وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات علمية من الخطب - الموضوع : 249 - خروج النفس فوق الجسد عند الموت.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

نصيحة لك:

 

أيها الأخوة الكرام, يشعر الإنسان أحياناً أن نفسه تتفلت منه، وأنها تجمح، وأنها تركن إلى الدنيا, وأن الدنيا أكبر همها, ومبلغُ علمها, إذا جمحت نفس الإنسان, وعجز عن أن يضبطها، فهناك دواء سحري ألا وهو التفكر بالموت، لأن في معالجة جسد خاوٍ لعَبرة، والنبي عليه الصلاة والسلام, يقول:

((أكثروا ذكر هادم اللذَّات, مفرق الأحباب, مشتت الجماعات))

عش ما شئت فإنك ميت, وأحبب ما شئت فإنك مفارق، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وإن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً، وأحزمكم أشدكم استعداداً له, ألا وإن أعقلكم من تجافى عن دار الغرور، وأناب إلى دار الخلود.
أيها الأخوة الكرام, الأحاديث التي تدعونا إلى التفكر بالموت كثيرةٌ جداً، فكل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت.

إليكم وصف هذا الكتاب:

 

أضع بين أيديكم دراسةً طريفةً عن طبيب عاش في بلد غربي، لفت نظره أن إنساناً مات موتاً موقتاً، أي توقف قلبه لدقائق معدودات, فلما صحا, سأله عن المشاعر التي انتابته، فذكر هذا الإنسان أشياء غريبة جداً.
من هنا انطلق هذا الطبيب يبحث في كل المستشفيات عن حالات مشابهة عن إنسان توقف قلبه لدقائق معدودات ثم عاد وخفق، يسأل هذا المريض عن المشاعر التي انتابته, وقد أشرف على الموت, أو قارب الموت, أو كان على مساس مع الموت.
جمع هذه التقارير من معظم المستشفيات, ثم انتقل إلى بلاد أخرى, ومستشفيات أخرى, حتى جمَّع دراسة مستفيضة، وعكف على قراءة التقارير, وعلى دراستها, وعلى استنباط الحقائق المستكنة فيها.
دهش! لأن هناك قواسم مشتركة بين كل هذه التقارير, خمسة عشر بنداً مشتركاً بين هؤلاء جميعاً, يتوافق الكتاب في جوهره مع ما جاء في القرآن والسنة, وهذا من حسن حظه، طبعاً الكتاب طويل، والمعلومات كثيفة جداً، والتقارير كثيرة، لكن الاستنباطات التي استنبطها هذا الطبيب الباحث, تنطوي على خمسة عشر عنصراً, كلها مشتركة في تقارير هؤلاء الموتى, الذين ماتوا لدقائق معدودات ثم عادوا إلى الحياة.
من أحد هذه البنود: أن الميت وهو يبتعد عن جسده, يرى ويسمع، وكأنه في كامل قواه, فقد ذكرت امرأةٌ أنها أدخلت إلى المستشفى بسبب مشكلات قلبية، وفي الصباح وحينما كانت مستلقية على سرير المستشفى, بدأت بالشعور بألم شديد في صدرها، فضغطت على الزر بجوار السرير كي تستدعي الممرضات، وقد جئن وبدأن في العمل, تقول: كنت في وضع غير مريح، وكنت مستلقية على ظهري، وحينما قلبت نفسي توقفت عن التنفس, وتوقف قلبي عن الخفقان، في هذه الساعة سمعت الممرضات يقلن لقد ماتت , وحينما كن يقلن هذا, شعرت أن نفسي كأنها تخرج من جسدي متزحلقةً بين الفراش والجسر على جانب السرير, وفي الحقيقة, وكأنني أخترق ما أمامي في طريقي إلى الأرض, وبدأت ارتفع شيئاً فشيئاً إلى الأعلى، وعندئذ رأيت كل ما حدث، لقد توافدوا علي, وعالجوني, وضربوا على صدري.. إلى آخر التقرير.
ورد في بعض الأحاديث الشريفة أن روح الميت ترفرف فوق النعش، تقول:

((يا أهلي, يا ولدي, لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حل وحرم, فأنفقته في حله وفي غير حله, فالهناء لكم والتبعة علي))

[ورد في الأثر]

شاب آخر في التاسعة عشر من عمره، كان يقود سيارته، حين وقع حادث أليم أودى بحياته موقتاً، يقول: عندما نظرت رأيت ضوءاً قوياً هو ضوء سيارةٍ جاءت مسرعة إلى جهتنا، سمعت صوتاً مخيفاً هو صوت تحطم جانب السيارة، وخلال لحظات وجدت نفسي متحركاً خلال ظلام في فضاء مغلق, كان ذلك سريعاً جداً, كنت مثل الطافي على ارتفاع خمسة أقدام فوق الشارع, وقد سمعت صدى التحطم، ورأيت الناس يُهرعون ويتجمعون حول السيارة, ورأيت صديقي يخرج من السيارة في حالة الصدمة، وكنت أرى جسدي في الحطام بين أولئك الناس، وكدت أتمكن من رؤية محاولتهم لإخراجي، كانت ساقاي ملتويتين، وكان الدم في كل مكان.
وعي الإنسان بعد أن يموت، إدراكه لما يحدث، سمعه بصره من أقدم لإنقاذه، ماذا قال فلان؟ ماذا قال فلان؟ كله يسمعه تماماً؟ ألم يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام قتلى بدر، قال:

((يا شيبة بن ربيعة, يا صفوان بن أمية، خاطبهم بأسمائهم واحداً واحداً، قال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً، لقد كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس, فقالوا: يا رسول الله! أتخاطب قوماً جَيَّفوا؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم))


كتاب كله على هذه الشاكلة يصف شعور كل إنسان لامس الموت، أو اقترب من الموت، هذا بند واحد من خمسة عشر بنداً من هذه البنود, أن الإنسان إذا اقترب من الموت يستعرض حياته كلها بدقائقها وتفاصيلها بثوان معدودة, ويعرف ما كان منها صالحاً وما كان سيئاً.

أمر عجيب ومدهش !

 

أيها الأخوة الأكارم, العجيب أن كل الموتى أو الذين ماتوا موتاً موقتاً على اختلاف ثقافاتهم, وعلى اختلاف أديانهم, وعلى اختلاف مللهم, وعلى اختلاف نحلهم, وعلى اختلاف تدينهم, أو فسقهم, أو فجورهم, كل الموتى الذين واجهوا الموت تكلموا كلاماً يشبه بعضه بعضاً! لأن حقيقة الإنسان واحدة حينما يموت, قال الله تعالى:

﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾

[سورة ق الآية: 22]

الإنسان يواجه الحقيقة عندما يموت، حينما أدرك الغرق فرعون, قال:

﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾

[سورة يونس الآية: 90]

من هو العاقل ؟

أيها الأخوة الكرام, قضية الإيمان إذاً: ليست قضية أن تؤمن أو أن لا تؤمن, ولكنها قضية متى تؤمن؟ لأنه لا بد من أن تؤمن, ولكن إياك أن تؤمن بعد فوات الأوان, فهذه الساعة ساعة الموت آتية مهما بدت لنا بعيدة، قد يقول الشاب: بيني وبين الموت مسافات طويلة، نقول له هكذا كما تشاء، هذه الساعة آتية طالت أم قصرت، ومن عَدَّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت, وما رأيت أعقل ممن يعد لهذه الساعة عدتها، ما رأيت أعقل ممن يهيئ نفسه للحساب، يصفي علاقاته، يكسب المال الحلال، ينفقه في وجوهه، يطلب العلم، يتلو القرآن, هذه الساعة ساعة المغادرة تنهي كل شيء، تنهي غنى الغني، وتنهي فقر الفقير, وتنهي قوة القوي، وتنهي ضعف الضعيف، تنهي صحة الصحيح ومرض المريض, هي ساعة حاسمة, وهذه الساعة آتية لا محالة بعدت أم قصرت.
إذاً: العاقل هو الذي يستعد لهذه الساعة, لأنه ما من إنسان على وجه الأرض بإمكانه أن ينكرها, لكن الذي يحصل أن الإنسان يفكر في كل شيء إلا في هذه الساعة، ويحسب حساباً لكل شيء إلا حساب الموت، فإذا جاء الموت فجأةً كانت الطامة الكبرى, وكان الصعق الشديد.

خلاصة القول:

 

أيها الأخوة, هذه حقائق، الإنسان إذا واجه الموت هناك حياة بعد الحياة، أكدها القرآن الكريم, فقال:

﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾

[سورة الفجر الآية: 24]

الموت بداية, وليس نهاية، بداية حياة أبدية، إما في جنة يدوم نعيمها, أو في نار لا ينفد عذابها, هذا الطبيب الشاب الذي جمع مئات التقارير عن حالات موت مؤقت, وعكف على دراستها, وجد أن فيها قواسم مشتركة، من أبرز ما فيها؛ أن الإنسان تكشف له الحقائق بعد أن كان في غفلة عنها, والنبي عليه الصلاة والسلام, يقول:

((الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا))

تكشف له الحقائق, ووعيه, وإدراكه, وسمعه, وبصره, وإدراكه لماضيه, وأفعاله السابقة, وتقييمه لها من أدق ما يكون، وهذا كله يؤكده هذا الكتاب.
أيها الأخوة الكرام, العاقل من دان نفسه, وعمل لما بعد الموت, والشقي من اتبع نفسه هواها, أو العاجز من اتبع نفسه هواها, وتمنى على الله الأماني. 

تحميل النص

إخفاء الصور