تقطع ما تقطعه صار هناك مشارق ومغارب وهذا روعة القرآن الكريم أنه كان يتناسب مع مسيرة العقل البشري ، فما يكتشفه في الماضي يحقق طلبه ، ثم ما يكتشفه بعد ذلك يحقق طلبه ، ثم ما يكتشفه بعد زمن متقدم أيضاً يجد فيه بغيته وأن القرآن لا تنتهي عجائبه .
الدكتور راتب :
 يقول تعالى :

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾

[سورة النساء : 82]

المذيع :
 نعود الآن إلى موضوع أن يقدم الإنسان ضمن هذه المسيرة مسيرة الزمن . .

الوقت وعاء العمل :

الدكتور راتب :
 يقدم عملاً صالحاً يكون سبباً لدخول الجنة ، والدليل أن حينما يأتيه ملك الموت يقول:

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾

[سورة المؤمنون : 99-100]

 بل إن العمل الصالح علة وجوده ، إن العمل الصالح سبب إقباله على الله :

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾

[سورة الكهف : 110]

 والعمل الصالح في تعاريفه الدقيقة هو أن تلتزم منهج الله عز وجل ، وأن تقدم مما أعطاك الله أشياء كثيرة لمن حولك ، لابد من أن تلقى الله ووجهك أبيض :

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

[سورة آل عمران : 107]

 إذاً نحن في هذا الوقت يمكن أن نسميه وعاء العمل ، فوعاء عملنا هو الوقت ، لابد من عمل يكون زادنا إلى الآخرة ، من هو الفقير ؟ الفقير الذي ليس له عمل صالح ، سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام لما سقى للمرأتين قال :

﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾

[سورة القصص : 24]

 الإمام علي كرم الله وجهه يقول : الغنى والفقر بعد العرض على الله .
 فلأن الدنيا مهما عظمت يخسرها الإنسان في ثانية واحدة حينما يفارق الحياة ، وحياة الإنسان مرتبطة بأسباب صغيرة جداً ، فحياته مرتبطة بقطر شريانه التاجي ، مرتبطة بنمو خلاياه، مرتبطة بسيولة دمه ، فقد يأتي الموت فجأة فلابد من أن نستعد له ، لا أحد يستطيع إنكار حدث الموت ، ولكن الناس يتفاوتون في مدى الاستعداد له ، إذاً هذا الوقت الذي نحن فيه هو وعاء العمل الصالح ، من ملأه بالعمل الصالح فقد نجح وأفلح ، ومن ملأه بالعمل السيئ فقد خاب وخسر ، خاب وخسر من أدرك رمضان فلم يغفر له ، إن لم يغفر له فمتى ؟

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 كل الشكر لفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية جامعة دمشق ، المدرس في جوامع دمشق ، وخطيب جامع النابلسي ، شكراً لكم .
الدكتور راتب :
 شكراً لكم أستاذ عدنان جزاكم الله خيراً .

تحميل النص

إخفاء الصور